
هكذا كان يكتب نجيب محفوظ.. أسرار أديب نوبل في الكتابة
صدر كتاب "نجيب محفوظ.. عن الكتابة" للباحث عمرو فتحي عن دار الكرمة في 160 صفحة من القطع المتوسط، وعبر فصول، عن الكتابة، رأيه في أعماله، والهوامش والمراجع التي بني عليها العمل.
وأهدى عمرو فتحي كتابه إلى نجيب محفوظ، فيقول" إلى أبي وأمي ونجيب محفوظ، وبعدها يصدر الكتاب بسؤال من عبد العال الحمامصي لنجيب محفوظ:" ألا يكون مفيدا أو مضيئا لطريق النقد أن تكتب لنا ذاتك كتابا تكشف لنا فيه تجربتك في عملية الخلق الفني؟ بعض كبار الكتاب فعلوا هذا، وكانت تجربة مفيدة ومشكورة، فكان رد أديب نوبل الذي يقول فيه:"هذا ممكئ، وأرجو أن أحققه، هأنتذا تحفزني وتذكرني بما خطر لي أحيانا، لكني كنت أرجئ تنفيذه، كان يحدث غالبا أن يخطر لي موضوع لرواية فأضطر إلى تأجيل هذا المشروع".
نجيب محفوظ عن الكتابة
يورد عمرو فتحي في مقدمته للكتاب كيف أن آراء نجيب محفوظ لم تتغير بفعل السنين، لكنها ظلت ثابتة راسخة، ثم ينتقل لما حوته الصحف من حوارات مع اديب نوبل فينتقي منها كل ما تحدث فيه نجيب محفوظ عن الكتابة وطقوسه فيها ورؤيته لها، وانضابطه فيها، فيبدأ الفصل بـ"الإلهام والكتابة"، وفيه يتحدث على لسان نجيب محفوظ، كيف أن قصص القرآن كانت ملهمه الاول، وكيف يكتب أولا مسودة كاملة ثم يعود إليها مرة أخرى ليتم تنقيحها ودفعها للنشر، وكيف يستقي أعماله من الحياة والذات والمعاملات اليومية وكيف انه في فترة من حياته لم يكن يبدا بكتابة رواية إلا بعدما يعايش احداثها، حتى تتبلور الرواية وتختر ثم تخرج للنور.
لكن محفوظ فيما جمعه عمرو فتحي لا يكتفي بالتطرق للكتابة فقط ولكن لحياة الكاتب أيضًا، وكيف أن عقله يعمل مثل آلة تصوير تلتقط كل ما حوله وتضيفه إلى اللاوعي وتستعيده فيما بعد، كما يتطرق محفوظ لقصصه القصيره وكيف أنه لم في كل مجموعاته القصصية لم يكن يكتب بناء على تخطيط وغنما تأتيه الفكرة فيضعها في القالب الذي يناسبها.
كما انه يذكر انه لم يكن يعتبر نفسه كاتبا مسرحيا، وانه غير مؤهل للكتابة عن هذا العالم الخطير وكيف أن للمسرح فنه وعالمه الخاص، وأن ما كتبه يمكن وضعه تحت إطار"الحواريات" وإن اعتبرها البعض مسرحيات من فصل واحد.
الخلود عند نجيب محفوظ
كان محفوظ يخاف الموت، ولذلك تطرق إليه كثيرا في كتاباته، كان يؤمن بأن الكتابة تحرر الواحد من مخاوفه، ويتحدث عن 3 مراحل في حياته، وكيف اختلف النظام فيها، من مرحلة الوظيفة لما بعدا لمعاش ومرحلة ما بعد جائزة نوبلن وكتابته في كل فترة ونظامه الصارم فيها.
أما عن الأفكار فكانت تأتيه في أي مكان في خارج المنزل وغيرها، وكان يهتم بتسجيل ملاحظات خلال فترة اهتمامه بالكتابة الواقعية، يجلس على المقهى فيدون ملاحظات، وانصب تفكيره في هذه الفترة على التأمل، وكان أديب نوبل يكتب وإلى جانب السجائر يحب أن تكون هناك خلفية موسيقية يجعلها في هامش الشعور ولا يلتفت إليها، وحين يمسك بالقلم ليكتب يكونفي أعلى درجات التركيز، وكيف أنه كتب كل أعماله الروائية في البيت، باستثناء السيناريوهات التي كتب معظمها في المقهى، وكيف انه خصص ثلاث ساعات من فترة الصباح للكتابة أما القراءة فكانت ليلا.
نجيب محفوظ صيفا وشتاء
كان محفوظ في الصيف يتمشى على النيل أو على شاطئ الإسكندرية وحين تأتيه الأفكار يتخزنها وكيف أنه في بدايته قرا لطه حسين والعقاد والمازني وسلامة موسى والحكيم ومن الاجنب تعلم من تولستوي وكافكا وشكسبير وهنريك أبسن وتشيخوف وجيمس جويس وكيف تاثر بلغة المنفلوطي وأسلوبه البليغ وأنه لم يفكر في انتماؤه لمدرسة بعينها وكان يرى ان هذه هي مهمة النقاد، وكيف أنه قدم جميع الأساليب في رواياته دون أن يغرق في واحد منها.
ويتطرق نجيب محفوظ للعديد من الآراء في الكتابة وكيف تتطور افكاره وشكل القصصومضمونها،ومعركة الفصحى والعامية، والشخصيات الروائية، وأحب شخصياته إليه والموقف الفكري في كتاباته واكلتابة كمصدر دخل، والعديد.
ثم ينتقل المؤلف لرأيه في أعماله مرتبة بتاريخ صدور هذه الاعمال بدء من عبث الأقدار فيذكر انها كانت بالنسبة له شيئا كبيرا ثم عرف بعد ذلك أنها عبث اطفال وليس اقدار، وكيف تعرضت روايتيه القاهرة الجديدة ورادوبيس للرقابة واعتبروه بسبهما كاتبا يساريا، وكيف ان بطل خان الخليلي كان زميلا لمحفوظ في إدارة الجامعة واسمه أحمد عاطف، وكيف ان بطل القاهرة الجديدة كان طالبا جامعيا ثم موظفا وبعد نشر الرواية جاء الرقيب وألغى أحد فصور الرواية تماما، ثم يتطرق محفوظ للثلاثية ويذكر الكثير من اسلوب كتابتها وغيرها..
يورد عمرو فتحي في نهاية الكتاب المراجع التي تحدث إليها نجيب محفوظ في الصحف ليسردها والكتب التي قراها حتى يخرج منها بكل ما يخص محفوظ في الكتابة وحكايات أعماله وغيرها..
كتاب نجيب محفوظ عن الكتابة
الكتاب يعتبر حاوية لكل ما قاله محفوظ، وإبرازه مرتبا ببهذا الشكل وكانه يكمل كتب محفوظ نفسها بآرائه في الكتابة وعالمها، ولم يكتف بهذا، فقط، لكنه ورد آراء نجيب محفوظ نفسه في أعماله واعترافاته عنها، حقيقي انها كلها منشورة في اكثر من منبر ولكن جمعها بهذا الشكل مفيد للكتاب والدرارسين والقراء أيضان وفيها وفر عمرو فتحي مجهودا كبيرا على القارئ عن البحث والتنقيب عن عالم محفوظ فقدم كل ما يتعلق بالكتابة في كتاب صغير عبارة عن 160 صفحة فقط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ 8 ساعات
- اليوم السابع
قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)
لا مجال هنا للاندهاش والاستغراب، ففي ذلك الزمان لم تفرق الأديان بين المصريين، الوطن اتسع للجميع والكل انصهر في بوتقة واحدة هي بوتقة الوطنية المصرية وارهاصات مرحلة جديدة من التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي. ومولانا الشيخ محمد رفعت لم يكن بعيدا عن تلك التحولات بل كان في القلب منها فهو ابن مرحلة شديدة الأهمية في تاريخ مصر ورمز من رموزها. كان طبيعيا أن يصبح منزله، وهو قارئ القرآن الأول في مصر والعالم الإسلامي عبارة عن مجمع أديان، وملتقى فنانين، وأدباء وشعراء وقساوسة، ويهود تحول منزله في حارة الأغوات بحي المغربلين إلى ملتقى وصالون ثقافي، اجتمعت فيه كل الأطياف والأديان بعدما ذاعت شهرته، فالتف حوله الفنانون، والأدباء، والمفكرون، وعلماء الأزهر، والقساوسة، واليهود. فالمنزل كان مكونًا من 3 طوابق، الطابق الأول منه عبارة عن 3 منادر واسعة، يعقد بها صالون ثقافي، يحضره فكري أباظة، الشاعر أحمد رامي، ومحمد التابعي، والشيخ زكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، ووالدها الشيخ إبراهيم، وليلى مراد، ووالدها اليهودي زكي مراد قبل دخولها الإسلام ونجيب الريحاني. فقد كان قيثارة السماء صديقًا للعديد من الأقباط الذين عشقوا صوته. ويذكر أنه في عام 1938 توقف الشيخ رفعت عن القراءة للإذاعة؛ لأن سعيد لطفي باشا رئيس الإذاعة رفع أجر الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي من 12 جنيهًا إلى 14 جنيهًا في التلاوة الواحدة، ولم يرفع أجر الشيخ رفعت إلى الرقم نفسه، رغم أن الشيخ رفعت هو من افتتح الإذاعة بصوته، والتف حوله المصريون بكافة طوائفهم وانتماءاتهم وأديانهم. غضب الكثير من الأقباط، وطالبوا بإعادة الشيخ رفعت إلى قراءة القرآن في الإذاعة لأنهم يحبون الاستماع إلى سورة مريم بصوته!! يقول الكاتب الصحفي الراحل لويس جريس " الشيخ رفعت عايش أحداثًا وطنية مهمة، منها فترة الزعيم مصطفى كامل، وواقعة دنشواي، وثورة 1919،أثرت فيه وتأثر بها، وعندما جئت إلى القاهرة، وجدت عددًا كبيرًا من الأقباط، يسيرون وراء الشيخ في كل سرادق يرتل فيه". ويضيف جريس:"إن الشيخ محمد رفعت بتلاوته أدى دورًا وطنيًا مهمًا جدًا أكثر مما فعلته خطب الساسة، أو أغاني المطربين، وقرّب القبطي من المسلم أكثر مما فعلته خطب الساسة، فصوته حنون جدًا، يجعلك إنسانًا رقيقًا تحب من أمامك". ربطته علاقة قوية بنجيب الريحاني وكان الريحاني يبكي عندما يستمع إلى القرآن منه، وقيل أنه عندما يكون عنده مسرح، والشيخ رفعت يقرأ في الإذاعة، لا يفتح الستارة حتى ينتهي الشيخ رفعت من القراءة. و كتب الريحاني مقالًا في احدى المجلات بعنوان«نزهة الحنطور مع الشيخ رفعت» يشير فيه الريحاني إلى فضل القرآن عليه وما تعلمه منه، بعد قراءته مترجمًا بالفرنسية، وسماعه بصوت الشيخ رفعت قائلًا:"ما كاد هذا الصوت ينساب إلى صدري حتى هز كياني، وجعلني أقدس هذه الحنجرة الغالية الخالدة، وهي ترتل أجمل المعاني وأرقها وأحلاها، صممت على لقاء الشيخ رفعت، فالتقيته أكثر من مرةٍ وتصادقنا". ووصف الريحاني الشيخ رفعت بالعالم الكبير، وأن صوته هو الخلود بعينه، مؤكدًا أن نبراته احتار في فهمها العلماء، وأنه عندما سأل عبد الوهاب عن سر حلاوة هذا الصوت، قال إنها منحة إلهية وعبقرية لن تتكرر. وظل الريحاني مرافقًا للشيخ رفعت في أيام مرضه الأخيرة، وقد توفي قبله بعامٍ تقريبًا. أصعب الفترات التي مرت على الشيخ محمد رفعت هي فترة مرضه، ورغم شهرته الواسعة فإنه لم يقرأ في الإذاعة إلا سنوات قليلة، خلال الفترة من عام 1934 وحتى عام 1939؛ حيث أصيب بورمٍ في الحنجرة، وخاف أن تفاجئه النوبات وهو يرتل على الهواء، واكتفى بالقراءة في مسجد فاضل، حتى آخر يومٍ احتجب فيه صوته تمامًا في عام 1940، ليبقى في بيته 8 سنوات وتتدهور حالته. يروي الكاتب، والناقد، والمؤرخ الفني كمال النجمي واحد شهود الحدث الجلل، في كتابه (أصوات وألحان عربية)، قائلًا:"كان يتلو سورة الكهف في مسجد فاضل باشا، يوم الجمعة كعادته منذ 30 عامًا، فلما بلغ الآية:«واضرب لهم مثلًا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعًا»، غص صوته واحتبس في كلمتين أو ثلاث، فسكت قليلًا يقاوم ما ورد عليه من الغصة والاحتباس، ثم عاد يتلو تلاوة متقطعة حتى ملأت الغصة حلقه وحبست صوته تمامًا، هنا أحنى الشيخ العظيم رأسه جريح القلب، لا يدري ماذا يصنع، ثم أخرج من جيبه زجاجة صغيرة فيها سائل أحمر، يبدو أنه دواء أحضره له بعض الصيادلة، فاحتسى قليلًا ثم انتظر برهة، وعاد يحاول التلاوة، فأطاعه صوته في آيتين أو ثلاث، ثم قهرته الغصة وكسرت شوكة الدواء الأحمر، فتوقف الشيخ العظيم حائرًا بعض الوقت ثم غادر مجلسه تاركًا إياه لشيخٍ آخر يتلو ما تيسر من السور. كانت لحظة قاسية عنيفة، اهتزت لها أعصاب الحاضرين في المسجد، فضجوا بالبكاء ولطم بعضهم الخدود حزنًا وأسفًا، وارتفع صراخ المقرئين الشبان، الذين كانوا يلتفون حول الشيخ العظيم كل جمعةٍ، يحاولون أن يتلقنوا بعض أسرار صناعته وفنه وطريقته. وبعد الصلاة خرج الناس وعيونهم فيها الدموع، وقلوبهم تحف بالشيخ الحزين، لا يدرون أيواسونه؟ أم يواسون أنفسهم؟. احتبس صوت رفعت بمرض الفواق(الزغطة) بعد سنواتٍ عمت شهرته البلاد وطبقت الآفاق، كان مرضه ابتلاءً أكبر مما ابتلى به الشيخ بفقده بصره. واشتد عليه وتقبله راضيًا، وأبت عليه عزة نفسه أن يمد يده لأحد طالبًا العون في مصاريف العلاج الباهظة، باع بيته وقطعة أرض يملكها، ولم يقبل التبرعات التي جمعها المحبون له، ووصلت إلى ٢٠ ألف جنيه، وبضغط وإلحاح تلميذه وصديقه الشيخ أبوالعينين شعيشع، وافق على قبول المعاش الشهري الذي خصصه له وزير الأوقاف الدسوقي باشا أباظة. وقبل وفاته بأقل من عام، وفي يوليو ١٩٤٩نشرت مجلة المصور تحقيقين عن مرض الشيخ ومعاناته، وتبنى الكاتب الصحفي أحمد الصاوي محمد، حملةً لعلاج الشيخ من خلال اكتتابٍ شعبي، ونجح في جمع ٥٠ ألف جنيه من طواف الشعب مسلمين ومسيحيين، ولما علم الشيخ كتب إليه:"أنا مستور والحمد لله ولست في حاجةٍ إلى هذه التبرعات، والأطباء يعالجونني، ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه، كما أن هذه المبالغ أصحابها أولى بها مني؛ فهم الفقراء والمحبون لصوتي حقًا، لكني الحمد لله لست في حاجة إلى هذا المال؛ لأن الشيخ رفعت غني بكتاب الله، ولا تجوز عليه الصدقة، وأعتذر عن عدم قبول هذه التبرعات، ومرضي بيد الله سبحانه وتعالى وهو القادر على شفائي، وإني أشكر الأستاذ الصاوي، وأشكر كل من أسهم فى هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لي". بعد١٠ أشهر، رحل في ٩ مايو ١٩٥٠، اليوم نفسه الذي وُلد فيه سنة 1882، الفارق فقط أنه وُلد لحظة أذان الظهر، ومات لحظة أذان الفجر.


بوابة الأهرام
منذ 9 ساعات
- بوابة الأهرام
مهرجان كان .. ذكاء اصطناعى وشباب تائه
هل نبدو كألعوبة أحيانًا فى يد الزمن؟ إذا كان هناك شيء واحد يتفق عليه المشاهدون بالنسبة لفيلم «صراط» للإسبانى وليفر لاكس، فهو هذا الأمر، وهو ما ينطبق على فيلم «دالواي»، وكلاهما شهد مهرجان «كان» السينمائى الدولى عرضهما، قبل أن يتم اختتامه أمس، متناولين قضايا الشباب التائه، والذكاء الاصطناعي. شخصيات الفيلم الأول: «صراط»، تخرج فى رحلة إلى نهاية العالم الآخر، فيكون التساؤل: ما الطريق الذى يتخذونه كى لا يتوهوا فى صحراء الحياة، أو تحصدهم حوادث وألغام أشبه بالمصيدة، إذ يُثقلنا الكاتب والمخرج عاطفيًا ونفسيًا بطرق لا يمكننا التنبؤ بها. فى الفيلم يتم تجميع عدد من مكبرات الصوت المتهالكة فى الصحراء المغربية، ورغم أنها تبدو ضئيلة بسبب جدران الوادى المتربة، فإن الصوت الذى تنتجه أولى مقطوعات الملحن كانجدينج راى المذهلة، وهو خط جهير هادر يضاهيها فى العظمة، وفجأة تمتلئ الصحراء الفارغة بأجساد متحركة، وعصى قديمة، وندوب حروق الشمس، وضفائرهم ومساميرهم وقمصانهم الممزقة بما يؤكد أنهم غريبو الأطوار. وضمن الأحداث يدخل لويس وابنه إستيبان، وكلاهما يُجسّدان صورة الطبقة المتوسطة الطبيعية، فيتبادلان الحديث مع رواد الحفلات الراقصة، ويوزعان صور ابنته لويس مار، التى لم يسمعوا عنها منذ أكثر من خمسة أشهر. وبعد أن لمحوا خيطًا يوحى بأنها قد تكون جزءًا من هذا المشهد، يشعران بخيبة أمل لأن لا أحد يعرفها، إلى أن تخبر جايد، لويس بوجود حفل راقص آخر مُقرر قريبًا، فى مكان بعيد عبر الصحراء. ثم تصل السلطات، وتأمر بالإخلاء، فنعلم أن الحضارة على شفا حرب عالمية ثالثة. فيلم " دالوي" ومع وجود ما يكفى من لحظات الترابط الدافئة لإقناعنا بأن الفيلم انحرف عن فرضية الفتاة المفقودة ليصبح فيلم طريق غير تقليدى مدفوعا بالتكنولوجيا، يصعب التعبير عن مدى الدهشة عندما تحدث مأساة مروعة بعد علامة منتصف الطريق مباشرة، ويموت الابن الطفل؛ فينتقل «صراط»، إلى منطقة أكثر وحشية ومجازية، إذ يتضح أن الوجود الأكثر استقلالا، واكتفاءً ذاتيًا؛ هو بناء يمكن تفكيكه قطعة قطعة. فماذا يحدث عندما نفقد كل شيء؟ هل نصبح وحوشًا أم ملائكة؟ وهل نعود إلى حالة من النعمة أم حالة فوضوية بغيضة؟ لا يقدم الفيلم أى إجابات, لكنه ينغمس بشكل كابوسى فى الأسئلة، كما لو أننا هنا فى أفق الحدث للانهيار العالمي. وتأتى النهاية على الشاشة بالقول إن «الصراط» هو الطريق بين الجنة والنار الذى هو أرفع من شعرة، وذلك مع آيات من القرآن الكريم، ومسلمين يطوفون حول الكعبة فى حركة دائرية بمواجهة حركة مذبذبة يقطعها أبطال الفيلم، كمتصوفة تدور حركتهم حول الكون فى مواجهة حركة ضائعين بلا هدف. فهل هذا ما تبدو عليه نهاية العالم؟ يسأل بيجوى فى مرحلةٍ ما، ورغم أن اللحظة اليائسة التى تثيرها عندما يموت الكل تباعا بسبب الألغام هى اللحظة التى ينتهى فيها كل شيء، ويسقط، ويحترق، وينفجر، ويتحول إلى غبار ويموت، فإن «صراط» شيء جديد. الفيلم الثانى هو «دالواي» للمخرج يان غوزلان، عن الذكاء الاصطناعي، ويتناول قصة حياة كلاريسا، وهى روائية تفتقر إلى الإلهام، فتنضم إلى برنامج فنى مرموق، و«دالواي» هو مساعدها الاصطناعى الافتراضي، إذ يساعدها فى الكتابة. لكنها تشعر تدريجيا بالقلق من سلوك الذكاء الاصطناعى المتطفل، والذى تعززه تحذيرات مؤامراتية من مقيم آخر، فتُطلق تحقيقًا سرًا لاكتشاف النيات الحقيقية لمضيفيها.. هل هو تهديد حقيقى أم وهم جنوني؟ فهل تعتقد حقًا أن الذكاء الاصطناعى لن يحل محل البشر، بسبب عواطفهم وإبداعهم؟ يتساءل يان غوزلان فى «دالواي»، فيلمه السينمائى الفريد. وعودة إلى تفاصيل الفيلم، فكلاريسا كاتبة أدب شابة ناجحة سابقًا، لكنها عالقة الآن تمامًا. وقد علقت فى هذا الوضع لسنوات، وغاب عنها الإلهام. فتقدمت بطلب للحصول على إقامة فنية فاخرة للتركيز على كتاب عن اللحظات الأخيرة لفيرجينيا وولف. فى البداية، لم يكن السبب واضحًا، لكن مساعدها الافتراضى الودود، دالواي، يُدركها فى النهاية، لينتحر ابن كلاريسا أيضًا، وبالكاد تغادر شقتها، وتتبعها الكاميرات فى كل مكان، ويتزايد جنون العظمة، ثم يقترح غوزلان بسرعة أن «المنزل الذكي» أذكى من أن يضر برفاهية أى شخص: سيُدير مشترياتك من البقالة، ويبدع ألحانًا جميلة، لكنه يتقدم أكثر كل يوم. وفى البداية، يُبدى عداءً سلبيًا تجاه كلاريسا التى تُهمل اليوجا، ثم يُصاب بالجنون، ويحاول افتراسها. إنها قصة عن علاقة سامة، وفرض السيطرة، لكنها ليست قصة شريك كان يومًا ما مُحبًا يتخطى ببطء الحدود الخفية؛ إنها التكنولوجيا. تُريد كلاريسا - إذن - نوعًا جديدًا من الاحترام ككاتبة، وبمجرد أن تبدأ فى التنقيب عن جحيمها الشخصي: هل هو حقًا خطأ الآلة، أم أنها بحاجة إلى شخص تُلقى عليه اللوم؟ يصبح من الصعب الجزم، لتأتى النصيحة: «لا تُشارك حياتك الشخصية مع الذكاء الاصطناعي».


الدستور
منذ 11 ساعات
- الدستور
سلطان القراء" يترجّل.. الشيخ السيد سعيد يرحل بعد رحلة عطاء مع كتاب الله (سيرة ومسيرة)
في وداع يليق بصوته الذي ملأ قلوب الملايين خشوعًا، خيم الحزن على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، رحل اليوم 24 مايو 2024 الشيخ سيد سعيد، أحد أعمدة تلاوة القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، والملقّب بـ"سلطان القراء". غاب الجسد وبقي الصوت، ذلك الصوت الذي صدح بآيات الذكر الحكيم عقودًا من الزمان، حافرًا مكانته في وجدان الأمة ومحافلها الدينية، بعدما شكّل مدرسة فريدة في الأداء والتلاوة، ونموذجًا نادرًا للإخلاص لكتاب الله دون ادعاء أو تقليد. وتلخص 'الدستور' في 20 نقطة سيرة ومسيرة القارئ الشيخ سيد سعيد، الملقب بـ"سلطان القراء": 1. ولد بمحافظة الدقهلية وبدأ حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية دون الالتحاق بأي معهد ديني. 2. قرأ لأول مرة في عمر 7 سنوات مقابل 25 قرشًا، وكانت هذه أول خطوة في طريقه نحو الشهرة. 3. لم يدرس علوم القراءات أكاديميًا، بل اعتمد على الحفظ والإتقان الفطري لكتاب الله. 4. كانت محافظة دمياط، وخاصة كفر سليمان البحري، محطة انطلاقه نحو الشهرة، وليس مسقط رأسه. 5. تلقى دعمًا وتشجيعًا مبكرًا من مشايخ دمياط الذين نبهوا إلى جمال صوته ونصحوه بعدم تقليد أحد. 6. نقطة التحول في حياته كانت نصيحة شيخ له بألا يقلد أحدًا ويقرأ بصوته الخاص، وهي النصيحة التي غيرت مساره تمامًا. 7. كان يتمسك بنصيحة التفرد بالصوت وأصبح له أسلوبه الخاص في التلاوة، مما ميزه عن غيره. 8. اشتهر بلقب "سلطان القراء"، وهو لقب يحبه كثيرًا لأنه ارتبط بحضوره في مختلف الدول الإسلامية. 9. ذاع صيته في مختلف أنحاء مصر قبل أن يصل إلى دول عربية وإسلامية كثيرة. 10. لم يكن يسعى إلى جمع المال، بل كان يقرأ حبًا في القرآن واستجابة لطلب الناس. 11. توقف عن القراءة بسبب المرض، بعد سنوات طويلة من العطاء المتواصل في المحافل الدينية. 12. كان يعاني من الفشل الكلوي، ويقوم بغسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًا - رحمه الله-. 13. ما زال صوته حاضرًا رغم انقطاعه عن القراءة المباشرة منذ سنوات، ويُبث في المناسبات والمحافل حتى الآن. 14. كان يرى أن القراء الجدد معظمهم مقلدين لأصوات كبار القراء. 15. ينتقد ظاهرة تقليد الأصوات، ويدعو القراء الجدد إلى إيجاد أسلوبهم الخاص وعدم التبعية الصوتية. 16. كان يفتخر بأنه لم يكن له خليفة حتى الآن في طريقته وأسلوبه، ويؤمن أن التفرّد هو سر النجاح. 17. كان يحمل تقديرًا كبيرًا للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أمر بعلاجه دون تواصل مباشر بينهما. 18. شعر بتقدير كبير من الدولة عندما علم أن الرئيس يتابع حالته الصحية، رغم عدم وجود علاقة مباشرة. 19. توفي الشيخ سيد سعيد في 24 مايو 2024، بعد رحلة طويلة من العطاء في تلاوة كتاب الله. 20. ترك إرثًا صوتيًا وروحيًا خالدًا في ذاكرة الأمة الإسلامية.