"البحث العميق".. أداة ذكاء اصطناعي جديدة.. فهل تتفوق على خبرة البشر؟
أداة "البحث العميق" من "أوبن إيه آي - OpenAI "، هي واحدة من أحدث الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد لاقت اهتمامًا كبيرًا في الأوساط التكنولوجية.
وحسب موقع "الحرة"، تتميز هذه الأداة بقدرتها على إجراء تحليل عميق للمعلومات في دقائق، مما يوفر وقت الخبراء الذين قد يحتاجون إلى ساعات لإتمام المهام ذاتها.
تساعد هذه التقنية في تسريع عمليات البحث والاستخلاص والتفسير للبيانات بشكل فعّال، ويمكن استخدامها في العديد من المجالات مثل البحث الأكاديمي، تحليل البيانات التجارية، والتطوير التكنولوجي.
ويعكس هذا الابتكار، التطور السريع في الذكاء الاصطناعي وقدرته على تحسين الإنتاجية وتقليل الاعتماد على الخبرة البشرية في بعض المهام.
تم تسويق هذه الأداة كمساعد بحث يمكنه منافسة المحلل المدرب، إذ تقوم بالبحث التلقائي على الإنترنت، وتجمع المصادر وتقدم تقارير منظمة.
كما أنها حصلت على 26.6 % في اختبار الإنسانية الأخير "HLE" وهو معيار صعب للذكاء الاصطناعي، متفوقًا على العديد من النماذج الأخرى، بحسب موقع زي دي نيت.
تم تسويق البحث العميق نحو المهنيين في المجالات المالية والعلوم والسياسة والقانون والهندسة، بالإضافة إلى الأكاديميين والصحفيين واستراتيجيي الأعمال، يقوم بالأعمال الشاقة والبحث في دقائق.
حاليًا، يتوفر البحث العميق فقط لمستخدمي " ChatGPT Pro " في الولايات المتحدة، بتكلفة 200 دولار أمريكي شهريًا.
مجلة "ساينس أليرت" تقول إنه على عكس روبوتات الدردشة العادية التي تقدم إجابات سريعة، يتبع البحث العميق عملية متعددة الخطوات لإنتاج تقرير منظم، ومن النظرة الأولى، يبدو أنه أداة مثالية، لكن نظرة أقرب تكشف عن قيود وعيوب كبيرة منها أن الذكاء الاصطناعي مثلاً يمكنه أن يلخص الكثير من المعلومات لكنه لا يفهم تمامًا ما هو المهم.
أيضا، يتجاهل الذكاء الاصطناعي التطورات الجديدة، ولا ينتبه مثلاً للأحكام القانونية المهمة والتحديثات العلمية، وأيضًا يمكنه توليد معلومات غير صحيحة بثقة، ولا يستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال، أو يميز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة.
بالتالي الملخصات التي يُولدها الذكاء الاصطناعي لا تضاهي عمق الباحث البشري الماهر، فالذكاء الاصطناعي مهما كان سريعًا، يظل مجرد أداة، وليس بديلاً عن الذكاء البشري.
وتقول مجلة "ساينس اليرت" أن البحث العميق لا يرقى تمامًا إلى الضجة التي أُثيرت حوله، وعلى الرغم من أنه ينتج تقارير مصقولة، إلا أن لديه عيوبًا وصفها البعض بالخطيرة.
وفقًا لمختصين، يمكن أن يفوت البحث العميق تفاصيل أساسية، ويعاني بسبب صعوبة في التعامل مع المعلومات الحديثة وأحيانًا يختلق حقائق.
تقول الشركة في هذا الشأن إنها "قد تختلق أحيانًا الحقائق في الإجابات أو تستنتج استنتاجات غير صحيحة، على الرغم من أن ذلك يحدث بمعدل أقل بشكل ملحوظ مقارنةً بنماذج " ChatGPT " الحالية، وفقًا للتقييمات الداخلية".
وتقول مجلة "ذا فيرج" مثلاً، إنه ليس من المفاجئ أن تتسلل بيانات غير موثوقة، إذ إن نماذج الذكاء الاصطناعي لا "تعرف" الأشياء بالطريقة نفسها التي يعرفها البشر.
فكرة "محلل البحث" من الذكاء الاصطناعي تثير أيضًا العديد من الأسئلة، فهل يمكن للآلة، بغض النظر عن قوتها، أن تحل فعلاً محل الخبير البشري؟
ما تداعيات ذلك على العمل المعرفي؟ وهل يساعدنا الذكاء الاصطناعي حقًا على التفكير بشكل أفضل، أم أنه فقط يسهل علينا التوقف عن التفكير تمامًا؟
في العدد الكبير من المجالات التي تم اختبار الذكاء الاصطناعي التوليدي فيها، يُعد القانون ربما أكثر المجالات التي تظهر فيها الفشل الواضح.
فالأدوات مثل ChatGPT جعلت المحاميين يتعرضون للعقوبات والخبراء يتعرضون للإحراج العلني، حيث أنتجت وثائق استنادًا إلى قضايا مختلقة واستشهادات بحثية غير موجودة.
يشير كايسي نيوتن من مجلة "Platformer" إلى أنه مثل العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي، يعمل "البحث العميق" بشكل أفضل إذا كنت بالفعل على دراية بالموضوع، جزئيًا لأنك تستطيع معرفة أين تحدث أخطاء.
كما خفَّض الإنترنت بشكل كبير تكلفة نقل المعلومات، فإن الذكاء الاصطناعي سيخفض تكلفة الإدراك، وفقًا للبروفيسور في كلية هارفارد للأعمال كريم لاخاني، الذي درس الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات في مكان العمل لسنوات.
ومع تزايد توقع الجمهور للشركات التي تقدم تجارب ومعاملات سلسة ومحسَّنة بالذكاء الاصطناعي، بقول "لاخاني" إن علينا تبني هذه التكنولوجيا، وتعلم كيفية الاستفادة من إمكاناتها، وتطوير حالات استخدامها في أعمالنا.
ويؤكد "لاخاني" أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر، "الذين يعملون مع الذكاء الاصطناعي.. بل إن البشر الذين يعملون مع الذكاء الاصطناعي هم من سيحل محل البشر الذين لا يعملون مع الذكاء الاصطناعي".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة رواد الأعمال
منذ 7 ساعات
- مجلة رواد الأعمال
ChatGPT.. طفرة في عمليات التواصل بين الشركات
مع التوجه العالمي نحو الرقمنة، تتجه الشركات إلى التكنولوجيا لتبسيط عملياتها وتحسين أرباحها النهائية. وبالتالي، شهدت تطبيقات توليد اللغات المدعومة بالذكاء الاصطناعي نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ومن أبرزهم ChatGPT. ChatGPT، الذي طورته شركة OpenAI، هو نموذج لغوي متطور يستخدم خوارزميات التعلم الآلي لفهم وتوليد نصوص شبيهة بالنصوص البشرية. كما يتمكن التطبيق من إكمال مجموعة واسعة من المهام اللغوية. بما في ذلك الإجابة عن الأسئلة. وتلخيص النصوص. وحتى كتابة القصص الخيالية الإبداعية. إن تأثير ChatGPT على التواصل في مجال الأعمال بعيد المدى ولديه القدرة على إحداث ثورة في طريقة تفاعل الشركات مع عملائها وموظفيها. فيما يلي بعض الأمثلة على كيفية تغيير ChatGPT لطريقة تواصل الشركات. مهام تطبيق ChatGPT أتمتة المهام المتكررة تكمن قوة ChatGPT في قدرتها على أتمتة المهام المتكررة؛ حيث يمكن أن يشمل ذلك كل شيء بدءًا من الرد على استفسارات العملاء إلى صياغة رسائل البريد الإلكتروني والمستندات. من خلال تولي هذه المهام العادية، تحرر ChatGPT الموظفين البشريين للتركيز على الأعمال الأكثر تعقيدًا وإستراتيجية. وكما تشرح ميكايلا مورس؛ مديرة خدمة العملاء في شركة XYZ: 'لقد كان ChatGPT بمثابة تغيير قواعد اللعبة لفريق خدمة العملاء لدينا. فهي قادرة على التعامل مع غالبية استفساراتنا الواردة؛ ما سمح لنا بإعادة توجيه وكلائنا البشريين إلى مهام أكثر قيمة. وقد أدى ذلك إلى تحسين كفاءتنا الإجمالية ورضا عملائنا بشكل كبير'. تحسين خدمة العملاء بالإضافة إلى أتمتة المهام المتكررة، يمكن لـ ChatGPT أيضًا مساعدة الشركات على تحسين خدمة العملاء. باستخدام معالجة اللغة الطبيعية، كما يمكن لـChatGPT فهم استفسارات العملاء والرد عليها بمعلومات دقيقة وذات صلة. كما يمكن أن يساعد ذلك الشركات على تقديم خدمة عملاء أسرع وأكثر فاعلية؛ ما يسهم في زيادة ولاء العملاء ورضاهم. وتقول سارة جونسون؛ مديرة التسويق في شركة ABC Inc: 'لقد أتاحت لنا خدمة ChatGPT تزويد عملائنا بخدمة أكثر دقة وتخصيصًا، وقد حسن ذلك من نتائج رضا عملائنا. كما شهدنا زيادة كبيرة في تكرار الأعمال نتيجة لذلك'. زيادة الكفاءة والإنتاجية مع تولي ChatGPT المزيد من المهام والمسؤوليات، يمكنه مساعدة الشركات على زيادة كفاءتها وإنتاجيتها بشكل عام. ومن خلال أتمتة المهام المتكررة وتوفير معلومات دقيقة وذات صلة، يمكن أن يساعد ChatGPT الشركات على اتخاذ قرارات أفضل والعمل بكفاءة أكبر. ويقول د. ديفيد سميث، رئيس قسم البحث والتطوير في شركة LMNOP: 'لقد كان ChatGPT مصدر قوة كبير لفريق البحث والتطوير لدينا'. كما أضاف: 'فهو قادر على تحليل كميات كبيرة من البيانات وإنشاء تقارير في جزء صغير من الوقت الذي يستغرقه الإنسان. وقد أدى ذلك إلى تحسين عملية اتخاذ القرار لدينا بشكل كبير وسمح لنا بإصدار منتجات جديدة بشكل أسرع من أي وقت مضى'. تعزيز تحليل البيانات ودعم اتخاذ القرار يمكن لـChatGPT مساعدة الشركات على تحديد الاتجاهات واكتشاف الفرص المتاحة والاستفادة من مواردها بشكل أفضل. حيث إنه يتمكن من معالجة كميات كبيرة من البيانات وإنشاء تقارير ثاقبة يمكن أن تساعد الشركات على اتخاذ قرارات أفضل. من خلال توفير رؤى قابلة للتنفيذ. كما تقول إميلي ديفيس؛ مديرة التسويق في شركة DEF Corp: 'لقد كان ChatGPT أداة رائعة لفريق التسويق لدينا؛ فهو قادر على تحليل مشاعر العملاء وتحديد الاتجاهات الرئيسة. ما أتاح لنا اتخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن استراتيجيتنا التسويقية. لقد كانت ميزة كبيرة لشركتنا'. تحديات استخدام تطبيق 'شات جي بي تي' وعلى الرغم من أن التطبيق يتمتع بالعديد من الفوائد؛ إلا أن هناك أيضًا عددًا من التحديات والقيود التي يجب مراعاتها. ومن أبرزها الآثار الأخلاقية المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي للتواصل مع العملاء والموظفين. ومع ازدياد تقدم 'شات جي بي تي'، من المهم للشركات أن تضع في اعتبارها الآثار المحتملة لاستخدام توليد اللغة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ومن المهم أيضًا مراقبة الجودة والإشراف البشري للتأكد من أن 'شات جي بي تي' يوفر ردودًا دقيقة ومناسبة. أيضًا يكمن التحدي الآخر في تكامل التطبيق مع الأنظمة والعمليات الحالية. لكي تتمكن الشركات من الاستفادة الكاملة من مزايا ChatGPT، يجب أن تتكامل بسلاسة مع أنظمتها وعملياتها الحالية. قد يكون هذا الأمر معقدًا ويستغرق وقتًا طويلًا، ويتطلب مشاركة تكنولوجيا المعلومات والفرق الفنية الأخرى. وباختصار، 'شات جي بي تي' هو نموذج توليد لغوي مدعوم بالذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تغيير طريقة تواصل الشركات. بدءًا من أتمتة المهام المتكررة، وتحسين خدمة العملاء، وزيادة الكفاءة والإنتاجية. بالإضافة إلى تعزيز تحليل البيانات واتخاذ القرارات. كما يمكن أن يساعد 'ChatGPT' الشركات على اكتساب ميزة تنافسية. ومع ذلك، يجب على الشركات أيضًا النظر في المخاوف الأخلاقية وتحديات التكامل مع الأنظمة الحالية قبل تطبيق ChatGPT. المقال الأصلي: من هنـا


صحيفة مال
منذ 2 أيام
- صحيفة مال
تعاون استراتيجي بين مصمم 'آيفون' ومبتكر ChatGPT
أعلنت OpenAI عن تعاون استراتيجي مع LoveFrom، لتصميم جيل جديد من الأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس طموحا مشتركا لإعادة تعريف مستقبل التكنولوجيا الشخصية. ويجمع هذا التعاون 'بين سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI (المطورة لـ ChatGPT)، وجوني إيف، رئيس التصميم السابق في آبل، الذي يُنسب إليه تصميم منتجات أيقونية مثل 'آيفون' و'آيباد' وiMac، حيث بدأ العمل بين الطرفين بهدوء منذ عام 2023، في إطار رؤية لإطلاق منتجات تجمع بين التصميم المتقن والذكاء الاصطناعي المتقدم'. وضمن هذه الشراكة، أعلنت OpenAI عن 'صفقة استحواذ على io، وهي شركة تكنولوجية متخصصة في المنتجات والهندسة شارك في تأسيسها جوني إيف، إلى جانب سكوت كانون وإيفانز هانكي وتانغ تان. وتُقدر قيمة الصفقة بنحو 6.5 مليار دولار'. وأوضح إيف وألتمان في بيان مشترك نُشر عبر موقع OpenAI، قائلا: 'طموحاتنا لتطوير وهندسة وتصنيع مجموعة جديدة من المنتجات تتطلب تأسيس شركة جديدة بالكامل'. اقرأ المزيد ورغم هذا التعاون الوثيق، 'لن ينضم إيف رسميا إلى OpenAI، وستبقى شركته LoveFrom مستقلة، لكنها ستلعب دورا محوريا في تقديم الدعم الإبداعي والتصميمي لكل من OpenAI وio'.


Independent عربية
منذ 2 أيام
- Independent عربية
الذكاء الاصطناعي يعيد رسم عقولنا وحياتنا... فما الذي يستحق تعلمه؟
أكبر كذبة سمعتها من مدرس طوال سنوات دراستي هي ضرورة أن أتقن خطوات القسمة المطولة، في الواقع نشأ جيل كامل من التلاميذ على هذا الاعتقاد الخاطئ، انطلاقاً من فكرة مغلوطة مفادها بأننا حينما نكبر لن نجد في متناولنا آلات حاسبة. آنذاك، كان ضرباً من خيال أن نتصور أننا جميعاً سنحمل في جيوبنا يوماً ما جهازاً ليس آلة حاسبة إلكترونية فحسب، بل يكتنز في قلبه كل المعرفة التي بلغها الإنسان. هكذا، عند ظهور الهواتف الذكية المحمولة وضعت معظم الرياضيات التي تعلمتها أيام الدراسة في تسعينيات القرن الـ20 وأوائل الألفية الثانية في زاوية منسية من ذاكرتي، التي لم أعد أفتش فيها أيضاً عن تواريخ الأحداث الكبرى ولا الظواهر الجغرافية والمعادلات العلمية، من دون أن يطرح ذلك أدنى ثأثير في مجريات حياتي اليومية. ولكننا اليوم أمام تكنولوجيا جديدة لا تكتفي بتحديد ما ينبغي لنا اكتسابه من معارف ومهارات، بل تتجاوز هذه الحدود إلى إعادة تشكيل الطريقة التي نتعلم بها في حد ذاتها. الجيل الأحدث من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من قبيل "تشات جي بي تي" ChatGPT و"جيميناي"Gemini وروبوت الدردشة الصيني "ديب سيك" DeepSeek، يزيح عن كاهلنا عبء إتمام الواجبات المنزلية التقليدية، إذ يسعه أن يكتب مواضيع جديدة تماماً، أو أن ينجز أوراق العمل في غضون ثوان معدودة. في إعلان حديث لتطبيق الكتابة والتحرير الذكي "غرامرلي" Grammarly، ظهر تلميذ يتخبط في أداء واجباته المدرسية، ولكن ما إن يكتشف الأداة الجديدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حتى يعلق بدهشة: "يا إلهي، إنها تشبهني، ولكنها أفضل". وفيما يسارع المعلمون إلى دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في فصولهم الدراسية، ووضع صياغة جديدة للمناهج الدراسية بما يتلاءم مع هذا التحول الجذري، يرتفع صوت بعض الفلاسفة وعلماء المستقبليات مطالبين بإعادة كتابة المناهج الدراسية من أساسها. وفق عدد متزايد من مؤيدي المقترح القائل بإعادة تعريف التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي، من الأجدر أن يتحول التركيز إلى تعزيز التفكير النقدي والمنطق والاستدلال. فمن دون هذه المهارات، يلوح في الأفق خطر الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي. إذا كانت أدوات مثل "تشات جي بي تي" تتولى جميع المهمات التي تتطلب الاستدلال والتفكير، وتحتفظ بالحقائق التي كنا نضطر إلى حفظها عن ظهر قلب في الماضي، فإننا نواجه خطر إصابة أدمغتنا بالضمور نتيجة قلة الاستخدام. في وقت سابق من العام الحالي، وجد باحثون في "مايكروسوفت" و"جامعة كارنيغي ميلون" في الولايات المتحدة أن الاعتماد المكثف على تقنيات "الذكاء الاصطناعي التوليدي" generative AI الذي يتميز بقدرته على إنشاء محتوى بناء على البيانات التي تدرب عليها مثل "تشات جي بي تي" يتسبب في فقدان العمال مهارات أساسية من قبيل الإبداع، والحكم السليم، وحل المشكلات. وذكر الباحثون في دراسة عرضت تفاصيل نتائجهم: "استخدام هذه الأشكال من التكنولوجيا بشكل غير سليم، يقود، بل إنه يقود فعلاً، إلى تدهور القدرات المعرفية والإدراكية [من تفكير وتحليل واستدلال...] التي ينبغي الحفاظ عليها من أي اندثار". وجدت دراسة نهضت بها "مايكروسوفت" و"جامعة كارنيغي ميلون" أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي سيقود إلى "تدهور القدرات المعرفية" (حنا بركات صندوق كامبريدج للتنوع / صور أفضل بالذكاء الاصطناعي ) في الحقيقة، تتلخص إحدى أبرز مفارقات الأتمتة الذكية في أن إيكال المهمات الروتينية إلى الآلات، وترك معالجة الحالات الاستثنائية أو غير المعتادة للمستخدم البشري، يحرم الأخير من فرص يومية تسهم عادة في تنمية مهارات التقدير السليم لديه، وتعزيز اتخاذ القرارات الصائبة، إضافة إلى تطور قدراته الإدراكية. حتى أن أثر الذكاء الاصطناعي بات ينعكس في طريقة استخدام الناس له على وسائل التواصل الاجتماعي. مثلاً، اجتاح هذه المنصات أخيراً "ترند" يظهر المستخدمون فيه وقد وقفوا أمام مرآة وأمسكوا غرضاً ما [جهاز تحكم بالتلفزيون مثلاً] بعدما وضعوا قبالتها ورقة أو قطعة قماش تحول دون انعكاس صورة الغرض في المرآة، ثم يصورون المشهد من زواية محددة مرفقين الفيديو بتعليق ساخر يقول: "كيف للمرآة أن تكشف عن الغرض المخفي؟" [المغزى من هذا هو تسليط الضوء على كيفية تفاعل الناس مع التكنولوجيا والفيزياء في حياتهم اليومية، وكيف يمكن أن تؤدي المفاهيم الخاطئة أو عدم الفهم الكامل إلى تفسيرات خاطئة أو مدهشة للظواهر البسيطة]. وفي عشرات التعليقات على مقطع فيديو نشر أخيراً على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أشار المستخدمون إلى "غروك" Grok، علماً أن الأخير روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي أنشأته شركة "إكس أي آي" (xAI) التابعة لإيلون ماسك، وسألوه كيف أمكن للمرآة أن تكشف عن الغرض المخفي. قدم الروبوت الإجابات المطلوبة، من دون أن يضطر المستخدمون إلى شحذ أدمغتهم أو استدعاء أي معارف أساسية. وفي المستقبل الأبعد، ربما تحملنا أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة على أن نتعلم من جديد كيف نعيش في عالم تنتفي فيه معظم المهمات الموكلة إلى البشر بعد أن تتولاها الآلات المؤتمتة. البروفيسور السويدي في "جامعة أكسفورد"، نيك بوستروم، المعروف بتحذيره العالم من الذكاء الاصطناعي المنفلت العقال في كتابه الصادر عام 2014 بعنوان "الذكاء الخارق" Superintelligence، تناول هذه القضية من زاوية جديدة في أحدث مؤلفاته بعنوان "اليوتوبيا العميقة: الحياة والمعنى في عالم اكتملت فيه الحلول" Deep Utopia: Life and Meaning in a Solved World. وفيه، تخيل مستقبلاً قريباً تنجز فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات مختلف المهمات بكفاءة تضاهي أداء البشر. وكتب بوستروم: "بدلاً من تأهيل الأطفال كي يغدوا في المستقبل عمالاً منتجين اقتصادياً، علينا تنشئتهم على أن ينعموا بعيش ملؤه والرضا والتطور الذاتي. أشخاصاً يمتلكون مهارات عالية في فن الاستمتاع بالحياة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضاف: "ربما يشمل ذلك إتقان فن الحوار، وتنمية الذائقة تجاه الأدب والفن والموسيقى والدراما والسينما، والتأمل في جمال الطبيعة وعفوية البرية، وتعزيز روح المنافسة الرياضية. ومن المجدي أيضاً أن نتعلم تقنيات التأمل واليقظة الذهنية، وأن نفسح المجال أمام ممارسة الهوايات والإبداع وروح اللعب والمقالب الذكية والألعاب، لا بوصفها مجرد تسلية بل كمجال للإبداع والتجريب والمشاركة. كذلك علينا ألا نغفل عن تنمية متعة التذوق وتهذيبها، وترسيخ الحس الجمالي الرفيع، وأخيراً أن نقدر رابطة الصداقة ونحتفي بها". في حديثه لـ"اندبندنت" العام الماضي، وصف البروفيسور بوستروم هذه الاحتمالات بأنها "احتمالات مستقبلية جذرية"، وذلك عندما نصل إلى مرحلة تكتمل فيها الحلول لكل مشكلات اليوم، وتحال فيها مسؤولية التقدم المستقبلي إلى أجسام وأدمغة اصطناعية. "عندها، ربما يبتعد المجتمع عن التركيز على الكفاءة والفائدة والربح، ويتجه نحو "التقدير والامتنان والنشاط الذاتي واللعب"، يقول البروفيسور بوستروم. هكذا، سينصب تركيزنا على تعلم مهارات بدنية، أو حتى ألعاب استكشفها الذكاء الاصطناعي منذ زمن بعيد. فقد أتقنت هذه الأنظمة الشطرنج منذ 30 عاماً، ومع ذلك ما زلنا نرغب في ممارسة هذه اللعبة. تتفوق أجهزة الكمبيوتر على أبطال البشر في الشطرنج منذ أن ألحق حاسوب "ديب بلو" من تصميم شركة "آي بي أم" الهزيمة بمنافسه البطل الروسي غاري كاسباروف، واقتنص النصر قبل نحو 30 عاماً، ولكن حتى الآن ما زال الناس يستمتعون بلعب الشطرنج ومشاهدته. وعلى نحو مماثل، إذا صار الذكاء الاصطناعي متفوقاً في المعرفة، فسنظل نستمتع باكتسابها. مفاد ذلك بأنه حتى في هذا السيناريو المستقبلي، يظل للتعلم مكانته الخاصة ومقامه الأصيل. كتب البروفيسور بوستروم في كتابه "اليوتوبيا العميقة": "أعتقد أن الشغف بالتعلم يضفي عمقاً ومعنى كبيرين على حياة تغلب عليها ثقافة الترفيه. إنه انفتاح العقل على ميادين العلوم والتاريخ والفلسفة، من أجل الكشف عن السياق الأوسع للأنماط والمعاني التي تتجسد في نسيج حياتنا". يعيد هذا الكلام صدى مشاعر مماثلة عبرت عنها السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة والناشطة إليانور روزفلت قبل نحو قرن من الزمن، التي شددت على القيمة الجوهرية للتعلم، مؤكدة أنه ليس مجرد وسيلة لبلوغ غاية، بل غاية في حد ذاته. وقالت مشيرة إلى أنه لا شيء يفوقه أهمية: "التعلم هو الأساس، التعلم والعيش".