
الرصاص الطائش... حصاد جائر لأرواح السودانيين في أفراحهم
في مشهد حزين في مدينة أم درمان التي تنتزع الحياة وسط عتمة الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" لأكثر من عامين، كان علاء الدين البالغ من العمر 17 سنة، يحجز مكاناً في أحد المخابز في ضاحية بانت، لكن سرعان ما تفاجأ الجميع بعد لحظات من حضوره لهذا المكان بسقوطه على الأرض بلا حراك، ليتبين أن رصاصة طائشة أطلقها أحد المحتفلين في مناسبة زواج قرب المخبز اخترقت رأسه وأنهت حياته في الحين.
وفي واقعة مماثلة جرت أحداثها في منطقة الدبة بالولاية الشمالية، وخلال حفل زفاف كان العريس محمد محمولاً على أكتاف أصدقائه وهي عادة متبعة في مناسبات الزواج في السودان، وهو يرقص مبتهجاً بزفافه، وعلى غير المتوقع استقرت رصاصة في صدر العريس أطلقها أحد المعازيم مشاركاً العريس فرحته، لتتحول الزغاريد إلى نواح وبعد أن كانت الأصوات تصدح بالغناء أصبحت صرخات عويل.
وشهدت مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان غرب البلاد حادثة مأسوية ثاني أيام عيد الأضحى كان ضحيتها طفل أثناء عقد قرآن، في وقت استقبل مستشفى الطوارئ بالمدينة نحو خمس حالات أخرى بسبب الأعيرة العشوائية، وضمن المشهد ذاته صدمت مجتمعات محلية في ولايات نهر النيل وكسلا والنيل الأبيض وسنار والجزيرة خلال الفترة الماضية بسقوط ضحايا.
وتأتي هذه الحوادث المفجعة على رغم التحذيرات التي ظلت تصدرها السلطات المختصة من حين لآخر بمنع إطلاق الأعيرة النارية في الهواء بصورة عشوائية أثناء مناسبات الأفراح، لكن تكرار هذه الحوادث وانتشارها بصورة لافتة هذه الأيام أعاد الجدل حول ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه بهذه الطريقة العشوائية المهددة لحياة المجتمع، إذ تضج مواقع التواصل الاجتماعي بالصور ومقاطع الفيديوهات التي رصدها ناشطون لحظة سقوط الضحايا، مؤكدين أن هذه المآسي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل الإفلات من المساءلة القانونية وعدم تطبيق العقوبة الرادعة.
قرارات صارمة
وكان كل من والي الخرطوم وبعض ولاة الولايات التي تعاني تفشي ظاهرة انتشار السلاح أصدروا قرارات صارمة قضت بمنع إطلاق الرصاص في المناسبات الاجتماعية، وحددت العقوبة لمن يخالف تلك القرارات بالسجن لفترة أقصاها عامين وغرامة مليون جنيه سوداني (400 دولار)، إضافة إلى مصادرة السلاح.
هذه القرارات لم تكُن الأولى من نوعها، إذ سبق أن صدرت عقوبات نافذة عدة، لكنها لم تطبق بالصورة المطلوبة وظل الجناة في حال إفلات بسبب العفو بين القبائل أو الروابط المجتمعية، بيد أن ظاهرة إطلاق الرصاص في الأفراح رهينة العادات والتقاليد والشهامة والشجاعة في التعبير عن الفرح.
وفي خضم حرب السودان التي أفرزت فوضى انتشار السلاح بعد دعوات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إلى الاستنفار الشعبي من أجل التصدي لتعديات "الدعم السريع"، فضلاً عن تعبير المواطنين عن فرحتهم عند استعادة الجيش لمناطقهم من قبضة "الدعم السريع"، باتت لاستخدام السلاح مآلات أخرى تمثلت في ارتكاب الجرائم وتصفية الحسابات وغيره. فإلى أي مدى يمكن الحد من هذه الظاهرة التي أصبحت بمثابة خطر يهدد حياة المجتمع السوداني؟
وساطات وعفو
تقول الناشطة الحقوقية أميرة عثمان، "في تقديري إن انتشار السلاح وسط المدنيين على نطاق واسع، سواء كان مرخصاً عبر طرق شرعية أو مخالفة للقانون يعتبر مشكلة مقلقة لحد بعيد، فهذه الفوضى تسببت في حصد أرواح ضحايا أبرياء في المناسبات العامة، بخاصة الزواج، فعدد من الولايات شهد وقائع محزنة تعج بها المحاكم وإصابات سجلتها المستشفيات".
وأضافت أن "امتلاك الفرد للسلاح لا يعني استخدامه في التعبير عن الفرح، فالمتعارف عليه في البلاد عقب عقد القرآن يجري إطلاق الرصاص للإشهار وفق العادات والتقاليد الناجمة عن تعدد الثقافات والتنوع القبلي والإثني، لكن في الغالب تخترق جسد أحد المحتفلين، وفي كثير من الأحيان يكون الضحية العريس نفسه وبذلك يتحول الفرح إلى مأتم وهنا تقع الجريمة عن طريق الخطأ ويفلت الجاني من العقوبة بسبب الوساطات التي عادة ما تنتهي بالعفو في حين يكتفي القضاء بمصادرة السلاح".
واستطردت عثمان أن "إطلاق الرصاص في المناسبات من الظواهر السلبية التي باتت تقلق المجتمعات المحلية في المدن والقرى والأرياف ضمن الولايات الآمنة، مما يحتاج إلى تفعيل القانون وتطبيق العقوبات بحزم حتى تكون خطوة أساسية في الحد من هذه الظاهرة الخطرة، حرصاً على سلامة المواطنين وصوناً للأمن والاستقرار المجتمعي".
وقالت "من المؤسف أن الحرب الدائرة بين الجيش وقوات 'الدعم السريع' أسهمت في انتشار السلاح، بخاصة بعد الإعلان عن الاستنفار الشعبي وتكوين المقاومة الشعبية، إلى جانب أن الصراع أفرز ظاهرة القناص الذي يعتلي أسطح البنايات الشاهقة وكأنه يبحث عن ضحاياه".
وأشارت إلى أهمية التشديد على منع إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، بأن يكون هناك بند في ترخيص الحفلات بعدم حمل السلاح وإطلاق الرصاص أثناء الحفل، فضلاً عن التشديد في القوانين فتكون رادعة وتتناسب مع حجم الجريمة. كما يجب أن تكون الأولوية لحماية الأرواح ولترسيخ ثقافة السلام والاحتفال الآمن حتى يكون المجتمع خالياً من مظاهر العنف العشوائي، إضافة إلى ضرورة التوعية بأخطار استخدام السلاح في إقامة الندوات التثقيفية والكشف عن الضحايا وإبرازهم للمجتمع.
ثقافة اجتماعية
من جانبها أوضحت المتخصصة في علم الاجتماع أحلام يوسف أنه "من المعلوم أن المناسبات ومراسم الزواج في السودان تصاحبها ثقافات اجتماعية لدى بعض المجتمعات، ومن المؤسف ارتباطها بالعادات والتقاليد والشهامة، فضلاً عن تداعياتها السلبية على المجتمع، إذ بات التخلي عنها أمراً مستحيلاً على رغم المآسي التي أوجدتها".
وقالت "في الحقيقة أن تنامي هذه الظاهرة جعلت المواطنين يتخوفون من انعدام الأمان بسبب الرصاص الطائش الذي من الممكن أن يصيب الفرد حتى داخل منزله، إضافة إلى مخاوفهم حين سماع أقل الأصوات انفجاراً، لكن الأمر المؤسف استخدام السلاح في ارتكاب الجرائم وتصفية الحسابات مع الإفلات من العقوبة، بخاصة في بعض الولايات".
ولفتت يوسف إلى أنه من الضروري اتباع كل الطرق الممكنة لحصر السلاح في مواقع انتشار المسلحين، إلى جانب منع اقتنائه، إذ يجب ألا يكون إطلاق الأعيرة النارية بمثابة وسيلة للتعبير عن الفرح.
إرث وعادات
على صعيد متصل يرى الباحث في التراث أيوب عبداللطيف أن "المجتمعات السودانية، منذ أمد بعيد تتمسك بالإرث القبلي والعادات والتقاليد وتشتهر بمحافظتها على تقاليدها، بخاصة مراسم الزواج مهما نالت من التحضر والحداثة ويظل الاعتقاد بإطلاق النار أثناء المناسبات واحتفالات الزواج له علاقة وثيقة بالفراسة والشهامة والشجاعة، إذ إن زغاريد النساء والأغاني الحماسية وأشعار الحكامات عند بعض القبائل تشعل حماسة الرجال وتسهم في إطلاق مزيد من الأعيرة النارية في الهواء".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبه إلى أن "إطلاق الرصاص يثير الرعب وسط المشاركين وهناك من يغادر مكان الاحتفال فور إطلاقها في الهواء لإدراكه أن هذه الرصاصات قد تصيبه، وللأسف أنه على رغم تكرار الحوادث المميتة يسير تغيير المفاهيم ببطء، مما يتطلب تكاتف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني حتى زوال هذه العادات المتجذرة".
رعب وأحزان
وفي الموضوع نفسه يقول الطبيب بأحد مستشفيات أم درمان أحمد عبدالله إن "إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات أنهى حياة كثير من الأشخاص، إذ ظلت طوارئ المستشفيات في العاصمة والولايات تستقبل ضحايا حوادث الرصاص الطائش التي لم ينجُ من الإصابة بها حتى الأطفال الأبرياء".
وشدد الطبيب على ضرورة ملاحقة الجناة الذين نشروا الرعب والأحزان وسط العائلات وعدم الإفلات من العقوبة، ويجب أن تكون القرارات في تطبيق القانون حاسمة وليس مجرد تهديدات كما هو مألوف.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الموقع بوست
منذ 4 ساعات
- الموقع بوست
ضبط 1.7 مليون قرص مخدر كبتاغون قبل تهريبها خارج سوريا
وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، الأحد، إن فرع مكافحة المخدرات في درعا (جنوب) يداهم مستودعات شرق المحافظة تحوي مخدرات مخزنة ومعدة للتهريب خارج القطر. وتابع أن العملية أسفرت عن ضبط مليون و700 ألف قرص مخدر من مادة الكبتاغون. والجمعة الماضي، أعلنت وزارة الداخلية السورية ضبط نحو 3 ملايين قرص كبتاغون و50 كيلوغراما من مادة الحشيش، بعد عمليات رصد لإحدى شبكات تجارة وتهريب المخدرات بريف دمشق (وسط). وأعلن مدير إدارة مكافحة المخدرات العميد خالد عيد الخميس الماضي ضبط 13 مستودعا لتصنيع المواد المخدرة، و320 مليون قرص كبتاغون منذ الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في أواخر عام 2024. وحسب تقديرات الحكومة البريطانية، فإن النظام المخلوع كان مسؤولا عن 80 بالمئة من الإنتاج العالمي للكبتاغون. وتفيد تقديرات بأن القيمة السنوية لتجارة الكبتاغون العالمية تبلغ نحو 10 مليارات دولار، وكان الربح السنوي لعائلة الأسد نحو 2.4 مليار دولار. وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أكملت فصائل سورية بسط سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حكم نظام البعث، بينها 53 سنة من حكم أسرة الأسد. وأعلنت الإدارة السورية الجديدة، في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، اختيار أحمد الشرع رئيسا للبلاد خلال مرحلة انتقالية من المقرر أن تستمر 5 سنوات.


الوئام
منذ 7 ساعات
- الوئام
تأجيل جلسات محاكمة نتنياهو في قضايا فساد
قررت محكمة إسرائيلية، الأحد، تأجيل جلسات الاستماع لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قضايا الفساد المنظورة ضده، بعد طلب رسمي بتأجيلها بدعوى انشغاله بالتطورات الأمنية، فيما دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إلغاء المحاكمة. وقالت المحكمة المركزية في القدس، في بيان نشره حزب الليكود الحاكم، إنها 'قبلت جزئيًا طلب التأجيل، وقررت إلغاء جلسات الاستماع المقررة هذا الأسبوع'، مشيرة إلى أنها أخذت بعين الاعتبار مبررات قدمها نتنياهو ومسؤولون أمنيون رفيعو المستوى، بينهم رئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس جهاز الموساد. وكان فريق الدفاع عن نتنياهو قد تقدم بطلب لتأجيل إفادته لمدة أسبوعين، مبررًا ذلك بانشغال رئيس الحكومة بإدارة ملفات سياسية وأمنية حساسة، لا سيما بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع إيران، واستمرار العمليات في قطاع غزة، حيث لا يزال عدد من الرهائن الإسرائيليين محتجزين. وفي المقابل، كانت المحكمة قد رفضت سابقًا هذا الطلب، لكنها عادت وغيرت موقفها بعد الاستماع إلى إفادات أمنية رسمية. ترمب يتدخل والمعارضة ترد في تطور لافت، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عبر منصته 'تروث سوشيال'، إلى إسقاط القضية بالكامل، واصفًا محاكمة نتنياهو بأنها 'مطاردة سياسية'، وقال إنها 'يجب أن تُلغى فورًا، أو يُمنح الرجل البطل عفوًا'، وفق تعبيره. وسارع نتنياهو إلى شكره على دعمه، عبر رسالة نشرها على منصة 'إكس'. فيما رد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بالقول إن 'ترمب لا يملك الحق في التدخل في مسار قضائي داخل دولة مستقلة'. ويواجه نتنياهو، الذي ينفي ارتكاب أي مخالفات، ثلاث قضايا رئيسية تتعلق بالفساد. في الأولى، يُتهم مع زوجته سارة بتلقي هدايا ثمينة – بقيمة تتجاوز 260 ألف دولار – من رجال أعمال أثرياء مقابل تسهيلات سياسية. أما القضيتان الأخريان فتتعلقان بمحاولاته التأثير على التغطية الإعلامية لمصلحته من قبل مؤسستين إعلاميتين محليتين. تأجيلات متكررة وانتقادات متزايدة منذ بدء محاكمته في مايو 2020، قدّم نتنياهو عدة طلبات لتأجيل الجلسات، مستندًا في الغالب إلى مسؤولياته الحكومية أو تطورات أمنية. وخلال ولايته الحالية التي بدأت أواخر 2022، دفعت حكومة نتنياهو بمقترحات لإجراء تعديلات قضائية واسعة، اعتبرها منتقدوه محاولة لإضعاف السلطة القضائية، ما أثار موجة احتجاجات ضخمة توقفت فقط مع اندلاع الحرب في غزة. وفي مقابلة بثتها القناة 12 الإسرائيلية مساء السبت، قال رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت إن نتنياهو 'أدى إلى تفاقم الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي'، داعيًا إلى رحيله، وأضاف: 'بقاء شخص في السلطة لمدة 20 عامًا أمر غير صحي'. وكان بينيت قد نجح في تشكيل حكومة أطاحت بنتنياهو في عام 2021، لكنه لم ينجح في الاستمرار حتى نهاية ولايته، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية عودته إلى الساحة السياسية، وهو أمر لم ينفه ولم يؤكده في المقابلة.

سودارس
منذ 8 ساعات
- سودارس
مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان
وفق إعلام النيابة العامة. أصدرت محكمة الجرائم والنزاعات الاقتصادية برئاسة مولانا النيل علي عمر أحمد حكمًا قضى بالغرامة مبلغ (1000000) جنيه سوداني، وبالعدم السجن لمدّة ستة أشهر مع مصادرة كمية النحاس المعروضات البالغ وزنها (13020) كيلو جرام لصالح حكومة السودان، وذلك في مواجهة المتّهم" ط ع أ ع"، بعد أن أدانته المحكمة في الدعوى الجنائية بالرقم (غ إ /23 /2025 ) لمخالفته نص المواد (32 / أ / ه) من قانون تنمية الثروة المعدنية لسنة 2015 تعديل 2019 م. وصدر الحكم في حضور محامي الدفاع وتولت النيابة الاقتصادية الإدعاء العام أمام المحكمة.