
"إيش تخرب".. عين أسطورية في الوادي الجديد عمرها آلاف السنين -صور
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
على بُعد نحو 7 كيلومترات من طريق الخارجة - باريس، تقع قرية صغيرة تخفي في طياتها تاريخًا عميقًا وأسرارًا مدفونة في رمال الواحات.
إنها قرية "جناح"، إحدى القرى القديمة في الواحات الخارجة، التي تعود جذورها إلى العصر الروماني، وكانت محل اهتمام المستكشفين والرحالة الأجانب منذ أوائل القرن التاسع عشر.
عين استخرب "إيش تخرب"
يروى أن أصل اسم "استخرب" مشتق من عبارة "إيش تخرب"، أي "لا تخرب أبداً"، في إشارة إلى قدم العين ودوام جريان مائها، التي امتدت لعشرات السنين، كمصدر أساسي للحياة والزراعة في المنطقة، تقع هذه العين في قرية جناح، الواقعة في الواحات الخارجة جنوب مصر، التي كانت وما زالت شاهدة على تاريخ امتد لآلاف السنين، وفقا لتصريح الخبير الأثري بهجت أحمد، مدير الآثار السابق بالوادي الجديد.
وأضاف الخبير الأثري، أنه الجغرافي ورسام الخرائط البريطاني هيو جون ليولين بيدنيل زار عين "استخرب" في جناح الواحات عام 1909، ليؤكد أهمية هذا المصدر العريق للمياه الذي ظل يغذي الواحة منذ مئات وربما آلاف السنين، هذه العين ليست مجرد نقطة مائية في الصحراء الغربية، بل شاهد حي على تاريخ عريق وحياة استمرت لعقود طويلة، وربطت بين الحضارات القديمة ومستوطني الواحات حتى يومنا هذا.
جناح والزعيم الباكستاني
أكد بهجت، أنه تنتشر في بعض المصادر والمقالات الصحفية معلومة خاطئة تفيد بأن اسم قرية جناح يعود للزعيم الباكستاني محمد علي جناح في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أن المصادر الحقيقية تكشف عن خطأ هذه المعلومة، حيث يؤكد الرحالة البريطاني جورج ألكسندر هوسكينز في كتابه "زيارة إلى الواحة العظمى في الصحراء الليبية" (1832) أن اسم القرية (Genah) كان معروفاً منذ القرن التاسع عشر، أي قبل ظهور الزعيم الباكستاني.
ويضيف بهجت، إنه تقع جناح البلد القديمة على بعد حوالي 7 كيلومترات غرب طريق الخارجة باريس، وهي من قرى بورسعيد التاريخية، وأول من دون اسم قرية جناح في اكتشافاته كان المستكشف الإيطالي برناردينو دروفيتي، الذي زار الواحات حوالي عام 1820 وذكر أن الوصول إليها يتطلب ساعة مشياً على الأقدام من منطقة النسيمه القريبة.
جناح بين العصور والرومانيين
قال الأثري محمد إبراهيم، مدير الآثار المصرية بالوادي الجديد، إنه يرجع تاريخ قرية جناح إلى العصور الرومانية، حيث استقر سكانها في منطقة "عين الديب" على بعد 3 كيلومترات غرباً، وهي منطقة مغطاة بالرمال اليوم، لكنها تحوي بقايا مستوطنة رومانية قديمة تشمل مبانٍ من الطوب اللبن ومقبرة، يروي السكان أن الذئاب كانت تتجمع ليلاً في هذه المنطقة لمطاردة الحيوانات الأليفة، ولذلك سُميت بعين الديب.
وأضاف محمد، أن الرحالة البريطاني جورج ألكسندر هوسكينز (1802-1863) أشار إلى كثرة القنوات الرومانية في سهل قرن جناح القديمة، ووصف شوارع القرية بأنها كانت صغيرة ومفتوحة من الأعلى، مما يميزها عن واحة الخارجة التي تحوي سقائف.
وأكد أن ظلال الأشجار والنخيل غطت بعض الأزقة، مما جعل من الصعب مرور الجمال والإبل المحملة عبرها، في عام 1832، كان عدد سكان القرية حوالي 250 نسمة بينهم 50 رجلاً. الرجال كانوا يرتدون ملابس من الصوف البني المصنوع يدوياً، مع أحذية حمراء، حسب وصف هوسكينز.
أصل سكان جناح وقبيلة الأبروسي
قال محسن عبد المنعم الصايغ مدير الهيئة المصرية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، إنه بحسب عالم الأنثروبولوجيا الألماني فرانك بليس، وبتأكيد عمدة القرية الشيخ أحمد نوار رضوان من عائلة الأبروسي، تأسست قرية جناح بين عامي 1730 و1750 على يد الأبروسيين من قبيلة بنو غازي، قبل عام 1800، انتقلت العديد من العائلات من دلتا النيل وصعيد مصر إلى الواحات، واستقر البعض في جناح القديمة، التي بُنيت حول عين استخرب، التي أسست عليها حقول نخيل تمور مشهورة بجودتها وإنتاجها العالي في الواحات.
رئة الواحات
وأضاف محسن، أنه قد رسم الخرائط البريطاني هيو جون ليولين بيدنيل، الذي أجرى أبحاثًا في الواحات عام 1898، تحدث عن مصدرين رائعين للمياه في جناح، هما عين استخرب وعين مقرين، وصف هذين المصدرين بأنهما الأكثر إنتاجاً في الصحراء الغربية، حيث تخرج منهما مياه عذبة منذ مئات وربما آلاف السنين. وقدر كمية المياه المنبعثة من العيون بين 700 و800 جالون في الدقيقة، ما يجعلها شريان الحياة الرئيسي للزراعة والتمور في المنطقة.
قال خبير التراث الواحاتي محمود عبد ربه، من أبناء واحة الخارجة، "عين استخرب ليست مجرد عين ماء، بل هي كنز تاريخي وحيوي للقرية والواحات بأكملها. هذه العين جعلت من جناح الواحات مركزًا للزراعة والاستقرار، وظلت حتى اليوم موردًا لا غنى عنه".
وأضاف: "القرية لا تزال تحافظ على تراثها الأثري، رغم التحديات التي تواجهها في مواجهة التصحر وتغير المناخ. نحن نحرص على الحفاظ على هذه العيون التاريخية لأنها تعني لنا الحياة".
وأكد عبد ربه، أن التاريخ يوضح كيف أن قرية جناح القديمة كانت مركزًا للزراعة والرعي، واستمر سكانها في استغلال مياه عين استخرب لزراعة نخيل التمر الذي يعد من أجود أنواع التمور في الواحات، مع مرور الوقت، استمرت القرية في الحفاظ على نمط حياتها التقليدي الذي يعود إلى قرون، وسط صحراء غربية شاسعة.
تظل عين استخرب وجناح من العلامات التاريخية الفريدة في الواحات المصرية، حيث يجتمع التاريخ والجغرافيا والثقافة في نبع ماء عذب لا ينضب.
هذه العيون العتيقة تعكس إرثًا بيئيًا وإنسانيًا يجب أن يحظى بالمزيد من الحماية والاهتمام في ظل التحديات التي تواجهها الواحات اليوم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة الأهرام
منذ 29 دقائق
- بوابة الأهرام
خطوات التقنيات الحديثة لزراعة الأرز آلياً
أحمد حامد قام معهد بحوث الهندسة الزراعية التابع لمركز البحوث الزراعية، برئاسة الدكتور يسري الصياد مدير المعهد، بتنفيذ حزمة تكنولوجيا متكاملة لزراعة الأرز باستخدام أحدث نظم الميكنة الزراعية. موضوعات مقترحة وجاءت هذه الحزم على النحو التالى: - إعداد صواني الشتل آلياً باستخدام خط إنتاج الى متكامل لضمان دقة وجودة الشتلات. - الشتل الآلي بأحدث الماكينات ذات الكفاءة العالية، مما يقلل الفاقد ويرفع إنتاجية المحصول. - التنفيذ في حقول المزارعين وبعض مواقع قطاع الإنتاج ومحطات البحوث وفق عقود مسبقة من خلال مركز ميكنة الأرز، بميت الديبة، فرع المعهد بمحافظة كفر الشيخ. وتأتي تلك الخطوة في إطار استراتيجية المعهد لتعميم الزراعة الآلية، التي توفر الوقت والجهد ،كما تسهم في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة جودة المحصول. ومن المعروف أن هذه التقنيات تم اختبارها ميدانياً على مدار سنوات بنجاح، ويتم تعميمها على نطاق أوسع بالتعاون مع وزارة الزراعة لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة ويهدف دعم المزارعين وتحسين إنتاجية الأرز من خلال تقليل الاعتماد على العمالة اليدوية وزيادة الدقة في عمليات الزراعة، بما يسهم في تعزيز التنمية الزراعية المستدامة في مصر. يذكر أن معهد بحوث الهندسة الزراعية يتبنى أحدث الأبحاث التطبيقية لدعم المزارعين ومواكبة التطورات العالمية في مجال الميكنة الزراعية ويأتي ذلك في إطار جهود المعهد لتعزيز الميكنة الزراعية وتطبيق التكنولوجيا الحديثة لرفع كفاءة الإنتاج.

مصرس
منذ 33 دقائق
- مصرس
تحافظ على موارد المياه العذبة وتحقق إضافة كبيرة للإنتاج :الزراعة الملحية .. كنز جديد لاستغلال الأراضى الساحلية
فى ظل ما تشهده مصر من تحدياتٍ مائية متصاعدة، وتقلص مستمر فى الرقعة الزراعية، تبرز الزراعة الملحية كخيار استراتيجى يحمل فى طياته ملامح ثورة هادئة فى مستقبل الأمن الغذائي.. لم تعد الملوحة عائقًا، بل تحولت إلى مُحفز للابتكار، بعد أن أثبتت التجارب العلمية إمكانية تحويل الأراضى الهامشية والمياه المالحة إلى موارد مُنتجة، وبينما تتوسع دول مثل: الهند والصين فى تطبيق تقنيات الزراعة الملحية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بدأت مصر مؤخرًا فى إعادة اكتشاف هذا المسار عبر جهود بحثية وميدانية يقودها علماء ومراكز بحثية طموحة، تسعى لاستغلال ثرواتنا المنسية من المياه الجوفية المالحة وسواحلنا الممتدة، بحثًا عن محاصيل تقاوم التحدى وتزدهر وسط الصعاب، «الأخبار» تسلط الضوء على هذا النوع من الزراعة ومستقبله فى مصر. الزراعة الملحية تُعد نمطًا زراعيًا يعتمد على استغلال أنواع وسلالاتٍ نباتية تمتلك قدرة طبيعية على التكيف مع درجات ملوحة وحرارة مرتفعة، وتعود جذور هذه الفكرة إلى النظم البيئية ذاتها، حيث تنمو نباتات مقاومة للملوحة تلقائيًا فى بيئات شديدة القسوة مثل: الشواطئ الرملية، ومناطق المد والجزر، والمناطق المغمورة بالمياه المالحة.اقرأ أيضًا | الزراعة و«الإيفاد» يستعرضان أنشطة مشروع التكيف في البيئات الصحراويةهذه الظاهرة الطبيعية ألهمت عددًا من الباحثين منذ منتصف القرن العشرين، فبدأت محاولات لاستخدام مياه البحر فى رى نباتات مُختارة يمكن أن تبدى قدرة على التكيف مع الملوحة والاستمرار فى النمو، واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل ، سواء من المحاصيل الغذائية الأساسية كالشعير والقمح، أو من النباتات المُستخدمة كأعلافٍ ومراعٍ طبيعية للماشية.مفهوم الزراعة الملحية لا يتوقف عند حدود زراعة محاصيل تتحمل المياه المالحة، بل تطور ليشمل توظيف تلك المياه، ولو بنسب قليلة فى تحسين جودة بعض النباتات، والتحكم فى عملية نضجها.المياه المالحةفى هذا السياق، أكد الأستاذ الدكتور محمد الحجري، رئيس وحدة الرى والصرف بمركز بحوث الصحراء، أن مصر تمتلك ما يقرب من 6 مليارات متر مكعب من المياه المالحة، تتنوع بين مياه محلاة وجوفية عالية الملوحة، مشيرًا إلى أن هذه الموارد يمكن الاستفادة منها فى الزراعة المحلية بدلاً من تركها تتسبب فى تدهور التربة، مضيفًا أن معالجة التربة المالحة تُعد عملية باهظة التكلفة، إذ يصل ثمن المتر المكعب الواحد إلى دولار أمريكي، أى ما يعادل نحو 350 ألف جنيه للفدان الواحد، مما يضع عبئًا ماليًا كبيرًا على كاهل المزارعين والدولة.وأشار إلى أن الحل الأمثل لهذه الإشكالية يمكن أن يُستوحى من تجارب ناجحة فى كل من الأردن والمغرب، حيث تم التوسع فى استخدام تقنيات الزراعة بدون تربة عبر ما يُعرف بالزراعة الهوائية، وهى تقنية تعتمد على بقاء الجذور معلقة فى الهواء دون تلامس مباشر مع التربة، موضحًا أن هذه الطريقة أثبتت فاعلية كبيرة، حيث استطاعت الدولتان التغلب على التكلفة المرتفعة لتحلية المياه من خلال الزراعة داخل بيوت محمية تعتمد على تقنيات الزراعة بدون تربة، بكفاءة تصل إلى أكثر من 95%، نتيجة لانعدام الفاقد من المياه سواء بالبخر أو الرشح العميق، مما يعظم من الاستفادة من كل قطرة مياه مُحلاة مرتفعة التكاليف، ويرفع العائد الاقتصادى للمشروع، الذى تم البدء فيه بالفعل على مستوى قطاع الاستثمار الزراعي، وحقق نجاحًا ملحوظًا.نباتات تتحدى الملوحةوتحدث الحجرى عن الزراعة الملحية قائلاً: إنها تنتج نباتاتٍ تتحمل الملوحة العالية، مثل: نبات المانجروف، الذى يُستخدم كعلف للجِمال، إلى جانب دوره البيئى المهم فى حماية الشواطئ من التآكل، كما أشار إلى نبات البونيكام، الذى يُعد علفًا أخضر ويمتاز عن البرسيم من حيث التحمل والقدرة الإنتاجية، بالإضافة إلى مجموعة من النباتات الملحية الأخرى التى تُعد بدائل واعدة فى مجال الأعلاف.. ومن أبرز هذه النباتات: «الساليكورنيا»، والتى تنمو فى المستنقعات المالحة وتضم أكثر من 30 نوعًا يمكن تناولها، وكذلك «الفربيون المتوازي»، و»عشب الرمل»، و»الطيطان البحري» المعروف أيضًا ب «بصل البر»، فضلًا عن نخيل البلح، والزيتون، والجوجوبا، والأكاسيا، والقطف، التى تصلح جميعها كأعلاف حيوانية وتتميز بتحملها لمستويات مرتفعة من الملوحة، وبعضها ينمو على شواطئ البحر مباشرة، وفقًا للدكتور الحجري.مراكز التميزوأضاف: أن من أبرز المبادرات التى جرى إطلاقها فى هذا المجال هى مبادرة «مراكز التميز للزراعات الملحية»، التى تُعنى بإجراء بحوث متقدمة على النباتات القادرة على تحمل الملوحة، ودراسة أفضل الاستخدامات الصناعية والاقتصادية المُمكنة لها، بما يفتح آفاقًا جديدة للتنمية المستدامة فى البيئات الصحراوية وشبه المالحة.وأوضح أن الزراعة الملحية لم تعد مجرد فكرة نظرية بمصر، بل أصبحت واقعًا ملموسًا، موضحًا أن هناك بالفعل زراعاتٍ ملحية قائمة حاليًا فى منطقة المغرة بجنوب العلمين، فى تجربة تُعد الأولى من نوعها فى هذا السياق، وتمثل خطوة مهمة نحو توطين هذا النوع من الزراعات.صرف إضافىورغم ما تحمله الزراعة الملحية من مزايا، إلا أن الدكتور الحجرى حذر من بعض التحديات المرتبطة بها، وفى مقدمتها: أن التربة الزراعية قد تتعرض لزيادة فى نسب الملوحة، إذ يمتص النبات حاجته من الأملاح، بينما تُترك البقايا فى التربة، مما يستدعى لاحقًا صرفًا إضافيًا على استصلاح الأرض مرة أخرى، مشددًا على أن الحل الأمثل لمثل هذه المشكلات يكمن فى تطبيق التجربة الأردنية والمغربية بالاعتماد على تحلية المياه واستخدام تقنيات الزراعة بدون تربة، باعتبارها خيارًا مستقبليًا واعدًا لمواجهة ندرة المياه وتحديات الأمن الغذائى فى المنطقة.التغيرات المناخيةفى ظل التغيرات المناخية وندرة المياه العذبة تأتى الحاجة الملحة للزراعة الملحية، وهو ما أكده الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز بحوث الصحراء، إذ قال: إن الزراعة الملحية لم تعد مجرد خيار بديل، بل أصبحت ضرورة استراتيجية تفرضها تداعيات التغيرات المناخية التى يمر بها العالم، ومنها: مصر.وأوضح أن من أخطر هذه التغيرات: ارتفاع منسوب سطح البحر، مما يهدد الأراضى الساحلية بالتملح والغمر، إلى جانب ظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن تزايد انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، والتى تؤدى بدورها إلى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات البخر من التربة، وبالتالى ارتفاع نسبة الملوحة، الأمر الذى ينعكس سلبًا على إنتاجية الأراضى الزراعية.سلالات جديدةوشدد فياض على أن التعامل مع هذا الواقع يقتضى استنباط سلالات نباتية جديدة قادرة على تحمل مستويات مرتفعة من الملوحة والحرارة، مشيرًا إلى أن هذه الأصناف يمكنها أن تعوض بشكل جزئى التراجع الحاد فى إنتاجية المحاصيل التقليدية تحت ظروف الملوحة والحرارة.. وذكر أن هناك محاصيل علفية مثل: «الدخن» و»البونيكام» تُظهر قدرة كبيرة على التكيف مع الأراضى الملحية، مقارنة بمحاصيل تقليدية مثل: البرسيم، إلى جانب محاصيل حبوب مثل: «الكينوا» التى تجود فى البيئات المالحة ويمكن استخدامها فى إنتاج المخبوزات، مما يجعلها بديلًا واعدًا فى ظل الأزمة المناخية.خريطة للأراضىوأشار فياض إلى أن الخطوة الأولى نحو الاستفادة القصوى من الزراعة الملحية تتمثل فى إعداد خريطة جغرافية دقيقة للأراضى المتأثرة بالملوحة فى مصر، من خلال مسوحات تربة ميدانية تشمل تحليل الخصائص الكيميائية للتربة، وتحديد نسبة الملوحة ومعدلات تغيرها على مر السنوات، وهذه الخريطة بحسب فياض، ضرورية لفهم طبيعة المشكلة وأسبابها، سواء كانت ناتجة عن تسرب مياه البحر، أو ارتفاع درجات الحرارة، أو الاستخدام غير المستدام للأسمدة والمبيدات الذى يؤدى إلى تراكم بقايا كيميائية فى التربة تزيد من ملوحتها.تحديد المحاصيلوأوضح فياض: أنه بعد تحديد المناطق المتأثرة وأسباب التملح، تأتى مرحلة دراسة التركيب المحصولى المناسب لتلك الأراضي، بما يشمل اختيار المحاصيل القادرة على النمو فى هذه البيئات، وتقييم جدواها الاقتصادية، ومعرفة ما إذا كانت محاصيل تصديرية أو صناعية أو علفية، وإمكانية إدخالها فى أنشطة مرتبطة كالإنتاج الحيوانى أو الصناعات الغذائية، مشددًا على أهمية التفكير فى بدائل حقيقية تعالج الفجوات الغذائية، مثل: استخدام الكينوا بدلًا من القمح، أو إحلال محاصيل مثل: الدخن والبونيكام محل البرسيم لتوفير مساحة أكبر لمحاصيل استراتيجية مثل: القمح والفول.جهود بحثيةوشدد على ضرورة زيادة الدراسات البحثية المتكاملة فى هذا المجال داخل مصر، مشيرًا إلى أن ما يتم حاليًا من جهود بحثية، سواء على مستوى الأفراد أو المراكز يحتاج إلى المزيد، ويحتاج إلى دعم أعمق وارتباط أكبر بين التخصصات المختلفة، موضحًا أن الزراعة الملحية تحتاج إلى تكامل واضح بين دراسات النبات والتربة والإنتاج الحيوانى والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن توظيف تقنيات حديثة مثل: نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد لرصد التغيرات فى التربة وحساب مؤشرات تدهور الأرض، والتى تُعد من المؤشرات الضرورية لفهم تطور الحالة البيئية والزراعية للمناطق المُعرضة للملوحة.ولفت الدكتور فياض إلى أن هناك بعض الجهود الجارية على أرض الواقع فى مجالات الزراعة الملحية، مثل: المشروعات المقامة فى سهل الطينة، وبعض المناطق بالقرب من بورسعيد، وكذلك فى واحات مرسى مطروح وشبه جزيرة سيناء، حيث تتم تجربة محاصيل مثل: الدخن والكينوا، لكنه أوضح أن هذه الجهود ما زالت محدودة، مشددًا على ضرورة زيادة التمويل المُوجه للبحث العلمي.التنمية الزراعيةوتمثل الزراعة أهمية اقتصادية كبيرة، فما أهمية هذا النوع منها؟ يجيب د. عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، بأن ندرة المياه العذبة وزحف المناطق الحضرية وتآكل التربة الزراعية وغيرها يشكل تحديًا كبيرًا أمام خطط التنمية الزراعية والتوسع الحضرى والرؤى المستقبلية، ويتطلب فى الوقت ذاته بذل مزيد من الجهد والبحث عن أفكار خلاقة وحلول غير تقليدية من أجل مجابهتها، وتُعد الزراعة الملحية أحد هذه الحلول غير التقليدية التى يمكن أن تُحدث ثورة فى مجال الزراعة التقليدية، وتحقق فضائل ومزايا كثيرة، منها: الحفاظ على موارد المياه العذبة ومخزون المياه الجوفية واستغلال المناطق الساحلية غير الحضرية والأراضى السبخية فى الزراعة.توجه استراتيجيوأضاف بأن الزراعة الملحية تمثل توجهًا استراتيجيًا واعدًا لمصر فى ظل التحديات المتزايدة المرتبطة بندرة المياه العذبة وتملّح التربة، وهى تعتمد على زراعة محاصيل تتحمل مستوياتٍ عالية من الملوحة باستخدام مياه مالحة أو شبه مالحة، مثل: مياه الصرف الزراعى بعد معالجتها أو المياه الجوفية المالحة أو حتى مياه البحر بعد معالجتها.وأوضح بأن أهمية ومكاسب الزراعة الملحية لمصر تتمثل فى الحفاظ على المياه العذبة، لأنه باستخدام المياه المالحة، يمكن توفير كميات كبيرة من المياه العذبة لاستخدامها فى الشرب أو الزراعة التقليدية ذات العائد المرتفع، وكذلك استغلال الأراضى المتملحة وغير المُستغلة، إذ تُقدر نسبة كبيرة من الأراضى الزراعية فى مصر بأنها متأثرة بالملوحة، خاصة فى شمال الدلتا وسيناء، ويمكن الاستفادة منها عبر الزراعة الملحية بدلًا من تركها بورًا.تحقيق الأمن الغذائى أيضًا من أبرز المكاسب وفقًا للدكتور السيد، إذ يقول: إن زراعة محاصيل مثل: الكينوا، الشعير الملحي، الساليكورنيا التى تُستخدم فى إنتاج الزيوت والأعلاف، تساعد فى تنويع مصادر الغذاء وتقليل الاعتماد على الاستيراد، فضلاً عن دعم الاقتصاد الريفى وتوفير فرص عمل، فإدخال تقنيات الزراعة الملحية فى كثير من المناطق يمكن أن يوفر فرص عمل ويساهم فى الحد من الهجرة الداخلية.ويتابع بأنه من ضمن مكاسب هذا النوع من الزراعة، إنتاج بدائل صناعية وتصديرية، فبعض النباتات الملحية تدخل فى صناعات الأدوية، الأعلاف الحيوانية، الزيوت، والوقود الحيوي، مما يفتح آفاقًا تصديرية جديدة.استراتيجية وطنيةويرى مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية: أن مصر تحتاج لتفعيل وتشجيع الزراعة الملحية والتوسع فيها، ويمكن ذلك عن طريق وضع استراتيجية وطنية للزراعة الملحية تشمل خريطة بأماكن الزراعة المُحتملة وأنواع المحاصيل المناسبة، وكذلك الاستثمار فى البحث العلمى لتطوير محاصيل مُحسنة تتحمل الملوحة، وتحسين إدارة الملوحة فى التربة.ويشدد على أهمية نقل التكنولوجيا من الدول الرائدة فى هذا المجال مثل: الإمارات وهولندا والمكسيك، وتوفير حوافز للمزارعين والمستثمرين للدخول فى هذا المجال من خلال دعم مالى أو تقني، بالإضافة إلى الربط مع الصناعة عن طريق توجيه الإنتاج لاستخدامه فى الأعلاف، الطاقة الحيوية، أو الزيوت، وغيرها.تجربة مستجيروعند الحديث عن التجارب الناجحة فى هذا المجال، يتبادر إلى الأذهان الدكتور أحمد مستجير، أحد أبرز رواد الهندسة الوراثية فى مصر والعالم العربي، الذى لعب دورًا محوريًا فى تطوير الزراعة الملحية، وقدم تجربة بالاعتماد على أبحاث رائدة فى استنباط سلالات من المحاصيل، مثل: القمح، قادرة على النمو فى بيئات مالحة، مما يفتح آفاقًا جديدة للزراعة فى الأراضى غير الصالحة تقليديًا، وتُعد الهند من أوائل الدول التى استفادت من أبحاث الدكتور مستجير، حيث قامت بتطوير تقنيات الزراعة الملحية لتحقيق اكتفاء ذاتى فى زراعة القمح باستخدام مياه البحر، مما ساعد فى تلبية احتياجات سكانها.كما تبنت الصين هذه التقنيات، حيث نجح علماء صينيون فى تطوير سلالات من الأرز تنمو فى التربة المالحة، مما ساهم فى تحويل أراضٍ غير صالحة للزراعة إلى أراضٍ مُنتجِة، وبالتالى تعزيز الأمن الغذائى فى البلاد، بالإضافة إلى ذلك بدأت بعض دول الخليج فى تطبيق تقنيات الزراعة الملحية لمواجهة تحديات ندرة المياه وتوسيع الرقعة الزراعية.


الصباح العربي
منذ 2 ساعات
- الصباح العربي
قبل الامتحانات.. مراجعة هندسة الصف الثاني الإعدادي بالترم الثاني 2025
بدأ طلاب الصف الثاني الإعدادي في مختلف المحافظات بالتحضير لاختبارات الفصل الدراسي الثاني، عقب إعلان المديريات التعليمية جداول الامتحانات المقررة انطلاقها في الأيام الأخيرة من شهر مايو الحالي. ويسعى العديد من الطلاب للحصول على مراجعة مادة الهندسة للترم الثاني 2025، باعتبارها أداة ضرورية لتثبيت المعلومات واستيعاب النقاط الأساسية التي وردت في المنهج الدراسي، حيث تتضمن المراجعة تدريبات وأسئلة على النماذج المتوقعة في الامتحان. وفي السياق ذاته، كشفت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عن موعد انطلاق امتحانات الصف الثاني الإعدادي للفصل الدراسي الثاني، إذ تبدأ في الثاني والعشرين من مايو الجاري، وتستمر حتى السابع والعشرين منه، وتُجرى وفق الجداول الرسمية المعتمدة من المديريات التعليمية. ونقدم لكم في السطور التالية مراجعة لمادة الهندسة للصف الثاني الإعدادي نقلاً عن وزارة التربية والتعليم: