
"سبيس إكس" تطلق أول رحلة فضائية مأهولة تحلق فوق قطبي الأرض
أطلقت شركة "سبيس إكس" المملوكة للملياردير إيلون ماسك في وقت متأخر أمس الإثنين مهمتها "فرام 2" التي من المقرر أن تحلق فوق القطبين الشمالي والجنوبي للأرض وتحمل طاقماً من أربعة رواد فضاء غير محترفين، مما يمثل خطوة جديدة في استكشاف الفضاء التجاري.
وصدحت هتافات وتشجيعات أفراد طاقم "سبيس إكس" خلال عملية الإطلاق الناجحة للمهمة عبر كبسولة "دراغون" التي يحملها صاروخ "فالكون 9"، وفق ما أظهرت لقطات بثتها الشركة مباشرة على موقعها الإلكتروني.
يشارك في هذه المهمة الخاصة التي أطلق عليها اسم "فرام 2" في إشارة إلى القارب الذي استخدم للاستكشاف القطبي في القرن الـ19، أربعة أشخاص من خلفيات متنوعة ليسوا من رواد الفضاء المحترفين.
وقد أطلق الصاروخ "فالكون 9" في الساعة 21:46 (01:46 بتوقيت غرينيتش الثلاثاء) من مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا.
وقال قائد المهمة تشون وانغ، وهو رائد أعمال في مجال العملات المشفرة يمول المهمة، "بالروحية الرائدة نفسها التي تحلى بها المستكشفون القطبيون الأوائل، نسعى إلى التوصل إلى معارف وبيانات جديدة لإحراز تقدم في استكشاف الفضاء على المدى البعيد".
ويرافقه في هذه الرحلة إلى الفضاء المخرجة النرويجية يانيكه ميكلسن، والأسترالي الذي استكشف القطبين كمرشد إريك فيليبس، والباحثة الألمانية المتخصصة في الروبوتات رابيا روغه.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التجارب المرتقبة
من المتوقع أن تستمر مهمتهم في الفضاء ما بين ثلاثة وخمسة أيام، وستسمح بإجراء أكثر من 20 تجربة علمية، بما في ذلك التقاط أول صور بالأشعة السينية في الفضاء وزراعة الفطر في ظل انعدام الجاذبية. وثمة تجارب عدة يمكن الاستفادة منها في الرحلات المستقبلية إلى المريخ.
وتدرب أفراد الطاقم مسبقاً لثمانية أشهر، بما في ذلك خلال فصل الشتاء في ألاسكا.
وعند عودتهم إلى الأرض، سيحاول رواد الفضاء الأربعة الخروج من الكبسولة من دون مساعدة طبية، في إطار دراسة لتحديد المهام البسيطة التي يمكن أن يؤديها رواد الفضاء بعد رحلة في الفضاء.
وسبق لـ"سبيس إكس" أن نفذت خمس رحلات خاصة، ثلاث إلى محطة الفضاء الدولية بالتعاون مع "أكسيوم سبيس"، واثنتان حول مدار الأرض.
وكانت أولى هذه الرحلات "إنسبيرايشن 4" سنة 2021 ثم "بولاريس داون" التي أنجزت خلالها أول عملية سير خاصة في الفضاء على الإطلاق.
ومول كلتا المهمتين الملياردير جاريد أيزاكمان، أحد المقربين من إيلون ماسك والذي رشحه الرئيس الأميركي دونالد ترمب مذاك ليصبح رئيس وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في المستقبل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 9 ساعات
- Independent عربية
الصين رائدة في سباق اتصالات الجيل الخامس والسادس
حينما أسس رن تشنغ فاي "هواوي" في عام 1987، لم تحز شركة الاتصالات تلك سوى على بضعة آلاف من الدولارات في البنك، ووضعت نصب أعينها التركيز على الهندسة العكسية للتكنولوجيا الأجنبية المتطورة. [الهندسة العكسية هي عملية تحليل منتج (سواء كان جهازاً أو برنامجاً) لفهم مكوناته الداخلية وطريقة عمله، بهدف تقليده أو تحسينه أو إنتاج نسخة مشابهة له، من دون توفر التصاميم الأصلية]. ومع حلول عام 1994، توصلت "هواوي" إلى إنتاج أجهزة الربط بين المكالمات التليفونية، إضافة إلى المعدات والبرامج الرقمية التي تشكل الأساس للاتصالات الحديثة. وحينذاك، عقد اجتماع بين رن والسكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني، جيانغ زيمين. وأشار المدير الرئيس لـ"هواوي" إلى أن منتجات شركته تندرج ضمن "الأمن الوطني"، معتبراً أن البلد "الذي لا يمتلك معداته الخاصة في ربط الاتصالات الهاتفية يشبه الوطن الذي ليس لديه جيش"، وعلق جيانغ "أحسنت قولاً". منذ تلك اللحظة، انعقدت شراكة بين الحكومة والشركة لتولي مهمة ضمان أمن الصين في الاتصالات. وإبان أواخر عقد التسيعينيات من القرن الـ20 والعقد الأول من القرن الحالي، لم تتعمق الولايات المتحدة في التفكير بهيمنتها على قطاع الاتصالات. ولم تنافس ريادتها في ذلك القطاع، وتبنى العالم كله الابتكارات الأميركية فيه، بما في ذلك تقنيات الأجيال الثاني والثالث والرابع لشبكات الاتصال، وأركن إلى مأمونية استخدامها. وتربعت الولايات المتحدة بثقة ورضا عن الذات على تلك القمة، ومحضت ثقتها إلى قدرة السوق الحرة على إبقائها في ذلك الموقع. وفي المقابل، اعتنت الصين بتأهيل نفسها للتوصل إلى منافسة أميركا. وضخت بكين موارد ضخمة لمصلحة "هواوي" وشركات صينية مشابهة أخرى، مما وضعها في موقع المنافسة مع الشركات الأجنبية. وتبدى مدى النجاح الكبير لتلك الجهود مع حلول عام 2012، في انتشار المعدات الصينية لربط الاتصالات في الأرياف الأميركية، وشملت تغطيتها القواعد التي تستضيف الأسلحة النووية الأميركية. وبالنيجة، مكن ذلك الأمر الحكومة الصينية من ممارسة رقابة مستمرة على المستويات الأشد حساسية في القدرات والعمليات العسكرية الأميركية. وربما لم تنل "هواوي" مستويات رفيعة من الأرباح في أعمالها، لكن تلك الشركة مثلت قبضة استخبارية قوية بالنسبة إلى بكين. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى رغم أن الولايات المتحدة شرعت في التصدي لتلك الجهود وصولاً إلى حظر "هواوي" في الشبكات الأميركية عام 2016، إلا أن ذلك لم يوقف تصاعد نجاح تلك الشركة التي باتت الآن المقدم الأول في العالم لشبكات الاتصال من الجيل الخامس، اختصاراً "5 جي" 5G، إضافة إلى كونها لاعباً مهيمناً في صناعة معدات الاتصالات. وكذلك تتأهب الشركة نفسها لتسنم موقع القيادة في الجيل المقبل لشبكات الاتصال، أي الـ"6 جي" 6G. وبصورة محقة بعض الشيء، يدين منافسو "هواوي" تلك الشركة بأنها تحقق هيمنتها عبر سرقة الملكية الفكرية، والدعم الحكومي الكبير، وحقيقة أن السوق الصينية مغلقة في وجه شركات الاتصالات الأجنبية. وضمن ذلك السياق، قضت "هواوي" على مجموعة من خصومها. وفي الأعوام الـ15 الأخيرة، أخرج بعض منافسيها، على غرار "سيسكو" و"موتورولا"، من سوق معدات الاتصالات. وكذلك أجبرت شركات أخرى من وزن "لوسنت" الأميركية، و"آلكاتل" الفرنسية، و"سيمينز" الألمانية، على التراجع أو الاندماج مع شركات أضخم منها، كي تستطيع الاستمرار في المنافسة. وفي عام 2009، أشهرت شركة "نورتل" الكندية إفلاسها. واليوم، لا يقدر على منافسة "هواوي" من الشركات غير الصينية سوى "إريكسون" السويدية، و"نوكيا" الفنلندية. وتشكل الولايات المتحدة أكبر أسواقهما، وتعتمد شركات الاتصالات في الولايات المتحدة على خدمات كليهما. ولا يقتصر أمر تلك المعطيات على أن الشركات الغربية خسرت ببساطة حصتها في السوق، إذ تحمل شبكات "هواوي" بيانات قيمة يجبرها قانون الاستخبارات الصيني على تقديمها إلى الحكومة حينما تطلبها. إمكان الوصول إلى هذه البيانات في أية لحظة أمر لا يقدر بثمن بالنسبة إلى بكين. وحاضراً، في حقبة الذكاء الاصطناعي، باتت مجموعات البيانات التي تملكها "هواوي" محملة بوظيفة أخرى تتمثل بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ولقد نشرت "هواوي" خدماتها المسماة "المدينة الذكية" في أكثر من 200 مدينة تتوزع على 40 دولة تمتد من سنغافورة إلى إسبانيا. وتشمل تلك الخدمات كاميرات المراقبة في الشوارع، وبيانات معيارية عن الكهرباء والغاز والماء، وتحليلات للسوشيال ميديا. ومن المستطاع تغذية النماذج الصينية للذكاء الاصطناعي بتلك المجموعات من البيانات، إضافة إلى إتاحتها للجيش ووكالات الاستخبارات الصينية. ويؤول ذلك، بالتالي، إلى إعطاء بكين موقع القيادة في الاتصالات، إضافة إلى جعلها لاعباً مهيمناً في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي لمصلحة الأمن الوطني والسلامة العامة. وفي خضم عملية الاختراق الإلكتروني "إعصار الملح" أخيراً التي استهدفت الشركات الأميركية الرئيسة في الاتصالات، تبين مدى تصميم الصين على امتلاك نفاذ إلى شبكات الولايات المتحدة وبأية وسيلة تقتضيها الضرورة. اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الأولى، ثم الرئيس جو بايدن من بعده، خطوات لإبطاء صعود الصين إلى هذا الموقع المهيمن. وسعت الإدارتان، على وجه الخصوص، إلى معالجة ميزة الكلفة التي تتمتع بها هواوي وشركات صينية أخرى مقارنة بنظيراتها الغربية. وعلى رغم ذلك، تستمر "هواوي" في توسيع نطاق وصولها العالمي. ومن شأن بكين أن تكسب تفوقاً أكبر في مجال الاتصالات إذا أدت التوترات الدولية والحروب التجارية إلى تقويض التعاون بين الدول الغربية. وفي ولايته الثانية، يتوجب على ترمب مضاعفة جهود التنافسية، من خلال تعزيز البرامج الفعالة، واتخاذ قرارات صعبة في شأن كيفية تخصيص نطاق الموجات غير المرئية التي تحمل الإشارات اللاسلكية مثل بيانات الراديو والتلفزيون والهاتف عبر الهواء، والمعروفة باسم "الطيف الترددي"، والعمل مع الحلفاء لتمويل البحوث والتطوير ونشر التكنولوجيا في الخارج. وإذا لم يحصل ذلك، فإن الصين ستمضي قدماً في ريادتها في شبكات الاتصال الجيل الخامس وتنتقل بسلاسة إلى شبكات الجيل السادس، مما يكرس هيمنتها على الاتصالات العالمية، ويضعها في موقع يمكنها من تهديد أمن العمليات العسكرية والاستخبارية الأميركية والحليفة التي تعتمد على هذه الشبكات العالمية. تعثرات مبكرة في القرن الـ20، أدت الاستثمارات الحكومية الأميركية إلى تكوين الإنترنت، والشبكات العالية السرعة، ونظام تحديد المواقع على الأرض ("جي بي إس"). وكذلك أسهمت الابتكارات التكنولوجية الأميركية في تشكيل بنية الاتصالات العالمية. وحملت شبكات الجيل الثاني الرسائل النصية، وقدمت شبكات الجيل الثالث الاتصال المتنقل بالإنترنت، ومنح الجيل الرابع للهاتف القدرة على إجراء اتصال بالفيديو وإنشاء متاجر التطبيقات. ما عدا دعمها أعمال البحث والتطوير، نأت واشنطن بنفسها، وتركت السوق ينمو بحرية. وعلى نقيض ذلك، تعاطت حكومة الصين وجيشها مع الشركات الريادية في الاتصالات باعتبارها من أبطال الوطن، ومكنت لصعود تلك الشركات معتبرة أن نجاجها يدعم الأهداف الاستراتيجية لبكين. ووثقت تقارير أن "هواوي" تلقت 75 مليار دولار من الدعم الحكومي بين عامي 2008 و2018 مما مكنها من اكتساب حصة في السوق العالمي للاتصالات عبر تقديم أسعار أدنى من كلفة الإنتاج. وفي أواخر تسعينيات القرن الـ20، امتلك مقدمو الخليوي الغربيون نحو 90 في المئة من السوق العالمية لأجهزة ربط الاتصالات. ومع حلول عام 2025، تدنت حصة شركتا "إريكسون" و"نوكيا" معاً، على رغم شرائهما شركات متعثرة كثيرة، إلى 40 في المئة من السوق العالمية، وفي المقابل تبلغ حصة الشركات الصينية هي الأخرى 40 في المئة. واليوم، يسحب البساط من تحت الولايات المتحدة وأوروبا اللتان تستضيفان المقار الرئيسة لـ"إريكسون" و"نوكيا"، فيما تستمر الصين في الاقتطاع من مبيعاتهما عبر دعم توظيفات "هواوي" حول العالم. وعلى رغم العمل على إبطاء الهيمنة العالمية للشركة الأخيرة في مجال شبكات الجيل الخامس عبر عقوبات وضوابط تصدير تقودها الولايات المتحدة، إلا أن ابتكارات أميركا وشركائها لم تصل إلى مستوى تهديد القدرة التنافسية لمنتجات "هواوي"، ونظراً إلى أن موازنة هواوي للبحث والتطوير تزيد على ضعف موازنة ثاني أكبر منافسيها الغربيين، فمن غير المرجح أن تفقد الشركة ميزتها الابتكارية. وحينما لاحظت الحاجة إلى تأمين قطاع الاتصالات، حظرت إدارة ترمب الأولى منتجات "هواوي" وشركات صينية أخرى، في الشبكات الأميركية، واتخذت خطوات لاستبدال أجهزة ربط الاتصالات الصينية الموضوعة قيد الاستخدام بالفعل. وبدأت الولايات المتحدة أيضاً بتشجيع حلفائها، والأبرز بينهم هي المملكة المتحدة، على إزالة أجهزة "هواوي" لربط الاتصالات من شبكاتها، والانتقال إلى العمل مع الشركات الموثوقة. وواصلت إدارة بايدن تلك الاستراتيجية. وفي المقابل، كثيراً ما عرف الحزبان كلاهما [الجمهوري والديمقراطي] على مدار سنوات طويلة، أنه ليس من المجدي الاكتفاء بحظر التكنولوجيا الصينية. وربما تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تطوير بديل فعال من حيث الكلفة، ويستطيع التنافس مع المنتجات الصينية التي تتلقى دعماً حكومياً ضارياً. وبغية تحقيق تلك الغاية، دفعت إدارة بايدن بوكالتين حكومتين محوريتين، هما "البنك الأميركي للتصدير والاستيراد" و"الوكالة الأميركية للتعاون الاقتصادي العالمي"، لتمويل انتقال كوستاريكا من شبكة "هواوي" للجيل الرابع إلى شبكة موثوقة من الجيل الخامس، والتعاون مع بنك الاستثمار الفنلندي لتمويل نشر واسع النطاق لتقنية الجيل الخامس من نوكيا في الهند. خفض التكاليف ليس من المستطاع تغيير أهداف واشنطن، ويعني ذلك أنها تحتاج إلى منافسة الصين على نطاق أشمل، وتقليص فجوة الأسعار بين التقنيات الأميركية والصينية، وتشجيع التبني العالمي الواسع للأنظمة الموثوقة. وتتمثل الطريقة المفضية إلى ذلك بتقديم حوافز للابتكار التكنولوجي والتمويل المشترك مع البلدان التي تسعى إلى حسم الاختيار بين التقنيات الصينية وغير الصينية. وبالتالي، يتوجب على إدارة ترمب البدء بتحسين استعمال برنامج أرساه "قانون الرقائق والعلوم" (اختصاراً "تشيبس") لعام 2022، ويقدم منحاً مجموعها 1.5 مليار دولار على امتداد 10 أعوام. وركزت المنح الأولى على تمويل مبادرة لاختبار التفاعل التشغيلي المتبادل بين التقنيات بهدف التوصل إلى التكامل بين المعدات التكنولوجية والبرمجيات الرقمية التي يملكها مختلف مقدمي خدمات الخليوي. وأعطى البرنامج 140 مليون دولار إلى جامعات وشركات أميركية وأجنبية منخرطة في تلك المبادرة، إضافة إلى 420 مليون دولار توفرت بصورة منح، في مايو (أيار) 2024. وشكلت تلك الجهود نقطة انطلاق جيدة، لكن الجولات المستقبلية من المنح يجب أن تتحرك بسرعة أكبر بكثير مع التركيز على مشاريع التسويق التجاري للتقنيات الجديدة، وإعطاء شركات البرامج الرقمية الاميركية حوافز للدخول إلى السوق العالمية. وعلى وجه الخصوص، يجب توجيه رؤوس أموال إلى تعزيز تقنيات حوسبة السحاب في البنية التحتية للشبكات. ويعني ذلك، تقديم الدعم إلى التقنيات التي تصنع نسخاً افتراضية عن المعدات المتخصصة. وسيؤتي ذلك أكله في الصناعة الأميركية التي تتفوق في مجال تطوير البرمجيات الرقمية. حظر التكنولوجيا الصينية وحده لا يكفي وتعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الشبكات العالية السرعة، وفي المقابل إن الولايات المتحدة متأخرة عن الصين في مجال البنية التحتية. واليوم، تشمل تغطية شبكات "5 جي" 40 في المئة من مستخدمي الخليوي في الولايات المتحدة، فيما تصل النسبة نفسها إلى 88 بالمئة في الصين. وحين دخلت شبكات الجيل الخامس في الخدمة للمرة الأولى، بنت الصين 600 ألف محطة أساسية لخدمتها، فيما استغرق إرساء 100 ألف محطة مماثلة في الولايات المتحدة نحو السنتين. وفيما تخفق الولايات المتحدة في منافسة الصين بمضمار التبني والانتشار الواسع، فإن بمقدورها أن تتفوق عليها في مجال الكفاءة والفاعلية. وعبر دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات شبكات الاتصالات، قد تتمكن الشركات الأميركية من زيادة سرعات النقل عبر الشبكات ورفع مستوى سعتها، مما يفضي إلى تحسين كفاءتها الإجمالية. وبالتالي، يجب توجيه الموجة التالية من منح قانون "تشيبس" إلى تحفيز عمليات البحث والتطوير، ودعم المشاريع الطليعية في ذلك المجال. وثمة طريقة مهمة أخرى لخفض التكاليف على الشركات الأميركية تأتي من سياسة الضرائب، ومثلاً تستطيع واشنطن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية عبر تسريع عملية تبخيس القيمة، وهي أداة مالية تمكن الشركات من إجراء خفض سريع على الأصول الجديدة، وبالتالي، خفض العبء الضريبي عليها وتحرير التمويلات الاستثمارية فيها. وفي عام 2017، تضمن "قانون الوظائف وخفض الضرائب" تلك الرؤية عبر نص فيه، لكنه وضع ليكون قيد التطبيق لفترة موقتة، وقد استنفدت تلك المدة الزمنية بالفعل. والآن، يلزم الأمر أن يمدد الكونغرس هذه الأنواع من الحوافز الضريبية لتشمل فئات أوسع من معدات البنية التحتية الرقمية بغية رفع التمويل المشترك بين القطاعين العام والخاص إلى أقصى الحدود. لنتكاتف معاً حتى إذا نفذت الولايات المتحدة تلك الإصلاحات، ستستمر كلفة التقنيات غير الصينية في زعزعة جهود الولايات المتحدة بتجنب الشركات الصينية. ويتمثل البديل في تقديم التكنولوجية المتقدمة بأسعار تنافسية. وبالتالي، يلزم الولايات المتحدة أن تتعاون مع شركائها في تمويل البنية التحتية الرقمية. وثمة تاريخ من النجاح لذلك النموذج من التعاون تمثل في "مشروع كابل ميكرونيزيا الشرقية" الذي أطلق عام 2022، وحظي بتمويل مشترك من أستراليا واليابان والولايات المتحدة فاق مقداره 90 مليون دولار. ويعمل ذلك الكابل على تعزيز بنية تحتية للاتصالات تتمتع بالمأمونية والاستدامة والمرونة، وتربط بين بلدان جزر المحيط الهادئ. ويندرج الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية ضمن قائمة الشركاء المحتملين في حملة تمويل لشبكات الجيل الخامس تقودها الولايات المتحدة، ويستطيع أولئك الشركاء تقديم الخبرة العملية والقدرات التجارية. وهنالك لاعبان من الوزن الثقيل في ذلك المجال، هما "إريكسون" و"نوكيا"، استطاعا ترسيخ أقدامهما في الأسواق الأميركية، لكنهما يحتاجان إلى مزيد من الدعم لعمليات البحث والتطوير كي يستطيعان الاستمرار في المنافسة عالمياً مع "هواوي". وتملك اليابان وكوريا الجنوبية شركات أصغر من الشركتين الآنفتي الذكر، تستطيع أيضاً الدخول في المنافسة العالمية إذا قدم الدعم الكافي لها. ومن شأن التوصل إلى صفقة مع واشنطن تغطي مجالي التمويل والبحث والتطوير في تبني دول أخرى للتكنولوجيا الغربية، أن يساعد أولئك الشركاء في تخفيف تأخرهم النسبي عن الشركات الصينية. تحكم الصين بالشبكات الرقمية العالمية يعطيها القدرة على رقابتها وفق رغباتها وتعمل الصين على رفع مستوى تمويل تلك المشاريع، ويجب على الولايات المتحدة وشركائها فعل أمر مماثل. ويشكل "بنك التصدير والاستيراد"، وهي وكالة إقراض حكومية، المؤسسة الأمثل التي تستطيع واشنطن اللجوء إليها في ذلك المجال. ولا يزال ذلك البنك بحاجة إلى مزيد من المرونة كي يخاطر في الإقدام على منح تمويل تنافسي لمشاريع الـ"5 جي"، فيما تبدو جهوده الجارية بالفعل واعدة تماماً. وفي عام 2023، وافقت إدارة البنك على معاملات تتعلق بشبكات الجيل الخامس، تتضمن سلعاً وخدمات تشكل الولايات المتحدة المنبع لأقل من 51 في المئة منها، مع اشتراط أن يقدم المصدر خطة عن توسيع الوظائف في الولايات المتحدة. وبالفعل، أعطيت الموافقة على تقديم 313 مليون دولار كدعم لإرساء شبكات الجيل الخامس في الهند، ضمن اتفاق على تمويل مشترك مع وكالة فنلندية لتصدير القروض. ومع زيادة حالات تعاون من هذا الطراز، ستتوصل واشنطن إلى أن تبرهن للعالم على أن الولايات المتحدة وشركاءها مصممون على منح بدائل مؤثرة عما تبيعه الشركات الصينية المدعومة من الدولة. وثمة دور يستطيع القطاع الخاص تأديته أيضاً، وفي وقت مبكر من العام الحالي، أعلنت "غوغل" وحكومة تشيلي إطلاق مشروع "كابل هامبولدت" الذي يمتد على قعر البحر ويربط تشيلي مع أستراليا عبر بولونيزيا الفرنسية. ومن شأن جهود منسقة بين الولايات المتحدة وشركائها التوصل إلى ضم القطاع الخاص إلى استراتيجيتها، مما يؤدي إلى تحفيز استثمارات مماثلة بغية المحافظة على ربط مناطق نائية في العالم بالتكنولوجيا الغربية، بدل الاعتماد على شركات ربما تكون تحت سيطرة بكين. الانتقال إلى الاتصالات اللاسلكية أخيراً، ينبغي على واشنطن إصلاح سياستها المتعلقة بالطيف الترددي. ويعد الـطيف وهو عبارة عن نطاق موجات الطاقة غير المرئية المستخدمة لنقل المعلومات (مثل التلفزيون والواي فاي) عبر الهواء، مورداً محدوداً. تعد وزارة الدفاع أكبر مالك للطيف الترددي في الولايات المتحدة، وهي لا تعلن مقدار الطيف الذي تحتاج إليه وموعد استخدامه. ويعد الطيف الترددي حيوياً لجميع أنواع نقل البيانات، سواء تعلق الأمر بالبث التدفقي للأفلام أو استعمال المسيرات في مراقبة البنية التحتية. وبعبارة أخرى، ليست الحكومة وحدها من يحتاج إليه. وفي المقابل وبعكس الصين، ليس هناك تعاون بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة. وبدلاً من تعاونهما، يتنافس القطاعان العام والخاص على امتلاك القدرة على النفاذ إلى الأسواق المختلفة. ويؤدي ذلك إلى لجم التقنيات الأميركية، بالمقارنة مع منافساتها الصينية. وضمن ذلك الإطار، تجني الصين مكاسب تستند إليها في طموحاتها للسيطرة على الشبكات العالمية واغتنام منافع عسكرية واستراتيجة من تلك السيطرة. وحاضراً، تحتاج واشنطن إلى حسم خيارات صعبة كي تتيح جزءاً من الطيف الترددي الذي يملكه البنتاغون للاستخدام التجاري، مع استمرارها في ضمان احتفاظها بمقدرات عسكرية واستخبارية. وسيترتب على ذلك مكاسب وازنة، وستصبح الشركات الأميركية في موقع أفضل في مجال تطوير الجيل المقبل من تقنيات الخليوي، مما يطلق أيضاً دائرة خيرة وسخية في الابتكار. وستلتحق شركات في بلدان أخرى بذلك الركب، ضمن جهودها لصنع واختبار المعدات والمنتجات والتقنيات المتعلقة بالطيف الترددي الجديد. في بعض الحالات، قد يتعذر على وزارة الدفاع الأميركية توفير مزيد من الطيف الترددي للقطاع الخاص. لكن حتى في هذه الحالات، هناك حلول ممكنة. ينبغي على "البنتاغون" التعاون مع الشركات التجارية لتوسيع استخدام تقنيات مشاركة الطيف الجديدة، وأنظمة الترخيص، والبرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لجعل الشبكات أكثر ذكاء ومرونة. من شأن هذا أن يتيح لمستخدمي الحكومة والقطاع الخاص مشاركة الطيف الترددي بفعالية أكبر مما هو ممكن اليوم، مما يعني أن وزارة الدفاع يمكن أن تحصل على الوصول إلى الطيف عند الحاجة، في مهمات غير متكررة ولكنها مهمة، مثل التدريب والاختبار. وعملت إدارة بايدن على مشروع اختباري أولي تمثل هدفه في اختبار تلك التقنيات على نطاق واسع وبمشاركة القطاع الخاص. وعلى إدارة ترمب الإسراع في إنهاء هذا المشروع التجريبي والمضي قدماً بسرعة في الخطوات التالية، من تحديد كيفية تنظيم مشاركة الطيف، إلى وضع آليات سريعة لحل النزاعات. من شأن ذلك أن يطمئن البنتاغون ووكالات الاستخبارات إلى أن الطيف سيكون متاحاً لها في أوقات الأزمات والصراعات، كما سيعزز ثقة القطاع الخاص بإمكان الاعتماد على الطيف عند الطلب لأغراض تجارية. وهذه الثقة أساسية لضمان أن تكون استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية الرقمية مجدية. الالتحاق بالركب حتى الآن جرى اختراع كثير من البنية التحتية الرقمية التي تقوم عليها العالم الحديث وتطويرها ونشرها في الولايات المتحدة، وإذا فقدت الولايات المتحدة هذا التفوق بصورة دائمة، فستكون العواقب هائلة. فالصين، إذا هيمنت على الشبكات الرقمية العالمية، ستكون قادرة على مراقبتها كيفما شاءت. كما ستكون في موقع يمكنها من قيادة مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على البيانات التي تمر عبر شبكات الشركات الصينية، والتحكم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على الشبكات عالية السرعة. لقد أدركت الإدارات الأميركية المتعاقبة فداحة هذه المشكلة، لكن الخطوات التي اتخذتها لمعالجتها لم تحل المشكلة الجوهرية: غياب تكنولوجيا بديلة قادرة على منافسة التكنولوجيا الصينية من حيث السعر. وكخلاصة، يعتمد الأمن القومي الأميركي على استعادة الولايات المتحدة موقعها القيادي، ولا تستطيع النهوض بذلك بمفردها. وعلى رغم شراسة المنافسة، ولا سيما بسبب رغبة بكين في استخدام رافعتها الاقتصادية لإعطاء شركاتها ميزة تنافسية ساحقة، إلا أن واشنطن ملزمة بالانخراط فيها، إذ لن يتوقف تصاعد أهمية تقنيات كشبكات الاتصال الجيل الخامس والحوسبة السحابية والمحاكاة الافتراضية والذكاء الاصطناعي. ويضاف إلى ذلك أن البلد الذي سيتمكن من قيادة الانتقال إلى شبكات الاتصال الجيل السادس، سيمسك بالموقع الأكثر تقدماً في تطوير مجموعة متنوعة من التطبيقات على غرار التقنيات الروبوتية والمركبات الذاتية القيادة. وفي المقابل، إذا تعاونت الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها في تبني وتنفيذ السياسات الصائبة، فستستعيد واشنطن زمام المبادرة في التكنولوجيا، وتحمي عملياتها الاستخبارية واتصالاتها العسكرية في أرجاء العالم. لكن لتحقيق ذلك، لا بد من ضمان إبقاء البنية التحتية الرقمية المتقدمة والموثوقة والآمنة - والمصممة والمنتجة خارج الصين - متاحة، وأن تصبح الخيار المفضل سواء في الداخل أم في الخارج. آن نيوبرغر هي محاضرة مميزة في كرسي فرانك إي. وآرثر دبليو. باين في مركز ستانفورد للتعاون في مجال الأمن الدولي. شغلت منصب نائبة مساعد الرئيس ونائبة مستشار الأمن القومي لشؤون الأمن السيبراني والتقنيات الناشئة في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال إدارة بايدن. مترجم عن "فورين أفيرز"، 1 مايو (أيار) 2025


Independent عربية
منذ 3 أيام
- Independent عربية
كيف تسعى روسيا إلى السيطرة على مستقبل أفريقيا النووي؟
تعقد روسيا شراكات في مجال الطاقة النووية مع ما لا يقل عن 20 دولة أفريقية، وفق تحليل حديث أجرته صحيفة "اندبندنت"، وذلك في إطار سعي موسكو إلى ترسيخ موقعها كأبرز الدول الفاعلة في هذا المجال على مستوى القارة. ويجري تنفيذ هذه الاتفاقات من خلال شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة "روساتوم". وأُعلِن عن أحدث هذه الاتفاقات الشهر الماضي وهو عبارة عن مذكرة تفاهم أبرمتها بوركينا فاسو مع "روساتوم" لبناء محطة نووية. وتشمل الاتفاقات الأخرى اتفاقية وُقعت في يونيو (حزيران) 2024 مع غينيا لتطوير محطات طاقة نووية عائمة، وشراكة عُقِدت الشهر التالي مع الكونغو لتطوير الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية. ومنذ عام 2014، أبرمت روسيا اتفاقات أيضاً مع الجزائر، وإثيوبيا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وتونس، وعدد من الدول الأخرى. من بين الدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى عقد شراكات نووية مع روسيا، تأتي النيجر، وهي دولة حليفة لموسكو منذ الانقلاب العسكري الذي وقع عام 2023، والتي أعلنت العام الماضي أنها تسعى بنشاط إلى جذب استثمارات روسية إلى احتياطاتها الواسعة من اليورانيوم. وفي الوقت نفسه، أفادت تقارير صدرت الشهر الماضي بأن ناميبيا أجرت كذلك محادثات مع روسيا في شأن تعاون في قطاع الطاقة الذرية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن بين الدول الكبرى التي توفر التكنولوجيا النووية لأفريقيا– ومنها الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية وكندا وفرنسا– برزت روسيا كقوة مهيمنة بوضوح. وتفخر "روساتوم" بسجل من المشاريع المنجزة حول العالم يعجز منافسوها عن مجاراته، كما أنها تقدم عقوداً وشروط تسديد مغرية للغاية. يقول دميتري غورشاكوف، الخبير النووي الذي غادر روسيا للعمل في مؤسسة "بلونا" البيئية غير الحكومية في فيلنيوس بليتوانيا بعد غزو روسيا أوكرانيا عام 2022، إن "هذه الاتفاقيات ذات أهمية جيوسياسية، لأن المشاريع النووية التزام بعيد الأجل وضخم النطاق، من شأنه أن يربط الدولة المعنية بروسيا لعقود. ومن وجهة نظر موسكو، ليست المسألة تجارية فقط– بل هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". ويتابع "في سياق المواجهة الروسية مع الغرب، تُعَد القدرة على إثبات وجود شركاء دوليين أمراً سياسياً ذا أهمية قصوى، ولهذا تبدي روسيا استعداداً إلى تقديم وعود سخية إلى الدول الراغبة في التعاون معها". وفيما تسعى روسيا إلى توسيع نطاق نفوذها من خلال البنية التحتية في قطاع الطاقة، يتخذ الغرب مساراً معاكساً، إذ تعمد الولايات المتحدة إلى سحب تمويلاتها لمشاريع الطاقة في أفريقيا تنفيذاً لقرارات دونالد ترمب بخفض المساعدات الدولية. ومن بين البرامج الأميركية الكبرى التي تقَرر وقفها مبادرة "قوة أفريقيا"، التي أطلقها باراك أوباما عام 2013 لدعم النمو الاقتصادي والتنمية من خلال تحسين الوصول إلى طاقة موثوقة وميسورة ومستدامة في أفريقيا. وخلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، أنفقت مبادرة "قوة أفريقيا" نحو 1.2 مليار دولار (900 مليون جنيه استرليني)، ما أسهم في جذب تمويل إضافي بقيمة 29 مليار دولار من مصادر أخرى لتطوير أكثر من 150 مشروعاً للطاقة في 42 دولة أفريقية، وتوفير الكهرباء لأكثر من 200 مليون شخص. كذلك ساندت المبادرة شركات أميركية في إبرام صفقات بقيمة 26.4 مليار دولار، وفق تحليل أجراه "مركز التنمية العالمية". وشملت المشاريع المدعومة مزيجاً من مشاريع الطاقة المتجددة ومشاريع تعمل بالغاز. كذلك انسحبت الولايات المتحدة من "شراكات التحول العادل للطاقة"، وهي مبادرة بمليارات الدولارات أُطلِقت عام 2021 لمساعدة الاقتصادات الناشئة في الابتعاد عن الفحم وغيره من مصادر الطاقة غير المتجددة، ما حرم جنوب أفريقيا من منح موعودة بملايين الدولارات واستثمارات تجارية محتملة بقيمة مليار دولار. وأوضح غورشاكوف قائلاً "من دون برامج كهذه، لن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في المنافسة في أفريقيا فحسب، بل كذلك في مجرد إيجاد موطئ قدم لها هناك. ولهذا عليها أن تبذل جهداً كبيراً– من دون برامج دعم ممولة حكومياً، سيكون دخول هذه الأسواق شبه مستحيل". جوهرة التاج تُعَد محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر، التي تبلغ تكلفتها 28.75 مليار دولار (21.38 مليار جنيه استرليني)، جوهرة التاج في شراكات روسيا النووية مع أفريقيا. ومن المقرر أن تصبح ثاني محطة نووية عاملة في القارة، بعد نحو 40 سنة على إنشاء محطة كويبرغ للطاقة النووية في جنوب أفريقيا، والتي باتت اليوم متقادمة. بدأت أعمال إنشاء المحطة عام 2020، ومن المنتظر أن تبدأ في إنتاج الكهرباء عام 2026. وتبلغ طاقتها 4.8 غيغاوات، أي ما يكفي لتزويد مدينة أميركية كبرى بالكهرباء، وقد مولت روسيا 85 في المئة من تكلفتها الإجمالية، بشروط تسديد مؤاتية للغاية. ويرى السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا" أن ثمة أسباباً عدة تجعل فكرة محطة نووية مدعومة من روسيا مغرية جداً للدول الأفريقية. في المقام الأول، تكون هذه الصفقات مدعومة من الدولة الروسية، التي تتحمل جزءاً كبيراً من الأعباء المالية والتشغيلية الأولية، وتمنح جداول تسديد تمتد لعقود من الزمن، ومعدلات فائدة متدنية للغاية. وتساعد هذه التسهيلات في جعل المحطات النووية في متناول الدول الأفريقية، وإن كانت تربطها في المقابل بشدة بسلاسل الإمداد الروسية في مجال الوقود النووي والخدمات، وفق السيد غورشاكوف. أما الشركات النووية الغربية، مثل شركة "إي دي أف" EDF الفرنسية، فتعمل وفق منطق تجاري ولا تستطيع تقديم التمويل المدعوم حكومياً أو تقاسم الأخطار أو الدعم الدبلوماسي على غرار ما تفعله "روساتوم". وتواجه هذه الشركات الغربية أيضاً صعوبات في تنفيذ المشاريع من ضمن الجداول الزمنية والموازنات المحددة. مثلاً، ارتفعت التكلفة المتوقعة لمحطة "هينكلي بوينت" التابعة لشركة "إي دي أف" والقائمة في مقاطعة سومرست البريطانية من 18 مليار جنيه استرليني إلى 35 ملياراً. أما مشروع بناء مفاعلين أميركيين من طراز "أي بي 1000"AP1000 في "محطة سامر النووية" الواقعة في ولاية كارولاينا الجنوبية فقد أُلغِي عام 2017، بعد سنوات من التأخير وتجاوز التكلفة، تحمل خلالها دافعو الضرائب فاتورة بقيمة تسعة مليارات دولار. ويضيف السيد غورشاكوف "كذلك تعرقل القيود السياسية والتنظيمية الصادرات النووية الغربية وتجعلها أبطأ، وأكثر بيروقراطية، وأصعب تنسيقاً". ويتابع "علاوة على ذلك، نادراً ما توفر الشركات الغربية حزمة متكاملة تغطي دورة المشروع بالكامل على غرار ما تقدمه 'روساتوم'– بما في ذلك التكنولوجيا النووية، وتوريد الوقود، والتدريب، وإدارة النفايات، والخدمة البعيدة الأجل– ذلك كله تحت مظلة مؤسسية واحدة". أما الصين، فهي أكثر استعداداً إلى تقديم حزمة دعم متكاملة مع استثماراتها النووية، لكنها، مثل الدول الغربية، لا تمتلك سجلاً كبيراً من المشاريع النووية المكتملة في الخارج، إذ لم تُنجِز حتى الآن سوى محطة واحدة في باكستان. ويقول السيد غورشاكوف "في المقابل، تمتلك 'روساتوم' محفظة نشطة وكبيرة من المشاريع الدولية المكتملة والجارية التنفيذ، ما يسمح لها بأن تعرض نفسها بوصفها شريكاً أكثر موثوقية وخبرة في نظر العديد من العملاء المحتملين". وبالفعل، تشير بيانات صادرة عن مجموعة الضغط المسماة "الرابطة العالمية للطاقة النووية"World Nuclear Association، حللتها صحيفة "اندبندنت"، إلى أن "روساتوم" مسؤولة حالياً عن بناء 26 وحدة رئيسة للطاقة النووية في سبع دول حول العالم: روسيا ومصر وتركيا والهند والصين وبنغلاديش وإيران. يضيف جوناثان كوب من "الرابطة العالمية للطاقة النووية" أن المفاعلات الأربعة الجاري بناؤها في مصر تعتمد كلها على تصاميم "روساتوم" المجربة والموثوقة. ويقول لصحيفة "اندبندنت"، "صحيح أن هناك بعض التحديات المرتبطة ببناء أول محطة في كل دولة، لكن الشركة تستطيع اعتماد نموذج جاهز شبه موحد، مستمد من مشاريع سابقة نفذتها". طاقة استراتيجية بالنسبة إلى الكثير من الدول الأفريقية– في قارة لا يزال 600 مليون شخص فيها يفتقرون إلى إمكانية مأمونة للحصول على الكهرباء– تمثل المحطة النووية الجديدة أملاً في الحصول على كميات كبيرة من الكهرباء المنخفضة الكربون والمستقرة، وهي أمور لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة المتقلبة مثل الشمس والرياح، ولا حتى المحطات الملوثة التي تعمل بالفحم أو الغاز، أن توفرها في شكل مماثل. يعتبر روبرت سوغبادجي، منسق "البرنامج النووي الوطني" في غانا، الطاقة النووية مكملة لخطط بلاده في التوسع في الطاقة المتجددة. ويُؤمَل حالياً أن تكتمل أول محطة نووية كبيرة في البلاد بحلول منتصف العقد المقبل. ويقول السيد سوغبادجي لصحيفة "اندبندنت" "إذا أردنا طاقة أساسية تدعم طموحاتنا في مجال الطاقة المتجددة، فعلينا أن نواصل العمل على برنامجنا النووي بوتيرة هجومية". وقد اختارت غانا الولايات المتحدة لبناء مفاعلات نووية صغيرة معيارية– وهي مفاعلات نووية حديثة وأصغر حجماً يمكن تركيبها في مفاعلات أصغر– لكنها لا تزال بصدد اختيار الجهة التي ستوفر التكنولوجيا لأول محطة كبيرة النطاق، وتشمل الخيارات المطروحة روسيا. وعلى رغم الآمال المعقودة، لا تزال الطاقة النووية مثار جدل بسبب المخاوف المتعلقة بالتخلص من النفايات النووية في الأجل البعيد، ولأن الاعتماد على محطات ضخمة بدلاً من مصادر الطاقة المتجددة الموزعة جغرافياً في البلاد قد يجعل شبكة الكهرباء أكثر عرضة للأخطار، مثل الهجمات السيبرانية أو الظواهر المناخية القاسية. يقول مايك هوغان، من "مشروع المساعدة التنظيمية" Regulatory Assistance Project، وهي مؤسسة بحثية أميركية، لصحيفة "اندبندنت": "من المقلق قليلاً أن نرى هذا العدد من الدول الأفريقية يتجه إلى بناء محطات ضخمة جديدة، في وقت تتجه اقتصاديات صناعة الكهرباء منذ زمن طويل نحو مصادر أقل مركزية، توفر مرونة أكبر للأنظمة الكهربائية". ويضيف "هذه المشاريع الضخمة والرمزية تعطي أصحاب السلطة شعوراً بأنهم يفعلون شيئاً مهماً، لكنها في الواقع حل يعود إلى القرن العشرين لمشكلة تخص القرن الحادي والعشرين". وتسعى روسيا، التي تواجه عقوبات غربية قاسية بسبب ضمها غير القانوني شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، ثم غزوها الواسع لأوكرانيا عام 2022، إلى توسيع نفوذها، ولذلك تُعَد الدول الأفريقية غير المنحازة في خصوص النزاع الروسي- الأوكراني، والتي عانت طويلاً من نقص الاستثمارات، هدفاً منطقياً لصناعتها النووية. وتجعل شراكات روسيا في هذا القطاع دولاً كثيرة تلتفت إليها– إذ شاركت 49 دولة أفريقية من أصل 54 في القمة الاقتصادية الروسية- الأفريقية التي عُقِدت في سان بطرسبرغ عام 2023، على رغم الضغوط الأميركية الشديدة بغرض مقاطعتها. لا تزال اتفاقات نووية كثيرة وقعتها دول أفريقية في مراحلها الأولية، وتُعَد مجرد خطوة أولى في مسار طويل ومعقد لتطوير مشاريع نووية. ومع ذلك، تكتسب هذه الاتفاقات أهمية رمزية كبيرة لروسيا في ظل عزلتها الجيوسياسية الحالية، بحسب السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا". ويُقدر أن صادرات روسيا النووية بلغت نحو 16 مليار دولار عام 2023– وهو رقم لا يُقارن بعوائد صادرات الوقود الأحفوري الروسية التي سجلت قبل الحرب 300 مليار دولار– لكن موسكو تعتبر هذا القطاع "فخراً وطنياً"، وفق السيد غورشاكوف الذي يضيف "بالنسبة إلى موسكو، ليست هذه الاتفاقات مسألة أعمال تجارية فقط: هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". هذه المادة جزء من سلسلة تقارير تعدها "اندبندنت" بعنوان "إعادة تفكير في المساعدات العالمية"


Independent عربية
منذ 4 أيام
- Independent عربية
تشريعات الذكاء الاصطناعي... السباق مع الزمن
تكشف التحديات التي تواجه التشريعات الحالية، من فجوة التوقيت إلى ضعف المرونة، عن حاجة ملحة إلى إعادة بناء الفهم القانوني والأخلاقي بما يتماشى مع التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور الذي يسير بوتيرة ذاتية وغير مسبوقة، يفرض على المشرعين التفكير في آليات تنظيم استباقية لا تكتفي برد الفعل. في هذا السياق يطرح تساؤل جوهري: هل يمكن منح الذكاء الاصطناعي صفة الشخصية القانونية؟ وما مدى الاستفادة من التجربة الأوروبية في تنظيم هذا القطاع الناشئ والمعقد؟ في ظل هذا المشهد تقف الأنظمة القانونية العربية أمام فرصة نادرة لصياغة تشريعات المستقبل وتجاوز مرحلة التلقي إلى مرحلة المبادرة. ويحذر إيلون ماسك، أحد أبرز رواد التكنولوجيا، من خطورة التأخر في هذا المضمار، قائلاً "الذكاء الاصطناعي حالة نادرة أعتقد فيها أننا في حاجة إلى تنظيم استباقي لا تفاعلي، لأننا إذا انتظرنا حتى تبدأ الكوارث بالحدوث، فسيكون الأوان قد فات". ويضيف، "عادة ما توضع القوانين بعد وقوع عدد من الكوارث، تعقبها موجة من الغضب الشعبي، ثم يتم إنشاء هيئة تنظيمية بعد سنوات. ولكن مع الذكاء الاصطناعي، هذه الوتيرة لن تكون كافية". الذكاء الاصطناعي والتشريعات... فجوة تتسع تواجه الأنظمة القانونية "مشكلة الفجوة الزمنية"، إذ تتطور الابتكارات التقنية بوتيرة أسرع من قدرة القوانين على مواكبتها. تعرف هذه المعضلة باسم "معضلة كولينغريدج"، حيث يصعب تنظيم التكنولوجيا في مراحلها الأولى لغياب الرؤية الكاملة لتأثيراتها، بينما يصبح التنظيم لاحقاً أكثر صعوبة وكلفة بعد اتساع الاستخدام وظهور الأضرار. وتتفاقم الأزمة بفعل الجمود البيروقراطي داخل المؤسسات القانونية، ونقص الكوادر والتمويل، مما يعوق أي إصلاحات عاجلة، ويجعل الاستجابة أبطأ من وتيرة الأخطار. من يسبق من؟ يشكل التباين بين منطق التشريع التقليدي وطبيعة الذكاء الاصطناعي تحدياً جوهرياً في عصر التقنيات المتسارعة. فخلافاً للتقنيات السابقة، يتسم الذكاء الاصطناعي بمرونة وتطور ذاتي لا يتماشى بسهولة مع النمط القانوني الرتيب. وتشير المتخصصة في القانون والتكنولوجيا عبير حداد إلى أن "الطبيعة البطيئة، التفاعلية، والرتيبة لعملية التشريع في كثير من الأنظمة القانونية العربية تمثل عائقاً حقيقياً أمام إنتاج حلول تشريعية تواكب تعقيدات التقنيات الحديثة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) معضلة الفهم قبل التقنين لا يكمن التحدي الأكبر في تنظيم الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في فهم طبيعته المتغيرة وغير المتوقعة. فخلافاً للتقنيات السابقة، لا يقوم الذكاء الاصطناعي على سلوك بشري يمكن التنبؤ به، بل يتطور ذاتياً أحياناً بطريقة يتعذر على مطوريه التحكم بها أو تفسيرها. هذا التعقيد يضعف من فعالية القوانين التقليدية، ويجعل إشراك متخصصين في فلسفة القانون والأخلاق أمراً ضرورياً لفهم مفاهيم مثل النية والمسؤولية بصورة جديدة. كما تبرز الحاجة إلى متخصصين في التشريعات المرنة، القادرة على التكيف مع تغيرات التقنية المتسارعة. وتشير حداد "إلى أن محاولات التشريع دون إشراك متخصصين من خارج المجال القانوني غالباً ما تؤدي إلى حلول سطحية، لا تدرك عمق المشكلة". وتضيف أن الذكاء الاصطناعي بصفته عابراً للحدود يفرض أيضاً مقاربة دولية وقانوناً مقارناً يأخذ التفاوت التشريعي بين الدول بعين الاعتبار. أخلاقيات الذكاء الاصطناعي... مسؤولية تتجاوز القانون على رغم تطور القوانين المنظمة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي تبقى الاعتبارات الأخلاقية تحدياً يتجاوز قدرة الأنظمة القانونية على معالجته بالكامل. فالذكاء الاصطناعي بطبيعته لا يميز بين الصواب والخطأ الأخلاقي، مما يجعل مسؤولية الاستخدام تقع على عاتق البشر. ويؤكد رئيس قسم القانون العام في كلية القانون الكويتية العالمية أحمد سليمان العتيبي أن "المستخدم هو المسؤول الأول عن احترام الجوانب القانونية والأخلاقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي"، مشدداً على أهمية مراعاة حقوق الملكية الفكرية والخصوصية والتحقق من المعلومات قبل اتخاذ أي قرار. كما يحذر من الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي، داعياً إلى بناء قدرات ذاتية وتحري العدالة والصدقية وتفادي التحيز عند إدخال البيانات، إضافة إلى التأكد من تراخيص البرمجيات المستخدمة. ويختم بقوله إن الذكاء الاصطناعي "أداة مساعدة لا أكثر"، وينبغي التعامل معه بوعي قانوني وأخلاقي متكامل. شخصية قانونية "جزئية" للذكاء الاصطناعي؟ مع التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي والسباق المحتدم بين الشركات المصنعة للروبوتات يظهر تساؤل عما إذا كان هناك حاجة إلى التعامل مع الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات قانونيا بصورة مختلفة عن التكنولوجيا. أو اعتبارها كشخصية قانونية. وتشير عبير حداد إلى أن قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم الذاتي ومحاكاة القرارات البشرية تثير تساؤلات قانونية عميقة. فالمستخدمون المنتظمون لأدوات مثل "ChatGPT" كثيراً ما يصفون التفاعل معه كأنه حديث مع شخص حقيقي، بخاصة أن إجاباته تتولد لحظياً ولا تبرمج سلفاً بصورة تقليدية. لكن هذا التشابه الظاهري لا يكفي، وفق حداد، لمنح الذكاء الاصطناعي صفة "الشخص القانوني"، إذ إن هذا المفهوم نشأ أساساً لتجميع مسؤوليات بشر حقيقيين ضمن كيان واحد. وفي حالة الأنظمة الذكية، تغيب هذه الركيزة الأساسية، مما يخلق فجوة قانونية، خصوصاً في المجال الجنائي، حيث لا يمكن معاقبة خوارزمية كما يعاقب الإنسان. وتقترح حداد حلاً وسطاً يتمثل في منح الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية محدودة أو جزئية، تتيح تحميله مسؤوليات معينة دون منحه وضعاً قانونياً كاملاً كالكائنات البشرية أو الكيانات الاعتبارية التقليدية. تشريعات الاتحاد الأوروبي تعد تجربة الاتحاد الأوروبي في تنظيم الذكاء الاصطناعي من خلال قانون "AI Act"، الذي أقر في يوليو (تموز) 2024، أول محاولة على مستوى العالم لصياغة إطار تشريعي شامل وملزم ينظم الذكاء الاصطناعي بصورة مباشرة. وقد دفع هذا التطور كثيرين إلى التساؤل عما إذا كان القانون الأوروبي سيتحول إلى مرجع عالمي جديد، تماماً كما حدث مع اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في مجال الخصوصية، وما إذا كانت الأنظمة القانونية العربية قادرة على الاستفادة من هذه التجربة أو تكييفها مع خصوصياتها. وترى عبير حداد أن القانون الأوروبي يقدم تصوراً مهماً لكيفية التعامل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من خلال نهج قائم على تقييم الأخطار، حيث تصنف الأنظمة الذكية وفقاً لدرجة الخطورة التي قد تشكلها على الحقوق الأساسية، ويرتبط بكل تصنيف مستوى معين من الإشراف والشفافية ومعايير السلامة. إلا أن حداد تشير إلى أن هذا النموذج، على رغم أهميته، قد لا يناسب بالضرورة جميع الدول، إذ تختلف البيئات القانونية والسياسية بين منطقة وأخرى، كما هو الحال مع الصين التي اعتمدت نمطاً تنظيمياً مختلفاً تماماً. وتوضح أن القانون الأوروبي، على رغم طابعه التقني الصارم، يتضمن عناصر يمكن أن تكون مفيدة لأي نظام قانوني يسعى إلى التنظيم الرشيد، لعل أبرزها ما ورد في المادة الرابعة التي تلزم الشركات رفع الوعي الرقمي لدى موظفيها عند تطوير أو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يسهم نظرياً في نشر ثقافة معرفية واسعة النطاق داخل المجتمعات. غير أن حداد تحذر من أن تبني هذا النموذج خارج سياقه قد يؤدي إلى حالة من الغموض التشريعي أو التناقض في التفسير. ومع ذلك ترى أن عناصر القانون تحمل أفكاراً قابلة للتكييف، وتستحق الدراسة الجادة من قبل المشرعين العرب. وتطرح تساؤلاً جوهرياً: هل ننتظر لنرى تطبيق هذا القانون على أرض الواقع ثم نحكم على صلاحيته؟ أم تبدأ الدول العربية من الآن بصياغة قوانينها، مستفيدة من التجربة الأوروبية، ولكن وفق أولوياتها وواقعها؟ النماذج مفتوحة المصدر... أداة شفافة لتنظيم الذكاء الاصطناعي من ضمن أدوات التنظيم الفعالة التي يمكن أن تسهل تطبيق قوانين الذكاء الاصطناعي تبرز النماذج مفتوحة المصدر، التي تتمتع بدرجة عالية من الشفافية، إذ تتيح للمطورين والجهات التنظيمية الاطلاع على الكود المصدري والخوارزميات المستخدمة، مما يسهل عمليات التدقيق والتصنيف، بخاصة عند تطبيق قوانين تعتمد على تقييم الأخطار، مثل القانون الأوروبي. تسمح هذه النماذج بتحليل بنية النموذج وبيانات التدريب، وتحديد مدى امتثاله لمعايير السلامة والعدالة والشفافية. كما أن النماذج مفتوحة المصدر تمتاز بإمكان تكييفها مع البيئة القانونية المحلية، مما يسمح للمطورين ببناء أدوات مساعدة فوقها لضمان الامتثال التلقائي، مثل أدوات توثيق السجلات واختبار الانحياز. وفي السياق العربي تؤكد عبير حداد أن هذه النماذج تستحق اهتماماً أكبر بكثير، بخاصة أن المجتمعات العربية تضم شريحة واسعة من الشباب المبتكرين، الذين غالباً ما يعملون بإمكانات محدودة. وتشير إلى أن هذه النماذج قابلة للتشغيل على خوادم محلية، ويمكن تكييفها لتلبية الحاجات الإقليمية الخاصة، فضلاً عن أنها تتيح سيطرة أكبر على خصوصية البيانات. فباستضافة البيانات الحساسة محلياً، يمكن للمؤسسات العربية حماية معلومات المستخدمين والامتثال للتشريعات المحلية، مما يجعلها خياراً مناسباً لتطوير بيئة رقمية مستقلة وآمنة. الأنظمة القانونية العربية... نحو تشريعات استباقية المستقبل القانوني في العالم العربي مرهون بمدى قدرة الأنظمة على مواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة. فالسؤال لم يعد ما إذا كان يجب تنظيم الذكاء الاصطناعي، بل كيف ومتى، ووفق أي رؤية تشريعية. من هنا، فإن تشكيل مجالس وطنية تضم متخصصين قانونيين وتقنيين، وإدماج مسارات أكاديمية متخصصة في قوانين التقنية، والعمل على تطوير بنية تشريعية إقليمية موحدة، قد يمثل خطوات حاسمة في هذا الاتجاه. كما أن تبني مبدأ "التشريع الاستباقي" بات ضرورة، بدلاً من انتظار وقوع أزمات تدفع إلى تقنين متأخر ومحدود الأثر. ويؤكد أحمد سليمان العتيبي أن تأخر التحرك في هذا الملف قد يعزل الدول العربية عن خريطة التشريعات الدولية. ويدعو إلى إنشاء هيئات وطنية مستقلة تضم خبرات قانونية وفنية، تتولى صياغة اللوائح، ووضع المعايير، وإنشاء مراكز أبحاث وتدريب كوادر قادرة على إدارة هذا التحول القانوني والتقني المعقد. فتنظيم الذكاء الاصطناعي ليس فقط مسألة قانونية، بل هو رهان على السيادة والاستقلال الرقمي والأمن المعرفي في العالم العربي.