
"اختراع الكتب" من مدينة الملذات إلى روما اللصوص والمجرمين
تنطلق الكاتبة والباحثة الإسبانية إيريني باييخو في بحثها المترامي من أسئلة على شاكلة، متى ظهرت الكتب؟ ما الذي فُقد منها وما الذي نجا؟ ما حجم الخسائر التي ألمت بالكتب سواء جراء أنياب الزمن أو مخالب النار وسموم الماء؟ ما الكتب التي أحرقت في غضب، وما الكتب التي نُسخت بشغف أقوى؟. وإن كان لنا أن نعتبر هذه الأسئلة هي الناظم أو الهيكل العام للكتاب، فإننا سنجانب الصواب، ولكننا أمام كتاب من بين كتب كثيرة تتناول الكتب وملمسها ورائحتها والهوس بها وعوالمها وتاريخ القراءة والمكتبات ونحو ذلك، مما أصبح ظاهرة كبرى تستدعي التوقف عندها طويلاً، ودراسة دوافعها وضرورتها، ومنها ما هو سطحي إلى أبعد الحدود، ومنها ما هو مكرر ومستنفد، لا يتعدى محاولة فاشلة لتقديم مقاربة بورخيسية زائفة، أو قراءة تنحو منحى أمبرتو إيكو من دون منهج ولا تاريخانية ولا سيمائية، بل ذكريات عن أول كتاب قرأه الكاتب مع وابل من العناوين وأسماء الكتذاب، على مبدأ وسائل التواصل الاجتماعي فلا تعني مشاركات صور أغلفة الكتب أن من شاركها قرأها أو أنه سيقرأها.
لعبة باييخو السردية
الكتاب الإسباني بالترجمة العربية (دار الآداب)
مروري السريع على تلك الظااهرة، يوضح أمراً شديد الأهمية في مقاربتي لكتاب "اختراع الكتب"، ألا وهو أن آخر ما كنت أود قراءته هو كتاب يحكي عن الكتب وتاريخ الكتب والمكتبات وأمناء المكتبات، لكنني ما إن شرعت بقراءته حتى أسرتني عوالمه، ليس لما يتضمنه من معلومات واكتشافات ونحو ذلك، أو إجابته عن الأسئلة سالفة الذكر، بل لأسلوب باييخو، للبنية التي أسست عليها لعبتها السردية، وتحليها بمنتهى الحرية والانضباط في آن معاً، وهي بهذا المعنى أشبه بصيادي الكتب، فرسان بطليموس، وهي تلاحق الشخصيات والعوالم والتواريخ والحكايا التي تقدمها، وليس العكس، من دون أن تتردد في أن تستطرد هنا وتسترسل هناك، سواء طوّعت هذا الاستطراد في ما يخدم بحثها أو لم تفعل، فهي في النهاية ستخلص إلى استنتاجات تاريخية أو ذكريات شخصية، أو تضعنا حيال عوالم كاتب أو فيلم وغير ذلك.
مكتبة فرعونية (صفحة بابيروس - فيسبوك)
يمكن توضيح هذه اللعبة السردية مع بداية الكتاب، فالحديث عن فرسان بطليموس سيأخذنا إلى الإسكندرية، وليبدأ الكتاب بقصة زوجة تاجر في جزيرة "كوس" أبحر زوجها إلى مصر منذ 10 أشهر، ولم تصلها رسالة واحدة منه. هذه الحكاية ستقدم باييخو من خلالها للنظرة الإغريقية للإسكندرية بوصفها "مدينة الملذات والكتب"، ومنها أيضاً ستنتقل إلى قصة حب كليوباترا وماركوس أنطونيوس "كبرى الأساطير الإيروتيكية"سشاأساطير، لتقول لنا إن أنطونيوس أهداها هدية لن تقوى كليوبترا على أن تزدريها واضعاً تحت قدميها "مئتي ألف مجلد من أجل المكتبة العظمى". ولاستكمال صورة الإسكندرية، فإنها ستسعين بشاعرها كفافيس (1863 – 1933) الذي يرى "المدينة الغائبة تخفق تحت طبقات المدينة الواقعية"، ولورانس داريل (1919 – 1990) صاحب "رباعية الإسكندرية"، وبهذا يتضح ما الذي يعني توصيفها بـ"مدينة الملذات والكتب".
صندوق داريو
سيمضي سرد باييخو نحو الإسكندر بوصفه مؤسس الإسكندرية، مثل مدن وحواضر كثيرة في هذا العالم، ولتجد في "الإلياذة" ما هو على اتصال بالكتب لدى الإسكندر، فملحمة هوميروس لم تكُن تفارقه، واجداً في آخيل مثالاً يحتذى، كما تقول لنا مؤلفة الكتاب، وصولاً إلى الصندوق أو القطعة الأنفس التي عثر الإسكندر عليها في إيوان داريو الفارسي، وسؤاله لرجاله عن الشيء الأكثر قيمة الذي يستحق أن يحفظ في ذلك الصندوق، وكل منهم يقول، "المال، الحلي، العطور، التوابل. لكن الإسكندر هز رأسه نافياً، آمراً بإيداع نسخته من الإلياذة في ذلك الصندوق".
رسمة تمثل مكتبة الإسكندرية القديمة (مكتبة الإسكندرية)
سنصل وفاة الإسكندر وهو في الـ32، وفرضية أن رجالاته من "سمموه" بمن فيهم بطليموس ومعه سلوقس وأنتيغونس، وما تلا ذلك من صراعات، وتقاسم مملكته المترامية بينهم، ولتكون مصر من نصيب بطليموس. وهنا يعود بنا الكتاب لمكتبة الإسكندرية، وليطالعنا بمقطع مدهش عن دوافع بطليموس لتأسيس مكتبة الإسكندرية، "لا بد من أن بطليموس قد شعر بالاضطراب، والحيرة، والعزلة. لم يفهم اللغة المصرية، وأبدى ارتباكاً خلال المراسيم، كما ارتاب في سخرية أفراد الحاشية منه. وعلى رغم ذلك، فلقد تعلم من الإسكندر أن يتحلى بالجسارة. ما دمت لا تفهم الرموز، فاخترع رموزاً أخرى. وإن تحدتك مصر بعراقتها المذهلة، فانقل العاصمة إلى الإسكندرية، المدينة الوحيدة التي لا ماضي لها، واجعل منها المركز الأهم في المتوسط بأسره. ولو نظرت الرعية إلى المستجدات بعين الارتياب، فاجعل جرأة الفكر والعلم كلها تتدفق في هذه الأرض. وهكذا رصد بطليموس ثروات ضخمة حتى يشيد مكتبة الإسكندرية ومتحفها.
لقد استرسلت في ما تقدم للإضاءة على الآلية السردية المتبعة في الكتاب، التقديم والتأخير، المضي مع الشخصيات ، تتبع الأفكار والمعطيات التاريخية والخلاصات، ومن ثم العودة للكتب والمكتبات، وهذا سيكون الأسلوب المهيمن على الكتاب، وباييخو تتبع المكتبات منذ 13 ألف سنة قبل الميلاد، ونشأة الكتاب منذ أكثر من 5 آلاف سنة، ولعنة سارقي الكتب في بلاد الرافدين وسوريا، وتجربتها الشخصية في مكتبة "بودليان" في أكسفورد وشبكة الأنفاق ذات السيور التي تحمل الكتب إلى تحت الأرض بما يربو على ثلاثة كيلومترات من الأرفف كل عام، وصولاً إلى البردي، ورِق "البيرغامينو"، وليقودها هذا الأخير إلى الكتابة عن الجسد الإنساني والوشوم وفيلم كريستوفر نولان "ممنتو"، وتخيل أن المخطوطات الكبيرة كانت سبباً في موت قطيع بأكمله من المواشي. وفي انتقالها إلى الشفاهية، فإنها تفرد مساحة كبيرة لسقراط الذي امتنع عن الكتابة، هو المولع بـ"التسكع والثرثرة" متهماً الكتب بـ"عرقلة المحاورة بين الأفكار، لأن الكلمة المكتوبة لا تجيد الإجابة عن تساؤلات القارئ واعتراضاته".
الباحثة الإسبانية إيريني باييخو (دار الآداب)
سيمتد الأمر بالمضي مع هوميروس المجهول، وأسخيليوس وانفتاحه على الآخر في مسرحه، والخلوص إلى أن قدموس من علّم الإغريق الكتابة، والمضي خلف فرضية أن "قسمات المرأة التي كانت تدعى أوروبا "هي لامرأة فينيقية، وكنا لنصفها اليوم بأنها سورية-لبنانية".
تراث شعب مهزوم
في القسم الثاني من الكتاب المعنون بـ"الطرق التي تؤدي إلى روما" تغيب "الكتب والملذات"، يهيمن مستوى تاريخي آخر منطلقه الحروب والصراعات وربما القسوة، منذ أن صار مركز العالم مدينة ارتبطت بها "أسطورة في غاية السوء" أو "أسطورة سوداء مروعة منذ البداية"، والحديث هنا عن نشأة روما وصراع الأخوين رومولوس وريموس، حفيدي الملك آليا لونغا، وقتل رومولوس أخاه، بعد أن تجاوز هذا الأخير الأسوار التي شيدها رومولوس، متبعاً ذلك بتنظيم صفوف المجرمين، فحاجة المدينة إلى مواطنين دفعته إلى إعلانها ملاذاً للمجرمين والهاربين، ليكونوا هؤلاء هم الرومان الأوائل، فإذا بغياب النساء في المدينة المشكلة الأشد إلحاحاً، وبذلك نصل إلى "ثالثة الوقائع الخسيسة: الاغتصاب الجماعي"، إذ يدعو رومولوس عائلات القرى المجاورة إلى الاحتفال ببعض "الألعاب المزمع أن تقام على شرف الإله نبتون"، ولتكون كل هذه الدعوة حيلة، إذ سيقدم الرومان على اختطاف الشابات اللاتي حضرن برفقة عائلاتهم.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعرض باييخو، انطلاقاً من تلك النشأة السوداء، لتوسع الإمبراطورية الرومانية، وتنامي جيوشها وغزوتها وحروبها، وتجارة الرقيق وشبكات النقل والأعمال الهندسية، بالتالي تكديس الأموال والثروات، لتتمكن في النهاية من رسم الكيفية التي تأسست فيها الآداب اللاتينية، أو الكلاسكيات، بعد أن تبنى الرومان تراث شعب أجنبي مهزوم (الإغريق) ليكون مكوناً أساسياً من مكونات الهوية الخاصة.
وليمضي الكتاب في هذا القسم نحو ملابسات نشأة وتطور الثقافة الرومانية وينفتح على دفق جديد من الأفكار والحكايا والأخبار، من ثقافة العبيد والأسياد والنساء في روما، وباعة الكتب والمكتبات والتنقلات بين الوسائط والبحث في ماهية الكلاسيكيات، وروما والحضارة الرومانية تعاود الظهور كخيط ناظم عابر للأزمنة، كما هو الإسكندر والإسكندرية والإغريق في القسم الأول "بلاد الإغريق تتخيل المستقبل"، بما يعزز على الدوام السعي وراء اللامتناهي من المواضيع والأفكار التي يستدعيها هذا الكتاب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة هي
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- مجلة هي
تعرفي على حجر الزمرد وفوائده حجر مواليد شهر مايو
لا يزال حجر الزمرد يحتفظ بجاذبيته الخالدة التي تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية، ومع كونه حجر الميلاد لشهر مايو فإنه يتمتع بمكانة فريدة بما يحمله من رموز عميقة ودلالات روحانية تربطه بالحب والتجدد والنماء، ويعكس لونه الطبيعي المورق جمال الربيع بكل بهائه، حيث تتفتح الأرض بالحياة وتبدأ دورة جديدة من الخصوبة والازدهار. الزمرد حجر مايو الفاخر في مجوهرات Graff ولمولودات شهر مايو يُجسد الزمرد روحهنّ المتقدة بالإبداع والحيوية، ويربطهن بالحكمة القديمة وإيقاع الطبيعة المتجدد، إلا أن تأثير هذا الحجر لا يقتصر على مواليد شهر بعينه إذ يجد فيه كل من ينشد التوازن والجمال والمعنى حجر طاقة حقيقية. أهمية تاريخية وتقديس ثقافي تتجذر أهمية الزمرد في عمق التاريخ إذ يعود استخدامه إلى أكثر من 4000 عام، بدءاً من الحضارة المصرية القديمة، ولعل أشهر من ارتبط بهذا الحجر هي كليوباترا الملكة الأسطورية التي لطالما اعتبرت الزمرد تجسيداً للشباب الأبدي والحماية الإلهية، حيث زيّنت به قصرها وزينتها الشخصية على حد سواء. مجوهرات حجر الزمرد الفاخرة من Cartier كما لاقى الزمرد تقديراً بالغاً لدى حضارات أمريكا الجنوبية مثل شعبي الإنكا والأزتيك الذين قدّسوه واستخدموه في الطقوس الدينية، ويُذكر أن شعب الموزو في ما يُعرف اليوم بكولومبيا قاموا باستخراج الزمرد بعناية واحترام كبيرين قبل وصول الإسبان، الذين ما لبثوا أن اكتشفوا ثراء المنطقة بهذه الأحجار النفيسة في القرن السادس عشر، ومع انتقال الزمرد إلى أوروبا سُرعان ما أصبح من مقتنيات النخبة والملوك لما يحمله من دلالات الرفعة والسلطة. أما في شبه القارة الهندية فقد لعب الزمرد دوراً بارزاً في الثقافات الروحية والتقليدية، حيث كان مفضلاً لدى أباطرة المغول الذين زيّنوا به حليهم المزخرفة، وغالباً ما نقشوا عليه آيات مقدسة أو أبيات شعرية، وتُعزز مكانة الزمرد في التقاليد الفيدية من خلال ارتباطه بـ"شاكرا القلب"، حيث يُستخدم لتعميق مشاعر الحب والرحمة والتطور الروحي. جاذبية الزمرد من حيث التركيب والندرة سحر الزمرد في مجوهرات Harry Winston ينتمي الزمرد إلى عائلة معدن "البريل" ويتخذ لونه الأخضر المميز بفضل كميات ضئيلة من الكروم أو الفاناديوم، وتتفاوت درجات لونه بين الأخضر الفاتح والداكن وهو ما يُعد سمة جوهرية في تقييم جمال الزمرد، وعلى خلاف الألماس الذي تُعتبر نقاوته معياراً أساسياً، فإن الزمرد يُقدّر أساساً وفقاً لعمق اللون وتوزيعه المتساوي. ومن السمات الفريدة للزمرد وجود شوائب طبيعية داخلية تُعرف باسم "الحديقة" أو jardin بالفرنسية والتي تضيف طابعاً فردياً على كل حجر، وتُعد دليلاً على أصله الطبيعي بدلاً من أن تُعتبر عيوباً. فخامة الزمرد حجر مايو في مجوهرات من Bvlgari ويُعد الزمرد من أندر الأحجار الكريمة إذ يُصنّف من حيث الجودة العالية أكثر ندرة من الألماس، ولا تزال كولومبيا تحتفظ بسمعتها كمصدر لأرقى أنواع الزمرد، حيث يُعرف إنتاجها بصفاء اللون وتألقه، كما تُنتج زامبيا والبرازيل وأفغانستان أنواعاً مميزة لكل منها طابع لوني خاص مثل الزمرد الزمردي المزرق من زامبيا، والأخضر البراق من كولومبيا. ورغم أن الزمرد يُصنّف على مقياس موس للصلابة بين 7.5 و8، إلا أن العناية به ضرورية بسبب طبيعته القابلة للكسر، ويُستخدم له عادة قطع مستطيل يُعرف بـ"القطع الزمردي" صُمم خصيصاً للتخفيف من الضغط على الحجر ولإبراز عمق لونه، وقد أصبح هذا القطع فيما بعد شائعاً مع أحجار أخرى إلا أن أصله يعود إلى الزمرد وحده. الرمزية الروحية في الزمرد حجر النمو والحب تألق الزمرد في مجوهرات Repossi يرتبط الزمرد بشكل وثيق بمعاني النمو والحياة المتجددة مما يجعله تجسيداً مثالياً لشهر مايو وربيعه النضر، فهو يُعبّر عن الخصوبة والبدايات الجديدة والتوازن العاطفي، كما ارتبط عبر العصور بالإلهة الرومانية فينوس رمز الحب والجمال، مما جعله حجر المشاعر الرقيقة والرومانسية الخالدة. ومن الناحية الروحية يُقال إن الزمرد يملك طاقة شفائية عميقة خصوصاً فيما يتعلق بالقلب، حيث يُعزز مشاعر التسامح والتراحم والحب غير المشروط، وتربطه بعض الفلسفات الشرقية بشاكرا القلب حيث يُستخدم لتعزيز الانسجام بين الشريكين، وترسيخ مشاعر الولاء والصبر والاتحاد. الزمرد حجر مايو في مجوهرات Piaget ولا يقتصر تأثير الزمرد على الجوانب العاطفية فقط إذ لطالما ارتبط بالحكمة والصدق، وتذكر الأساطير القديمة أن الزمرد كان يُستخدم لاكتشاف الكذب حيث يُقال إنه يتغيّر لونه أو يصبح معتماً عند التعرض للخداع وهو ما جعله رمزاً للعدالة والنقاء الأخلاقي. الخصائص العلاجية والروحانية يتجاوز تأثير الزمرد الجانب العاطفي ليمتد إلى مجالات التركيز الذهني والبصيرة الداخلية، ويُعتقد أن ارتداء الزمرد يُعزز من وضوح الرؤية الفكرية ويقوّي الحدس ويحفّز الإبداع، لذلك يُنظر إليه كأداة مثالية للطلاب والمفكرين، لما له من تأثير محتمل في تقوية الذاكرة وتحفيز التفكير المنطقي. ومن حيث الصحة الجسدية يرتبط الزمرد تقليدياً بصحة العينين والكبد والعمود الفقري، وقد استخدمته حضارات قديمة لعلاج أمراض العيون ربما بسبب لونه المهدئ والمريح للبصر، كما يُنظر إليه كحجر يساعد في إزالة السموم من الجسم وتنشيط وظائف الكبد، وتحفيز عملية التجدد الجسدي بعد المرض أو الإرهاق. الزمرد حجر مولودات شهر مايو في مجوهرات Bulgari وتُضاف إلى قائمة خصائصه قدرة الزمرد المحتملة على جذب الوفرة والرخاء، ويُقال إنه يجلب النجاح المالي ويعزز فرص الأعمال لذا يُفضّله العديد من رواد الأعمال والمبدعين لما له من تأثير على تحفيز الأفكار الجديدة وتشجيع اتخاذ قرارات حاسمة. الزمرد في المجوهرات المعاصرة والموضة لا تزال مكانة الزمرد في عالم التصميم والمجوهرات الراقية متألقة كما كانت عبر العصور، ويُضفي هذا الحجر هالة ملكية على أي قطعة مجوهرات، سواء كانت خاتماً للخطوبة أو قلادة متدلية أو تاجاً فخماً. ويزداد الزمرد شهرة بين الباحثين عن خواتم خطوبة فريدة تخرج عن المألوف، لما يحمله من رمزية الحب العميق والوفاء، وقد ساهمت شخصيات شهيرة مثل هالي بيري وزوي سالدانا وجاكي كينيدي في تعزيز هذا التوجه بارتدائهن خواتم خطوبة تتوسطها أحجار زمردية آسرة. العناية بالزمرد ويحتاج الزمرد إلى عناية خاصة نظراً لاحتوائه على شوائب طبيعية تُضعف من صلابته مقارنة بأحجار أخرى، ويُفضل تجنب الأجهزة فوق الصوتية والمنظفات الكيميائية القاسية عند تنظيفه حيث يُنصح باستخدام ماء فاتر مع صابون لطيف وقطعة قماش ناعمة، ونظراً لأن الزمرد يُعالج غالباً بالزيوت لتحسين شفافيته يُستحسن إعادة تزييته بشكل دوري لدى المتخصصين للحفاظ على بريقه.


مجلة سيدتي
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
طلاء الأظافر فن التعبير عن الذات.. قصة أنوثة تمتد منذ آلاف السنين
طلاء الأظافر هو أكثر من مجرد طلاء. إنه لغة صامتة تحدثت بها النساء، والملكات، والنخبة منذ آلاف السنين، وتحول اليوم إلى أداة للتعبير عن الشخصية والمزاج، وربما حتى الثورة الصامتة على القوالب النمطية. في كل مرة تختارين فيها لون طلاء أظافرك، سواء كان وردياً ناعماً أو أحمر صريحاً أو حتى أسود جريئاً، أنت تعيدين إحياء تاريخ طويل من الطقوس والجمال والسلطة والتعبير الذاتي. طلاء الأظافر ، ذلك التفصيل الدقيق الذي قد يبدو بسيطاً في مظهر المرأة، يحمل في حقيقته إرثاً عمره آلاف السنين. من الحضارات القديمة التي منحته بعداً اجتماعياً، إلى الصيحات المعاصرة التي حولته إلى فن وتعبير عن الذات، امتد تاريخ هذا المنتج التجميلي على خارطة الحضارات والبشرية بأسرها. في هذا الموضوع، سنأخذك في رحلة عبر الزمن، من أروقة القصور الفرعونية وأكواخ الحضارة الصينية القديمة، مروراً بصالونات التجميل في أوروبا، وصولاً إلى مختبرات صناعة الجمال الحديثة. ستكتشفين كيف كان طلاء الأظافر مرآة دقيقة لتحولات المجتمعات، وامتداداً للهوية الأنثوية، وأحياناً حتى وسيلة للتمرد الناعم. اجلسي بهدوء، وتأملي يديك الجميلتين، ثم تابعي القراءة، لأن القصة التي سنرويها لك اليوم ليست فقط عن الجمال، بل عن التاريخ، والقوة، والتطور، والحب الدائم للأنوثة. من الحناء إلى التميز الطبقي: بدايات المناكير في مصر القديمة وجدت أقدم دلائل استخدام تلوين الأظافر في مصر القديمة. استخدمت كليوباترا اللون الأحمر الداكن لتلوين أظافرها، مما جعله رمزاً للسلطة والجاذبية الملكية. وكان هذا اللون وغيره من الألوان مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالطبقة الاجتماعية، حيث يمنع على الفقراء استخدام الدرجات الداكنة ويسمح لهم فقط بالفاتحة. هذا التصنيف الطبقي كان واضحاً في تفاصيل الجمال، فكلما زاد سطوع اللون، زادت دلالة النفوذ والسلطة. الصين الإمبراطورية: المناكير امتياز لمن يملك السلطة في الصين القديمة، وضع طلاء الأظافر تحت سلطة القوانين الإمبراطورية. اقتصر استخدام الألوان الذهبية والفضية على أفراد الأسرة الحاكمة، وتم تصنيع الطلاء من مكونات معقدة مثل صمغ الأشجار وبياض البيض. لم يكن الجمال حرية، بل امتيازاً محصوراً بمن يملك السلطة. النساء من خارج البلاط الملكي لم يكن يجرؤن على تقليد الألوان المخصصة للإمبراطورات، مما يوضح كيف كانت الأظافر تعبيراً عن النظام السياسي. طلاء الأظافر في الحضارة الفارسية القديمة: الذهب كرمز للرفاهية في الإمبراطوريات الفارسية القديمة، كانت النساء من الطبقة الراقية يستخدمن طلاء أظافر ذهبي اللون كرمز للثراء والرفاهية. ويعتقد أن هذه الصبغات كانت تحضر من مركبات طبيعية ممزوجة ببودرة الذهب أو المواد المعدنية اللامعة، تستخدم في الاحتفالات الملكية والطقوس الدينية. طلاء الأظافر الذهبي لم يكن مجرد زينة، بل أداة اجتماعية لتحديد الطبقة والنفوذ داخل البلاط الملكي. الهند والحناء: حين يتحول التجميل إلى طقس مقدس في الهند، ارتبط تلوين الأظافر باستخدام الحناء في طقوس الزواج والمناسبات الدينية. كانت الألوان الحمراء علامة على الفرح والأنوثة والخصوبة، واستخدمت لتزيين الأيدي كاملة في حفلات الزفاف، فيما ظل طلاء الأظافر جزءاً من هذا الطقس العريق حتى يومنا هذا. ترسخ هذا التقليد كجزء من التراث الثقافي والروحي، حيث لا تزال الحناء اليوم تستخدم في المناسبات الاحتفالية. بابل: حين صبغ المحاربون أظافرهم قبل المعركة استخدم المحاربون البابليون الطلاء لأسباب نفسية وعسكرية، حيث صبغ القادة أظافرهم بالأسود والجنود بالأخضر. كانت تلك الألوان درعاً نفسياً يعكس الاستعداد والشجاعة، وأحد أشكال التواصل غير اللفظي بين الجنود في ساحة الحرب. هذه الرمزية تعبر عن الأظافر كأداة لبث الرهبة وتعزيز الهوية القتالية. عصر النهضة: عودة الأناقة إلى الأطراف مع عودة الفن والعلوم إلى الحياة الأوروبية، عادت الزينة لتأخذ مكانها في نمط الحياة الأرستقراطية. استخدمت النساء مزيجاً من الزيوت وشمع العسل لتجميل الأظافر وتلميعها، وباتت الأناقة مرادفاً للنظافة والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة مثل الأظافر. في هذه المرحلة، أصبحت العناية بالأظافر دلالة على الرقي والتطور الشخصي. الثورة الصناعية: بزوغ أول أشكال العناية التجارية بالأظافر خلال القرن التاسع عشر، بدأت منتجات العناية بالأظافر تصنع وتسوق تجارياً. ظهرت ملمعات مصنوعة من مواد بسيطة مثل الخل والزيوت، وكانت تباع في علب صغيرة للسيدات الراقيات، لتأكيد موقعهن الاجتماعي من خلال مظهر الأظافر المصقول والناعم. كما ظهرت أدوات تقليم وتشكيل خاصة بالأظافر. القرن العشرون: ريفلون وثورة اللون الأحمر كانت نقطة التحول الجذرية في عام 1932، عندما قدمت شركة "ريفلون" أول طلاء أظافر بصيغته الحديثة، بلون أحمر قاني مستوحى من طلاء السيارات. غزت هذه الصيحة العالم، وارتبط الطلاء الأحمر بالأنوثة القوية والجريئة، خاصة بعدما استخدمته نجمات هوليوود. أصبح اللون الأحمر مرادفاً للإغراء والجرأة والاستقلال. الحرب العالمية الثانية: الأناقة في وجه الحرب رغم شح الموارد، لم تتخل النساء عن طلاء الأظافر أثناء الحرب. بل اعتبر وسيلة للحفاظ على الروح المعنوية، وجزءاً من الصورة الوطنية للمرأة القوية التي تحافظ على أنوثتها وأناقتها رغم القتال والدمار. وكان اللون الأحمر يعتبر لوناً وطنياً في بعض الدول، مما عزز من حضوره. الخمسينيات والستينيات: المناكير الفرنسي وأناقة التفاصيل ظهر "المناكير الفرنسي" ليعكس البساطة الراقية: قاعدة شفافة مع حافة بيضاء. أصبح هذا النمط أيقونة للأناقة الكلاسيكية. كما بدأت النساء يستخدمن الطلاء كجزء أساسي من روتين التجميل، تماماً كأحمر الشفاه والعطر. وانتشرت ماركات جديدة تنافس ريفلون، مما وسع السوق عالمياً. السبعينيات والثمانينيات: التمرد في الألوان دخلت الألوان الجريئة إلى عالم طلاء الأظافر، من الأزرق والأخضر إلى الأسود، وأصبحت الأظافر تعبيراً صريحاً عن الانتماء الثقافي، سواء لثقافة البانك، أو لموسيقى الروك، أو للمرأة الثائرة على النمط التقليدي. كما ظهرت أولى تصاميم "فن الأظافر" Nail Art. التسعينيات: بين النيود والرسم الفني عادت البساطة من جديد مع انتشار ألوان النيود، لكنها لم تلغِ الجرأة، إذ ازدهرت فنون الرسم على الأظافر، وظهرت صالونات مخصصة فقط لتصميمات Nail Art. أصبحت المرأة تنتقل بين الألوان حسب المناسبة، والمزاج، وحتى الموضة الموسمية. الألفية الجديدة: التكنولوجيا لم تستثن الأظافر في هذا العصر الرقمي، دخلت التكنولوجيا عالم طلاء الأظافر بقوة. ظهر طلاء الجل Gel Polish، الذي يدوم طويلاً من دون تقشير، ثم طلاء Dip Powder الذي يتميز بالقوة وسهولة الاستخدام. كما ظهرت طابعات ذكية ترسم تصاميم معقدة على الأظافر خلال دقائق. وانتشرت تطبيقات الواقع المعزز التي تتيح للمرأة تجربة الألوان على أظافرها افتراضياً قبل الشراء، بل حتى استخدام الذكاء الاصطناعي لاقتراح ألوان تناسب لون بشرتها أو ملابسها. لم تعد الأظافر مجرد موضة، بل أصبحت واجهة رقمية تجمع بين الجمال والتكنولوجيا الشخصية. الثورة النباتية والجمال الأخلاقي ازدادت المطالب بمنتجات خالية من المواد السامة كالفورمالديهايد، وظهرت علامات تجارية نباتية Cruelty-Free. أصبح الطلاء صديقاً للبيئة والحيوانات، وارتبط بالمفاهيم الحديثة للجمال النظيف والصحي. كما باتت المستهلكات أكثر وعياً بمكونات ما يضعنه على أظافرهن. يمكنك الاطلاع أيضاً على موضة الأظافر المعدنية صيحة تتصدر موضة الجمال لصيف 2025.. تعرفي إليها بالصور طلاء الأظافر اليوم: لوحة شخصية تعبر عنك اليوم، تمتلكين كل الألوان وكل التركيبات. بإمكانك أن تطلي أظافرك باللون الذي يعبر عن حالتك النفسية، أو تتبعي صيحة موسمية، أو تكتفي بلون شفاف أنيق. كل خيار يعكس هوية، وكل لمسة فرشاة تكمل مظهرك وقصتك الشخصية. أشهر ألوان طلاء الأظافر ودلالاتها النفسية حين تختارين لون طلاء أظافرك، قد تعتقدين أنكِ تفعلين ذلك بدافع الذوق أو المناسبة فقط. ولكن الحقيقة أعمق من ذلك. لون طلاء الأظافر الذي تفضلينه ليس مجرد اختيار عابر، بل هو انعكاس مباشر لحالتك النفسية، ولصورة معينة ترغبين بإبرازها عن نفسك. فكل لون يحمل دلالات نفسية خفية توصل رسائل عنك من دون أن تنطقي بكلمة. الدلالة النفسية: النساء اللواتي يخترن طلاء الأظافر الأحمر غالباً ما يتمتعن بشخصيات قوية، جريئة، ومليئة بالشغف. يعبر الأحمر عن الحب، الحيوية، والقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة. الصورة الجمالية: الأحمر لا يخطئ أبداً، هو اللون الذي يلفت الأنظار على الفور، يرمز للأنوثة الصريحة، ويمنحك حضوراً آسراً خاصة في المناسبات المسائية أو اللقاءات الرسمية. النيود Nude: رمز الرقي والبساطة الراقية الدلالة النفسية: المرأة التي تفضل المناكير النيود غالباً ما تتمتع بذوق راقٍ، تهتم بالتفاصيل الصغيرة، وتقدر الهدوء والاستقرار. إنها متزنة، منظمة، وتحب أن تظهر بكامل أناقتها من دون أن تتكلف. الصورة الجمالية: النيود يناسب جميع ألوان البشرة ، ويعطي انطباعاً باليدين النظيفتين والأنيقتين. وهو خيار مثالي للعمل، والمناسبات النهارية. الأسود Black: رمز الغموض والقوة الداخلية الدلالة النفسية: إن كنت تميلين للأسود فأنت على الأرجح شخصية غامضة، غير اعتيادية، وتحبين التفرد. الأسود يعكس روحاً متمردة ومتفردة في آن معاً. الصورة الجمالية: بالرغم من أنه لون غير تقليدي، إلا أن الأسود يضفي لمسة من الفخامة والعصرية، خاصة إذا تم دمجه مع تصاميم Nail Art ذهبية أو فضية. الوردي Pink: رمز الأنوثة والنعومة الدلالة النفسية: المرأة التي تميل للوردي غالباً ما تكون رومانسية، عاطفية، ومحبة للسلام. تعشق التفاصيل الناعمة، وتحب أن تعيش الحياة بأسلوب لطيف ومتفائل. الصورة الجمالية: يتدرج الوردي من الفاتح إلى الفوشيا، وكل درجة تعكس مرحلة من الأنوثة: من البراءة إلى الجرأة. الوردي الفاتح يناسب الإطلالات الناعمة، أما الفوشيا فيمنحك جرعة إضافية من الحيوية. الأبيض White: رمز النقاء والشفافية الدلالة النفسية: اختيارك للأبيض يدل على أنكِ شخصية صريحة، تكره الخداع، وتميلين إلى البساطة النقية. أنت واقعية وتحبين التعامل بشفافية. الصورة الجمالية: طلاء الأظافر الأبيض يمنحك مظهراً عصرياً ونظيفاً، وهو مثالي لإطلالات الصيف والبشرة السمراء، خاصة مع ملابس الكتان والقطن. الأزرق Blue: رمز السلام والحرية الدلالة النفسية: النساء اللاتي يخترن الأزرق غالباً ما يتمتعن بعقول متفتحة، وعواطف مستقرة. الأزرق يعكس حب الحرية والانطلاق مع حس داخلي عميق بالسلام. الصورة الجمالية: يتنوع الأزرق بين السماوي الذي يناسب الإطلالات الصيفية، إلى الكحلي الداكن المثالي لأجواء الشتاء والمناسبات الرسمية. الرمادي Grey: رمز التوازن والعقلانية الدلالة النفسية: الرمادي يعكس شخصية عقلانية، لا تميل إلى التطرف. هو لون المرأة التي تعرف متى تتكلم ومتى تصمت، ومتى تتقدم ومتى تتراجع. الصورة الجمالية: لون هادئ وأنيق، يناسب النساء العاملات، ويضفي لمسة من الرقي من دون أن يكون صارخاً. البنفسجي Purple: رمز الغموض والإبداع الدلالة النفسية: البنفسجي يدل على امرأة حالمة، مبدعة، وتعيش في عالمها الخاص. تعشق الفن والتجديد، وتكره التكرار والروتين. الصورة الجمالية: البنفسجي بدرجاته يعطيك مظهراً مميزاً، خاصة إذا تم دمجه مع تدرجات الميتاليك أو اللمعة. الأخضر Green: رمز الطبيعة والتجدد الدلالة النفسية: من تختار الأخضر تتمتع بطاقة متجددة، وتحب التغيير. هي شخصية محبة للحرية، وصديقة للبيئة، وتبحث دائماً عن التوازن. الصورة الجمالية: الأخضر الزيتوني والأخضر الفاتح من أكثر الألوان رواجاً في المواسم الأخيرة، ويضفيان على اليدين طابعاً طبيعياً أنيقاً. الذهبي والميتاليك Gold & Metallics: رمز الجرأة والتميز الدلالة النفسية: إذا اخترت الذهبي أو الفضي، فأنت بالتأكيد تحبين الظهور، وتتمتعين بثقة عالية بالنفس، وذوق لا يشبه أحداً. الصورة الجمالية: ألوان الميتاليك تبرز في الحفلات، واللحظات التي ترغبين فيها بالتألق. إنها تعكس الرفاهية وتعطي لمسة مستقبلية مبهرة. في النهاية، طلاء الأظافر ليس مجرد لون على طرف الإصبع، بل هو مرآة تعكس طبقات التاريخ، وتفاصيل الثقافة، وتطور الأنوثة. منذ آلاف السنين وحتى هذه اللحظة، ظل الطلاء واحداً من أكثر الأدوات حميمية في طقوس الجمال. كل لون تختارينه يربطك بحكاية قديمة، ويمنحك صوتاً ناعماً تعبرين به عن نفسك.


Independent عربية
٢٢-٠٣-٢٠٢٥
- Independent عربية
سيرة متخيَّلة لراهب قبطي عشية الفتح العربي لمصر
في رواية "سقوط أوراق التوت" يرى الكاتب الإفتراضي في هذه السيرة "مسودة رواية جاهزة للنشر حتى قبل ظهور فن الرواية في أوروبا"، ولم تخل تلك "الترجمة" من إسقاطات على الحاضر، خصوصاً في ما يتعلق بـ "طوفان الأقصى" وتبعاته، المتصلة منذ 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023 وحتى الآن، وإن جاءت على نحو بدا مقحماً، على نسيج مشغول أساساً بمفهوم الرهبنة الذي صدَّرته مصر إلى العالم المسيحي. الرواية، التي عثر عليها "مترجمُها" مصادفة، هي عبارة عن سبع مخطوطات، كانت مخبأة في بيت قديم في إحدى قرى صعيد مصر، وترجع وفق "كاتبها" الراهب إسطفان السمنودي إلى "شهر برمودا من سنة 641 من ميلاد مُخلِصنا يسوع المسيح". القرية وفقاً لتلك المخطوطات كان اسمها أنتينوبوليس (مدينة أنتوني)، في زمن هيمنة الرومان، وهي بحسب "المترجم"؛ "قرية الشيخ عبادة، جنوب محافظة المنيا حالياً". ويلاحظ أن هذا التاريخ هو نفسه تاريخ الفتح العربي لمصر، الذي مهد لتحولها إلى دولة إسلامية، وفي هذا دلالة لا تخفى على أننا بصدد حقبة وجد فيها الأقباط أنفسهم أمام مفترق طرق يحتم عليهم التوثيق لديانتهم وقديسيهم، فتتالت كتاباتهم المؤرخة لأحوالهم ولأحوال بلدهم بصفة عامة، وهو ما ظهر لاحقاً في كتابات مؤرخين مسيحيين باللغة العربية، منهم يوجنا النقيوسي وساويرس بن المقفع، على سبيل المثال. جذور الرهبنة تُستَهل الرواية بالاقتباس التالي من سِفر التكوين: "فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر"، وهو يرتبط على نحو واضح بعنوان العمل، الذي يرمز لحيرة الإنسان حتى ولو كان متديناً، إزاء كينونته، المجبولة على الوقوع في الخطأ، والسعي في الوقت ذاته على تجنبه ما أمكن. ويلي ذلك اقتباس آخر من كتاب "بستان الرهبان: "قال القديس أنطونيوس: يجيء زمان يُجَن فيه جميع الناس، وإذا أبصروا واحداً لم يُجَن يذيعون عنه بأنه مجنون لأنه لا يشبههم". وهذا الكتاب هو "التاريخ اللوسي لبالاديوس ويعرف بفردوس الآباء، ويعتبر من عيون أدبيات آباء الصحراء في الحقبة الخاصة بنشوء الرهبنة في مصر. وهو - أي ذلك الاقتباس – يتسق كذلك مع ما تؤكده رواية جيد فيما يخص وعورة درب الرهبنة، مقارنة بالدروب الآمنة نسبياً الت يحيا في ظلها عموم الناس. أما القديس أنطونيوس أو أنتوني (251-356م) فهو من مبتدعي الرهبنة الأوائل، وكان أول من ترك العالم وعاش في الصحراء كراهبٍ، وصار له تدريجياً أتباعٌ عاشوا كنُساكٍ على مقربة منه، منهم بولا، الذي نظر إليه أنطونيوس نفسه باعتباره "نموذجاً مثالياً للراهب الناسك". وووفقا لويكيبيديا، فإنه بانتشار الرهبنة من قِبل الناسكين المقيمين في صحاري مصر، إلى فلسطين وسوريا، وإلى داخل آسيا الصغرى وما بعدها، "سُجلت الأقوال والأفعال الخاصة بآباء الصحراء وعُممت، بدايةً بين أقرانهم الرهبان وبعدها بين العامة أيضاً". كسر الإيهام وسبقت أحداث "الرواية"، "كلمة المترجم"، بتوقيع مينا عادل جيد نفسه، وبتاريخ 30 يونيو / حزيران 2024، وفيها توضيح لملابسات العثور على المخطوطات السبع والشروع في ترجمتها من القبطية إلى العربية. ومنها سيعرف القارئ أن "المترجم" هذا يعمل في مؤسسة تنموية عريقة، يتمحور نشاطها في قرى "منسية" في صعيد مصر. وإلى جانب عمله هذا، فإنه مولع بالعمل على "حفظ جزء من ثقافة أصيلة وخلابة من الاندثار"، عبر تصوير أبواب البيوت القديمة، ويقرأ من خلال الباب "الزمن وجانباً من تصوراتهم (يقصد مَن سكنوا تلك البيوت) عن أنفسهم، ومجتمعهم، وعن الكون وخالقه" ص 8. وهو أيضاً "روائي". أما البيت الذي خبئت فيه المخطوطات السبع، فيقع في قرية تابعة لمحافظة المنيا؛ "كل سكانها مسلمون، وليس بها بيت واحد للأقباط". لاحظ صاحبنا أن باب البيت كان عتيقاً، ويبدو وكأنه كان في الأصل باب دير، أو "كأنه مصنوع من الزمن". همَّ بتصويره، عندما خرجت من البيت امرأة في نحو السبعين من عمرها، ودعته إلى الدخول، فلبى الدعوة متوجساً. كان ذلك يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023. العحوز أرادت أن يساعدها في التعرف على ما في هذه الأوراق، لتفهم لماذا دفنها أبوها في الحائط، فوعدها بأن يفعل وطلب منها أن تمهله بعض الوقت. وبعدما فحص تلك الأوراق، مستعيناً بإلمامه باللغة القبطية، وجد أنها سيرة راهب عاش بين القرنين السادس والسابع الميلاديين، كُتِبت بعد رحيله بنحو عشرين عاماً من قِبل تلميذ له؛ "رحلة عجائبية من نوع مصري / قبطي، شديد الخصوصية والفرادة، مع بعض همسات وجودية وعبثية" ص 13. بعد عثوره على هذا الكنز، اضطر صاحبنا للسفر إلى باريس في مهمة عمل تستغرق ثلاثة أشهر، فانتهز تلك الفرصة ليشرع في ترجمة المخطوطات السبع، "وفي أثناء ذلك كنت أتواصل بشكل شبه يومي مع الفرير روجيه إكزافيه، العلَّامة في القبطيات. أجاب عن جميع استفساراتي الخاصة بالترجمة بكل اهتمام وتعاون ومحبة وتشجيع. لولاه ما خرجت تلك المخطوطات للنور أبداً بالشكل الذيهي عليه الآن". وبهذه "الكلمة" التي جاءت في 12 صفحة، نجح مينا عادل جيد في إسباغ طابع واقعي على سرديته، فكسر الإيهام، بلغة المسرح. النموذج الضد تقدم رواية مينا عادل جيد نموذجاً غير مثالي، إذا جاز التعبير، لشخص قرر الرهبنة ومارسها لنحو خمسين عاماً، من دون أن يصل إلى مبتغاه وهو بلوغ الفردوس حياً. وهو مبتغى لا علاقة له بحقيقة الإيمان المسيحي الذي يقر بأنه لا سبيل لبلوغ الفردوس والتنعم به إلا بعد الموت. فسيرة "الأب شيشاي"، فهي بحسب تمهيد كاتبها، "لا تستحق التدوين في القراطيس؛ لأن الحماقة فيها ربما تغلب القداسة مع الأسف" ص 21. غير أن الراهب "هدرا إسطفان السمنودي"، وجد" بعد تأمل السنين، "أننا لدينا العديد من سير الرهبان الأوائل في برية مصر، المجاهدين، القديسيت، الحكماء الأبرار، الذين ينعمون بالفردوس الآن وإلى أبد الآبدين آمين، غير أننا ليس لدينا بيان لأولئك الذين جاهدوا، وحاولوا، إلا أن الشيطان أسقطهم مع الأسف، أو وصل لنا خبرهم بأشد اختصار يشوبه خجل وكأنها سير لا تستحق أن تدوَّن". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن ثم فإنه وهو في نضج منتصف العمر، بحسب تعبيره، وجد أن سيرة السقوط لا تقل أهمية عن سيرة القداسة والنجاة إلى فردوس الخلاص؛ لأننا حين نعرف الطريق الذي يُضل، نتجنبه، ومعرفته مفيدة كما هي مفيدة معرفة الطريق الذي يصل بنا إلى بر الخلاص بأمان". ويمكن القول ان مينا عادل جيد، نجح، في تقديم روايةٍ بلغة تحاكي لغة الأدب المسيحي القديم، وتلفت من ثم الانتباه إلى أهمية إحيائه في وقتنا الراهن. لكنه ترك الكثير من المفردات ذات الصلة الوثيقة بالعقيدة المسيحية الأرثوذسكية، من دون توضيح معانيها للقارئ العام، ولو حتى في هوامش كان يمكن أن تذيل الصفحات أو أن يشملها ملحق توضيحي في نهاية العمل الذي جاء تخييلياً بامتياز، رغم اتكائه على صيغة تأريخية توثيقية. طوفان الأقصى! جاء السرد في هذه الرواية بضمير الغائب، على اعتبار أن السارد هنا هو نفسه ناسخ المخطوطات في أحد الأديرة المصرية، الراهب هدرا إسطفان السمنودي، الذي كان على الدين المصري القديم في طفولته قبل أن يتحول إلى المسيحية، بعد مقتل والده الصياد الفقير على أيدي غوغاء من "الوثنيين"، وهو يدافع عن الأب شيشاي، الذي اتهمه هؤلاء بممارسة أعمال السحر ليفسد عليهم طقوسهم الدينية. واتخذ السرد شكلاً دائرياً فهو يبدأ بالأيام الأخيرة في حياة "شيشاي" الذي قرر الترهبن، قبل أن يكمل العشرين من عمره، بعدما رفضت الفتاة التي يحبها الاقتران به لضعف إيمانه المسيحي، بحسب زعمها، وتنتهي بسرد تفاصيل احتضاره وهو في نحو السبعين من عمره، بعدما فشل في محاولة ذبح الصبي "هدرا"، قرباناً للرب، ولينال "كرامة إبراهيم"، بحسب رؤية ظنَّ أنها أمرٌ إلهي! وفي رحلته الطويلة، عاش "شيشاي" أهوالاً، على نحو فانتازي، منها مثلاً، أنها دخل ذات ليلة معبداً قديماً كان لدين المصريين، وعند منتصف الليل وجد التماثيل تتحرك، لتتحول إلى جوقة شياطين يسرد كل واحد منهم "إنجازه" في وم واحد، ومنهم واحد يدعى بليعال، تفاخر بأنه نزل الأرض التي من المفترض أن تكون واحة سلام، وألقى في قلب فرقة من أهلها خطيئة قلة الحكمة وعدم حساب العواقب، فاقتحموا حدود سيادة المحتل لأرضهم، وخطفوا منه نساء وأطفالاً ورهائن وأهانوا القوي في كبريائه، فهاج المارد الهمجي ليثأر لكرامته، وأقام حرباً وحشية ليبيد بلد الثوار" ص 163. وهنا لن يجد القارئ صعوبة في أن يدرك أنه بصدد إسقاط خارج السياق العام للرواية، على عملية "طوفان الأقصى"... "أما الثوار فاختبأوا تحت الأرض وتركوا شعبهم في مواجهة المارد الغاضب المجنون (...) قتلوا منهم خمسين ألف نسمة نصفهم من الأطفال وربعهم من النساء (...) وما زالت الحرب باقية".