
عن شهيدات العنب المُـر!
لم تكن أجسادهن الصغيرة تحتمل هذا القدر من القسوة، ولا أحلامهن البريئة تتسع لفكرة الرحيل المبكر. خرجن مع أول خيوط الفجر، يحملن زوادتهن البسيطة على أمل العودة آخر النهار ببضعة جنيهات يطفئن بها جوعًا أو يسددن بها دينًا. لكنهن عدن محمولات على الأكتاف، في نعوش متشابهة، وقلوب الأمهات تسبقهن صراخًا وحرقة.
ثماني عشرة زهرة من بنات مصر، لم يُقتلن في جبهات القتال، بل على طريق يُفترض أن يصل الناس بالحياة، لا بالموت. كنّ يعملن في جمع العنب، فحصدتهن شاحنة بلا رحمة، وسط صمت رسمي لا يليق بحجم الفاجعة.
لم تكن هذه الجنازة مجرد لحظة وداع، بل مؤشرًا مؤلمًا على ثغرات واضحة في منظومة الحماية الاجتماعية، وغياب ما يكفي من الإجراءات لضمان سلامة الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
كانت الأمهات يودعن فلذات أكبادهن، بينما الأرض تئن تحت وقع الحزن، والسماء تشهد على مأساة تتكرر. ففي محافظة المنوفية، وتحديدًا على الطريق الإقليمي بمركز أشمون، اصطدمت شاحنة نقل ثقيل بحافلة 'ميكروباص' تقل فتيات عاملات باليومية من قرية كفر السنابسة. كنّ في طريقهن إلى العمل في إحدى مزارع العنب في دلتا النيل، بحثًا عن لقمة عيش كريمة لأسرهن، ولكن الموت كان في الانتظار.
ثماني عشرة فتاة، تتراوح أعمارهن بين أربعة عشر واثنين وعشرين عامًا، بالإضافة إلى سائق الحافلة، لقوا حتفهم في لحظة واحدة، ليلتحقوا بصفوف من سبقوهم.
لسنا أمام حادث سير اعتيادي، بل أمام مأساة مركبة تكشف عن خلل عميق في منظومة الحماية الاجتماعية، وغياب واضح للعدالة في توزيع الأمان والحقوق.
كيف تعمل فتيات في عمر الزهور، كثيرات منهن قاصرات، في مهن شاقة كجمع العنب؟
أين دور وزارة التضامن الاجتماعي، ووزارة القوى العاملة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة؟
هل تمتلك الحكومة قاعدة بيانات دقيقة توضح من يعمل من الأطفال والمراهقين في الأعمال الزراعية؟
وهل تُطبَّق القوانين التي تُجرّم تشغيل الأطفال في بيئات غير آمنة وغير إنسانية؟
ورغم أن شركة النقل والسائق يتحملان المسؤولية المباشرة، إلا أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الدولة بمؤسساتها المختلفة. إذ يُطرح التساؤل: لماذا لا توجد وسائل نقل آدمية وآمنة لهؤلاء العاملات؟ من سمح بتشغيل القاصرات في بيئات عمل خطرة دون رقابة أو تأمين؟ ولماذا تتكرر هذه الحوادث بنفس السيناريو دون تدخل جذري أو حلول حاسمة؟
هذه الجنازات الجماعية يجب ألا تمر كما مرت غيرها. بل يجب أن تكون نقطة فاصلة لإعادة النظر في السياسات الاجتماعية، وتفعيل الرقابة على عمالة الأطفال، وتوفير بدائل آمنة للعاملات اليوميات، وتشديد الرقابة على تشغيل القاصرين، وتوفير وسائل نقل تحترم آدمية الإنسان.
رحلت الفتيات، تاركات وراءهن حزنًا عميقًا وأسئلة لا تزال تنتظر إجابات. لم تكن وفاتهن مجرد حادث عابر، بل لحظة كاشفة لحجم التحديات التي تواجه الفئات الهشة في مجتمعنا. لعل الحزن يكون دافعًا للتفكير والفعل، حتى لا تتكرر هذه المآسي، ونحفظ أرواحًا بريئة تستحق الأمان والفرص الكريمة.
ما حدث ليس مجرد مأساة، بل إنذار واضح بأن الوقت قد حان لأن تنتصر الدولة للفقراء لا أن تكتفي بالصمت. شهيدات الطريق لا ينتظرن الرثاء ولا التصريحات الباهتة، بل ينتظرن دورًا حقيقيًا وفاعلًا في الحماية والعدالة. فصرخة المنوفية يجب ألا تضيع في الزحام. إلى متى سيبقى غياب الحكومة عن مشهد الحماية الاجتماعية واقعًا؟ وإلى متى تبقى الطفولة في مصر أسيرة طرق لا تعرف الرحمة، وأعمال تسلبها حقها في الحياة الكريمة؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 3 ساعات
- مصرس
«الندل الكبير مبرشم ومحشش».. خيري رمضان عن حادث الطريق الإقليمي: «ملعون أبوك يا فقر..حوّجنا للأندال» (فيديو)
علق الإعلامي خيري رمضان على حادث المنوفية على الطريق الإقليمي الذي تسبب في استشهاد 18فتاة بعد اصطدام سيارة تريلا بسيارة ميكروباص كانت تقلهن في طريقهن للعمل في إحدى مزارع العنب. وقال خيري رمضان خلال برنامج «مع خيري» المذاع عبر شاشة «المحور»: «ملعون أبوك يا فقر ألف مرة، حوّجنا للأندال، هو الفقر الذي أودى بحياة 18 زهرة ذهبن في ثانية بحادث بشع، الفقر الملعون دفعهم للخروج في أيام إجازتهن، من أجل 130 جنيهًا في اليوم.وأضاف أنه من ضمن هؤلاء الفتيات كانت هناك عروس كان من المقرر عقد قرانها بعد أسبوع، قائلا: «كلهن خرجن بحثًا عن لقمة العيش، لأن الحياة صعبة والدنيا غالية.. خرجن ليساعدن أهاليهن، ليكملن تعليمهن، أو ليجهّزن أنفسهن للزواج».وتابع: «الأندال كثير وأولهم الندل الكبير، سائق التريلا، المبرشم والمحشش»، مشيرًا إلى بيان النيابة العامة الذي أثبت تعاطي السائق للمخدرات والمنشطات معًا.


المصري اليوم
منذ 4 ساعات
- المصري اليوم
«الندل الكبير مبرشم ومحشش».. خيري رمضان عن حادث الطريق الإقليمي: «ملعون أبوك يا فقر..حوّجنا للأندال» (فيديو)
علق الإعلامي خيري رمضان على حادث المنوفية على الطريق الإقليمي الذي تسبب في استشهاد 18فتاة بعد اصطدام سيارة تريلا بسيارة ميكروباص كانت تقلهن في طريقهن للعمل في إحدى مزارع العنب. وقال خيري رمضان خلال برنامج «مع خيري» المذاع عبر شاشة «المحور»: «ملعون أبوك يا فقر ألف مرة، حوّجنا للأندال، هو الفقر الذي أودى بحياة 18 زهرة ذهبن في ثانية بحادث بشع، الفقر الملعون دفعهم للخروج في أيام إجازتهن، من أجل 130 جنيهًا في اليوم. وأضاف أنه من ضمن هؤلاء الفتيات كانت هناك عروس كان من المقرر عقد قرانها بعد أسبوع، قائلا: «كلهن خرجن بحثًا عن لقمة العيش، لأن الحياة صعبة والدنيا غالية.. خرجن ليساعدن أهاليهن، ليكملن تعليمهن، أو ليجهّزن أنفسهن للزواج». وتابع: «الأندال كثير وأولهم الندل الكبير، سائق التريلا، المبرشم والمحشش»، مشيرًا إلى بيان النيابة العامة الذي أثبت تعاطي السائق للمخدرات والمنشطات معًا.


عالم المال
منذ 6 ساعات
- عالم المال
وزيرة التضامن توجه 'الحماية الاجتماعية' بدعم أسر حادث المنوفية
وجهت الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي قطاع الحماية الاجتماعية بالوزارة والهلال الأحمر المصري بتنفيذ دراسات الحالة لأسر ضحايا حادث التصادم المروع الذي شهده الطريق الإقليمي في نطاق مركز أشمون محافظة المنوفية، وأسفر عن وقوع العديد من الضحايا والمصابين. كما وجهت وزيرة التضامن الاجتماعي الهلال الأحمر المصري بتقديم التدخلات والمساعدات والدعم اللازم لأسر الضحايا والمصابين ، فضلا عن سرعة الانتهاء من كافة الأبحاث الاجتماعية اللازمة لدعم أسر الضحايا، وصرف التعويضات اللازمة. وتقدمت الدكتورة مايا مرسي بخالص التعازي لأسر الضحايا، مؤكدة أن الوزارة ستقدم كل سبل الدعم والرعاية الاجتماعية لهم. وفي وقت سابق أعرب محمد جبران، وزير العمل، عن خالص العزاء لأسر المتوفين من ضحايا حادث تصادم بين سيارة ميكروباص، وأخرى نقل ثقيل، اليوم الجمعة، على الطريق الإقليمي في نطاق مركز أشمون محافظة المنوفيةن كما تمنى سرعة الشفاء للمصابين. ووجه الوزير الإدارة العامة لرعاية العمالة غير المنتظمة، ومديرية العمل بمحافظة المنوفية بمتابعة تداعيات هذا الحادث الأليم، واتخاذ الإجراءات اللازمة لصرف التعويضات العاجلة لأسر المتوفين، وللمصابين، والتي تصل إلى 200 ألف جنيه لأسرة كل متوفى، و20 ألف جنيه لكل مصاب. وبحسب المعلومات الأولية شهد الطريق الإقليمي في نطاق مركز أشمون بمحافظة المنوفية، حادث تصادم مروع بين سيارة ميكروباص وأخرى نقل ثقيل، ما أسفر عن مصرع 19 شخصًا، وإصابة 3 آخرين، جميعهم من قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف، وذلك أثناء توجههم إلى أماكن العمل بنظام اليومية، وتم نقلهم إلى مستشفيات قويسنا الباجور، وأشمون، ومنوف. ونجحت الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية، في القبض على المتهم بالتسبب في الحادث بعد هروبه من مكان الواقعة، حيث تم تتبعه فور وقوع الحادث وضبطه، وسط إشادة بسرعة رد فعل الداخلية. يذكر أن محافظة المنوفية، استيقظت صباح اليوم الجمعة، على حادث مروع، على الطريق الإقليمي أمام قرية مؤنسة التابعة لمركز أشمون، بعدما اصطدمت سيارة نقل 'تريلا' بسيارة أجرة ميكروباص كانت تقل 18 فتاة في طريقهم للعمل بمزرعة لحصد العنب، وأثناء تحركهم في الساعة السابعة صباح اليوم لقوا حتفهم برفقة السائق. وأكدت مديرية الصحة بالمنوفية لمصراوي، أن الحادث أسفر عن مصرع 18 فتاة ورجل نقلوا إلى المستشفيات التالية: 6 وفيات بمستشفى قويسنا العام، 6 حالات وفاة بمستشفى أشمون العام، 5 حالات وفاة و3 مصابين بمستشفى الباجور التخصصى، حالتين وفاة بمستشفى سرس الليان. وتبين أن جميع الحالات من قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، والسائق فقط من قرية طملاي، وأعمار الفتيات أقل من 21 عامًا.