logo
هند علام... ذلك النسيان الذي اختطف اسم المغنية

هند علام... ذلك النسيان الذي اختطف اسم المغنية

العربي الجديد١١-٠٥-٢٠٢٥

في التاريخ الغنائي المصري، تمثّل
المطربة
هند علام (1916- 1997) حالة مهمة، جديرة بالتأمل والدرس، ليفهم الباحث والناقد، ومن قبلهما الموسيقي والمطرب، سبب ذلك النسيان الكبير الذي طوى اسم تلك المطربة، رغم تمتعها بكل الأسباب المهيئة للنجاح والانتشار، بعد أن اجتمع لها جمال الصوت والوجه، وتعاونت مع نجوم الشعر الغنائي، وكبار الملحنين.
يزداد الإلحاح بالسؤال عن أسباب انطفاء نجم هند علام مع نجاح أخويها، الشقيقين محمد فوزي وهدى سلطان، في البقاء والاستمرار والحضور. كانت هند الشقيقة الكبرى، إذ تكبر أخاها فوزي بعامين، وتكبر هدى بنحو تسع سنوات. وفي حالة نادرة، تمتع الأشقاء الثلاثة بالصوت الجميل القادر، ولم تكن هذه هي المصادفة الوحيدة، فقد أحب الثلاثة الفن والغناء، وقرّر كل منهم منفرداً أن يسير خلف هوايته، وأن يحترف ما يحب، وكان ذلك يعني مواجهة شرسة مع الأسرة والأب المحافظ المتدين الذي كان يشرف بنفسه على تحفيظ أولاده القرآن.
وقد ترك كل منهم اسمه الحقيقي إلى جانب اسم شهرة فني. غيرت الشابة زوزو عبد العال اسمها، فأصبحت هند علام، واكتفى محمد فوزي بهذا الجزء الأول من اسمه، وغيرت بهيجة عبد العال اسمها إلى هدى سلطان. كل هذه المعطيات كانت مشتركات بين الأشقاء الثلاثة، لكن قدرتهم على الاستمرار والتوهج تباينت، فكان فوزي هو النجم الساطع، في حياته وبعد رحيله، وكانت هدى نجماً تمثيلياً وغنائياً لفترة طويلة، وإن لم تكن بقدر سطوع فوزي، لكن هند سطعت لفترة محدودة، ثم توقفت بصورة نهائية أواخر الستينيات.
وبمرور الأيام والليالي، كاد النسيان أن يطوي ذكراها، فلا يعرف اسمها إلا قلة نادرة من المتخصصين والمهتمين بتاريخ الفن. ولكل هذا، فإنها تعد نموذجاً صالحاً لفهم أسباب الانتشار والاندثار والسطوع والانطفاء.
كان النجاح الكبير الذي حققه محمد فوزي، وانتصاره في مواجهته مع أبيه ذي التوجه المحافظ، أكبر الدوافع التي شجعت هند على الاحتراف الفني، وخطوته الأولى دائماً تتمثل في الانتقال إلى القاهرة، حيث عملت في مسرح فتحية محمود، لتبدأ في أوائل الخمسينيات رحلة متوازية مع الإذاعة والسينما.
تعاملت علام مع عدد كبير من الملحنين والشعراء، وتمثيلاً وليس حصراً غنت "على دمياط رسيني" من ألحان محمود الشريف وكلمات طاهر أبو فاشا، و"زرعنا وروينا" لمحمد الموجي ومرسي جميل عزيز، و"قربت أحبك" لأحمد صدقي وفتحي قورة، و"دق الهنا على الباب" لمحمد فوزي ومحمد إسماعيل، و"قلبي اتهنى" لعبد الرؤوف عيسى ومحمد زكي الملاح، و"بلاش عتاب" لفريد غصن وبيرم التونسي، و"أنا شفت حلم جميل محلاه" لعزت الجاهلي وعبد العزيز سلام، و"الدنيا حلوة" لمحمود كامل ومصطفى عبد الرحمن، و"فرحان وقلبك متهني" لرياض البندك وعبد الفتاح الشرقاوي. كما غنت من ألحان سيد مكاوي، وسعيد فؤاد، وحسن أبوزيد، وفؤاد حلمي، وعبد المنعم الحريري، وصلاح الدين محمود.
تكشف القائمة السابقة عن أن علام توفرت لها مع حسن صوتها بقية عناصر النجاح الغنائي، بنصوص لشعراء كبار، كانوا -حينها- مهيمنين على ساحة الشعر الغنائي، كما ظفرت بمجموعة كبيرة ومتنوعة من أهم الملحنين في الخمسينيات والستينيات، وأكثرهم كان من أصحاب الأعمال الشعبية الجماهيرية.
وبالرغم من كل هذا، لم تثبت لعلام أغنية واحدة في ذاكرة المستمع العادي. وحتى تجاربها مع المحاورة الغنائية (الدويتو) لم تعلق بالذهن كما علقت محاورات أخيها. ويمكن للمهتم أن يجد على شبكة الإنترنت ثلاثة نماذج لمحاورات علام الغنائية، وكلها كانت مع مطربين مهمين، فالأولى "زفوا عروسة النيل على الجميل الأسمر" مع محمد عبد المطلب من كلمات زين العابدين عبد الله وبألحان فؤاد حلمي، والثانية "يا با جوزها لي" مع عباس البليدي من كلمات فتحي قورة وبألحان سعيد فؤاد، والثالثة "الفجر بان" من كلمات بيرم التونسي وبألحان فؤاد حلمي.
في عام 1952، خاضت هند علام أول تجاربها السينمائية بالمشاركة في فيلم "اديني عقلك" من بطولة إسماعيل ياسين ومحمود المليجي وإخراج أحمد كامل مرسي. في هذا الفيلم، كان صوت علام في غاية النضارة، وبدت إطلالتها السينمائية الأولى مبشرة، لا سيما أن العمل كان مزدحماً بالنجوم والمطربين. غنت المطربة الصاعدة عدة أغان، منها "اديني عقلك" من كلمات جليل البنداري وألحان سعيد فؤاد، كما غنت محاورتها مع عباس البليدي.
صحيح أن الفيلم حقق نجاحاً جماهيرياً، لكن تجربة علام السينمائية الثانية تأخرت ثلاث سنوات، إلى أن اشتركت في فيلم "ليالي الحب"، من بطولة عبد الحليم حافظ، وإخراج حلمي رفلة. تقلصت في هذا الفيلم المساحة التمثيلية والغنائية لعلام، فظهرت وقتاً قصيراً جداً، وأدت أغنية واحدة هي "ساعة الحظ" من كلمات فتحي قورة وألحان عزت الجاهلي. وبالطبع، ضاعت الأغنية التي جاءت بعد خمس أغان لعبد الحليم حافظ من ألحان رياض السنباطي، وكمال الطويل، ومحمد الموجي، ومحمود الشريف.
وكانت المشاركة السينمائية الثالثة لعلام غنائية فقط، وتحديداً في فيلم "أنا وقلبي" في عام 1957، من بطولة مريم فخر الدين وعماد حمدي، فأدت الأغنية الوحيدة في الفيلم وهي شبه محاورة غنائية مع محمد الموجي، من كلمات مرسي جميل عزيز، لكن حتى في هذه المحاورة، لم تزد علام على لفظة "مش عاجبك" مرتين أو ثلاثة، وبقي الغناء كله للموجي. تكشف هذه المشاركة عن قبول علام بأدوار تصل إلى حد الكومبارس، ورضاها بما لا يرضى به من يملك صوتها وجمالها.
كان من نتائج قبول علام بهذا المستوى من المشاركة أن تناستها السينما عشر سنوات كاملة، إلى أن جاء عام 1967، فقبلت أداء دور منيرة المهدية في فيلم "إضراب الشحاتين" من بطولة لبنى عبد العزيز وكرم مطاوع، وإخراج حسن الإمام. كان الدور كارثياً بكل معنى الكلمة. جسدت هند علام شخصية سلطانة الطرب وهي تستعد لدخول مسرحها، في مشهد لم يستغرق أكثر من دقيقة.. لا تمثيل، ولا غناء... كانت مشاركة علام في هذا الفيلم نهاية لمسيرتها الفنية كلها، فانزوت تماماً، وابتعدت عن الأنظار، فطواها النسيان بصورة بالغة القسوة.
موسيقى
التحديثات الحية
المغنية شهرزاد... صوت لكل الملحّنين
تكشف قائمة أغاني علام عن قدر لا بأس به من التنوع، في الشعراء والملحنين، وكذلك في موضوعات النصوص، فمع أغانيها العاطفية، يجد المستمع أعمالاً عن شهر رمضان، مثل "عشرين يوم وعشر أيام" التي لحنها أحمد عبد القادر، كما يجد بعض الأعمال الوطنية، مثل "على بر السلامة" من ألحان محمد حمودة، أو "نشيد الشهيد" من ألحان محمود الشريف، كما يجد بعض الأغاني الوصفية، مثل "نور الصباح" من ألحان عبد الرؤوف عيسى. لكن كل هذا لم ينقذ علام من الانطفاء والنسيان.
تكشف تجربة علام عن حقيقة مهمة، فالصوت الجميل والوجه الحسن والتعاون مع أكبر الشعراء والملحنين لا يمنح لصاحبه نجاحاً تلقائياً، وإدارة الموهبة لا تقل أهمية عن الموهبة نفسها. المؤكد أن شقيقة محمد فوزي وهدى سلطان لم تحقق ما حققه أخواها من شهرة ومن استمرارية. لكن من المهم الانتباه إلى أنّ معظم أغاني هند علام تنتمي إلى درجة متوسطة، أو هي إجمالاً أعمال عادية، فلم تستطع تلك المطربة -ولو مرة واحدة- أن تقدم عملاً من النوع الذي تتلقفه الجماهير في كل مكان. هي تقدم أغنية جيدة، لكنها عادية، في عصر لم يكن يمنح البريق إلا لما هو استثنائي.
كان صوتها جميلاً، وسط عشرات الأصوات الجميلة والأجمل، وتعاملت مع ملحنين كبار، لكنّ جلهم من أصحاب الإنتاج الغزير، وممن أعطوا ألحانهم لعشرات المطربين والمطربات الأكثر حضوراً وألقاً. وخلاصة درس هند علام أنّ النجاح والخلود يحتاجان إلى الموهبة، وزيادات فوق الموهبة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جمعية الأورمان و QNB مصر يحتفيان بإعادة إعمار قرية عزبة الصفيح وتسليم مشاريع في محافظة بني سويف
جمعية الأورمان و QNB مصر يحتفيان بإعادة إعمار قرية عزبة الصفيح وتسليم مشاريع في محافظة بني سويف

أهل مصر

timeمنذ 24 دقائق

  • أهل مصر

جمعية الأورمان و QNB مصر يحتفيان بإعادة إعمار قرية عزبة الصفيح وتسليم مشاريع في محافظة بني سويف

تحت إشراف مديرية التضامن الاجتماعي ببني سويف، نظمت جمعية الأورمان بالتعاون مع QNB مصر احتفالية بمناسبة افتتاح قرية عزبة الصفيح بمركز ببا في محافظة بني سويف وذلك بعد إعادة إعمارها، بالإضافة إلى تسليم مشاريع تمكين اقتصادي لعدد من المستفيدين من ذوي الهمم وتركيب وصلات المياه الصالحة للشرب في عدد من البيوت في المحافظة. وبهذه المناسبة، قال الأستاذ/ محمد بدير، الرئيس التنفيذي لـ QNB مصر، إن هذه المبادرة التي تأتي بالشراكة مع جمعية الأورمان تعكس دور البنك في تحقيق التنمية المستدامة تنفيذاً لاستراتيجيته في مجال المسؤولية المجتمعية، مُعرباً عن سعادته باستمرار هذه الشراكة التي بدأت منذ 2016 وساهمت في تحسين الظروف المعيشية للسكان في مختلف المحافظات. ومن جانبه قال اللواء ممدوح شعبان، مدير عام جمعية الأورمان، إن الجمعية ترحب بالتعاون المثمر مع كل المؤسسات الاقتصادية العريقة لخدمة جميع الفئات غير القادرين في القرى والنجوع في كل المحافظات المصرية، مؤكدا أن التعاون مع QNB مصر يعزز من قدراتها لأداء دورها الإنساني في هذا المجال. وقد شملت المبادرة إعادة إعمار قرية عزبة الصفيح بمركز ببا حيث تم إعادة بناء وتجهيز المنازل المتهالكة، وتركيب 100 وصلة مياه شرب نقيه، فضلا عن توزيع مشاريع التمكين الاقتصادي على عدد من الأسر.

الحكومة البريطانية: لن نتخلى أبدًا عن حل الدولتين
الحكومة البريطانية: لن نتخلى أبدًا عن حل الدولتين

أهل مصر

timeمنذ 24 دقائق

  • أهل مصر

الحكومة البريطانية: لن نتخلى أبدًا عن حل الدولتين

أكد المتحدث باسم الحكومة البريطانية ديفيد بارس، أن لندن لن نتخلى أبدًا عن حل الدولتين، حسب عاجل لقناة "القاهرة الإخبارية". وأوضحت الحكومة البريطانية، أن الدولة الفلسطينية حق للشعب الفلسطيني غير قابل للتصرف، مضيفة: "مستعدون للعمل مع حلفائنا بشأن الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية".

بنى سويف تبدأ الخطوات التنفيذية المكانية لتعميم الهوية البصرية بالميادين
بنى سويف تبدأ الخطوات التنفيذية المكانية لتعميم الهوية البصرية بالميادين

أهل مصر

timeمنذ 24 دقائق

  • أهل مصر

بنى سويف تبدأ الخطوات التنفيذية المكانية لتعميم الهوية البصرية بالميادين

عقد الدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف اجتماعا ،بحضور بلال حبش نائب المحافظ، وعدد من القيادات التنفيذية وأعضاء اللجنة الفنية المختصة، لمناقشة الخطوات التنفيذية للمشروع وآليات امكانية تعميم الهوية البصرية، حيث تمت مناقشة الملامح العامة لخطة التنفيذ، والتي تشمل تحديد المواقع والميادين الحيوية التي سيتم البدء بها، ووضع خطة تنفيذية لتعميم الهوية البصرية، ضمن خط تطوير الميادين وتجميل الأماكن العامة. بنى سويف تبدأ الخطوات التنفيذية المكانية لتعميم الهوية البصرية بالميادين وشهد الاجتماع حضور كل: الدكتور محمد جلال عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة بني سويف، الدكتورة هبة الله السمري عميدة كلية الإعلام بجامعة النهضة، الدكتور محمد ماضي بكلية الفنون التطبيقية، رامي رجب مدير التخطيط العمراني، شيرين حسين مسؤول المكتب الفني، نهى محمد مدير التعاون الدولي والعلاقات العامة. الهوية البصرية بميادين بنى سويف تجدر الإشارة إلى أن محافظ بني سويف، أعلن عن إطلاق الهوية البصرية الجديدة للمحافظة في فبراير الماضي، وذلك تحت رعايته وبإشراف مباشر من نائبه بلال حبش، في إطار الاحتفال بالعيد القومي 2025، حيث جاء هذا المشروع بالتعاون الوثيق مع جامعتي بني سويف والنهضة، حيث ساهمت المؤسستان الأكاديميتان في تصميم الهوية بما يعكس الملامح الحضارية والتراثية والتنموية للمحافظة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store