
مشعر منى.. شاهد على سنن الأنبياء عبر العصور
يُعدُّ مشعر منى من أبرز المشاعر المقدسة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمناسك الحج، وتكتسب مكانة عظيمة في قلوب المسلمين؛ لما تحمله من دلالات تاريخية وروحية، جعلت منها شاهدًا حيًّا على تتابع الأزمان وامتداد الشعائر منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، حتى يومنا هذا.
ويقع مشعر منى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة، ويبعد عن المسجد الحرام نحو (7) كلم، وهو وادٍ مبارك تحيط به الجبال من كل جانب، وتنبض أوديته بالإيمان في أيام الحج، حيث يقضي فيه الحجاج ليالي التشريق، ويؤدون فيه شعائر عظيمة كـرمي الجمرات، والنحر، والحلق أو التقصير.
ويحمل مشعر منى هوية مكانية متميزة، تكتنزها طبيعته الجغرافية وتُجسدها الشعائر التي يؤديها ضيوف الرحمن، حيث الخيام البيضاء التي تمتد على جنباته أصبحت علامة فارقة لمنظومة الحج الحديثة، وقد صُممت وفق أعلى معايير السلامة والراحة؛ لتستوعب ملايين الحجاج في بيئة آمنة ومهيأة بكفاءة.
وكانت خيام منى في العقود السابقة تُنصب من القماش والخشب أو اللباد، وتفتقر لمقومات السلامة والراحة، وتُفكك بعد نهاية الحج، فيما يضُم اليوم مشعر منى أكثر من (100) ألف خيمة ثابتة مصنوعة من الألياف الزجاجية المقاومة للحرارة والاشتعال، والمكيّفة بالكامل، وتخضع لنظام ترقيم دقيق يسهل الوصول إليها ويعزّز السلامة والتنظيم، وتغطي مساحة الخيام ما يقارب (2.5) مليون متر مربع، في مشهد عمراني موحد يخدم منظومة متكاملة من الإيواء والخدمات الصحية والأمنية واللوجستية، ما يجعل مشعر منى مدينة متكاملة مؤقتة تنبض بالحياة أيام الحج.
ويبرز في المشعر جسر الجمرات، الذي يبلغ طوله (950) مترًا وعرضه (80) مترًا، على طوابق عدة، بطاقة استيعابية تتجاوز (300) ألف حاج في الساعة الواحدة، ما يُمكن من تفويج الحشود بكفاءة عالية ويُقلل من التزاحم والاختناق، خصوصا في أوقات الذروة أثناء رمي الجمرات الثلاث (الصغرى والوسطى والكبرى).
وتتوفر في الجسر وسائل متعددة لتنظيم حركة الحشود، تتضمن مداخل ومخارج متعددة من جميع الاتجاهات، وسلالم كهربائية وممرات مخصصة للطوارئ، إضافة إلى منظومة متقدمة من كاميرات المراقبة والذكاء الاصطناعي؛ لرصد الكثافات والتحكم في التدفقات البشرية لحظة بلحظة. (اقرأ الموضوع كاملا بالموقع الإلكتروني).
ويضم جسر الجمرات كذلك مرافق خدمية متكاملة، تشمل نقاطًا للإسعاف والدفاع المدني، وأماكن للراحة، ومظلات لتقليل آثار الحرارة، إلى جانب نظام تبريد متطور يعتمد على الرذاذ المائي لتحسين جودة الهواء في محيط الجسر، إذ يوفّر انسيابية لحركة الحشود ويُجسّد جهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، ويُسهّل عليهم أداء شعيرة رمي الجمرات، التي ترتبط بموقف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - في التصدي للشيطان.
وحظي مسجد الخيف في مشعر منى بعناية واهتمام كبيرين من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد؛ انطلاقًا من مكانته الدينية والتاريخية، إذ يُعدُّ من المواضع التي صلى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما يجعله من أبرز المعالم الإسلامية في المشاعر المقدسة، وتبلغ مساحته (23,500م)، ويتسع لأكثر من (27.000) مصلٍ، ويحتوي المسجد على (4) مآذن، و(9) أبواب رئيسة، و(6) أبواب طوارئ.
ويضم المسجد (1,440) دورة مياه للرجال و(300) للنساء، و(95) شاشة توعية، و(4) مكتبات رقمية، و(40) كاميرا مراقبة، و(166) طفاية حريق، و(373) وحدة تكييف 'سبليت'، و(14) وحدة تهوية مركزية، كما تم تزويده بـ (1400) سجادة مفروشة حديثًا.
ويشهد تاريخ مشعر منى على عناية متواصلة منذ بزوغ شمس الإسلام، حيث كان الخلفاء الراشدون ومن تبعهم من ولاة المسلمين يعتنون به ويُقيمون فيه المناسك، وظل المشعر حاضرًا في وجدان الأمة الإسلامية قرونًا متعاقبة، إلى أن جاءت رعاية المملكة العربية السعودية، فكان التحول الكبير في البنية التحتية والخدمات المقدمة، ضمن رؤية شاملة تهدف إلى الارتقاء بجودة تجربة الحاج، وتحقيق أقصى درجات الراحة والأمن.
وتولي حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، المشاعر المقدسة عناية خاصة ضمن منظومة الحج والعمرة، عبر مشاريع تطويرية مستمرة تتضمن التوسع في الخدمات، وتحسين البنية التحتية، والتقنيات الذكية، ومشاريع إدارة الحشود، ما يسهم في تجسيد رؤية المملكة 2030 في تمكين ضيوف الرحمن من أداء نسكهم بيسر وطمأنينة.
وتتجلّى في مشعر منى معاني التضحية، وتُسطّر فيه ملاحم الطاعة، ويبقى شامخًا في ذاكرة الأمة الإسلامية، حاضرًا في كل موسم حج، رمزًا للسكينة، وميدانًا للتقوى، وموقعًا تتعانق فيه الأرض بالسماء في أعظم أيام الله، حيث على أرضه يُمضي الحجاج أيامًا من أعظم أيام حياتهم، يلهجون فيها بالذكر والدعاء، ويستشعرون عظمة النسك، في جو إيماني يملؤه السكون والطمأنينة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 4 ساعات
- البلاد البحرينية
حجاج بيت الله الحرام يؤدون طواف الإفاضة
يؤدي حجاج بيت الله الحرام، الجمعة، طواف الإفاضة في المسجد الحرام، أحد أركان الحج الأساسية، وذلك بعد أن منّ الله عليهم بالوقوف على صعيد عرفات، والمبيت في مزدلفة، ورمي جمرة العقبة الكبرى في مشعر منى. وشهد المسجد الحرام منذ ساعات الصباح الباكر، توافد أعداد كبيرة من الحجاج الذين أدوا النسك في أجواء إيمانية يملؤها الخشوع والطمأنينة، وسط منظومة خدمية متكاملة وفّرتها الجهات المعنية؛ لتيسير أداء الشعائر بيسر وسهولة، وفق تنظيم دقيق وخطط تشغيلية محكمة. وعملت الهيئة العامة للعناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، على تنظيم حركة الحشود داخل صحن المطاف، والمسارات المخصصة للطواف، إلى جانب تكثيف أعمال النظافة والتعقيم، وتوفير خدمات التوجيه والإرشاد بلغات متعددة، وخدمات الإسعاف والطوارئ على مدار الساعة. ويستكمل الحجاج بعد أداء طواف الإفاضة مناسكهم في مشعر منى خلال أيام التشريق، التي يرمون فيها الجمرات الثلاث، ثم يختتمون حجهم بطواف الوداع قبيل مغادرتهم مكة المكرمة، سائلين الله القبول والتيسير.


البلاد البحرينية
منذ 18 ساعات
- البلاد البحرينية
تنظيــم استثنــائي ليـــوم عـرفــــة
عبّر متعهد إحدى حملات الحج جاسم أبل، عن بالغ فخره واعتزازه بنجاح حجاج الحملة في إتمام مناسك يوم عرفة بسلاسة ويُسر، مؤكدًا أن هذا الإنجاز تحقق بفضل التنظيم المحكم والتنسيق العالي بين الجهات المختلفة المعنية بخدمة ضيوف الرحمن. وأشار إلى أن حركة الحجاج من مشعر منى إلى عرفات تمت بانسيابية واضحة ودون أي معوقات تُذكر، لافتا إلى أن التنقل تم وفق جدول زمني دقيق راعى أوقات الذروة وحجم تدفق الحجاج، مما ساعد في تجنّب الازدحام والتأخير. وأثنى على جهود اللجان التنظيمية والأمنية التي عملت على مدار الساعة لتأمين تحركات الحجاج وتوفير البيئة الآمنة والمريحة لأداء شعائرهم بروحانية وطمأنينة. وفيما يتعلق بمرحلة النفرة من عرفات إلى مزدلفة، أكد أبل أن حجاج الحملة استقلوا قطار المشاعر في تجربة وصفها بالمتميزة، حيث ساهمت في تقليص وقت الانتقال بشكل كبير وتخفيف المشقة عن الحجاج، مشيرًا إلى أن استخدام وسائل النقل الحديثة وتوزيع الحشود بآلية احترافية يعكس مدى الجاهزية والإعداد المسبق من قبل الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية. وقال: 'ما شاهدناه على أرض الواقع هو نتاج سنوات من التخطيط والتطوير المستمر لخدمة الحجاج، وهي جهود تُشكر عليها حكومة خادم الحرمين الشريفين التي تسخّر كافة الإمكانات لضمان راحة ضيوف بيت الله الحرام'. وفي ذات السياق، عبّر أبل عن خالص شكره وتقديره لبعثة مملكة البحرين على دورها الحيوي في تيسير أمور الحجاج البحرينيين، موضحا أن البعثة لم تألُ جهدا في تقديم الدعم اللوجستي والإرشادي والصحي، وكانت على تواصل دائم مع الحملات لتوفير الحلول الفورية لأي تحديات قد تطرأ. وأضاف أن ما يميز بعثة البحرين هذا العام هو المتابعة الدقيقة والمستمرة من قبل وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، بإشراف مباشر من وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف نواف المعاودة، الذي حرص على الوقوف يوميًا على أحوال الحجاج ومتابعة الخدمات المقدمة لهم ميدانيًا، مما أضفى طمأنينة وثقة كبيرة في نفوس الحجاج البحرينيين وفرق الحملات. وختم أبل تصريحه بالتأكيد على أن هذه الجهود المتكاملة، سواء من المملكة المستضيفة أو من بعثة البحرين، كان لها الأثر الأكبر في إنجاح موسم الحج، داعيًا الله أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال، وأن يديم على المملكة العربية السعودية أمنها ورخاءها، وعلى مملكة البحرين استقرارها وتقدمها، وأن يجزي القائمين على خدمة الحجاج خير الجزاء.


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
مزدلفة بين الماضي والحاضر.. تطوير شامل لخدمة ضيوف الرحمن
يُعد مشعر مزدلفة أحد المشاعر المقدسة التي يمر بها الحجاج في طريقهم إلى استكمال أداء مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام، إذ يبيت فيه ضيوف الرحمن ليلة العاشر من ذي الحجة بعد نفرتهم من عرفات، ويؤدون فيه صلاتي المغرب والعشاء جمعا وقصرا. ويعود سبب تسميتها لنزول الناس بها زلُف الليل وقيل لأن الناس يزدلفون منها إلى المسجد الحرام، حسب وكالة الأنباء السعودية. ويقع مشعر مزدلفة بين مشعري عرفات ومنى، ويبعد عن المسجد الحرام نحو 8 كلم، وتُقدّر مساحته بأكثر من 11.68 مليون متر مربع، ويتسع لأكثر من مليوني حاج، ويُعد أحد المشاعر المفتوحة التي لا تُقام فيها أبنية دائمة، حفاظا على طبيعته الشرعية وخصوصيته التنظيمية. ويمثل مشعر مزدلفة موضعا رئيسا في شعائر الحج، حيث أمر الله في كتابه الكريم بالذكر عنده. وحرص الرسول على المبيت بمزدلفة، وجمع منها الحصى التي تُستخدم في رمي الجمرات بمنى، مما يجعل هذا المشعر محطة مركزية في تسلسل النُسك، وموضعًا للسُنّة المؤكدة. وعلى مرّ التاريخ، كان مشعر مزدلفة يشهد ازدحام الحجاج القادمين من عرفات، الذين يبيتون فيه بوسائل تقليدية وموارد محدودة، وكانت المبيتات في العهود السابقة تتم على الأرض مباشرة، دون خدمات كافية من الإنارة أو المرافق أو التنظيم، ما استدعى تطويرا شاملا لاحقا ليواكب أعداد الحجيج المتزايدة. وفي إطار ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، من عناية بالمشاعر المقدسة، شهد مشعر مزدلفة تنفيذ سلسلة من المشاريع التطويرية التي تهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للحجاج، وضمان راحتهم وسلامتهم أثناء أداء النسك. وأسهمت شركة كدانة تطوير مسار مشعر مزدلفة عبر تنفيذ مشروع "مسار المشاعر" الممتد بمساحة 170 ألف متر مربع، وتهيئته بأرضيات مطاطية صديقة للبيئة على مساحة 103 آلاف متر مربع، لتخفيف درجات الحرارة وتقليل الإجهاد البدني ومخاطر الانزلاق، نحو 15 ألف متر مربع من المساحات الخضراء، وتخصيص مسارات للمركبات، وأخرى لسيارات الجولف والعربات المتحركة، علاوة على تجهيز المسار بعناصر متكاملة من الفِرَش الحضرية، تشمل 385 كرسيًا للجلوس، و780 مشربَ مياه، و240 وحدة شحن للجوالات، و241 عمود رذاذ، و12 مظلة، إضافة إلى توزيع 70 لوحة توعوية وإرشادية وتثقيفية. ونفذت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في تهيئة مسجد "المشعر الحرام" بشكل سنوي ضمن خطة متكاملة تشمل النظافة الدورية، والتأكد من جاهزية الإضاءة، ومكبرات الصوت، وتوفير السجاد، ومضاعفة الطاقة الاستيعابية لمصلى النساء بزيادة بلغت 100%، وتسهيل دخول الحجاج وخروجهم بسلاسة في ظل الأعداد الكبيرة التي تتوافد عليه فجرًا. وتأتي هذه الجهود امتدادًا لدور الوزارة في تهيئة بيوت الله في المشاعر المقدسة، بما يُسهم في راحة ضيوف الرحمن، وحرصًا على تمكينهم من أداء مناسكهم بكل يسر وسكينة. ويمتد المسجد على مساحة 5,040 متر مربع، ويتسع لنحو 5,500 مصلٍ، ويضم المسجد 65 مكيفًا دولابيًا و6 وحدات مركزية بقدرة 50 طنًا، إلى جانب 17 كاميرا مراقبة، ويعمل فيه 78 موظفًا و5 حراس أمن، وفرش المسجد بالكامل بمساحة إجمالية تُقدّر بـ3,500 متر مربع. ومن بين أبرز المشاريع التي شملها المسجد في السنوات الأخيرة مشروع تطوير أنظمة التكييف والتهوية وتحسين الواجهات الداخلية، بما يعزز من راحة الحجاج ورفع كفاءة التشغيل. وتستخدم جميع الجهات المعنية أنظمة رقمية متقدمة لتنظيم التفويج من عرفات إلى مزدلفة، ومتابعة حركة الحشود، عبر تطبيقات إلكترونية وتوجيه رقمي فوري، يساعد الحجاج على التعرف إلى مواقعهم والالتزام بالمسارات المحددة. وتعمل غرفة التحكم المركزية على مراقبة المشعر باستخدام كاميرات ذكية وتحديثات لحظية، تضمن التدخل السريع في الحالات الطارئة وتنظيم الدخول والخروج من المشعر بسلاسة. ويُعد "المشعر الحرام" أحد المعالم الرمزية داخل مزدلفة، حيث يُستحب الوقوف والدعاء عنده، تأسّيًا بسنة الرسول، وهو موقع يُمثل بُعدًا روحانيًا يعزّز مكانة مزدلفة في قلوب الحجاج، الذين يحرصون على الدعاء فيه والتمسّك بسنة الوقوف عنده إن تيسر. ويجسّد مشعر مزدلفة أحد أوجه التكامل التشغيلي والتنظيمي الذي تشهده المشاعر المقدسة سنويًا، ويعكس التزام المملكة الراسخ بخدمة ضيوف الرحمن، وحرصها على تهيئة أفضل السبل لهم لأداء مناسكهم في يسر وأمان وطمأنينة.