
أحمد عبد الوهاب يكتب:: تدريس العربية للمعلمين الناطقين بغيرها: مبادرة صغيرة بمكاسب كبيرة
على مدار أكثر من عشر سنوات، كانت لي تجربة في تعليم بعض زملائي الألمان اللغة العربية من خلال دورات مجانية. لم تكن هذه الدروس مجرد فرصة لتعلم مفردات جديدة، بل كانت نافذة على تراثنا الثقافي العريق ونبض هويتنا الأصيلة.
كانت لحظات ملهمة حين رأيت وسمعت زملائي للمرة الأولى يُلقون التحية باللغة العربية، ويتبادلون أطراف الحديث البسيط بها. هذا التفاعل، رغم بساطته، حمل في طياته جسرًا من المحبة والتفاهم والتقارب الثقافي والإنساني. كما ولّد شعورًا بالفخر لدى الطلاب العرب وهم يرون معلميهم ينطقون بلغتهم، وحفّز الطلاب غير العرب على اكتشاف اللغة العربية، اقتداءً بمعلميهم.
التحديات تفتح أبواب الأفكار:
على الرغم من نجاح التجربة على المستوى الفردي، برزت تحديات واضحة، أبرزها ضيق الوقت وضغط الأعباء اليومية على المعلمين. أتذكر تعليق إحدى الزميلات الألمانيات التي لم تستطع الانضمام للدورة، قائلة: "لو أُتيحت لنا هذه الفرصة في إطار ساعات العمل، لكنت معكم، ولشكلت نقلة نوعية في تجربتي المهنية داخل بلد عربي لغويًا وثقافيًا."
كانت كلماتها الشرارة التي أشعلت فكرة: لماذا لا نحول هذه المبادرات الفردية إلى برنامج رسمي ونموذج مؤسسي مستدام يُطبّق داخل المدارس الخاصة لكل المعلمين الأجانب؟
من فكرة إلى واقع وأثر ملموس:
تخيلوا لو أُتيحت الفرصة لكل معلم أجنبي في الإمارات لتعلم اللغة العربية كجزء من عمله اليومي. سيُحدث هذا تحولًا جوهريًا في وضع اللغة العربية بالمدارس، حيث تتحول إلى لغة حياة لجميع أفراد المجتمع المدرسي. ستكون مصدرًا لتعزيز الهوية الوطنية وإلهام الطلاب لتعلم العربية بشكل أفضل، كما ستكون فرصة مميزة للمعلمين الأجانب لتطوير أنفسهم لغويًا ومهنيًا.
أثر المبادرة على المجتمع (بالأرقام):
إذا طُبقت هذه المبادرة في إمارة دبي وحدها، التي تحتضن 220 مدرسة خاصة ويعمل فيها قرابة 32 ألف معلم يدرِّسون نحو 377 ألف طالب وطالبة، فإن ذلك يعكس إمكانيات هائلة لتوسيع نطاق استخدام اللغة العربية. سيتم تقديمها كأداة فعالة للتواصل اللغوي والثقافي
داخل وخارج البيئة المدرسية، مما ينعكس إيجابًا على الطلاب العرب وغير العرب وأسرهم والمجتمع المحيط.
استراتيجية التطبيق والتوسع:
لضمان نجاح هذه المبادرة، يمكن تنفيذها بشكل تجريبي بالتعاون مع الجهات التعليمية المختصة مثل:
هيئة المعرفة والتنمية البشرية (KHDA) في دبي
دائرة التعليم والمعرفة (ADEK) في أبوظبي
هيئة الشارقة للتعليم الخاص (SPEA)
دائرة رأس الخيمة للمعرفة وغيرها
يمكن الاعتماد على مناهج قائمة بالفعل تجمع بين اللغة والثقافة، مع تكليف المعلمين العرب في كل مدرسة بتدريس زملائهم الأجانب. كما يمكن إشراك الطلاب العرب لتعزيز الحوار الثقافي المتبادل داخل المدرسة.
دعوة للتغيير ودور الإمارات الرائد:
الإمارات دائمًا سبّاقة في دعم اللغة العربية من خلال مبادرات استراتيجية مثل "تحدي القراءة العربي" وقانون حماية اللغة. واليوم، نحن في موقع مثالي لمواصلة هذا السبق عبر تطبيق تلك المبادرة لتعزيز مكانة اللغة العربية محليًا وعالميًا، وتمهيد الطريق لجيل جديد يعايش
جمالها وأهميتها.
ختامًا:
يمكننا تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس، بحيث تصبح اللغة العربية جزءًا من الحياة اليومية لكل معلم وطالب، بوصفها أداة للتواصل والتعايش والتقارب الثقافي.
فلنبدأ بتطبيق هذه الفكرة الآن، ولنتعاون جميعًا لتحقيق مجتمع تلتقي فيه القلوب والثقافات من خلال اللغة العربية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ 17 ساعات
- اليوم السابع
محمد البيلى: المركز الخامس ببطولة العالم لتنس الطاولة إنجاز تاريخى
أكد محمد البيلى ، لاعب منتخب تنس الطاولة ، أن تحقيق المركز الخامس بمنافسات الزوجى ب بطولة العالم لتنس الطاولة التى أقيمت بالدوحة إنجاز تاريخى. وأضاف البيلى، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن المركز الخامس لم يسبق تحقيقه على مستوى مصر أو العرب أو أفريقيا منذ سنوات كثيرة، مشيرا إلى أنه ويوسف عبد العزيز مثلا ثنائي متميز نال إشادة الجميع ببطولة العالم. وتابع البيلى، "الفترة القادمة ستشهد المزيد والمزيد من البطولات والألقاب مع منتخب مصر بمختلف المحافل الدولية". وحقق الثنائي محمد البيلي ويوسف عبد العزيز إنجازا تاريخيا بعد تحقيق المركز الخامس في بطولة العالم لزوجي الرجال. وفي الدور ربع النهائي، قدّم الثنائي المصري أداءً قويًا أمام الزوجي الياباني المصنف الثاني على البطولة والخامس عالميًا، قبل أن يخسر المواجهة ويكتفي بالمركز الخامس عالميًا، في إنجاز غير مسبوق منذ أكثر من 70 عاما وتقدم البيلي وعبد العزيز في التصنيف العالمي إلى المركز 18 ليصبح ضمن أفضل 20 زوجي في العالم.


اليوم السابع
منذ يوم واحد
- اليوم السابع
الصبر.. فضيلة من ذهب لا يصدأ
الصبر ليس انكسارًا كما يظنه العجولون، ولا هو انتظارٌ صامت بلا نهاية كما يتوهمه المتذمرون، الصبر هو فن التماسك حين تُصر الحياة على اختبارك، وهو القوة التى تلبسها القلوب لا الأجساد، والدرع الخفى الذى يحمى الروح من الانهيار حين تتكالب عليها الأيام. الصبر ليس استسلامًا، بل وعى عميق بأن الأشياء العظيمة لا تأتى على عجل، وأن ما يُطبخ على نار هادئة يكتسب نكهة لا تشبه استعجال اللحظات، هو أن تُمسك على الألم دون أن تصرخ، وأن تزرع الأمل فى أرض قاحلة دون أن تسأل السماء متى تمطر. هو أن ترى الباب مغلقًا فلا تكسره، بل تنتظر من خلفه قدرًا أجمل، أن تتلقى الضربة دون أن تردّها، لا ضعفًا، بل يقينًا بأن العدل لا يغيب، وأن حسابات الله لا تُخطئ، وإن تأخرت فى توقيتنا الأرضى. الصبر حكاية طويلة، تبدأ من أول وجع ولا تنتهى إلا على أعتاب الفرج، حكاية لا تُروى بالكلمات، بل تُكتب بالدمع المكبوت، بالنَفَس العميق، وبالابتسامة التى تخرج رغم الانكسار، من يصبر لا يعيش أقل، بل يعيش أعمق، لأنه يتعلم كيف يُرمم شقوق قلبه دون أن يُريها لأحد. فى عالم يحترق بالسرعة، بات الصبر فضيلة من زمن نقى، أصبح من يصبر كمن يسبح عكس التيار، يحمل فى صدره إيمانًا بأن الفرج لا يُستجلب بالضجيج، بل بالسكينة، أن التأخر لا يعنى الحرمان، بل التمهيد لأجمل مما كنا نظن. والصبر لا يكون فقط على الألم، بل على الناس، على الأذى، على سوء الفهم، على الظروف التى تعاكس كل ما تمنيناه، أن تصبر يعنى أن تحترف الانتظار دون أن تفقد نفسك فى زحمة الحزن، أن تظل واقفًا حين يجلس الجميع، وتُكمل الطريق حين يتوقف الآخرون. الصبر مدرسة لا يتخرج منها إلا القادرون على كبح جماح الندم، على تقليم أظافر الغضب، على تمرير المواقف الثقيلة دون أن يفتحوا نوافذ الكراهية، من يصبر يعرف أن الانفجار سهل، لكن أن تُطفئ نيرانك بصمت، هذا هو الإنجاز الحقيقي. وأجمل ما فى الصبر، أنه لا يذهب هباءً، لا دقيقة تُحتسب عليه تضيع، ولا دمعة تسقط فى صمته تُنسى، هو خزنة من الدعوات المخبأة، تفتح حين تظن أن الأمل قد نفد، هو وعد سماوى بأن كل مُرّ له نهاية، وكل ضيق له مخرج، وكل غصة لها شفاء. فاصبر، لا لأنك لا تملك غيره، بل لأنه أقوى ما تملك، وكن واثقًا أن بعد كل صبر، هناك فرج لا يشبه شيئًا، يأتيك لا لأنك استحققت، بل لأنك احتملت.


اليوم السابع
منذ 3 أيام
- اليوم السابع
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..28 مايو 1990.. صدام حسين فى القمة العربية بالعراق يهدد إسرائيل بأسلحة الدمار الشامل.. والملك حسين يلقى شعرا وخطابا حزينا عن عالم عربى فقد رؤيته
كانت أجواء المنطقة العربية تنذر بخطر قادم، والعراق يستضيف مؤتمر القمة العربية يوم 28 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1990، وافتتحه الرئيس العراقى صدام حسين بخطاب «كان البداية الحقيقية لأزمة الخليج»، بتقدير الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج، أوهام القوة والنصر». يقصد هيكل بأزمة الخليج تلك التى بدأت بغزو العراق للكويت يوم 2 أغسطس 1990، ويذكر أن خطاب صدام برزت فيه نقاط أهمها قوله: «يجدر بنا أن نعلن بوضوح أن إسرائيل إذا ما اعتدت وضربت فإننا سنضرب بقوة، وإذا ما استخدمت أسلحة دمار شامل ضد أمتنا سنستخدم ضدها ما نملك من أسلحة دمار شامل، وأنه لا تنازل عن تحرير فلسطين، ومن الحقائق التى أكدتها التجارب أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية رئيسية، بل مسؤولية أولى فى السياسات العدوانية والتوسعية التى يمارسها الكيان الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى والأمة العربية». وأضاف صدام، فى خطابه: «إننا كعرب مستهدفون فى صميم أمننا ومصالحنا من هذه السياسات الأمريكية، وعلينا أن نقول ذلك لأمريكا صراحة، وعلينا أن نقول لها إنها لا يمكن أن تواصل هذه السياسة فى الوقت الذى تدعى فيه الصداقة للعرب، فهذه السياسة ليست سياسة صداقة، وإنما هى سياسة تضر وتهدد أمن الأمة العربية والمصالح الجوهرية للأمة العربية، وعندما نقول لها هذا بصوت واحد، وبنفس النظرة والقدرة والوضوح، فإننا على ثقة أنها ستتدارس هذا بعمق وستنظر لمصالحها بدقة». وقال صدام: «علينا أن نعلن بصوت قوى أنه لا يحق لكائن من يكون أن يتمتع بخطوة فى مواردنا وثرواتنا فى الوقت الذى يحاربنا أو يناهض تقدمنا العلمى والتكنولوجى، وأن نحول هذا المبدأ إلى سياسة ومفردات تطبق ونلتزم بها بصورة جماعية». يذكر هيكل، أن افتتاح القمة كان فى يوم 28 مايو 1990 وأثناء جلساتها وقعت محاولة إغارة على «الشواطئ الإسرائيلية» استشهد فيها أربعة من الفدائيين الفلسطينيين، وأسر اثنى عشر آخرين، وأعلنت منظمة «تحرير فلسطين» بزعامة «أبو العباس» مسؤوليتها عن الغارة، واتخذتها أمريكا فرصة لتجميد حوارها مع منظمة التحرير الفلسطينية، يؤكد هيكل: زاد مؤتمر القمة كآبة فوق ما كان سائدا فيه أصلا، وحين ظهر القلق على بعض المشاركين فى القمة من دول الخليج، قال صدام: «إن الأمة العربية كلها مستهدفة، والعراق أول المستهدفين، فهو الآن فى مواجهة عسكرية واقتصادية وحصار تكنولوجى وإعلامى، ويتحتم على الأمة أن تتصرف على اعتبار أنها كلها «حالة واحدة»، لأن الأعداء يعاملونها كحالة واحدة، حتى وإن استعملوا البعض منا أحيانا ضد البعض الآخر، ونحن جميعا فى فوهة بركان، ولا يتصور أحد أن بمقدوره أن يجرى بسرعة ليبتعد عن مركز الانفجار أو مجرى الحمم». يصف هيكل، أجواء المؤتمر بعد كلمة صدام، قائلا: «كان السكون ممسكا بالجميع، ولعله تجنب المشاكل حتى تمر الساعات وينفض المؤتمر، ويذهب الكل إلى حال سبيله، ولكن الساعات تمشى ببطء، وعندما طرح طلب منظمة التحرير الفلسطينية بدعم مقداره 150 مليون دولار، ران صمت على القاعة، وعندما عرض الأردن طلبا بتحديد دعم يعوض انتهاء دعم قمة بغداد السابقة وكانت فى عام 1979، كان الرد أنه من الأفضل أن تجرى المساعدات على أساس اتصالات ثنائية». وأمام هذا الالتفاف أو التجاهل، وقف صدام مرة أخرى غاضبا، وقال: عندما يطلب العراق مشاركة إخوانه له فى ظروفه الصعبة يتلقى دائما نصيحة بالصبر، والعراق قادر على الصبر، ولكن شعب الانتفاضة غير قادر عليه، كان صدام يقصد بشعب الانتفاضة ما يجرى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة من انتفاضة الحجارة المشتعلة منذ عام 1987، ويؤكد هيكل: وقف الملك حسين «ملك الأردن» وألقى خطابا مؤثرا وحزينا عن عالم عربى فقد رؤيته لحاضره ومصيره، وختمه مستشهدا بشطرة من بيت شعر: «أضاعونى وأى فتى أضاعوا» وكان يقصد الأردن. كان عمرو موسى رئيسا لبعثة مصر فى الأمم المتحدة وقتئذ وكان ضمن وفد مصر المشارك فى المؤتمر، وكان الدكتور عصمت عبدالمجيد وزيرا للخارجية، ويذكر موسى فى مذكراته «كتابيه»: «لما بدأ صدام يهاجم دول الخليج فى خطابه طلب منى الرئيس مبارك أن أذهب إلى حيث يجلس الرئيس العراقى، وأطلب منه تأجيل مناقشة مثل هذه الأمور للجلسة المغلقة، لأنه من غير المفيد الخوض فيها فى الجلسة المفتوحة، فتوجهت وأبلغت طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقى برسالة الرئيس مبارك التى أبلغها بدوره إلى صدام حسين، بوشوشة فى أذنه، فأومأ صدام وقال بصوت خفيض سمعته: «إن شاء الله خير»، يعلق موسى: لم أفهم ما الذى يقصده بتعبير «إن شاء الله خير»؟.