logo
المسعودي: الكتب لديها قدرة فائقة لخلق التواصل بين الشعوب

المسعودي: الكتب لديها قدرة فائقة لخلق التواصل بين الشعوب

عكاظ١٢-١١-٢٠٢٤

أكد الكاتب السعودي والأكاديمي مستشار الاتصال المؤسسي الدكتور محمد المسعودي أن كثيراً من الكتب والروايات والقصص قدمت نافذة تطل على العالم العربي، عكست تنوعه الثقافي وتاريخه وتعقيداته، وأسهمت في التقريب بين الشعوب عبر التبادل الثقافي والفهم المتبادل، كما أن لديها قدرة فريدة على خلق الاتصال والتواصل بين الشعوب، فهي تتناول تجارب إنسانية أساسية تشترك فيها جميع الثقافات، فرغم الاختلافات الثقافية والاجتماعية، تتناول الكتب والروايات والقصص جوانب اتصالية إنسانية يمكن للجميع فهمها والتفاعل معها، ومنها التجربة الإنسانية المشتركة بغض النظر عن اختلافاتنا، وقال: نعيش جميعاً مشاعر مشابهة ونمر بتجارب أساسية مثل الفرح، الحزن، النجاح، والفشل. كما أن الروايات والقصص تجعلنا نتعرف على هذه المشاعر ونتواصل معها بعمق، ما يولد شعوراً بالترابط ويجعلنا نشعر أننا جزء من إنسانية واحدة، وبالاتصال أيضاً من خلال الكتب نجدها تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، إذ يمكن أن تترجم وتنقل بين اللغات، وعند القراءة بلغة مختلفة أو من منظور ثقافة أخرى، يمكننا فهم طريقة تفكير الآخر والاقتراب من تجربته، وبالتالي من خلال القصص المترجمة توسع دائرة قرائنا وتمنحنا فرصة لفهم عوالم جديدة.
جاء ذلك في الندوة التي عقدت ضمن فعاليات معرض الشارقة للكتاب في دورته الـ43 بعنوان «بناء الجسور بين الثقافات من خلال الكتب» بمشاركة الروائي والشاعر والأكاديمي اللبناني الدكتور رشيد الضعيف، والروائي والناقد المغربي أحمد المديني، والشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري، وأدارت الندوة الإماراتية هدى الشامسي.
وأضاف المسعودي «من خلال القصص والكتب تشاركنا وتعززت القيم التي تهم البشرية جمعاء مثل الصداقة، التضحية، والنضال من أجل العدالة. قراءة قصص تبرز هذه القيم تذكرنا بأنها ليست مقتصرة على ثقافة أو شعب معين، بل هي ما يربطنا كبشر».
وتطرق المسعودي -من خلال تجربته الثقافية الدبلوماسية في ماليزيا على سبيل المثال- إلى أن الأدب الماليزي لديه العديد من الروايات التي حازت على اهتمام عالمي بسبب تناولها قضايا ثقافية واجتماعية تجمع بين التراث الماليزي والتجارب الإنسانية، وبفضل هذه الأعمال، تعرف القراء حول العالم على الحياة الثقافية والتحديات الاجتماعية في ماليزيا، ما أسهم في تعزيز التفاهم والتقارب بين الشعوب من خلال أبرز الروايات الماليزية التي انتشرت عالمياً مثل «حدائق الماء» للروائي الماليزي تان توان إنغ، إذ تعتبر واحدة من أهم الروايات الماليزية، وقد رُشحت لجائزة مان بوكر، وفازت بجائزة مان آسيا الأدبية. إذ طرحت الرواية موضوعات عن الحب، والغفران، والصراعات الثقافية وقدمت لمحة فريدة عن ماليزيا خلال الاحتلال الياباني، وساهمت في تقريب القراء إلى تراث ماليزيا وتاريخها.
ورواية «راهب العظام» لكيلي هولينجزهيد التي تتناول المزيج الثقافي في ماليزيا من خلال قصة عائلة تواجه تحديات كبيرة، وتستعرض ثقافات متعددة تعكس المجتمع الماليزي المتنوع. الرواية تسلط الضوء على جوانب من الحياة في ماليزيا تجمع بين الثقافات الماليزية والصينية والهندية، ما زاد من إقبال القراء العالميين للتعرف على هذا التنوع الفريد.
هاتان الروايتان الماليزيتان تسلطان الضوء على التنوع الثقافي والديني والاجتماعي في ماليزيا، كما تعكس التحديات التاريخية والإنسانية التي عاشها الشعب الماليزي. من خلال هذه الروايات، ساهم الأدب الماليزي في تعزيز التفاهم بين الشعوب وتقريب القارئ العالمي إلى حياة وثقافة ماليزيا.
الأدب الخليجي والسعودي والإماراتي شهد في العقود الأخيرة تطوراً ملحوظاً وأصبحت له مكانة على الساحة الأدبية العالمية، إذ تمت ترجمة العديد من الروايات الخليجية والسعودية إلى لغات مختلفة وحققت رواجاً دولياً. هذه الروايات تعكس التنوع الثقافي والحضاري في الخليج وتفتح نافذة للقارئ العالمي على قضايا المجتمع الخليجي.
وذكر المسعودي أن الأدب الإماراتي شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وظهرت روايات إماراتية استطاعت أن تصل إلى القارئ العالمي بفضل ترجمتها إلى لغات مختلفة. تناولت هذه الروايات قضايا إنسانية واجتماعية تعكس الحياة والتحديات في المجتمع الإماراتي، ما ساهم في تعزيز الفهم الثقافي والتقريب بين الشعوب، منها «رواية مريم والحظ» لعلي أبو الريش، إذ تُعتبر من الأعمال الأدبية الإماراتية البارزة التي تسلط الضوء على قضايا الهوية والتراث، ولفتت انتباه القراء الأجانب لقضايا الهوية الإماراتية، وكذلك رواية «أمواج من عسل» لميسون صقر وهي استكشاف للتاريخ الإماراتي وتراثه الثقافي الغني، من خلال شخصيات تتفاعل مع التحولات الاجتماعية في الإمارات. تتناول الرواية قضايا الحب، والترابط الأسري، ومكانة المرأة، وجذبت انتباه القراء العالميين بفضل أسلوبها الأدبي الراقي وطريقة تناولها للثقافة الإماراتية، ورواية «قافلة العنقاء» لسلطان العميمي، ذات الطابع الواقعي والفانتازي في الوقت نفسه، إذ جمعت بين تراث الإمارات والقصص الشعبية المحلية والأساطير، وقد أسهمت في نقل جوانب من الثقافة الإماراتية إلى القراء الدوليين، ما أثار فضولهم حول موروث المنطقة الأدبي والشعبي.
وأوضح المسعودي أن الكتب تلعب دوراً حيوياً في كسر الحواجز الثقافية والمحافظة على التقاليد وتشجيع الحوار العالمي. ومن أبرز هذه الأدوار، كسر وإزالة الحواجز الثقافية، والحفاظ على التقاليد والثقافات وتوثق تاريخ الشعوب وعاداتها وتقاليدها، كما تشجع الحوار العالمي، وتفتح آفاق الحوار العالمي وتخلق مساحة لتبادل الأفكار والتجارب الإنسانية وتعزز التبادل الثقافي العميق، وتدعو إلى إلهام التغيير الايجابي، كما تساهم في بناء الجسور بين الحضارات وتوفر نافذة تطل على تجارب الحياة المختلفة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رهانات السَّرد العربي المعاصر
رهانات السَّرد العربي المعاصر

الشرق الأوسط

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • الشرق الأوسط

رهانات السَّرد العربي المعاصر

في كتابه «رهاناتُ السَّردِ العربيِّ المُعاصر: دراسات وقراءات مونوغرافية» يتابع الناقد والباحث المغربي أحمد المديني ما بدأه في آخر كتاب نقدي له «في حداثة الرواية العربية - قراءة الذائقة»، والذي قبله، أيضاً: «السرد والأهواء، من النظرية إلى النص»، بمعنى خطّ مواصلة قراءة نصوص روائيةٍ عربيةٍ مميّزةٍ باندراجها في الخط العام لتطور وتجديد السّرد التخييلي، كما كتبته الأقلام اللّاحقة وتجرب فيه بعد المتن المؤسس لأجيالِ الرّواد والمرسِّخين. يتضمن الكتاب الصادر عن «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن (2025)، طيفاً واسعاً من الدراسات التي ركزت على الرواية العربية التي رأى الباحث أنه يمكنها أن توازي وتساوق في تعبيراتها ما بلغته الكتابة السردية في آداب العالم، وتتميز بفرادتها وخصوصيتها المحلية لغةً، وأسلوباً، ومهاراتِ بناء، وغنى عوالمَ، وشخصياتٍ تنتمي إلى العالم وتستشرف الغد. وإذ يعتمد الباحث في تحليله على مناهج محكمة، وبتمثل لمفاهيم نقدية ونسقية ملائمة للتحليل وقراءة النصوص؛ فإنه يولي عناية خاصة للذائقة بوصفها، عنده، أداةً وغربالاً تصبح كما يوضح منهجاً للعمل واستعداداً فطرياً يُمتحن ويتغذّى باستمرار، مشيراً إلى أنها أعلى مرتبةٍ يمكن أن يصل إليها دارسُ الأدب والناقد، حين تختمر ثقافتُه فتعطي زُبدتهَا بما هو أكبرُ من النظريات وأدقُّ من رطانة المصطلحات ومهارةِ وربما حذلقةِ التنقل بين المناهج لاختبار النصوص وتقليبها على وجوهٍ ومواضعَ شتى. وقدم المديني دراسات تسجل خلاصة ملاحظات واستنتاجات من عِشرةٍ طويلة له مع النصوص وحوارٍ معها بين «أُلفة وجدل» كما يقول، مشيراً إلى أنه أراد أن يتجاور النظريّ والتحليليّ ويتفاعلان ذهاباً وإياباً، مع عنايته أكثر بالثاني لأنه مضمارُ القراءة ومِحَكُّها ومختبرُ محاليلِ كيمياءِ النص الروائي جزءاً وكلّاً. واشتمل الكتاب على مجموعة مواضيع وعناوين كبرى وأخرى فرعية ترسم خريطةً مجملةً تتوزع على جغرافيتها القضايا المحوريةُ للرواية العربية سواء في وضعها التاريخي الكلاسيكي، أو في خط تخلّقها المستمرِّ على نهج ما تطمح إليه أو تحققه من حداثة نسبية. ويؤكد المديني أيضاً على خصوصية ما سماه «القراءة المونوغرافية» التي «تتفرد ولا تدّعي الشمول، وفي الوقت نفسه فهي قابلةٌ لأن تتحول إلى مرصد قراءة عامة ودليلِ سير لذائقة أدبية مدرّبةٍ وعالمةٍ وتركيبيةٍ لتضع السردَ العربيَّ العصريّ في موقعه الصحيح بلا تزيُّد ومبالغة، وتنظيرُه وتذوُّقُه وتقويمُه منبثقٌ من قلب النصوص، أولاً، ومرجعياتها وخلفياتها، ثانياً، بما يمُكّن من الجمع بين الجمالي واستقصاء المعاني في دائرة الأدب العربي شاملاً، مرةً، وقُطرياً، مرة أخرى. فالتفاوت، كما يؤكد الناقد، موجودٌ ومفروض، وإن كنا لا نرى له مكاناً في المستوى الفني ولا تنسيباً». وكانت قد صدرت للمديني مجاميع قصصية، وروايات، ودواوين شعر، ودراسات أكاديمية، إضافة إلى كتب نقدية لمدوّنة سردية مغربية ومشرقية، وأعمال مترجمة.

روايات قصيرة ذات أفكار عميقة
روايات قصيرة ذات أفكار عميقة

مجلة سيدتي

time٠٣-٠٤-٢٠٢٥

  • مجلة سيدتي

روايات قصيرة ذات أفكار عميقة

القراءة هي غذاء العقل والفكر بل والنفس أيضاً، وهي تُعزز من فكرة التعاطف وشعور الإنسان بمشاعر غيره، ولقراءة الروايات فائدة من ناحية تعميق المشاعر وفهم نفسيات البشر وتقلباتهم الفكرية والداخلية، والرواية أحد أروع ألوان وصنوف الأدب، فالفن القصصي الجميل فن مدهش يأخذك لعالم سحري سرمدي يخرجك من واقع الحياة الصعب لحيوات أخرى تدهشك وتعلمك وتسليك وترقيك، بالسياق الآتي "سيدتي" اختارت لكِ بعض من الروايات القصيرة ذات الأفكار العميقة ، والتي تتمتع بأسلوب فني رائع وصياغة ممتعة وسرد مشوق. رواية حُمَّى الأحلام .. سامانتا شوابلين سامنتا شوابلين هي كاتبة أرجنتينيَّة بلغتْ حكايتها "حمَّى الأحلام" جائزة مان بوكر الدولية Man Booker الإنجليزيَّة، تحكي عن آماندا، السيِّدة الشابَّة، التي جاءت مع ابنتها "نينا" إلى ذلك المكان الريفيّ الجميل لقضاء إجازة ممتعة، لكنَّها تشعر بالرعب حين ترى كلباً فَقَدَ إحدى قائمتيه الخلفيَّتين، وفي المستشفى، تتحاور آماندا مع دافيد، يحاورها ويحاول معرفة ما الذي أوصلها إلى هنا بينما تحدثه عن ما حدث لها هي وطفلتها "نينا"، يحاول الوصول إلى إجابة تُهِمّه بينما تحاول آماندا عبر التذكر الوصول إلى إجابتها الخاصة، تراقب بقلق مسافة الإنقاذ بينها وبين طفلتها نينا، فتتحدَّث عن اليأس الذي أصاب والدتَه كلارا، التي لم تعد تتعرَّف إلى ابنها، إذ تحوَّل إلى شخص آخر غريب، وتخاف آماندا أكثر على ابنتها من الشقاء الذي ستلقاه في عالمٍ يحوِّل البشرَ إلى آخرين بسبب قدرات العلم ، أو التلوُّث البيئيّ، أو الخرافة. رواية النباتية.. هان كانغ رواية "النباتية" للكاتبة هان كانغ تُعتبر عملاً أدبياً كورياً، صدرت الرواية للمرة الأولى في عام 2007، وحازت جائزة مان بوكر الدولية في عام 2016 بعد أن تُرْجِمَت إلى الإنجليزية، وفي عام 2024، حصلت هان كانغ على جائزة نوبل للأدب ، مما زاد شهرة الرواية وأعمالها الأخرى، وتدور أحداث الرواية حول امرأة تُدعى يونغ هاي، التي بعد أن غزت كوابيسها المزعجة لياليها، تتخذ قراراً جريئاً بالتخلي عن أكل اللحوم والانتقال إلى نظام غذائي نباتي متطرف، هذا الخيار يمثِّل أكثر من مجرد رفض للوحشية الإنسانية، إنه يمثل سعياً حثيثاً نحو تغيير الذات بعمق، حيث ترغب في أن تتناغم مع طبيعة النباتات، فتعيش ببساطة وتتغذى على الماء والضوء، يثير هذا القرار صراعات داخل أسرتها، مما يؤدي إلى تحولات عاطفية وجسدية غريبة في مسار حياتها وعلاقاتها. رواية الخيميائي.. باولو كويلو تتحدث هذه الرواية عن القصة السحرية لسانتياغو، وهي أحد أجمل الروايات ذات الأفكار العميقة، وتحكي عن راعٍ أندلسي يحلم بالسفر من أجل البحث عن كنز عظيم، ونتعلم من رحلة سانتياغو في البحث عن الكنز ما لا يمكن أن نتعلمه في قصص أخرى، إذ نتعلم منها أن الحكمة الأساسية هي الاستماع إلى قلوبنا، وأن متابعة الأحلام لتحقيقها هو أول الأشياء التي يجب الاهتمام بها. قد ترغبين في التعرف إلى: قصص قصيرة جداً عالمية رواية العجوز والبحر.. إرنست هيمنجواي إرنست هيمنجواي المولود سنة 1898والحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1954، وفى هذه الرواية نحن أمام عجوز يخرج بقاربه ويتوغل في البحر لكي يصطاد ويتمكن من صيد سمكة كبيرة ويبدأ في رحلة العودة إلى الشاطئ وهو قرير العين بها لأن رحلته أتت بثمارها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فسرعان ما تخرج أسماك القرش المتوحشة من مكامنها البحرية لكي تنهال على السمكة التي ربطها العجوز إلى قاربه الصغير وبالرغم من كل محاولات العجوز المستميتة لكي ينقذ سمكته إلا أن جهوده ذهبت أدراج الرياح، ونجحت القروش في التهام السمكة ولم يتبقَ منها سوى جمجمتها وسلسلتها الفقرية. رواية النورس جوناثان ليفنجستون.. ريتشارد باخ ريتشارد باخ هو كاتب أمريكي من مواليد 1936، عرف شهرة عالمية عند نشر روايته النورس جوناثان ليفنجستون، الذي باع ملايين النسخ في عشرات اللغات وأُدرج في قائمة أفضل 50 كتاباً كلاسيكياً روحانياً، هذه حكاية الذين يتبعون قلوبهم، ويصنعون قوانينهم الخاصة، الذين يستمتعون بعمل الأشياء بدقة وأمانة، حتى لو كانت لأنفسهم فقط، الذين يعرفون أن في هذه الحياة ما هو أغلى مما تراه أعيننا، هؤلاء سيطيرون مع "جوناثان" أعلى وأسرع وأبعد مما كانوا يحلمون، وقصة جوناثان ليفنجستون هي قصة نورس تغلَّب على حدود طبيعته، وعلى مجتمعه، ليصل إلى المراتب العليا من المعرفة ، وليعود بها إلى أقرانه فينشر ما عرفه. رواية حلم رجل مضحك.. ديستوفيسكي تبدو هذه الرواية القصيرة من أجمل الروايات القصيرة ذات الأفكار العميقة، حيث يبرز لنا ديستوفيسكي جانبه الإنسانيّ أكثر مما يظهر أدبه، وقراءتك لرجلٍ بعقل ديستوفيسكي تجعلك تشعر أنكَ تنتقل من عالمكَ إلى عالمٍ آخر بعيد، وربما بلغ اندماجك فيما كتبَ حدّاً لم تبلغه قط. وهذه هي الميزة الكبرى لكتابات ديستوفيسكي عموماً وفي قصته "حلم رجل مضحك" خصوصاً، فالرواية تحكي عن أحدِ أولئك البائسين الذين لا يرون لحياتهم فائدة ولا نفعاً، فقرر أن يحلَّ المشكلة بالانتحار! ورغم أنَّه قرر قراراً بدا وكأنه لا رجعة فيه إلا أن موقفاً عابراً في الليلةِ الموعودة جعلته يغيّر رأيه ويذهب إلى شقته لينامَ حيث حلم حلماً غيّر من تفكيره تماماً. ونحو المزيد من الروايات فقد اخترنا لك أ فضل روايات أسطورة أدب الرعب ستيفن كينغ

"اختفاء" الفلسطينيين يحمل ابتسام عازم إلى البوكر الدولية
"اختفاء" الفلسطينيين يحمل ابتسام عازم إلى البوكر الدولية

Independent عربية

time١٩-٠٣-٢٠٢٥

  • Independent عربية

"اختفاء" الفلسطينيين يحمل ابتسام عازم إلى البوكر الدولية

لعل دخول "سفر الاختفاء" اللائحة الطويلة لجائزة مان بوكر الدولية، أتاح لنا اكتشاف هذه الرواية التي لم تنل ما تستحق من الترحاب الإعلامي والنقدي على ما بدا، حين صدورها عام 2014 ولم تلتفت إليها واحدة من الجوائز العربية. لكن بروزها الآن يحل في الوقت الأشد ملاءمة، وأقصد الظروف القاسية واللاإنسانية التي تحياها غزة وأهلها والفلسطينيون عامة، من قتل وتهجير وتجويع وإبادة منظمة. فهذه الرواية قد تكون خير رد على مشروع تهجير الغزاويين واقتلاعهم من أراضيهم وتشريدهم في بقاع الأرض، بحسب ما يخطط له ترامب ونتانياهو. ففي هذه الرواية البديعة، المتينة والفريدة، تتخيل الروائية ابتسام عازم، ابنة يافا، المقيمة في ألمانيا، اختفاء كل الفلسطينيين من كل فلسطين، فلسطين الاحتلال وفلسطين العام 48 وفلسطين السلطة. واختفاؤهم يعني خلو كل المدن والقرى والمناطق من أهل الأرض وبقاء الإسرائيليين، من دون حدوث معارك أو فتح جبهات وإراقة دماء. لكن الإسرائيليين المشككين دوماً، ظنوا أن في الأمر "مؤامرة" أو حيلة يتدبرها الفلسطينيون للانقضاض عليهم للفور وإبادتهم. لكنّ ما حدث، فعلاً حدث، في فضاء التخييل الروائي والسرد الديستوبي والسخرية السوداء والعبث... ولعل قوة الرواية تجعل القارئ يظن أن ما حدث ويحدث، يمكن أن يكون واقعياً، على رغم وعيه أبعاد اللعبة، فيسمح لنفسه أن يتواطأ فيها (اللعبة) ليكتشف كم أن الحقيقة المتوهمة يمكن أن تكون مرعبة في أحيان، وهو الرعب نفسه الذي يعيشه الآن أهل غزة وفلسطين والعرب وبعض الشعوب المتضامنة معهم. "سفر الاختفاء" بترجمة سنان أنطون إلى الإنجليزية ( أمازون ) غير أن الرواية التي اختارت لها ابتسام عازم بذكاء وحصافة، عنواناً توراتياً يندرج في سلسلة "أسفار" التوراة (سفر التكوين، الخروج...) لا تسرد فقط سفر الاختفاء الفلسطيني المتخيل، بل تفتح أبواب الذاكرة لتستعيد فصول القضية الفلسطينية المتعاقبة منذ نكبة 48 وهزيمة 67، عبر ذاكرة الجدة (تاتا هدى)، والحروب الجديدة والمجازر والمآسي التي حصلت لاحقاً، وبدا الحفيد علاء، شاهداً عليها كما أمه وبعض أقاربه والآخرون. إختفاء الجدة ولئن بدأت الرواية مع اختفاء الجدة "تاتا" المقيمة في يافا وهرولة ابنتها، أم علاء، بحثاً عنها في الأحياء والحارات، ومضيّ الابن علاء، في التفتيش عنها أيضاً، فهذا الاختفاء، على خلاف اختفاء الفلسطينيين الذي بدا رهيباً، سرعان ما يدرك نهايته، عندما يجد علاء جدته جالسة على مقعد قبالة بحر يافا، ميتة وعقد اللؤلؤ الذي كانت تخبئه في علبتها، بين يديها. يعلم علاء أن جدته "تاتا" كانت استحمت للتو، مدركة أنها ذاهبة إلى الموت في المكان الذي لم يفارقها ولم تفارقه يوماً. فهي رفضت عندما وقعت نكبة 48 (تسميها "هيديك السنة") أن تغادر مثلما غادر زوجها وأمها وأخوها وأختها والآخرون، أصرت أن تبقى ولو وحيدة، مما اضطر والدها العجوز إلى البقاء معها. كانت تدرك أن لا مدينة لها سوى يافا، لا بيروت ولا عمان وسواهما من المدن التي هرب الفلسطينيون إليها هرباً من المجازر. عاشت مع أبيها حتى توفي، لكن بيتها ظل مفتوحاً أمام الزوار. لكنها عاشت حالاً من الغربة في مدينتها، لا أحد يعرفها، بعدما راحت تتبدل أسماء الشوارع والساحات، وبعدما طغى الغرباء عليها فلم يعد أحد يتعرف إليها، وفي يقينها أن المدينة تموت إذا لم تتعرف إلى أهلها. الرواية الفلسطينية (دار الجمل) أما اختفاء الفلسطينيين فظهرت ملامحه الأولى في مزرعة القرنفل والورد التي يملكها الإسرائيلي شمعون، عندما تغيبت صباح ذاك اليوم، العاملات الفلسطينيات اللواتي يقطفن الزرع، ويأتين من مخيم بلاطة، عابرات الحواجز "بين فلسطين وفلسطين". وعدم مجيئهن إلى القطاف شغل بال شمعون الذي لا يستعين إلا بهن ويفضلهن على الآسيويات، وقد عيّن مريم مسؤولة عنهن، هي التي كان سجن الإسرائيليون زوجها، وخرج معتوهاً. أما الملامح التالية للاختفاء، فظهرت في محطة ميدان الساعة، عندما يكتشف الإسرائيلي دافيد أن الباص الذي يقوده صديقه يوسف الفلسطيني تأخر، وكان دافيد ينوي فتح مطعم مع يوسف. الباصات كلها تأخرت صبيحة ذاك اليوم، وتمت محاولة استبدال سائقين إسرائيليين بالسائقين الفلسطينيين، فسرعان ما انتشرت إشاعة تقول: "العرب أعلنوا الحرب علينا وأضربوا". لكنّ الاختفاء الفادح حصل في السجون، واكتشف سجانو المعتقل 48 مثلاً أن الأسرى الفلسطينيين الذين يحملون أرقاماً لا أسماء، اختفوا وباتت الزنازين فارغة، فأطلقت صفارات الإنذار. كان لا بد من أن تعلن الدولة حالة طوارئ قصوى، كما في حالة الحرب، واستدعي الجنود الاحتياطيون، وعاد إلى الذاكرة الإسرائيلية يوم كيبور، أو حرب الأيام الستة التي أرعبتهم عشية وقوعها. بيوت خالية تستخدم الكاتبة هنا أسماء تاريخية توراتية كاشفة لؤم الإسرائيليين الذين يسمون الضفة بـ "يهودا" وغزة بـ"السامرة". أضحت بيوت الفلسطينيين خالية وبعضها لا تزال التلفزيونات تبث فيها، هواتفهم لا ترد، اختفى العمال والمتسولون والسجناء والمرضى وأصحاب المطاعم الشعبية التي تقدم الحمص والفلافل، ونادلو المقاهي والطباخون... ولئن سُرّ، كما من المفترض، بعضهم بهذا الاختفاء السحري، معتبرين أنهم تخلصوا من "المصيبة"، وأن الشوارع خلت من الازدحام، والأمان توافر جداً بعد انتشار الجيش، فبعضهم وقع في حال من الإرباك والخوف، ظناً أنهم بصدد مواجهة جيش من "المخربين" سيخرج إليهم من حيث لا يدرون، وأن آلاف "العرب" سينفجرون بهم. وتحدث بعضهم عن خيبتهم من "عرب 48" الذين ائتمنتهم إسرائيل على العيش معها، فخانوها. وشاع كلام ضد اليساريين الإسرائيليين الموصوفين بـ "الملونين": "ليذهبوا معهم ما داموا يحبونهم". وبرزت خيبة على ما بدا من دروز إسرائيل، كان شرارتها خبر اختفاء الجندي الدرزي سمير الذي وجدوا سلاحه مرمياً إلى جانب المرحاض، في نقطة تفتيش في قلنديا، وكتبت صحيفة "هآرتس" مقالاً عن قضيته بعنوان "سقط القناع"، فلم يكن متوقعاً أن يخون الدروز إسرائيل. الروائية الفلسطينية ابتسام عازم (دار الجمل) أما أطرف ما يرد هنا هو وقوع عيون إسرائيليين على بيوت فلسطينية تعجبهم، وسعيهم إلى مصادرتها. وقد دعت الحكومة الإسرائيليين إلى البدء في تسجيل أسمائهم بغية إجراء إحصاء سكاني جديد، بعد "التدخل الإلهي" الذي أخفى أربعة ملايين فلسطيني. وكان لا بد من أن يتساءل بعضهم عن مصير فلسطينيي المهاجر والمنافي، وأحوالهم. أما الحدث المنتظر فهو الاحتفال الرسمي والشعبي الذي ستقيمه الدولة في جادة روتشيلد عند الساعة الثالثة صباحاً، بعد أن يتم التأكد النهائي من أن أصحاب الأرض لن يعودوا. في جادة روتشيلد هذه، وتحديداً في العمارة الرقم 16، في بيت ديزنغوف، قرأ بن غوريون في الرابع عشر من شهر مايو (أيار) عام 1948 وثيقة الاستقلال. يدهش فعلاً هذا التخييل القائم على حافة الواقع والتاريخ، الذي اعتمدته الروائية ابتسام عازم ببراعة، حتى غدا وكأنه ضرب من التأليف المبني على وقائع تفضح ما يتخيله الإسرائيليون عبر إمعانهم في ارتكاب المجازر الجديدة، وتهجير أهل غزة والفلسطينيين ودفعهم إلى مغادرة أراضيهم بغية أن يكتبوا سفراً جديداً عنوانه "سفر الاختفاء". مداخل ومخارج غير أن الرواية المتعددة المداخل والمخارج، هي في الوقت نفسه رواية علاء وجدّته "تاتا هدى"، وصديقه الإسرائيلي "اللدود" أريئيل، وعمادها راوٍ رئيس وعلاء نفسه، عندما يتولى السرد عبر مذكراته التي يكتبها في "الدفتر الأحمر"، والتي سيتولى صديقه أريئيل قراءته بعد اختفائه أيضاً، فيستمر علاء بأداء دور الراوي "المختفي". علاء في الأربعين من عمره، يعمل مصوراً تلفزيونياً حراً، يقيم في تل أبيب، ويدرس الإعلام في جامعتها. أريئيل صحافي يكتب في صحيفة أميركية، تعلم العربية بإصرار من والده الضابط الذي قتل في جنوب لبنان بعدما أسقط عناصر من "حزب الله" مروحيته. أما علاء فكان يكره العبرية، وكان يشعر، كلما تحدث بها أن الصوت الذي يخرج من حنجرته ليس له، ويقول: "يخرج الصوت ويتحدث العبرية نيابة عني، وأنا هناك في داخلي أنظر إليه، لا أدري ماذا أفعل به وماذا أفعل بي. لم أعد أطيق هذا الصوت". تلمح الروائية هنا إلى مسألة غاية في الخطورة، هي الاقتلاع اللغوي، والتحدث أو الكتابة بلغة العدو أو المحتل. فاللغة هي الكائن نفسه، وهو هنا الكائن الفلسطيني. وكم كان يؤلم علاء أن يدرس التاريخ الذي يريده الاحتلال، والذي اضطر أن يحفظه كي يتمكن من النجاح في امتحانات المدرسة والجامعة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) الصديقان "اللدودان" تعارفا واحداً على الآخر، في حفلة أقامتها المراسلة الصحافية الألمانية ناتالي، تخللها الشرب والحشيش المتفشي. هما يقطنان بناية واحدة، في جادة روتشيلد، وقد أعطى علاء مفتاح شقته لصديقه، كي يطل عليها في أيام غيابه. ولعل "الدفتر الأحمر" الذي يدون فيه علاء مذكراته، سيكون الباب الذي يطل منه أريئيل على سيرة صديقه الشخصية والعائلية، عندما يقرأه في اليوم الأول بعد "اختفاء" صديقه، وفي شقته التي دخلها أو ربما "احتلها" في غيابه. حكايات التهجير في المذكرات يخاطب علاء جدته "تاتا" ويتوجه إليها ويسرد الحكايات التي روتها له، عن ماضيها وعن النكبة والتهجير الجماعي، وعن الخوف الذي يسكنها على رغم شجاعتها. الجدة هي كل حياة علاء، العائلة كلها تجتمع فيها، وكذلك فلسطين، وخصوصاً يافا التي تحبها ورفضت مغادرتها. وتحكي له كيف كانت تتألم عندما ترى أن أسماء الشوارع والساحات تتبدل على اللافتات. لكنها لم تكن تقتنع أن يافا تبدلت، يافا في نظرها تبقى يافا، "موجودة في كل مكان من حولنا، علينا فقط أن ننظر لنرى". من خلال حكايات جدته يتعرف علاء إلى أجواء العائلة والبيت والعلاقات التي سادت بين الأهل والتفاصيل الصغيرة التي تمنح الحياة الفلسطينية فرادتها. ومن طرائف جدته، إقدامها على شراء قماش كفنها والحاجيات الأخرى، وخبأت مالاً في صرة، يغطي مصاريف الجنازة، لئلا تثقل على أحد. وعندما علمت أم علاء بالأمر انهمرت دموعها حزناً. لكن "تاتا" ما لبثت أن تخلت عن فكرتها، وتبرعت بالمال، بعدما أقنعتها جارتها أن هذا من الحرام. يخاطب علاء جدته في الدفتر: "أشعر بك في كل مكان، في هذا البلد". أما والد علاء فكان طبيباً جراحاً، منهمكاً في العمل، مما جعله شبه غائب عن العائلة. ولما تقدم به العمر، انتحر، وظل انتحاره سراً، ولم يشع، فالانتحار عيب. لكن علاء يجد لاحقاً في انتحار أبيه "عملاً تافهاً" وسط قصف غزة وتدميرها. أما الصداقة بين علاء وأريئيل فهي معقدة بحسب ما تفترض العلاقة بين إسرائيلي وفلسطيني، فالصديق الإسرائيلي يظل يمثل صورة الجلاد في عيني الفلسطيني ووجدانه، مهما تآخت العلاقة وتأنسنت وتخطت تخوم السياسة والهوية، ومهما بدا الصديق الإسرائيلي علمانياً ويسارياً ويقول بحل الدولتين. عندما دخل أريئيل غرفة علاء بعد اختفائه، شعر أنه يدخل شقة علاء الفلسطيني، فراح يجوب الغرف ويفتش الجوارير والخزانات ويقلب الكتب، ودخل المطبخ الذي كان يأنس فيه لروائح المونة الفلسطينية. وكان يكره أكثر ما يكره اللوحة التي رفعها علاء في غرفته وتمثل شاباً فلسطينياً مستلقياً، تغطي رأسه حطة فلسطينية. وكان علاء يجمع اللوحات المعدنية التي اقتلعت والتي تحمل أسماء الشوارع الفلسطينية. في شقة علاء نام أريئيل في تخت صديقه وشرب قهوته الفلسطينية، وتعرف إليه بعد اختفائه، عبر المذكرات. وكم نجحت الروائية ابتسام عازم في ختم روايتها البديعة في لقطة عميقة ومعبرة جداً، تختصر العلاقة بين صديقين، فلسطيني وإسرائيلي، وتتركها مفتوحة على رغم رمزيتها: خلال نوم أريئيل في شقة علاء ليلاً، يسمع أصواتاً خفيفة توقظه، فيهب من سريره، ولما يطمئن أن لا أحد هنا، يرجع إلى سريره، وقد قرر أن يغير قفل باب الشقة غداً. تغيير قفل شقة علاء، سيعني تغيير أقفال كل أبواب بيوت الفلسطينيين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store