logo
مقامة الأنتعاش

مقامة الأنتعاش

موقع كتابات١٦-٠٢-٢٠٢٥

الشيخ الثمانيني أرسل ما أسماه (همسة منعشة في صباح جميل ) حين اقتبس من زوربا اليوناني قوله : (( الحب يذهب الخوف , الحب لايموت بالفراق , انما يتحول الى شبح يرافقنا )) , ثم يضيف اليه قول عبدالرحمن منيف على لسان طبيب (( حين يأتي الحب , يرحل المرض )) , لم يدر شيخنا أين يواري جثمان الذاكرة بعد ان وقع في الكمين اللاهب , فيخترع القصائد والقصص والروايات علها تطفيء , ولكن هيهات .
يبوح هذا الشيخ بأسراره , ناسيا ماقاله جبران : (( أن بحت باسرارك للريح فلا تلم الريح إن باحت بها للشجر)) , ذلك اننا نخفي اسرارنا لدى من نصادف , وكسنجاب ننسى في اي فجوة شجرة خبأناها , ولأي أذن اودعناها , اسرارنا تشبهنا , منها المكابرة , والمتداولة , وتلك القاتلة , اسرارنا سيئة السمعة وأخرى عفيفة , وهناك المدمرة المخيفة , وأخرى تقية حتى في سرها تخاف الله ,ثمة أسرار دائمة البحث عن أذن , وأخرى في انتظاروسادة او حضن , وثالثة استقرت في قعر بئر , الأسرار التي تموت معنا وتلك التي تعيش بعدنا , وتلك التي نتمنى لو بحنا بها لراحل غريب يأخذها معه لقبره , واخرى سعدنا لأنها لن تفضحنا وماتت مع أصحابها .
يقول مصطفى صادق الرافعي (( أنتَ لم تحبها هي , أنت أحببت جزءاً من روحكَ وضعهُ اللهُ فيها , فهي مخلوقةٌ من ضلعك , أقرب مكان الى قلبك لذلكَ منتهى الحب أن تناديها يا ( أنا ) , هي لم تحبكَ أنت , هي أحبت الوطنَ التي نُزعت منه فعندما ترجع اليك تشعرُ أنك وطنها , إنه حنين غريب كحنين القارب لحضن الشط , كحنين المسافر لرائحة البيت )) , تصف أحلام مستغانمي الحب في كتابها ( شهيا كفراق ) : (( قد يأتي الحبّ كرفيق مصادفة , ثمّ تُفاجأ به يلازمك , اترك له مقعدًا شاغرًا جوارك , كي يستدلّ عليك وسط الزحام , ذلك أنّه يصل عندما تكون مزدحمًا بكلّ شيء عداه )) .
كتب عمار الربيعي : (( لم أستطع يوماً أن أسامح هؤلاء الذين رحلوا , الخائنون الراحلون دون سبب , الراحلون النازحون لغيرنا , حتي هؤلاء الذين رحلوا فجأة للقاء مصيرهم , لم أستطع أن أسامح أماكنهم الفارغة , لم أستطع أن أسامحهم على جرح قلبي و مشاعرى , لم أستطع أن أسامحهم علي اشتياقي إلي لقاءهم , حديثهم , صوتهم , وجوههم , إشتياقي الكامن لهم ,أنا أدرك الحقيقة ببطيء شديد , بعد فوات الأوان , لكن الواقع أن الجميع يرحل لا أحد باقي , لا أحد باقٍ , وإن اختلفت دواعيهم , ولكن الجميع يرحل , من يرحل بأمر الله , من يرحل عنك مللاً , من يرحل زهداً , من يرحل لوعةً وحباً , من يرحل خوفاً , من يرحل ظناً أن أماكنهم لن تقبل غيرهم , من يرحل غباءاً , ومن يرحل انشغالاً , ومن يرحل طمعاً , من يرحل دون أن يدرك , ومن يرحل وهو بك مشرك , أدرك الحقيقة ببطيء شديد أن الحياة هي محطة رحيل , أن الجميع يرحل وأن الجميع وحيد , والجميع فيها راحل عن الجميع , حتي أنا لست سوى أحد المهاجرين ,نحن في صالة انتظار الرحلات , يمر من
يمر ويرحل من يرحل ونبقي وحدنا , أسفي , عذرى وإعتذارى لمن رحلت عنهم ,عمدا أو غباءا أو ضعفاً , وأسفي لمن لم أستطع البقاء جوارهم )) .
كان الحب أفضل حالاً يوم كان الحمام ساعي بريد يحمل رسائل العشاق , كم من الأشواق اغتالها الجوال وهو يقرب المسافات , نسي الناس تلك اللهفة التي كان العشاق ينتظرون بها ساعي بريد , وأي حدث جلل أن يخط المرء ( أحبك ) بيده , أية سعادة وأية مجازفة أن يحتفظ المرء برسالة حب إلى آخر العمر , اليوم ( أحبك ) قابلة للمحو بكبسة زر , هي لا تعيش إلا دقيقة , ولا تكلف إلا فلساً , ومن فوضى الحواس : (( هي تعرف أن الحب لا يتقن التفكير , والأخطر أنه لا يملك ذاكرة , إنه لا يستفيد من حماقاته السابقة , ولا من تلك الخيبات الصغيرة التي صنعت يوما جرحه الكبير , وبرغم ذلك , غفرت له كل شيء , قطعا كانت سعيدة , بهزيمتها التي أصبح لها مذاقا متأخرا للنصر)) .
سيبقى الحب سيد المواقف في كل الازمنة والامكنة , ورغما عنا افسحنا مقعدا ام كان بين المقاعد مسافات , لأن هالة الحب تخترق الارواح , فما بالنا بالاشياء ؟ سيضفي على الجمال جمال , وعلى القبح جمال , حتى عذابه والمه بلسم لجراح دمغتها خيبات سابقة , هو الضيف الوحيد المرحب به بلا اذن او موعد سابق , و أجمل إبتسامة هي عندما تبتسم لشخص ليس بجانبك ولكنه خطر على بالك , فلا تتردد والا ستظل مصابا بلعنة الانسحاب عن كل ماتحب , لن تقاوم الامواج , لن تتمسك بأحد , ستبقى كصبار في صحراء لا يقنع احد , بل ولا يريد احدا , اشواكك ستتكفل بالأمر لمن يقترب , اعتدت وحدتك , خيرا من جراحهم , انت في وحدتك , فارغ القلب والعقل والروح , يضربك الخواء ولكن لا تعاني , لا تتألم , لاتنتظر شيئا , لا تنتظرا احدا , وهذه كانت اخطر امانيك.
(( أُسمِّيكِ الملاك بما احتواهُ وأستثني بقاءَكِ في الأعالي
وما فنُّ اختيالكِ حين يجلو حقيقتهُ سوى فنِّ اغتيالِ
وما الحبُّ المؤجَّل غير حربٍ وما هذا المطال سوى القتالِ
فيا (ابنَ أبي ربيعةَ) إنّ (هندًا) على العهد القديم من المطال
اِإذا واعدتُها بيقينِ جذرٍ تعلِّقني بغُصن الاحتمالِ )) .

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فانتازيا صارخ وصريخ
فانتازيا صارخ وصريخ

موقع كتابات

timeمنذ 5 ساعات

  • موقع كتابات

فانتازيا صارخ وصريخ

في هزيع الليل المظلم وبينما أبناء البلدة النائية الصغيرة بين راقد ونائم،بين هاجع وهائم،بين لاه وقائم،كانت عقارب الساعة الجدارية القديمة التي تتوسط غرفة الاستقبال الخاوية إلا من جسده الهزيل وظله المنعكس على صورة مؤطرة مُبَالغٌ بحجمها تزين الجدار المتصدع تعود لجده الباشا ببزته ونياشينه العسكرية ،وشاربه الضخم المفتول ،وطربوشه الأحمر وهو يتوكأ على سيفه وغمده الذهبي المحدودب،تشير الى تمام الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل،ساعة ونصف مرت على الذكرى السنوية لليوم العالمي للطفولة،هزيم الرعد،وصريرالريح ينذران بقدوم شيء ما يستشعره وبالكاد يبصره، نباح الكلاب البعيدة،ومصباح الشارع الخافت يضفيان على الأجواء مسحة دراماتيكية كئيبة تشي بتوجسات يخفيها ولا يكاد يبديها،كيف لا وابنة عمه،زوجته الحبيبة على وشك انجاب أول طفل لهما منذ زواجهما قبل عشر سنين خلت،وقد أنفقا الغالي والنفيس من أجل هذه اللحظة الفارقة التي حرموا منها طويلا،ولربما لإسكات أصوات المتنمرين..لإخراس ألسنة المتطاولين..للإجابة على أسئلة الفضوليين..لإبعاد أنوف الحشريين..لكبح جماح العذال والشامتين! ساعة مضت بطيئة كسلحفاة عجوز،وزوجته الحامل في الغرفة المجاورة وحيدة تعاني الأمرين بمعية القابلة المأذونة وابنتها الكبرى وهما تواجهان ولادة متعسرة لم يسبق أن واجهتا مثيلا لها من قبل،حتى صدح صوت الحياة أخيرا ليلهب بكاء الوليد الجديد الذي جاء على غير العادة مزدوجا وليس أحاديا ،حماسة الأب الملهوف الذي استبد به الشوق لرؤية فلذة كبده ،رافع اسمه،وريث بيته الكبير المتهالك وأثاثه القديم علاوة على مزرعته وحظيرته،لقد استفز الصوت المزدوج مشاعره، شحذ همته، عصف بذهنه، حلق بمخيلته بعيدا تاركا كل الأفكار السوداوية تتزاحم على سجيتها في رأسه المثقل بالهموم أسوة بالانفعالات التي كانت تفور كبركان ثائر في صدره الذي تحول الى مرجل بخاري من كثرة التدخين،قبل أن تهمس القابلة المأذونة في أذنه وكل ظنه بأنها ستحدثه عن بدل أجور التوليد والأتعاب،وإذا بها تخبره وبصوت مبحوح متهدج'لقد جاءك توأم ذكر،ولكنه ليس كسائر التوائم،إنه توأم سيامي فعليك أن ترعاه جيدا،وأن تعتني به على غير العادة وكان الله تعالى في عونكما!'. تسللت القابلة وابنتها بخطى حثيثة الى خارج المنزل كشبحين يبصران كل شيء من حولهما ولا يبصرهما أحد من دون أن يتقاضَينَ أجرا نظير أتعابهما لأن المولود الجديد ليس كبقية المواليد ممن يُسَر بولادتها،أو يبتهج بمقدمها الى هذا العالم الفاني، والى تلكم الدنيا الزائلة! كان البرق وبين الفينة والأخرى يُضيء الوجنتين المتوردتين للتوأم السيامي الملتصق ببعضه جانبيا من أسفل الأبط وحتى الخاصرة في موقف لا تحسد الأم والأب المكلومين عليه،موقف كل ما فيه يهيب بهما لفعل شيء ما، لنظم قصيدة رثاء ،لرسم لوحة قاتمة سوداء، لذرف دموع عزاء، لكتابة كلمات صماء،لإطلاق العنان لصرخة مدوية تزلزل الأرض قبل أن تشق عنان السماء،ولسان حالهما فضلا عن مقالهما يرددان نظير هذا البلاء كما يصفه بعضهم،والإبتلاء كما ينعته آخرون'لقد صبرنا على معاناة العقم طويلا،وأنفقنا من مدخراتنا لعلاجه كثيرا،لننجب في نهاية المطاف مسخا بشريا مثيرا للشفقة عند أناس، وللاشمئزاز لدى آخرين ؟!'. لم تطق الأم الثكلى الآم المخاض،لم تحتمل صدمة الحلم الوردي المجهض كسفينة تائهة وسط بحر لجي متلاطم الأمواج ماله من قرار تحطمت على صخرة صماء وكأداء تتوسط سواحل جزيرة جرداء، لم تستوعب خبر الولادة الصاعق المفجع الذي تلاهما،ففارقت الحياة ودموع الحزن المرير لما تزل تبلل جفنيها الذابلين،وتغرق خديها الشاحبين،ليظل الأب ساهما لا يلوي على شيء ،وقد أسقط في يده كليا، ولم تعد ساقاه تحملانه فتسمر في مكانه بعد أن عقد هول الصدمة لسانه،و زلزل وقع المصيبتين المتعاقبتين كيانه ! حمل الأب توأمه السيامي بعد أن استجمع قواه الخائرة،وخرج يسير به بخطى متثاقلة تحت زخات المطر الغزير لا يلوي على شيء متوجها الى مسجد ناء في أقصى المدينة،ليضعه ملفوفا بملاءة قرب بوابته الخارجية لعل خادم المسجد ومؤذن الفجر يعثر عليه فيسلمه للشرطة ،أو إلى من يبدي استعداده لكفالته ورعايته من أهل البر والإحسان،وفي فؤاده رجاء بأن لا تعثر الكلاب السائبة على توأمه لتنهشه وتمزقه إربا فيتحول الى وجبة عشاء شهية لها قبل أن تتلقفه الأيادي الحانية ،وتحتضنه القلوب الرحيمة! ومع اطلالة الفجر وصياح الديك عثر خادم المسجد على التوأم السيامي فأطلق ولكثرة بكائهما وصريخهما وبما علا على صوت الأذان وغطى عليه ،على أولهما اسم صارخ،وعلى ثانيهما اسم صريخ، قبل أن يعقد العم صالح ،أقدم مسؤول في مكتبة المدينة المركزية ،وفور سماعه بالخبر الصادم العزم على كفالة التوأم الغريب ولاسيما وأنه يعيش وحيدا مع حرمه المصون بعد زواج بناته الثلاث وسفرهنَّ بمعية أزواجهن الى العاصمة حيث يعملون هناك ، لعل التوأم يؤنس وحدتهما،ويعوض غياب بناتهما، ويشغل أوقاتهما،والأهم هو أن تحل بركات كفالته ورعايته عليهما. مضت ثمانية عشر عاما سريعة كفهد مرقط يطارد غزالا وسط البرية،كبر صارخ خلالها وصريخ واشتد عودهما وقد علمهما أبوهما الكفيل،أو بالأحرى البديل،القراءة والكتابة ليقرر وبعد رفض مدارس المدينة قبولهما للالتحاق بمقاعدها الدراسية على خلفية قبح منظرهما،وغرابة شكلهما ،وبشاعة هيئتهما،أن يقضيا حياتهما بين أكوام الكتب داخل المكتبة التي يديرها وينظم شؤونها منذ أربعين عاما ليساعدانه في عمله تارة، ولينهلا من ألوان المعارف والعلوم النظرية والتطبيقية ويغرفا من معينها الثر الدافق تارة أخرى. كان صارخ منكبا على قراءة كتب الاجتماع والأداب والفنون، فيما تفرغ صريخ لالتهام كتب الاقتصاد والقانون وعلم النفس، إلا أنهما قد أبديا اهتماما مشتركا ومنقطع النظير بقراءة أدب الرحلات، أسرار وخدع الحروب، مذكرات كبار القادة العسكريين، علاوة على كتاب 'فن الحرب'، وذلك بخلاف قواميس ومراجع العلوم السياسية التي اختلفا في اختيار عناوينها،وقراءة مضامينها،فبينما كان صارخ يقلب طرفه على مدار الساعة بكتب الاشتراكية واليسار والراديكالية والبروليتاريا وتحرير الطبقات عبر سياسة خذ من هذا وأمِّم جل ما يملك وأعط لذاك ،أو'من كل بحسب قدرته لكل بحسب حاجته' كان صريخ يمعن نظره بلا كلل ولا ملل بكتب الرأسمالية والليبرالية والبراغماتية والبرجوازية والكولونيالية والامبريالية وكيف سيطرت على العالم تحت شعار'خذ بالقوة من كُلٍ لبعض وهات'، أو 'من كل بحسب انتاجه لكل بحسب نزوته ورغبته'! فجأة وعلى حين غرة وفي صبيحة ذات ضياع قرر التوأم ذو الرأسين المتماثلين شكلا، المتنافرين توجها واتجاها الرحيل إلى العاصمة ليبدأ بعد بلوغهما سن الرشد حياتهما الخاصة هناك بعيدا عن أعراف وتقاليد وقيود الأسرة التي رعتهما وصبرت عليهما،شاكرين للعم صالح وزوجته كفالتهما وحسن تربيتهما كل هذه السنين التي مرت سراعا كطيف بحلوها ومرها،بكدرها وصفوها،بحزنها وفرحها . وفي أحد فاركونات القطار الحديدي القديم المتجه تحت جنح الظلام الى العاصمة،تعاهدا عهدا،وأبرما اتفاقا يلزم كلا منها بأن يعيش حياته الخاصة أفقيا وعموديا حرا طليقا برغم قضبان وسلاسل السجن الإنفرادي المتمثل بجسدهما المرتبط بوحدة اندماجية لا فكاك لها جبرا،الحائل من دون إطلاق سراح أي منهما من أسرهِ قسراً،ولا التخلص من ذل وربقة عبوديته قهراً،بلا أدنى تدخل من الثاني،ولا وصايته ولو همسا البتة مع وضع شريط لاصق على فم أحدهما مرسوم على واجهته إيموجي ضاحك عندما يشرع الآخر بممارسة هواياته ونشاطاته ،وإذا ما سئل أحدهما عن سر الشريط اللاصق فعلى الثاني أن يجيب على الفور لتدارك الموقف'إنه يعاني من التهاب حاد في اللثة مع تسوس كامل للأسنان،وبالتالي فإن الأخ الرفيق أبخر ورائحة أنفاسه أشد هولا من السلاح الكيمائي المزدوج،وأمضى فتكا من غاز السارين!'. صارخ وصريخ ولكونهما مولودين في مدينة شرق أوسطية،كانا يفضلان تسميتهما بـ 'توأم باب الأزج' بدلا من مصطلح 'السيامي' وذلك مناهضة للعولمة،ونكاية بالمصطلحات الأجنبية التغريبية الوافدة،ونظيراتها المتسللة عبر الفضاء السيبراني والعابرة للحدود،ومما زاد في رغبتهما تلك هو عثورهما على اشارة واضحة لتوأم مناظر سبق التوأم التايلندي الشهير بقرون طويلة مولود في رصافة بغداد، ورد ذكره بكتاب الكامل في التاريخ. كان صارخ وبعد أن يلصق فم توأمه بلاصق الايموجي الضاحك يطلق العنان للسانه المفوه صباحا لتحريض العمال في مصانعهم على الاعتصام والتظاهر والإضراب مع دعوتهم أحيانا للعصيان المدني للمطالبة بحقوقهم المغتصبة،وزيادة الأجور،وتحسين ظروفهم المعاشية ،ليتبعه صريخ ظهرا وبعد لصق فم توأمه بدعوة أصحاب الشركات الخاصة والمصانع لتخفيض الرواتب ، وزيادة ساعات العمل ،والاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتطوير الصناعة، وزيادة الانتاج،والتخلص من الأيدي العاملة البشرية الزائدة عن الحاجة ! ليلا كان صارخ يؤذن لصلاتي المغرب والعشاء بصوته الرخيم العذب عبر مكبرات جامع الحي الشرقي الكبير ومن حوله عشرات المصلين وهم يهللون ويسبحون ويكبرون ويتضرعون،ومن خشية الله تعالى يبكون، قبل ساعتين بالتمام والكمال من اطلاق صريخ العنان لحنجرته الذهبية ،ولصوته الشجي الرقراق لأداء أغاني الهافي ميتال،والروك أند رول،والراب في ديسكو الحي الغربي الصاخب ومن حوله مئات العبثيين واللامنتمين وهم يتعاطون المخدرات الطبيعية منها والصناعية ،يعاقرون الخمر المغشوش ويثملون،كالبهائم بدافع الغريزة الفوضوية وغير المقننة يتسافدون، كالمجانين الغائبين عن الوعي كليا يتمايلون ويتراقصون! كان جهاز اللابتوب الوحيد الذي أهداهما إياه العم صالح كتذكار وداع يرسل في رابعة النهار عشرات الرسائل النصية والبوستات والتغريدات الـ صارخية الداعية الى الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية،والى المساواة بين سائر الطبقات والقوميات والأجناس والأعراق البشرية،ثم ما يلبث ذات الجهاز وبعد منتصف الليل أن يبعث برسائل صريخية عنصرية تدور بمجملها كقطب رحى حول تفوق الغرب،وسيادة العرق الأبيض،ونبذ الملونين،مع الدعوة الى استعمار الدول اللاتينية والافريقية والهندو صينية والشرق أوسطية جيو سياسيا لتعضيد الغزو الفكري والثقافي ،وتسريع وتيرة زحف القوى الناعمة وتسللها البطيء ! زادت شعبية صارخ بمرور الايام بين صفوف الكسبة والعمال والكادحين والمسحوقين علاوة على الميليشيات الثورية،في ذات الوقت الذي تحول فيه صريخ الى أيقونة رجال الأعمال والانتهازيين والاحتكاريين وعصابات المافيا،وأخذ كل فريق يستأجر لسان أحد طرفي التوأم،ويستعير حنجرته،ويوظف مواهبه ،ويستغل قلمه للترويج لرؤيته ورسالته وأهدافه على النقيض من خصمه، وكان التوأم وكما في كل مرة لا يُخَيبَ ظن مستأجريه ليجيد الأداء ،ويحسن الوفاء وبما عزز من ثقة النقيضين المتنافرين ليضعانها بممثل واحد عنهما يحمل رأسين وفكرين ولسانيين وقلمين متضادين يضمهما جسد واحد ليخوضا حرب وكالة لكسر العظم بالنيابة عن كل منهما ومن دون أن يظهر أي من المتصارعين أصالة على مسرح الأحداث التي تخاض فوق خشبته بالوكالة ! تحسنت أحوال التوأم المادية والاعتبارية إلا أن مشاعر الجوع والحرمان القديم ،مذيلة بذكريات الإقصاء الجبري والتهميش القسري اللئيم ،زيادة على عقد الثأر المستحكمة في لاوعي كليهما كانت تفرض نفسها وبقوة فقررا وبما يمتلكانه من مواهب خطابية،وحناجر ذهبية،وخلفيات موسوعية وفي شتى العلوم الجغرافية والعسكرية والسياسية الشروع بالتحريض على طول الجبهات المتناحرة حول العالم متخذين لهما اسمين حركيين للتمويه ،صارخ اتخذ لنفسه اسم 'أبو ظلام العتمتي' أما صريخ فـ' أبو إعصار الغباري' عاقدين العزم على التنقل بين الجبهات المتضادة المختلفة بطائرة شراعية مبتكرة عصية على رصد المخافر الحدودية،واكتشاف النقاط الجمركية،والمضادات الأرضية ،والرادارات،وأجهزة الاستخبارات ! شرع العتمتي والغباري وهما يرفعان شعار'إشتدي أزمة تنفرجي' بتنفيذ خطتهما الجهنمية في دول النزاعات الحدودية المستعصية على الحل على مدار عقود طويلة،لينطلقا من الجبهة الروسية الأوكرانية،وليثنيا بصب الزيت على النار في الجبهة الكورية الجنوبية – الشمالية،ويثلثا بالجبهة الصينية التايوانية،ومن ثم الهندية الباكستانية ، فالأرمينية الأذربيجانية ، فكوسوفو وصربيا،فأثيوبيا وأرتيريا، فرواندا والكونغو الديمقراطية ، معرجين على أزمة جزر الفوكلاند،مرورا بمعضلة التبت، ومن ثم عقدة قبرص اليونانية- التركية ،واشكالية الصحراء الغربية، وسبتة ومليلة، وحرب البرهان وحميدتي في السودان ، وهلم جرا ، مستثنين الصراع العربي – الصهيوني، وأزمة الإيغور في شينجيانغ،والروهينغيا في ميانمار، لأنها صراعات وجود،لا حدود! كان العتمتي = صارخ يحث الشعوب التي يشرع بإيغار صدور أبنائها وشحذ هممهم للتطوع والانخراط في صفوف حركات الأنصار إن وجدت،والقتال ضد الأعداء ببسالة يتفاخر بها الأبناء والأحفاد كابرا عن كابر، مذكرا إياهم بحضارة وألق ممالك الأسلاف الغابرة،وبالإعتداءات المعادية السافرة، ليتولى الغباري = صريخ ،التحريض بالضد من شقيقه داخل أراضي الدول المقابلة ليحثهم على استعادة الأحفاد لأمجاد وامبراطورية الأجداد التي سادت ثم بادت، مستدعيا الى عقولهم الخاملة ،والى ذاكرتهم الضعيفة التي تريد أن تتناسى هول الحروب،وتتجاهل ما تثيره من مآس وأحزان،حقد العدوان ومجازر الجيران،داعيا إياهم للتطوع في صفوف الجيش لحماية الشعوب والذود عن حياض الأوطان، وهكذا دواليك حتى ذاع صيتهما كأخطر مرتزقين دوليين منافقين يهددان السلم العالمي،والأمن المجتمعي على سطح الكوكب المبتلى بالكوارث الطبيعية والجائحات الوبائية ،المصطلى بأتون الحروب والنيران . أصدرت منظمة الانتربول مذكرة قبض دولية بحقهما استجابة لمئات الشكاوى الرسمية التي تلقتها تباعا من حكومات دول عدة،وبينما أطلقت نيودلهي مكافأة وقدرها 100 مليون روبية للقبض على العتمتي مرفقة بتوزيع صور وجهه مكشوفا والى جانبه شقيقه التوأم ولكن بكمامة ولاصق ضاحك تحول دون رؤية وجهه وتشخيص ملامحه، بكين بدورها وعلى النقيض من جارتها الحدودية اللدودة أطلقت جائزة مرفقة بصورته وهو مكشوف الوجه وقدرها 10 ملايين يوان للقبض على الغباري حيا أو ميتا، ليرفع كل من البيت الأبيض والكرملين وبعد تفعيل الخط الساخن بينهما شكويين عاجلتين الى مجلس الأمن الدولي وضعاها في سلة واحدة لتلافي استخدام أحدهما لـ حق النقض'الفيتو' خشية إجهاض قرار أحدهما للآخر،ولاسيما وأن شعوب الأرض برمتها تعلم يقينا مدى تعسف الجانبين باستخدام حق الفيتو ولا جديد في ذلك تحت الشمس يُروى،ولا قَديمَ فوق أديم الأرض يعاد ماخلا الشكويين الأخيرتين وقد مثلتا فارقة تاريخية بين الكيانين النوويين الأخطر منذ الحرب الباردة، مطالبين بعقد جلسة طارئة للتصويت على مشروع قرار يقضي بفصل التوأم بعملية جراحية قسرية تمهيدا لاعتقال ومحاكمة كل طرف منه على حدة . قبض على التوأم بمكيدة دبرها جاسوس مزدوج بالتنسيق مع أجهزة مخابرات دولية ليخضعاه إلى عملية جراحية كبرى أجريت في مستشفى دولية محايدة تحت حراسة أمنية مشددة استمرت عشر ساعات متواصلة،وفور نجاح العملية أحيل صارخ بعد فصله الى محكمة أمريكية لينال جزاءه، فيما أحيل صريخ الى محكمة روسية ولنفس الغرض،الأول بتهمة تحريض الطبقات واشعال الثورات العمالية وحروب الأنصار،والثاني بتهمة الترويج للأفكار العنصرية،وتأجيج النزعات الرأسمالية ،ونشر التوجهات الليبرالية ، ليصدر الحكم بسجن كل منهما عشر سنين داخل زنزانة السجن المركزي في كلا البلدين . أصيب طرفا التوأم المنفي والمبعد والمفصول بقرار أممي حظي بتصويت أغلبية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ،بخيبة أمل كبيرة مصحوبة بتأنيب ضميرحاد،وجلد عنيف للذات لعدم توافقهما ولا اتفاقهما فكريا ولا عاطفيا طيلة السنين الماضية، فأخذ كل منهما يقرأ مصادر الآخر وينكب على مراجعتها بإمعان بعد السماح لهما بارتياد مكتبة السجن للاطلاع على كل ما كان يؤمن به رفيق دربه ، وحبيس جسده ويعتقده من نظريات وفرضيات وأفكار،وجل ما كان يعتنقه شقيقه من أدبيات وميثولوجيات وأيديولوجيات وأسرار . قلصت مدة محكوميتهما لحسن السيرة والسلوك أولا،وللضغط الجماهيري الكبير المطالب بإطلاق سراحهما ثانيا، زيادة على تدخل جميعات حقوق الانسان،وتوسط منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في هذا الشأن لتنقضي المدة قبل ثلاثة أعوام من نهايتها فخرج التوأمان وهما يعانيان وبرغم تنسمهما عبق الحرية ، حالة من الإحباط والإكتئاب الشديدين مع انكفاء على الذات، وانسحاب الى الداخل ، فما كان من نقابات المتقاعدين والضمان الاجتماعي والكادحين والعمال، فضلا على اتحادات المصارف ورجال الأعمال،كذلك روابط التجار والمحتكرين وأصحاب رؤوس الأموال،إلا أن نظمت تظاهرات حاشدة أمام مبنى الأمم المتحدة للمطالبة باعادة توحيد طرفي التوأم العالمي والعمل على دمجه مجددا بجسد واحد ليديرا شؤونهما،وليعيشا حياتهما ،وليناصرا قضاياهما ،وليعبرا عن أفكارهما، وليقولا ما يختلج في صدريهما كما هو العهد بهما إن لم يكن فدراليا،فكونفدراليا على الأقل . أخضع التوأمان الى عملية جراحية ثانية هدفت الى خياطتهما ولصقهما وإدماجهما ببعض مجددا لتكون أول عملية إدماج بشري من نوعها لشخصين منفصلين في جسد واحد عبر التاريخ، أطلق عليه اسم'التوأم الصارخ الصريخي المدمج ' نجحت العملية التي استمرت 14 ساعة متتالية نجاحا ساحقا وبما أبهر وألهب حماس الجماهير المحتشدة برغم تضادها خارج مبنى المستشفى بمئات الألوف والكل يرفع لافتات كتب عليها'أدمجوا ما فككتموه واتركوه وشأنه'، 'أعيدوا توحيد التوأم فالعالم بأمس الحاجة إليه'، ' قطب أصيل واحد برأسين وفكرين ولسانين وقلمين مختلفين،خير من أقطاب دخيلة متعددة برأس ولسان وفكر وقلم واحد'، قبل أن تصدح الحناجر بهتافات صاخبة ومتقاطعة، 'يا صارخ ياشجاع أنصر المسحوقين في كل البقاع' تلاها ' يا صريخ يا مقدام اسحق جموع العبيد والخدام' وهكذا دواليك حتى منتصف الليل ،ولم تخل التظاهرات الاحتكاكية من تبادل الشتائم بين مؤيدي ومعارضي أحد طرفي التوأم المدمج،مشفوعة بقذف القناني الفارغة وقلب الحاويات ، توجيه اللكمات والركلات،تمزيق الصور واللافتات،اطلاق العنصري من الهتافات ،والاستفزازي من الشعارات، قبل أن يصطدم الطرفان بقوات مكافحة الشغب،أعقبها الاعتداء على المارة،وحرق المركبات،وتحطيم نوافذ البنايات،وصولا الى نهب المحال التجارية وتخريب الممتلكات في وقت وقف فيه التوأم المدمج في شرفة الطابق الخامس والعشرين من المستشفى وهو يحيي الجماهير الحاشدة ملوحا بالأيدي تارة،وراسما قلب الحب بالأكف تارة أخرى ! لم تكد شمس اليوم التالي تشرق حتى شوهد صارخ وهو يدعو وسط الميدان الأحمر وبعد تكميم فم صريخ باللاصق الضاحك الى نصرة العمال والكادحين،والى مصادرة ثروات الأغنياء والمتنعمين ،تأميم ممتلكات البرجوازيين والإقطاعيين ،زيادة معدل الضرائب على الموظفين والمترفين،أتبعه صريخ وبعد لصق فم شقيقه التوأم قبيل غروب الشمس الى جوار تمثال الحرية وهو يدعو مليارديرات العالم المصنفين ضمن قائمة فوربس الى طرد المهاجرين واللاجئين،وقطع رواتب الرعاية الاجتماعية عن المسحوقين والمحرومين،ايقاف المعونات العينية والمالية عن دور الأيتام والمسنين،الإستغناء عن الأيدي البشرية العاملة وفصلها من كل الشركات والمصانع الانتاجية وبالأخص الغرباء منهم والملونين،استبدالهم جميعا بالروبوتات الآلية التي تعمل بلا كلل ولا ملل وبلا اجازات اسبوعية أو سنوية ،ولا وقت مستقطع مخصص لتناول الطعام والشراب،ولا استراحات متقطعة أثناء العمل بين الحين والحين لممارسة عادة الثرثرة مع بعض التنمر والتحرش والتدخين ! طراااااخ دوى صوت اطلاق رصاصة واحدة من بندقية قناص اوتوماتيكية مرت على بعد مليمترات قليلة من صدر التوأم دون أن تصيبه، فاتهمت جماعة صارخ ،الرأسماليين والترامبيين والمصرفيين بمحاولة إسكات الصوت الاشتراكي العالمي الصادح بالحق، فيما اتهمت جماعة صريخ ، اليسار ومحاولته النيل من أبرز الرأسماليين الشعبويين في العالم وبدلا من مطاردة القناص وإلقاء القبض عليه للتحقيق معه ومعرفة الدوافع والاسباب التي أغرته بإطلاق الرصاصة القاتلة اضافة الى الجهات التي تقف خلفه وتخطط له ، هب الفريقان من دون وعي تجاه المنصة لفصل التوأم بالايدي المجردة عن بعضه بعضا في محاولة من قبل كل فريق منهما للاستئثار بالقائد والزعيم والرمز الذي يمثله ويدافع عن حقوقه ويرفع شعاراته .. انشق التوأم بفعل افراط وتفريط وحماسة وغلو وتطرف المحبين الى نصفين ليفارق الحياة من فوره بينما حصل كل فريق على زعيمه ليقيم له متحفا يضم جثمانه المسجى داخل صندوق زجاجي مفرغ من الهواء فضلا على عدد من مقتنياته وصوره وأوسمته وكؤوسه وشهاداته وميدالياته .. لم يكن الأمر غريبا ولا استثنائيا في التاريخ البشري ذاك أن الزعماء الديماغوجيين والقادة الدوغماتيين الراحلين في أوج قوتهم ،وفي قمة عطائهم وبنظر العوام أشد إلهاما من الزعماء الأحياء المعرضين للتغيير ، للتحول الفجائي،للانقلاب على المبادىء ، للنقد الذاتي ، للمراجعات الفكرية ، للتملص من المنهج ،للنكوص وقلب ظهر المجن للاتباع مقابل التحالف مع الخصوم والاعداء، للمرض المُفسد ، للشيخوخة الثورية المُجهزة ، للهزال الايديولوجي، لفقدان الذاكرة العقائدية ،للجبن الميداني، للزهايمر الفكري ، للهرم المُفَنِد ، للعقم الفكري ، والكل يعتقد جازما بأن الملهم الميت إلا أنه الحي في الذاكرة الجمعية لهو خير مليار مرة من ملهم حي يعيش بين ظهرانيهم إلا أنه ميت سريريا بعد أن تحول الى مجرد ذكرى مهزوزة في عقولهم ، والى حب قديم ما لبث أن توارى بريقه في وجدانهم ليخفت صيته في رؤوسهم ،ويتلاشى عبقه من قلوبهم .

حكمة القدر…!غيداء شمسان غوبر
حكمة القدر…!غيداء شمسان غوبر

ساحة التحرير

timeمنذ 18 ساعات

  • ساحة التحرير

حكمة القدر…!غيداء شمسان غوبر

حكمة القدر…! غيداء شمسان غوبر* في مسرح الحياة الفسيح، حيث تتراقص الأقدار على إيقاع الزمن، وحيث تلقي الأيام بظلالها المتغيرة على أرواحنا، نجد أنفسنا تارة في غياهب الحزن العميق، كليل سرمدي لا يبدو له آخر، وتارة أخرى نحلق في سماء الفرح المشرق، كشمس لا نرجو لها أفولا. نعايش هذه التناقضات بكل جوارحنا، نقاوم الأولى بكل ما أوتينا من قوة، ونمسك بالثانية بكل ما نملك من شغف، ظانين أن كل حال هو قدرنا الأبدي. ولكن، سرعان ما تدركنا حقيقة كونية لا مفر منها، حقيقة تعيد ترتيب أولوياتنا وتعيد صياغة فهمنا للوجود: أن كل شيء في هذه الدنيا لا يدوم. فالحزن، مهما طال ليله واشتدت عتمته، لا بد أن ينقشع. هو كغيمة عابرة، تظلل الروح لفترة، ثم تنجلي لتفسح المجال لشمس الأمل. وكم من قلب ظن أن حزنه سيلازمه إلى الأبد، فإذا بالقدر يفاجئه بفجر جديد، يبدد ظلام اليأس ويعيد للفؤاد نبض الحياة. وكذلك الفرح، تلك اللحظات الساحرة التي نحاول أن نخلدها في ذاكرتنا، ونمسك بها بقوة خشية أن تتلاشى. هو كزهرة يانعة، تبهج العين وتعطر الأجواء، لكنها حتما ستذبل لتفسح المجال لغيرها. إن إدراك أن الفرح لا يدوم ليس دعوة لليأس أو لعدم الاستمتاع به، بل هو دعوة لتقديره، لعيشه بكل تفاصيله، لاستلهام قوته قبل أن يرحل، ولفهم أن قيمته تكمن في عابريته. هنا يتدخل القدر، تلك اليد الخفية التي تدبر الأمور بحكمة بالغة، وتقلب الأحوال بإرادة لا تقهر. القدر ليس قيدا يكبلنا، بل هو مسار يرسم لأجلنا، لنتعلم منه، لننمو به، لندرك أن وراء كل حزن حكمة، ووراء كل فرح شكرا. هو الذي يعلمنا أن دوام الحال من المحال، وأن التغيير هو سنة الكون التي لا تتوقف. وفي خضم هذا التغير الدائم، يبرز التفاؤل كشعلة تضيء الدروب المعتمة، وكمرساة تثبت السفن في بحر التقلبات. التفاؤل ليس غفلة عن واقع الحزن، ولا هو إنكار لمرارة الفقد، بل هو إيمان عميق بأن بعد كل عسر يسرا، وبأن بعد كل ليل فجرا. هو القدرة على رؤية النور في نهاية النفق، هو اليقين بأن الله لا يخذل عباده، وبأن رحمته وسعت كل شيء. التفاؤل هو فهم أن 'لا يدوم' تنطبق على الحزن كما تنطبق على الفرح، وأن القدر يخبئ لنا دائما ما هو خير، حتى وإن بدا لنا في لحظته شرا. فيا أيها السائر في دروب الحياة، لا تيأس حين يطبق عليك الحزن، واعلم أنه لا يدوم. ولا تتمسك بالفرح بشدة تنسيك حقيقة عابريته، بل اشكره واستمتع به. وثق بالقدر الذي يدبر أمرك بحكمة، واجعل التفاؤل رفيق دربك، فإنه مفتاح الصبر، وبوابة الأمل، ونور اليقين في عالم لا يثبت فيه شيء إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام. #اتحاد_كاتبات_اليمن ‎2025-‎05-‎30

آلاء النجار :أعظم تضحية وأصدق فداء!غيداء شمسان غوبر
آلاء النجار :أعظم تضحية وأصدق فداء!غيداء شمسان غوبر

ساحة التحرير

timeمنذ 3 أيام

  • ساحة التحرير

آلاء النجار :أعظم تضحية وأصدق فداء!غيداء شمسان غوبر

آلاء النجار :أعظم تضحية وأصدق فداء! غيداء شمسان غوبر* في مشهد يتجاوز حدود الفهم البشري، ويحطم كل معاني الصبر والإنسانية، حيث تتهاوى الجبال أمام هول الفاجعة، وتصعق الأرواح بمرارة الفقد… هناك، في قلب غزة النازفة، وفي خضم إبادة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، تسجل صفحات الألم أسطورة جديدة، بطلتها امرأة تجاوزت كل حدود الصبر البشري. إنها الدكتورة آلاء النجار، التي كانت تداوي الجراح وتعيد الأمل، فإذا بالقدر يضعها أمام امتحان لا تطيقه الجبال الرواسي. لقد استقبلت جثامين أطفالها التسعة، فلذات أكبادها، أشلاء صغيرة، براءة ملوثة بالدم، زهورًا قطفت قبل أوانها. هنا، تتوقف الكلمات، وتخرس الألسنة، ويطرح السؤال الذي يمزق الوجدان: عن أي قلب نتحدث؟! وعن أي وجع نبكي؟! أي قلب هذا الذي يستقبل تسعة أكباد، تسعة أرواح، تسعة أحلام، تسعة أجزاء من روحه، مسجاة أمامه، هامدة، باردة، بعد أن كانت تضج بالحياة والدفء؟ هل هو قلب من صخر لا يتصدع؟ أم من فولاذ لا ينكسر؟ أم هو قلب نسج من نور الإيمان، وتغذى بيقين مطلق بقضاء الله وقدره؟ إنها ليست مجرد امرأة، بل هي تجسيد لفلسطين كلها، لغزة التي تذبح كل يوم، وتقدم فلذات أكبادها قربانا على مذبح الحرية والكرامة. إنها أعظم تضحية تقدمها أم في سبيل قضية، وأصدق فداء يسجله التاريخ بمداد من دم، يحرج به ضمائر العالم أجمع. بعد ستين ألف شهيد، وبعد ما يقارب العامين على العدوان والحصار الصهيوني المستمر على غزة، في مشهد يدمي القلب ويشعل الغضب… حدث ما لم يكن في الحسبان، أو ما كان يجب أن يكون في الحسبان منذ البداية. انتفضت الشعوب الغربية، تلك التي توصف بـ'الكافرة' في أدبياتنا، غضبا في وجه حكوماتها الداعمة للكيان الصهيوني المجرم خرجت الملايين إلى الشوارع، رفعت صوتها عاليا، طالبت بوقف الإبادة، ونددت بالظلم، متجاوزة كل خطوط التضليل الإعلامي والضغط السياسي. لقد تحركت ضمائرهم، بفطرة إنسانية نقية، أمام هول الجريمة التي تجسدت في قلب تلك الأم المكلومة. ليبقى السؤال معلقا كشاهد على عار لا يمحى، كوصمة خجل على جبين أمة: كم يجب على الكيان الصهيوني أن يقتل من أهل غزة؟ وكم المدة التي يجب أن يستمر في عدوانه وحصاره لغزة حتى تفكر الشعوب العربية (المسلمة) في التعبير عن غضبها ومطالبة حكامها بمساندة غزة وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني..؟! يا للمفارقة المرة! دماء غزاوية تسفك بغزارة، وأشلاء أطفال تنتشل من تحت الركام، ومساجد تدمر، ومستشفيات تقصف، وحصار يطبق الخناق على شعب أعزل كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من شعوب تعلن إسلامها، وتردد شعارات العروبة، بينما تفضل الصمت، أو تقيدها قيود من حديد، أو تعميها مصالح زائفة هل باتت دماء أطفال غزة أرخص من صمتكم؟ هل أصبحت كرامة الأقصى أهون من مصالحكم؟ هل غابت عنكم آيات القرآن التي تأمر بالجهاد في سبيل الله، وبنصرة المستضعفين، وبالبراءة من أعداء الدين؟ إن الصمت اليوم ليس حيادا، إنه تواطؤ. إنه خذلان لإخوان يذبحون، ووصمة عار على جبين كل من يملك القدرة على الفعل ويفضل السكون. التاريخ لن يرحم، والأجيال القادمة لن تغفر. كل قطرة دم تسفك هناك هي لعنة تلاحق كل من صمت، وكل بيت يدمر هو شاهد على تقاعس من كان بوسعه أن يقدم يد العون. لكن، لا تزال الفرصة سانحة لإعادة كتابة التاريخ، لإعادة إحياء الضمائر. لتكن هذه الدماء، دماء أطفال تلك الطبيبة الصامدة، وقودا لصحوة شاملة، لتكن هذه الانتهاكات شرارة لثورة كرامة لا تبقي ولا تذر. المقاطعة سلاح، الكلمة موقف، الوحدة قوة، والدعاء نصر. فلسطين تستصرخكم، وغزة تناشدكم، لا بالمال وحده، بل بالموقف، بالضغط، بالتحرك، بإعلان البراءة من أعداء الله، وبالوقوف صفا واحدا في وجه الظلم. يا شعوب العالم العربي والإسلامي، إن غزة اليوم هي ميزان الضمائر، هي الاختبار الحقيقي لإيمانكم وإنسانيتكم فهل من مجيب لنداء الدم؟ هل من صحوة لضمائر طال سباتها؟ إن النصر لغزة قادم بإذن الله، بصمود أهلها، وبإسناد الأحرار من كل مكان فهل ستكونون جزءا من هذا النصر، أم ستسجلون في صفحات الخذلان؟ #اتحاد_كاتبات_اليمن ‎2025-‎05-‎28

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store