
ما بعد الجينوم.. سيادة البيانات الحيوية
بعد أن قطعت المملكة شوطًا كبيرًا في مشاريع الجينوم وتحليل البيانات الحيوية، وبدأت ملامح البنية التحتية الوطنية تتشكل، يبرز سؤال استراتيجي يحمل بين طياته عمق المرحلة القادمة: ماذا بعد؟ إن التحدي اليوم هو في الانتقال من مرحلة جمع البيانات إلى مرحلة تسخيرها لخدمة الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي للمملكة، وتحويلها إلى أدوات سيادية تصنع الفرق في حاضر الوطن ومستقبله.
السيادة البيولوجية ليست مصطلحًا نظريًا يُضاف إلى قواميس المصطلحات المتخصصة، بل هي مسار استراتيجي يعكس قدرة الدولة على إنتاج وتوظيف المعرفة البيولوجية محليًا، بمواردها البشرية والتقنية والتشريعية، بما يخدم مصالحها الوطنية. فكما بلغنا مستويات متقدمة من السيادة في مجالي الطاقة والمياه، فإنه من المهم ان نسعي لتحقيق ذات المستوى في السيادة البيولوجية، و ذلك لضمان التحكم في قطاعات مهمه كالصحة والزراعة.
تمثل البيانات الجينية التي نمتلكها اليوم ثروة وطنية، لكنها لا تؤتي ثمارها إلا إذا أُحسن توظيفها لخدمة الفرد والمجتمع. فمن خلال استخدام هذه البيانات في تصميم أدوية تتوافق مع الخصائص الوراثية للسكان، أو في تطوير سلالات حيوانية تتلاءم مع بيئتنا واحتياجاتنا الغذائية، يتحول الجينوم إلى أداة سيادية. وعلى سبيل المثال، حين يُنفذ تحليل جيني شامل لسلالات الماشية المحلية، ومن ثم تُبنى عليه برامج تربية تستهدف صفات وراثية بعينها، أو تطوير لقاحات مخصصة، فإن ذلك يقود إلى تحسين الإنتاج ورفع المناعة. إذا تم تنفيذ كل ذلك عبر منصات وطنية فهذه هي السيادة البيولوجية، أي أنها في هذا المثال تتشكل في قدرة المملكة على تأمين مصادر اللحوم والألبان دون الاعتماد على أدوات خارجية.
رغم التقدم الكبير، لا تزال هناك فجوة بين امتلاك البيانات الحيوية واستثمارها. هناك أنشطة تحليل جينومي محلية من خلال برامج حكومية وأكاديمية متقدمة، لكن مازال هناك اعتماد كبير على منصات التحليل الخارجية. هذا الواقع قد يقود إلى تسرب هذه البيانات واستغلالها في تحليل فجوات واحتياجات السوق المحلي، مما يمنح جهات خارجية ميزة تنافسية تتيح لها تطوير منتجات وخدمات مصممة خصيصًا لتلبية تلك الاحتياجات، ثم تسويقها لنا لاحقًا. وبهذا الشكل، لا يقتصر الضرر على فقدان السيطرة على البيانات، بل يشمل أيضًا تسرب القيمة العلمية والاقتصادية منها إلى الخارج، مما يحرمنا من فرص الابتكار المحلي ويعيق التحول الصناعي المعرفي.
ولسد هذه الفجوة، لا بد من إطلاق خارطة طريق وطنية للسيادة البيولوجية، تبدأ بتطوير منصات تحليل محلية قادرة على قراءة هذه البيانات وتفسيرها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتأسيس بنوك بيانات حيوية تُصمم وتُدار ضمن البنية السيبرانية الوطنية، وتنتهي بمراكز تصنيع حيوي قادرة على تحويل البيانات إلى منتج سواء كان دواء أو لقاح أو سلالة أو حتى سياسة عامة. كما أن أي مشروع من هذا النوع يتطلب ركيزة أخلاقية وتنظيمية متينة. إن تحديد صلاحيات استخدام البيانات الحيوية في إطار أولوياتنا، ووضع تشريعات تحمي خصوصيتها، وتمنع استغلالها خارج نطاق الإرادة الوطنية، هو ما يجعل هذه الثورة العلمية ذات مضمون سيادي، ورسالة تنموية.
إن السيادة البيولوجية تتطلب تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الجينات من مادة علمية إلى أداة للتغيير. وهي ليست خيارًا مستقبليًا، بل ضرورة آنية توجب التعاون بين الباحث والمشرّع، بين المزارع والمستثمر، بين المواطن والدولة، ففي الجينوم لا نجد فقط أسرار الإنسان، بل نلمح فيه أيضًا ملامح مستقبله، ومفاتيح أمنه وازدهاره.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 35 دقائق
- صحيفة سبق
"المسند": اليوم يودّع الربيع.. وغدًا أطول نهار في العام مع دخول فصل الصيف فلكيًّا
أوضح أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقًا، الدكتور عبدالله المسند، أن اليوم يُعد آخر أيام فصل الربيع لهذا العام، والذي استمر لمدة 92 يومًا و17 ساعة. وبيّن أن يوم غدٍ السبت، 21 يونيو، يشهد بمشيئة الله بداية فصل الصيف فلكيًّا، فيما يُعرف بـ"الانقلاب الصيفي"، حيث تتعامد الشمس تمامًا على مدار السرطان. وتكون الأرض في هذا الوقت في أبعد نقطة نسبية عن الشمس، وتصل المسافة بينهما إلى نحو 152,400,000 كيلومتر. وأشار المسند إلى أن يوم غدٍ أيضًا يُسجل أطول نهار في السنة، وأقصر ليل في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وسيمتد فصل الصيف هذا العام لمدة 93 يومًا و15 ساعة، حتى موعد الاعتدال الخريفي بإذن الله. وفي سياق متصل، أضاف المسند أن اليوم يصادف دخول طالع "الدبران" بحسب التقويم النجمي المعروف بـ"الأنواء"، ويُعرف في منطقة نجد باسم "التويبع"، لأنه يتبع طالع "الثريا". ويُعد نجم الدبران من النجوم النيرة المائلة إلى الحمرة، ويبعد عن الأرض نحو 65 سنة ضوئية، ويقع ضمن برج الثور. ويستمر ظهوره في السماء لمدة 13 يومًا. واستشهد المسند بمقولة تراثية تصف سمات هذا الطالع، جاء فيها: "إذا طلع الدبران، يبست الغدران، وتوقدت الحزان، وكرهت النيران، واستعرت الذبان"، في إشارة إلى اشتداد درجات الحرارة، وجفاف المياه السطحية، وازدياد نشاط الحشرات في هذه الفترة.


مجلة سيدتي
منذ 2 ساعات
- مجلة سيدتي
السعودية تشهد بداية الصيف وأطول نهار في السنة غداً.. إليكم التفاصيل
تستقبل سماء السعودية وبقية النصف الشمالي من الكرة الأرضية يوم غد السبت 21 يونيو 2025، الانقلاب الصيفي في تمام الـ5:42 صباحًا حسب التوقيت المحلي، وستكون الشمس عمودية تمامًا فوق مدار السرطان، لتعلن عن بداية فصل الصيف فلكيًا والمقرر أن يستمر خلال العام الجاري لمدة 93 يومًا و15 ساعة و37 دقيقة. وحسب ما كشف عنه رئيس الجمعية الفلكية بجدة المهندس ماجد أبوزاهرة، فإن الشمس تشرق يوم غد السبت من أقصى الشمال الشرقي وتغرب في أقصى الشمال الغربي، وسيظهر الظل للأشياء أقصر عند الظهر خلال السنة، في حين يأخذ مسار الشمس الظاهري أعلى قوس له نحو الشمال ما يجعلها في أعلى ارتفاع لها في السماء خلال العام خاصة في المناطق الواقعة شمال خط الاستواء. بداية فصل الصيف بالسعودية وأكد "أبوزاهرة" رئيس الجمعية الفلكية بجدة على أن سبب حدوث الانقلاب الصيفي وصول الشمس ظاهرياً إلى أقصى نقطة شمالية في السماء، تزامنًا مع وصول الأرض إلى موضع في مدارها يكون فيه محورها مائلاً بأقصى زاوية 23.5 درجة نحو الشمس ما يتسبب في أطول نهار وأقصر ليل خلال السنة في نصف الكرة الشمالي. وبالنظر لنصف الكرة الأرضي الجنوبي نجد الوضع معكوسًا تمامًا، حيث يطول الليل ويقصر النهار، المدهش فلكيًا، أن الانقلاب الصيفي لا يحدث في نفس التوقيت كل عام، بل يتراوح موعده بين 20 إلى 22 يونيو، بسبب الفرق بين السنة التقويمية المتعارف عليها 365 يومًا، والسنة المدارية والتي تفرق عنها بتقدير بسيط والتي تقدر بـ 365.2422 يوماً. الجدير بالذكر، أن يوم الانقلاب الصيفي هو الأطول مقارنة بباقي أيام السنة من حيث عدد ساعات سطوع الشمس، ولكنه ليس بالضرورة الأكثر حرارة، ويرجح العلماء أن السبب في ذلك يعود إلى أن المحيطات واليابسة والغلاف الجوي تستغرق وقتاً لامتصاص وتخزين ثم إعادة إطلاق الطاقة الشمسية، ويوضح أبوزاهرة أن موعد الاعتدال الخريفي سيوافق 22 سبتمبر المقبل. اختلاف توقيت بداية الصيف كل عام ويرجع سبب اختلاف توقيت بداية الصيف كل عام أيضًا لتأثيرات الجاذبية من القمر والكواكب وكذلك التذبذب البسيط في دوران الأرض ويتم التعويض عنها بإضافة يوم كبيس كل أربع سنوات. وحسب ما أعلن رئيس الجمعية الفلكية بجدة، فإن هناك فرق بين الصيف الفلكي والصيف المناخي، ويوضح علماء الأرصاد أن الصيف ممتداً من 1 يونيو إلى 31 أغسطس، بينما يختلف علماء الفلك في موعد بداية الصيف والذي يحدث عندما تصل الشمس إلى أقصى ارتفاع لها أي يوم الانقلاب الصيفي. الجدير بالذكر أن علماء اليونان القدماء وأبرزهم إراتوستينس، استعانوا بالملاحظات المتعلقة برصد يوم الانقلاب الصيفي لحساب محيط الأرض بدقة مذهلة مستخدمين مبادئ هندسية بسيطة فقط.


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
غدًا السبت.. دخول الصيف بنجم التويبع.. فيه يشتد الحر وتنشط الحشرات
يودّع نصف الكرة الشمالي اليوم فصل الربيع بعد أن امتد هذا العام لمدة 92 يومًا و17 ساعة، ليبدأ غدًا السبت 21 يونيو فصل الصيف فلكيًا، بحسب حركة الشمس الظاهرية، حيث تتعامد أشعتها تمامًا على مدار السرطان، وتبلغ الأرض أبعد نقطة نسبية عن الشمس. وبحسب أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقًا، الدكتور عبدالله المسند، فإن يوم غد يُعد الأطول نهارًا والأقصر ليلًا في السنة، ويستمر فصل الصيف لهذا العام لمدة 93 يومًا و15 ساعة، حتى يحين موعد الاعتدال الخريفي في 22 سبتمبر المقبل. ويتزامن هذا التغير الفصلي مع دخول نجم 'الدبران' في التقويم النجمي، والذي يُعرف في نجد باسم 'التويبع' لأنه يتبع 'الثريا'، والدبران نجم لامع مائل إلى الحمرة يمتد ظهوره 13 يومًا، وتُشير الموروثات الشعبية إلى أنه علامة على اشتداد القيظ وجفاف المياه السطحية وزيادة نشاط الحشرات، إذ يُقال: 'إذا طلع الدبران، يبست الغدران، وتوقدت الحزان، وكرهت النيران، واستعرت الذبان.' مما يعكس واقع الأجواء الحارة التي ترافق بداية الصيف في الجزيرة العربية والمناطق المجاورة.