
اسماعيل الشلهوب يكتب .. عندما عُزفت 'عايدة' في قلب قناة السويس
في لحظة تاريخية راقية جمعت بين عراقة الحضارة المصرية وسحر الدبلوماسية العُمانية، عبر السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- قناة السويس على متن يخته السلطاني "آل سعيد"، في مشهدٍ مهيب استقبله فيه الرئيس المصري الراحل محمد حسني مُبارك.
لم يكن عبورًا مائيًا فحسب، بل عبورًا فنيًا وثقافيًا عابرًا للزمن، حين عزفت الفرقة الموسيقية السلطانية الخاصة معزوفة "موكب النصر" من أوبرا "عايدة"، في دلالة ذكية على ربط الحاضر بروعة الماضي، والاحتفال بمجدٍ بُعث من جديد.
في تلك الأمسية، لم تكن الأنغام التي انبعثت من سطح اليخت مجرد موسيقى كلاسيكية. كانت رسالة حضارية مشبعة برمزية الزمان والمكان، أراد من خلالها السلطان قابوس، الرجل الذي امتزجت في شخصيته الحكمة الشرقية والذوق الأوروبي الرفيع، أن يُحيي ذكرى لحظة خالدة من تاريخ مصر العظيم، حين افتُتحت قناة السويس في 17 نوفمبر 1869، في عهد الخديوي إسماعيل، الذي كان يتوق لتحويل مصر إلى قطعة من أوروبا؛ بل الأجمل، حضارةً وفنًا.
كان الخديوي إسماعيل قد دعا ملوك وأمراء أوروبا وغيرهم لحضور افتتاح القناة، ذلك الإنجاز الهندسي العظيم الذي ربط البحرين الأحمر والمتوسط، وأعاد تشكيل خريطة التجارة العالمية. وفي أوج الاحتفالات، أراد إسماعيل أن يقدم للعالم تحفة فنية تليق بمصر، فكلّف الموسيقار الإيطالي الشهير جوزيبي فيردي بتأليف أوبرا خاصة تُعرض في دار الأوبرا الخديوية الجديدة بالقاهرة. وهكذا وُلدت أوبرا "عايدة". اقرأ أيضاً
ورغم نية الخديوي عرض "عايدة" في حفل افتتاح قناة السويس، حالت الحرب الفرنسية البروسية دون إيصال الأزياء والديكورات من باريس في الوقت المناسب. فتم تأجيل العرض، وبدلًا من "عايدة"، قُدمت أوبرا "ريغوليتّو" في افتتاح دار الأوبرا. أما "عايدة"، فقد رأت النور لاحقًا، في 24 ديسمبر 1871، بعرضٍ مهيب في القاهرة، لتصبح واحدة من أشهر الأعمال الأوبرالية في التاريخ.
الموسيقار جوزيبي فيردي (1813- 1901)، الذي يعد أحد أعمدة الفن الأوبرالي الإيطالي، صاغ موسيقى "عايدة" بحس درامي مرهف؛ حيث تداخلت المشاعر الوطنية بالحب، والفخر بالانتصار. وكانت معزوفة 'موكب النصر' (Triumphal March)، التي عُزفت في ذلك العشاء السلطاني العُماني المصري، ذروةً موسيقيةً تعبّر عن النصر المصري في سياق القصة، لكنها أيضًا تعبير فني خالد عن المجد الحضاري والأهم، وإذا كانت هذه المعزوفة التاريخية صُمِّمَت بمناسبة افتتاح الأوبرا الخديوية، فهل سبق للتاريخ أن يسجل عزفها في القناة ذاتها من قبل؟
كلمات من المجد الأوبرالي:
في أجواء الموكب، تُنشد الجوقة:
المجد لمصر، ولإيزيس // التي تحمي هذه الأرض المقدسة
تتماهى هذه الكلمات مع روح اللحظة التي صنعها السلطان قابوس؛ فليس من قبيل المصادفة أن تُعزف هذه المقطوعة في قلب قناة السويس، ذات الشريان الذي مثّل لمصر وللعالم بوابةً إلى الحداثة والانفتاح منذ القرن التاسع عشر.
عُمان ومصر: لحنٌ من التقدير المتبادل
اختيار "عايدة" من قبل السلطان قابوس- طيب الله ثراه- لم يكن مجرد ترفٍ موسيقي؛ بل كان فعلًا دبلوماسيًا ذا طابع ثقافي عميق، يعكس الفهم العميق للعلاقات بين الشعوب، واحترامًا صامتًا للذاكرة التاريخية المصرية؛ فالسلطان الراحل كان معروفًا بذائقته الرفيعة وعشقه للفنون الكلاسيكية، وقد جمع في هذه اللحظة بين فخامة التاريخ وسلاسة الدبلوماسية، في مشهد من أسمى صور القوة الناعمة.
لقد عبر يخت "آل سعيد" مياه القناة مزهوًا بمجد لا يُقاس بالأمتار أو البحار؛ بل بالمعاني. كانت معزوفة 'موكب النصر' في تلك الليلة أكثر من موسيقى، كانت صدى لذاكرة مصر، وهديّة مُفعمة بالتقدير من سلطنة تعرف قيمة التاريخ وصوت الفن وتقديرًا مُشرِّفًا لمصر العراقة والتاريخ قاطرة الأمة التي يبقى فيها وبها أمل الأمة المُتجدد، كما أحيت الأمل دومًا في معترك التاريخ ومفاصله الوجودية للأمة مثالًا بعين جالوت وما قبلها وما بعدها، وإني على يقين أنَّ رايات النصر في مصر معكوفة إلى وقتها وإن نُشِرَت، سيدور التاريخ إلى مركزه، حينها ستفرح الأمة بنصر الله.. وعسى أن يكون قريبًا.
Page 2

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة الفجر
منذ 34 دقائق
- بوابة الفجر
"داليا البحيري ترد بحدة على منتقديها: دع الخلق للخالق.. وربنا أعلم بالقلوب"
خرجت الفنانة داليا البحيري عن صمتها، ووجّهت رسالة قوية لمنتقديها عبر مقطع فيديو نشرته على حسابها الرسمي بموقع "إنستجرام"، بعد تكرار التعليقات السلبية التي تطالبها بارتداء الحجاب أو اعتزال الفن. وقالت البحيري في الفيديو: "طول عمري بحب أنزل حاجات إيجابية، لأن الناس مش ناقصة طاقة سلبية، لكن الحقيقة مش قادرة أسكت على كمية قلة الذوق اللي بشوفها". وسخرت الفنانة من البعض قائلة: "اللي مش عاجبه محتواي ليه بيضيع وقته؟! اعمل أنفولو، نام، أو حتى مارس التأمل، ده أنفعلك. ولو ست، ربي عيالك أحسن ما تكتبيلي تعليق سلبي". وردّت على من يطالبها بالحجاب بقولها: "انتوا مالكم؟ دع الخلق للخالق. ممكن اللي مش لابسة حجاب تكون عند ربنا أحسن من ناس كتير.. الله لا يسيئك، بص في ورقتك". واختتمت حديثها برسالة مؤثرة: "ممكن في ناس بتعمل حاجات في السر تقربهم من ربنا أكتر بكتير من ناس بتتكلم عنه علنًا، ومحدش يقدر يحكم على حد من شكله".


نافذة على العالم
منذ 2 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار مصر : مأساة أم أحمد.. ابنها ترك المنزل منذ 19 عاما ومازالت تحلم بلقائه
الاثنين 26 مايو 2025 02:00 صباحاً نافذة على العالم - استضاف الإعلامي د. عمرو الليثي في فقرة إنسانية خاصة أم تبحث عن ابنها الغائب منذ 19 عامًا، بعد ما ترك البيت بسبب مشكلة مع والده. وتحدثت عن معاناتها بسبب فراق ابنها قائلة: حدثت مشكلة بينه وبين والده وهي مشكلة بسيطة تحدث في كل البيوت. وابني أحمد كان يحافظ على جسمه ويلعب كمال أجسام، ولكنه يومًا تجمع مع عدد من الشباب ووجدناه يشرب سجائر. فغضب والده منه وحدثت مشادة وبسببها خرج أحمد من البيت ولم يعد من 19 عامًا. وأضافت خلال حلولها ضيفة ببرنامج واحد من الناس: 'حزنت بشدة بسبب غياب أحمد ولم أستطع أن أكمل حياتي مع زوجي وانفصلت، كما توفيت أمي بسبب حزنها على أحمد، وعشت حياتي كلها أبحث عنه وأسأل عليه وأتمنى من الله أن ألقاه'. وعرض البرنامج صورة لابنه أحمد تم التقاطها من 19 عامًا. وأوضحت والدته أنها سافرت إلى العديد من المحافظات منها القاهرة والجيزة، وذهبت إلى مشرحة زينهم نسأل عليه ولم تجده. وأشارت إلى أنه خرج من مدينة بني مزار من محافظة المنيا من 19 عامًا ولم تجده ، وما زالت أبحث عنه. واختتمت: 'هناك من أكد لي في منطقة السيدة زينب أنه رآه وذهبت إلى هناك ولكن لم أجده حتى الآن'.


النبأ
منذ 2 ساعات
- النبأ
وفاة والد السيناريست إياد صالح وهذا موعد ومكان تشييع الجنازة
أعلن السيناريست إياد صالح، وفاة والده عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». وفاة والد السيناريست إياد صالح وهذا موعد ومكان تشييع الجنازة ودوَّن «صالح»، منشورًا قال فيه: "إنا لله وإنا إليه راجعون.. انتقل إلى رحمة الله تعالى والدي الأستاذ صالح يوسف شرف الدين.. صلاة الجنازة اليوم الإثنين بعد صلاة الظهر بمسجد مصطفى محمود بالمهندسين". تجدر الإشارة إلى، أن السيناريست إياد صالح شارك في كتابة مسلسل «الاختيار 3.. القرار»، الذي عرض ضمن الموسم الرمضاني 2022.