logo
القديس «دي لا سال»... في فرير شبرا

القديس «دي لا سال»... في فرير شبرا

الاقباط اليوممنذ 4 ساعات

بقلم فاطمة ناعوت
رجلٌ من أنبل رجال العالم، آمن بأن التعليمَ حقٌّ أصيل لأطفال الفقراء قبل الأغنياء. القديس يوحنا دى لا سال، أحد رجال القرن السابع عشر، الراهبُ الذى وضع حجر الأساس لأول نظام تعليمى حديث ومجانى، رغم انحداره من أسرة أرستقراطية فرنسية نبيلة، إلا أنه آمن بأن العلم حقٌّ طبيعى ومقدس للإنسان كالماء والهواء.
لم يزر مصرَ أبدًا، لكن له أياديَ بيضاءَ نبيلةً على مصرَ أجيالًا فى إثر أجيال. ورغم عدم زيارته المحروسة؛ إلا أن حضوره طاغٍ فى مدرسة فرير سان بول شبرا التى نحتفل اليوم بإشعال شمعتها رقم 135.
بمجرد أن تخطو قدمُك حديقة المدرسة، سوف يصافحُك تمثالُ رجلٍ نحيل، على وجهه سيماءُ الزهد، وفى عينيه تستشفُّ الحنوَّ الذى دعاه للانتصار لحقّ أبناء الفقراء، ليس فى التعليم
المجانى وحسب، بل فى التعليم الرفيع، ليكون العلمُ عونًا لهم على مواجهة الحياة، ودرعًا واقيًا يحميهم من الوقوع فى الزلل. كوّن هذا الراهبُ مجموعةً من رجال التعليم الذين آمنوا
برسالته النبيلة فى حق الفقراء فى التعليم؛ وأطلق عليهم: الإخوة أو Les Frres، لكى يؤسسوا صروحًا تعليمية لا تغلقُ أبوابها فى وجه الفقير، مستمرٌ عطاؤها؛ رغم مرور ثلاثة قرون على رحيله عن عالمنا.
فعل هذا فى زمنٍ كانت الأميةُ فيه منتشرة، والتعليمُ حكرًا على أبناء النبلاء والأثرياء من ذوى الياقات العالية فى أوروبا ق.17، فكان سابقًا ومواكبًا لعصر التنوير الأوروبى. ولأن النورَ لا يعرفُ التشرنقَ
والانغلاق؛ بل ينتشرُ رغم أنف الظلام ويهزمه، انتشر فكرُه الإصلاحى فى جميع أرجاء العالم حتى وصل مصرَ، وتأسست أولى مدارسهم الراقية فى الإسكندرية عام 1888، ثم فرير سان بول شبرا عام 1889 التى احتفلنا بعيد
ميلادها الخامس والثلاثين بعد المائة فى حفلٍ حاشدٍ أنيق، حضره محافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، ونخبة من قادة مدارس الفرير والمؤسسين ورجالات التعليم والثقافة، وكذلك بعض الرموز ممن تعلّموا على
مقاعد هذه المدرسة العريقة مثل اللواء أ.ح. محب حبشي محافظ بورسعيد، الذى ألقى عبر بثٍّ تليفزيونى كلمةً مؤثرة عن مدرسته وذكرياته فيها؛ وذكر أن إدارة المدرسة النبيلة أعفته من مصاريف الدراسة فى أحد
أعوام الحرب؛ لأن والده كان مقاتلًا فى القوات المسلحة.. ما يؤكد أننا لم نكن نحتفل بمرور الزمن على جدران هذا الصرح التعليمى العريق، بل نقف فى حضرة فكرة، وشهادة حبٍّ لرجل آمن بأن التعليم رسالة إنسانية وتحضّر.
وخلال كلمة جميلة ألقاها مديرُ المدرسة مسيو هانى وديع، تكلّم عن تاريخ القديس دى لا سال المشرق، الذى أنار جنبات مصر بالتعليم الوازن خلال مدارس الفرير التى أخرجت لمصرَ أجيالًا من
المتحضرين علمًا وخلقًا. فإلى جانب التعليم الممتاز، تحرص مدارس الفرير الديلاسالية على تدريب أبنائها على العمل التطوعى والخدمى والمجتمعى، حتى تكتمل الشخصية الإنسانية النبيلة التى
تؤمن بأن خدمة الآخرين فرضُ عينٍ على كل إنسان، لكى يكون إنسانًا. ولهذا أطلقت فرير سان بول شبرا مشروع نافذة على الحياة، وهو منصة واقعية يُمنح الطلابُ فيها فرصة الإبحار فى تجارب من
تجاوزوا محيط الفصل الدراسى، للتعلم من قادتهم، وفتح نوافذ تُطلُّ على الحياة الحقيقية بكل تفاصيلها. إنه تكريم للفكر الديلاسالى فى إقامة جسرٍ بين التعليم النظرى والعالم الواقعى الذى يمنحهم المعرفة العملية.
مازلتُ أذكر كلمةً ألقاها المهندس إبراهيم محلب، أحد أعظم رؤساء مجالس الوزراء المصريين، قال فيها إنه بعد توفيق الله تعالى، يدينُ لمدرسة الفرير دى لا سال تعلّمه الانضباط والالتزام والوطنية، إلى جوار القيم والأخلاق والصدق والتسامح،
فضلًا عن التعليم الرفيع وإتقان اللغات الأجنبية، ما فتح أمامه آفاقًا ممتازة. ومن تلك المدرسة تخرَّج زعماءُ آخرون مثل: إسماعيل باشا صدقى، عبد الفتاح باشا يحيى، مصطفى باشا فهمى، ممدوح سالم، المهندس طارق الملا، والدكتور عصمت عبد المجيد وغيرهم.
فى وطنٍ طيّب الأثر كــ مصر، لا تُقاس المؤسسات التعليمية بعدد مقاعدها، بل بما تغرسه فى العقول من بذور النور، وفى النفوس من كرامة، وفى القلوب من رحمة. شكرًا لجميع حاملى المشاعل
فى مدارس الفرير، وشكرًا للمسيو هانى وديع، الرجل الذى جمع بين الانضباط الفرنسى والروح المصرية البسيطة، فحافظ على هوية المدرسة وجعلها واحةً للعلم وسط زحام التشويه والتسليع،
حاملًا المشعلَ الذى تسلّمه من أسلافه قادة فرير سان بول شبرا، التى ليست مجرد صرحٍ أكاديميٍّ عظيم، بل صفحة من تاريخ مصر الثقافى المشرق. كل عام وهى إحدى منارات العلم فى مصر الطيبة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل يُستَحبُّ شرعًا الصوم في شهر الله المحرم.. الإفتاء توضح
هل يُستَحبُّ شرعًا الصوم في شهر الله المحرم.. الإفتاء توضح

مصرس

timeمنذ 44 دقائق

  • مصرس

هل يُستَحبُّ شرعًا الصوم في شهر الله المحرم.. الإفتاء توضح

قالت دار الإفتاء المصرية إن يُستَحبُّ شرعًا الصوم في شهر الله المحرم في أوله وفي وسطه وفي آخره؛ لما رواه أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ» أخرجه مسلم. اقرأ أيضاً| في غُرة شهر المحرم .. تعرف على فضل الشهر العظيموأضافت "من أراد صيام شهر المحرم كاملًا فلا حرج عليه؛ لأن الصيام فيه مندوب، وكذا بقية الأشهر الحرم، وأفضلها المحرّم؛ وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ» أخرجه مسلم.تابعت " ينبغي للمسلم الإكثار من فعل الخيرات وترك المنكرات خاصة في أيام الأشهر الحُرُم التي اختصها الله تعالى بالفضلِ والشرف والنفحات، فجعل زمانها سلامًا واجبًا وأمانًا لازمًا؛ ومخالفة ذلك توقع الإنسان في ظلم نفسه في مثل هذه الأيام المباركات التي قال الله فيها: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: 36].ذكرت " القول بأن بداية العام ليست من الأعياد فلا تصح التهنئة به هو قول مردود؛ لأن التهنئة لا تقتصر على الأعياد فقط، فهي مشروعة عند حصول النِّعم، وذهاب النِقَم، ولا يخفى ما في بداية العام من تجدُّد نعمة الحياة على كل إنسان، ثم إن بداية العام تتكرر؛ فهي عيدٌ في المعنى، وأهل اللغة يسمون كل ما يعود "عيدًا".

د.محمود شلبي يجيب عن أداء دَين الميت في"بريد الإسلام"
د.محمود شلبي يجيب عن أداء دَين الميت في"بريد الإسلام"

بوابة ماسبيرو

timeمنذ ساعة واحدة

  • بوابة ماسبيرو

د.محمود شلبي يجيب عن أداء دَين الميت في"بريد الإسلام"

ورد إلى برنامج (بريد الإسلام) رسالة من مستمع يقول فيها: تُوفي قريب وقبل صلاة الجنازة قلت للمصلين من كان له دين على المتوفى فأنا كفيل به، فقام أحد الأشخاص يطلب دينا فأعطيته فهل هذا جائز وهل تبرأ ذمة المُتوفّى؟ أجاب محمود شلبي أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أنه من المقرر شرعًا أن الديون المالية من أهم الحقوق فلا تزال ذمة المدين مشغولة بها حتى بعد موته؛ لذلك حثت الأدلة الشرعية على قضاء الدين والتخلص منه قبل الموت أو أن يبرئه الدائن، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. يقول ابن الأثير قوله"معلقة بدينه" أي أنها تطالبه بما تخلف عليه من الدين ومؤاخذة به في الآخرة بعد الموت إلى أن يوفي ما عليه من دين. وتابع حديثه ببرنامج (بريد الإسلام) قائلًا إنه إذا توفي شخص وعليه دين فإن كان له تركة تفي بسداد الدين سدد منها عند التمكن من السداد حتى تبرأ ذمته، أما إذا لم يكن له تركة أو تعذر سداد دينه من تركته لكون الورثة غير قادرين على التصرف فيها لوجود خلافات فى هذه الحالة استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل بها غيره إبراء لذمته؛ وذلك لما أخرجه الإمام البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقالَ: هلْ عليه مِن دَيْنٍ؟، قالوا: لَا، فَصَلَّى عليه، ثُمَّ أُتِيَ بجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقالَ: هلْ عليه مِن دَيْنٍ؟، قالوا: نَعَمْ، قالَ هل ترك شيئا قالوا ثلاثة دنانير فصلى عليها ثم أُتي بالثالثة فقالوا صلى عليها فقال هل ترك شئ قالوا عليه ثلاثة دنانير، قالَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يا رَسولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عليه. وأوضح شلبي أن التكفل بدين الميت سواء كان من أقاربه أم لا جائز شرعًا ولا حرج فيه وهو من الأعمال الصالحة التي يمكن القيام بها للميت والتى ينتفع بها، وبناء على ذلك فإن ما قام به السائل من قضاء دين قريبه أثناء صلاة الجنازة عليه تصرف صحيح شرعا وهو من الإحسان إليه والوفاء بحقه وفك رهانه وإبراء ذمته، ويثاب السائل الجزاء والثواب على أداء دين المتوفى. برنامج (بريد الإسلام) يذاع عبر إذاعة القرآن الكريم يوميا تقديم فؤاد حسان.

«مهران»: الهجرة النبوية درس عظيم في «التخطيط والتسليم»
«مهران»: الهجرة النبوية درس عظيم في «التخطيط والتسليم»

بوابة الأهرام

timeمنذ ساعة واحدة

  • بوابة الأهرام

«مهران»: الهجرة النبوية درس عظيم في «التخطيط والتسليم»

محمد حشمت أبوالقاسم أكد الداعية عمرو مهران أن الهجرة النبوية الشريفة تمثل واحدة من أعظم المحطات الفارقة في التاريخ الإسلامي، ليس فقط لكونها انتقالًا من مكة إلى المدينة، بل لأنها كانت تحولًا عظيمًا في مسار الدعوة من مرحلة الاضطهاد إلى مرحلة التمكين والبناء. موضوعات مقترحة وشدّد مهران، خلال احتفالية قناة الناس، بالعام الهجري الجديد، اليوم الخميس، على أن أبرز ما يتجلى في الهجرة هو الربط العميق بين حسن التخطيط، وكمال التوكل، قائلًا: "النبي ﷺ في أكبر انتقال دعوي في تاريخ الإسلام، لم يترك شيئًا للصدفة. خطط بدقة، خبّأ سيدنا علي مكانه، دخل على أبي بكر من ظهر البيت، واختار دليلًا غير مسلم للطريق، وسلك دربًا عكسيًا تمامًا للهجرة المتوقعة، ثم سلّم قلبه لله وقال: لا تحزن إن الله معنا". وأشار إلى أن هذا المزج الفريد بين العمل البشري المنظم، والتسليم الكامل لقدَر الله، هو الدرس الذي تحتاجه الأمة اليوم في مواجهة أزماتها، مضيفًا: "كل شيء كان مرتبًا في رحلة الهجرة، ورغم ذلك حين وصل سُراقة بن مالك إلى النبي، أوقفه الله وحده دون سلاح، ليعلمنا أن القوة الحقيقة ليست فيما نملكه، بل فيمن نتوكل عليه". وفي جانب آخر، تطرق الداعية عمرو مهران إلى درس التضحية، مشيرًا إلى أن الصحابة الكرام قدّموا أروع نماذج الفداء، قائلًا: "سيدنا صهيب الرومي تَرك ثروته الهائلة في مكة، وقال: خذوها كلها، فقط دعوني ألحق بالنبي، فقال له ﷺ: ربح البيع أبا يحيى". وأوضح أن جوهر التضحية لا يُقاس بالمقدار بل بالنية والغاية، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الناس اليوم يظنون أن التنازل عن شيء بسيط هو تضحية، بينما الصحابة ضحوا ببيوتهم وأموالهم بل وأنفسهم، فقط من أجل هدف واحد: "نصرة الدين وبناء المجتمع المؤمن". وأكد مهران أن الهدف الأعظم الذي كان يُلهِم الصحابة هو الجنة، وكانوا يرون رضا الله غايةً تستحق كل تضحيات الدنيا. وأضاف: "النبي في بيعة العقبة، لما سأله الأنصار: وما لنا إن فعلنا ذلك؟ قال: الجنة ولم يزد، كانت رؤيتهم واضحة، وعقيدتهم راسخة، وكانوا يعيشون لأجل المعنى لا المادة." ودعا الشباب إلى استلهام هذه القيم في حياتهم: "الهجرة تعلمنا أن نُجيد التخطيط، وأن لا نحصر حياتنا في المكاسب اللحظية، وأن نؤمن أن التضحية في سبيل غاية عظيمة تخلق إنسانًا عظيمًا، وأمةً لا تُقهر".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store