logo
الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل

الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل

لكم٢٣-٠٤-٢٠٢٥

باعتبار وضعي ككاتب مغربي، وكائن لغويٌّ تشكّل وجدانه بين دفّات الكتب الورقية، وسُقيتُ من حبر المطابع كما تسقى الأرض بماء الغيمات … أجدني، اليوم، في زمن رقمي يعيد تشكيل الجُملة والمعنى، أطرح سؤالًا مؤرقًا في يومٍ نحتفل فيه بالكتاب الورقي: إلى أين تسير صناعة النشر؟ هل الورق يحتضر؟ وهل الرقمي سينقذ الكلمة من المآل الباهت في المستقبل القريب؟
كنتُ، وما زلت، أفتتح صباحاتي الرائقة بفنجان قهوة على صوت انفتاح دفة الغلاف، وبملمس الصفحات الذي يذكّرني بشغاف الذاكرة. لكنني لا أستطيع أن أنكر أن الشاشة باتت تتسلل إلى لغتي، منذ عقدين من الزمن وتفرض إيقاعها السريع، وتجعل من القراءة تجربة عابرة لا تقيم طويلًا في وجدان القارئ. فالكتاب الرقمي، على الرغم من سهولة الوصول إليه، يعاني من نَفَسٍ قصير في أعين القرّاء، كما لو أنه وجبةٌ سريعة تفتقر إلى نكهة الطبخ البطيء الذي يُتقنه الورق.
لقد شهدت أوروبا وأمريكا، في العقدين الأخيرين، انفجارًا حقيقيًا في سوق النشر الرقمي. ففي تقرير صادر عن جمعية الناشرين الأمريكيين عام 2023، بلغت عائدات الكتب الإلكترونية ما يقارب 1.1 مليار دولار، مقارنة بـ1.9 مليار دولار للكتب الورقية. أما في بريطانيا، فتمثل الكتب الرقمية حوالي 30٪ من إجمالي سوق الكتاب. ومع ذلك، ورغم هذه الأرقام الواعدة، لم تزل الهيئات الثقافية العربية تُعامل الكتاب الرقمي كما يُعامل الغريب في الوليمة، يُرحَّب به لفظًا ويُقصى فعلاً.
لقد حضرتُ معرض الرباط الدولي للكتاب مرّات عديدة، وتجولت بين أجنحته كما يتجول نَسّاك المعابد بين صوامعهم. لكنني، في كل مرة، كنت ألاحظ الغياب الفادح للكتاب الرقمي، ليس فقط في أروقة العرض، بل في البرمجة الثقافية أيضًا. فلا ندوات تناقش تحولات النشر الرقمي، إلا نادرا جدا ولا منصات تحتفي بالمؤلفين الإلكترونيين، وكأنّ الكتاب الرقمي لا يُعَدّ من 'أهل الكتاب'.
لماذا هذا التهميش إذن ؟ أهو خوف من المجهول؟ أم نوع من التقديس الأعمى للورق؟ في حين أن دور النشر الغربية تجاوزت هذا التردد منذ ربع قرن، وأنشأت منظومات متكاملة لتوزيع الكتب الرقمية وترويجها، بل وأوجدت منصّات تحقق أرباحًا ضخمة للمؤلفين المستقلين، مثل 'أمازون كيندل للنشر المباشر'، التي تُتيح للكاتب نسبة أرباح قد تصل إلى 70٪ من سعر البيع.
لقد تراجعت تجارة الكتاب الورقي في العالم العربي بنسبة مقلقة. في المغرب، على سبيل المثال، تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد النسخ المطبوعة لمعظم الكتب لا يتجاوز الألف نسخة، تُباع منها بضع مئات فقط، وتنام البقية في المستودعات كما تنام الأساطير القديمة في كهوف مظلمة. لقد أصبحت المكتبات التجارية تبيع المصنفات التراثية للزينة أكثر مما تبيع الكتب، وأضحى الكتاب ترفًا في زمن الضروريات والكماليات.
لكن هل يعني هذا أن الرقمي هو الخلاص؟ لا ليس ذلك بالطبع.
إن الكتاب الإلكتروني يملك مميزات يصعب إنكارها: خفة في الحمل، سهولة في التوزيع، تكلفة منخفضة، وإمكانية التفاعل عبر الصوت والصورة والفيديو. لكنه، في المقابل، يفتقر إلى تلك الحميمية التي تربط القارئ بالورق، وتُشعره بأنه يعيش داخل الكتاب لا خارجه.
كما أن الكتاب الرقمي لا يزال يواجه تحدياتٍ تتعلق بالقرصنة، وانخفاض القيمة الرمزية، وغياب التشريعات التي تحمي حقوق المؤلف في العديد من الدول العربية. أضف إلى ذلك أن غياب البنية التحتية الرقمية لدى معظم دور النشر المغربية جعل من عملية الانتقال إلى النشر الإلكتروني عملية بطيئة، وعشوائية في أحيان كثيرة.
الجواب ليس في التكنولوجيا وحدها، بل في بناء ثقافة رقمية متكاملة حيث يجب إنشاء منصات مغربية مستقلة تتيح للكتّاب نشر كتبهم وبيعها إلكترونيًا، وأن تواكب الدولة هذا التوجه عبر تحفيزات ضريبية، وبرامج تكوين، وحماية قانونية للحقوق الرقمية.
كما ينبغي تعزيز التعاون مع شركات دولية متخصصة في ترويج الكتب الرقمية، وربطها بالمكتبات الجامعية والمدارس، حتى لا يبقى الكتاب الإلكتروني حبيس الهواتف الذكية فقط، بل شريكًا فعليًا في الفعل البيداغوجي والتربوي والمعرفي.
في هذا اليوم العالمي للكتاب، لا أملك إجابة يقينية. لكنني، ككاتب مغربي، أؤمن بأن الكتاب ـ سواء وُلد من رحم الورق أو من رحم الشيفرة ـ سيبقى ابني الروحي، وصوتي العابر للزمن والمكان. ما نحتاجه ليس أن نختار بين الورقي والرقمي، بل أن نعيد التفكير في معنى 'القراءة' في زمنٍ يضجّ بالصور، ونُعيد ترتيب علاقتنا بالمعرفة في عالمٍ بات فيه النسيان أسرع من الطباعة.
لعل قصدية الكتاب، في النهاية، ليس شكله، بل أثره في من يقرأه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تيليغرام يعلن عن مسابقة قيمتها 50 ألف دولار لصانعي المحتوي
تيليغرام يعلن عن مسابقة قيمتها 50 ألف دولار لصانعي المحتوي

المغرب اليوم

timeمنذ 7 ساعات

  • المغرب اليوم

تيليغرام يعلن عن مسابقة قيمتها 50 ألف دولار لصانعي المحتوي

جولة أخرى من المنافسة المثيرة بين تيليجرام و واتساب ، وقد ينتهي الأمر بشخص ما بحصوله على 50 ألف دولار إضافية في حسابه المصرفي إذا فاز في أحدث مسابقة التي أعلنت عنها منصة تيلجرام حديثًا. وتقوم هذه المسابقة الموجهة إلى منشئ المحتوى، والتي تطالب المتسابق بإنشاء مقطع فيديو فيروسي يكشف كيف أن تيليجرام كان دائمًا متقدمًا بسنوات على نسخته الرخيصة واتساب . ومن جانبه أكد بافيل دوروف، المدير التنفيذي ومؤسس تيليجرام، أن المنصة خصصت حوالي 50 ألف دولار مقابل هذه الفيديو، موضحًا بأن المسابقة تأتي ردًا على التقارير التي تفيد بأن واتساب انخرط في حملات تشويه تستهدف تيليجرام. ويقول المنظمون إن الحملة الجديدة تهدف إلى زيادة الوعي بين مستخدمي واتساب، والذين قد لا يكون الكثير منهم على دراية بأن الميزات التي يعتمدون عليها كانت رائدة في تيليجرام قبل سنوات. ولمساعدة المشاركين، شاركت تيليجرام قائمة تضم 30 ميزة بارزة قدمتها أولاً - وتم تنفيذها جميعًا لاحقًا بواسطة واتساب القائمة ليست شاملة ولا تتضمن العديد من ميزات تيليجرام التي لا يزال ليس لها مثيل على WhatsApp. تصل قيمة جائزة المسابقة إلى 50 ألف دولار، والموعد النهائي للتقدم اليها سيكون الموافق من 26 مايو 2025، ويمكن للجميع المشاركة وسيتم الإعلان عن النتائج في شهر يونيو المقبل. شروط المسابقة ونصت المسابقة على حزمة من الشروط أهمها يجب أن تكون جميع النصوص على الشاشة والمحتوى المنطوق باللغة الإنجليزية، ويجب ألا يتجاوز الفيديو 180 ثانية (أي ثلاث دقائق، ويُسمح باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي كمساعدة تكميلية وستقوم عملية التقييم باختيار مقاطع الفيديو التي تحصل على درجات عالية من الوضوح والتأثير البصري وإمكانية تحويلها إلى ميم وانتشارها، كما يقول المنظمون يجب أن يكون الفيديو مناسبًا للمنصات مثل Tik-Tok وIG Reels وYouTube Shorts والمزيد.

استقالة رئيسة "سي بي إس نيوز" وسط تصاعد التوتر مع ترامب
استقالة رئيسة "سي بي إس نيوز" وسط تصاعد التوتر مع ترامب

المغرب اليوم

timeمنذ 16 ساعات

  • المغرب اليوم

استقالة رئيسة "سي بي إس نيوز" وسط تصاعد التوتر مع ترامب

فقدت شبكة "سي بي إس نيوز" الأميركية شخصية بارزة جديدة في ظل نزاعها المستمر مع الرئيس دونالد ترامب. فقد أعلنت الرئيسة التنفيذية للشبكة، ويندي ماكماهون، استقالتها الاثنين، حسب ما أفادت عدة وسائل إعلام أميركية نقلاً عن مذكرة داخلية وُجهت إلى الموظفين. ووصفت ماكماهون، في المذكرة، الأشهر الماضية بأنها كانت "صعبة"، وفق تقرير في صحيفة "واشنطن بوست". كما أشارت إلى أنه بات من الواضح وجود تباين في الرؤى بينها وبين الشركة بشأن التوجه المستقبلي للمؤسسة الإعلامية. يذكر أن بيل أوينز، المنتج التنفيذي لبرنامج "60 دقيقة" الشهير، كان غادر "سي بي إس نيوز" الشهر الماضي، بعد أن رفع ترامب دعوى قضائية بمليار دولار ضد البرنامج الإخباري. ويتهم ترامب برنامج "60 دقيقة" بالتلاعب في تحرير مقابلة مع كامالا هاريس ، منافسته الديمقراطية في حملة الانتخابات الرئاسية العام الماضي، "ما أدى إلى التأثير على مشاعر الناخبين"، وفق قوله.فيما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن محامين يشككون في فرص نجاح هذه الدعوى. إلا أن شاري ريدستون، المساهم المسيطر في الشركة الأم لشبكة "سي بي إس نيوز"، وهي "باراماونت جلوبال"، لا تزال تسعى للتوصل إلى تسوية مع الرئيس. وقد يكون ذلك مرتبطاً أيضاً بخطط اندماج شركة "باراماونت" مع "سكاي دانس ميديا"، وهو اتفاق بمليارات الدولارات لا يزال بانتظار موافقة السلطات، حسب وكالة أسوشييتد برس. قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

صفاء سلطان تتّهم فارس اسكندر بتهديدها بالقتل وتطالبه بمليون دولار
صفاء سلطان تتّهم فارس اسكندر بتهديدها بالقتل وتطالبه بمليون دولار

المغرب اليوم

timeمنذ 2 أيام

  • المغرب اليوم

صفاء سلطان تتّهم فارس اسكندر بتهديدها بالقتل وتطالبه بمليون دولار

أعلنت الفنانة الأردنية صفاء سلطان تقدّمها ببلاغ ضد كاتب الأغاني اللبناني فارس إسكندر، تتّهمه فيه بالطعن بشرفها والتحريض عليها والتهديد بقتلها، مطالبةً إياه بتعويض مادي يبلغ مليون دولار أميركي. ونشرت الممثلة المقيمة في سوريا، عبر حسابها على موقع "فيسبوك" صور أوراق الدعوى التي تقدّمت بها إلى القضاء اللبناني، مع التعليق: "انتهى زمن السكوت عن الحق، لأنه عندما سكت أهل الحق عن الباطل توهّم أهل الباطل أنهم على حق". وأضافت: "تقدّمت بتاريخ اليوم الواقع فيه 15/5/2025 بواسطة وكيلي القانوني المحامي محمد جواد الشيخ بشكوى جزائية ضد مَن تطاول واعتدى وافترى زوراً على كرامتي وشرفي وسمعتي واتّهمني باتهامات باطلة جملة وتفصيلاً والقضاء هو الفيصل بيننا...". وكان فارس اسكندر قد وصف صفاء سلطان، واسمها الحقيقي صفاء الجوابرة، بأنها "جارية المخلوعين" و"فتاة ليل". يُذكر أن الأزمة بدأت عندما رفض فارس إسكندر في إحدى مقابلاته التلفزيونية تشبيه والدته وأخواته بالفنانات، مستخدماً تعبير: "عيب علينا"، مع الإشارة الى فكرة الانحطاط الأخلاقي وانعدام العفّة والشرف في الوسط الفني، بحسب تعبيره. واتّهم اسكندر الفنانات بإقامة العلاقات وتلبية رغبات العديد من رجال الأعمال في بداية مشوارهن الفني، مؤكداً أن أي فنانة لن تستطيع الوصول الى الشهرة والأضواء من دون تقديم تنازلات. واستنكرت سلطان تصريحات اسكندر قائلةً: "لا أحترمه، وأنا أصلاً مستغربة كيف حبيبة قلبي رابعة سمحت له يكمل كلامه، يعني ما بتمشي لا زوجها ولا أبوها، يعني إذا هو مشي معنا بيمشي الحال؟". وأضافت: "عيب عليه، عيب نحن بنات عالم وناس لما نكون فنانات وممثلات، شلون يعني ما بتمشي أمورنا إلا إذا... عيب، عم يحكي بعرضنا بهالسهولة، وبدّك نقول له وجهة نظرك، لأ، هيدي مش وجهة نظر، هيدي قلّة أدب". وردّ اسكندر مرة أخرى: "أكتر حدا زعجوا كلامي، هو أكتر حدا قدّم تنازلات بالوسط الفني، والأخت الفاضلة قدّمت تنازلات كتير وما وصلت لمحل. أصلاً مش معروف هي شو، فنانة أو مطربة، مذيعة أو ممثلة، فعادي تكون ردة فعلها هيك لأن قدّمت تنازلات وما وصلت لأي محل". وبيّن فارس اسكندر أن سبب وجود صفاء سلطان في الساحة الفنية، هو علاقتها الخاصة مع نجم "كبير" وفق ما وصفه، ما جعلها تقدّم بعض الأدوار، معلّقاً: "جيتي تعملي فيا شريفة مكّة، لولا مصاحبة فنان كبير ما حدا بيطلبك لأي عمل".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store