logo
العرافون من القبيلة إلى التليفزيون

العرافون من القبيلة إلى التليفزيون

اليوم٣١-١٢-٢٠٢٤

رغم التقدم العلمى، وارتفاع نسبة التعليم بين الناس، إلا أن مهنة «العراف» لا تزال تحظى بمكانة واضحة فى حياة الكثيرين. والمثير للدهشة أن جمهور العرافين لا يقتصر على الجهلة أو البسطاء فحسب، بل يمتد ليشمل المتعلمين أيضا! فهم يجدون سوقا بين المثقفين والمتعلمين، ويفتحون لأنفسهم مساحات واسعة فى وسائل الإعلام، على سبيل المثال، نجد إحدى العرافات تظهر فور انتشار خبر طلاق بين فنانين مشهورين، لتعلن أنها تنبأت بهذا الطلاق قبل وقوعه بفترة، ولكن بقليل من التفكير البسيط، يمكننا أن نستنتج أن الطلاق السريع أصبح ظاهرة منتشرة فى مجتمعنا، وخاصة فى الوسط الفنى، بسبب الطبيعة غير المستقرة لمواعيد العمل الفنى، وتعارض هذه المواعيد مع الالتزامات الأسرية، لذا، فإن توقع حدوث مثل هذا الأمر ليس بالأمر المعجز.
استمرار أى مهنة رغم التغيرات الاجتماعية دليل على رواجها، ومهنة العرافة ليست استثناء، حيث نجدها تظهر من وقت لآخر كظاهرة تتصدر المشهد وتجذب اهتمام الناس، بدءا من أبواب «حظك اليوم» فى الصحف والمجلات، وصولا إلى لقاءات العرافين على القنوات الفضائية، خصوصا فى أوقات معينة مثل نهاية العام، والمفارقة الساخرة أن تُستخدم وسائل تكنولوجية حديثة ومتطورة، كالتليفزيون أو الإنترنت، لترويج ممارسة قديمة ارتبطت بالمجتمعات البدائية أو المتأخرة.
إذا سألت خبراء التسويق عن أسباب استمرار رواج هذه المهنة، فسيخبرونك أن أى منتج يبقى مطلوبا طالما وجد احتياجا لدى المستهلكين له، والعرافون يدركون أن هناك احتياجا لدى الناس لمعرفة ما يخبئه لهم المستقبل، طبيعة الإنسان تجعله يسعى دائما إما لتحقيق منفعة أو لتجنب ضرر، وعندما يزداد الخوف من المستقبل، خصوصا فى أوقات الأزمات أو الأحداث المفاجئة مثل الحروب أو الأوبئة، يلجأ البعض إلى العرافين طلبا للطمأنينة.
العرافون استغلوا هذا الجانب النفسى لدى البشر لتحقيق مكاسب مادية وشهرة وانتشار واسع، أما فيما يخص «تحقق» بعض النبوءات، فهذا ليس دليلا على معرفة العراف بالمستقبل، بل يمكن أن يكون مجرد صدفة أو نتيجة لتحليل مسبق لبعض الظواهر. العبارة الشهيرة «كذب المنجمون ولو صدقوا» تلخص هذا الأمر، فحتى لو اتفق كلامهم مع الواقع، يظل ادعاؤهم بمعرفة الغيب كذبا.
أما من الناحية التاريخية، فإن مهنة العرافة قديمة جدا، ترجع جذورها إلى أولى المجتمعات البشرية، طبيعة الإنسان تدفعه دائما إلى السعى لتحقيق مكانة واحترام داخل مجتمعه، فبينما كسب البعض هذه المكانة من خلال العمل الشاق أو الشجاعة فى الحروب أو المهارة فى الصناعات، لجأ آخرون إلى طرق مختصرة، مثل العرافة، لتحقيق هذه المكانة، العرافون الأوائل كانوا يتمتعون بملاحظات دقيقة وربط ذكى بين الظواهر الطبيعية والأحداث، على سبيل المثال، إذا لاحظ أحدهم انخفاض طيران الطيور البحرية، توقع هطول الأمطار، هذه أمور تبدو اليوم بديهية ومستندة إلى العلم، لكنها فى عصور ما قبل التاريخ كانت تُعد قدرات خارقة.
مع تطور الحضارات، استمر دور العرافين والمنجمين لأنهم كانوا أذكياء بما يكفى لتطوير أدواتهم وأساليبهم، استفادوا من التقدم العلمي، خاصة علم الفلك، لتفسير الظواهر وربطها بمصائر البشر. على سبيل المثال، كانوا يربطون حركة الكواكب والنجوم بالظواهر الطبيعية والاجتماعية، ما أعطاهم مصداقية لدى الناس، ولأجل أن تكتمل «الحبكة»، يحيط العراف نفسه بطقوس وحركات مخيفة، أو ما يمكن وصفه بـ«إكسسوار أو ديكور الشغلانة»، ففى الحضارة البابلية القديمة، كان العرافون يذبحون أضحية للآلهة، ويخرجون كبدها وهو لا يزال دافئا، ويدعون أن كبد الأضحية يكتب لهم نبوءات بطريقة لا يعرفها سواهم.
والعرب قبل الإسلام، كان عرافوهم وكهنتهم يستخدمون لغة فيها سجع وألفاظ متناسقة وبليغة، يقدمون من خلالها نبوءاتهم وهو ما كان متماشيا مع طبيعة العرب الذين كانوا يعتبرون أن بلاغة القول قدرة خارقة، وفى منطقة سيبيريا فى روسيا، وكذلك فى وسط آسيا حيث تقع حاليا جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، كان الشامان يدعى اتصاله بقوى الطبيعة والأرواح، فكانت له ممارسات مثل التأمل لفترة طويلة، أو الصيام القاسى أو تعاطى بعض المواد المخدرة التى تدخله فى غيبوبة يقول خلالها نبوءاته التى يفسرها باتصاله بعالم الأرواح، وفى مصر فى واحة سيوة، كان تقوم معابد توصف بمعابد التنبؤات، ينام فيها من يدعى معرفة المستقبل ثم يعلن نبؤاته عند استيقاظه باعتبارها وحيا من الآلهة، وفى مصر القديمة كان العرافون بارعين جدا فى التلاعب النفسى، بمعنى أنهم كانوا يعتمدون أن من يصدقهم، تصديقه لهم سيؤثر على سلوكه بشكل يجعله يحقق النبوءة، فكان تحديدهم المسبق لأيام النحس يؤثر نفسيا فى المصدق لهم ويجعله غالبا يرتكب خطأ ما إذا خالفهم وقام بأى من الأعمال المحظور القيام بها فى هذه الأيام، وبالتالى سيؤكد صحة تحذيرهم.
واستخدم العرافون القدماء ملاحظة تزامن وتناسق بعض الوقائع والظروف، فلو تزامنت بعض حركات الكواكب مع وقوع ظواهر طبيعية تؤثر سلبا على جودة المحصول، فإن هذا سيعنى ارتفاع الأسعار وقلة الأقوات، هنا لا يحتاج العراف سوى لإعلان نبوءة عما هو متوقع فى مثل تلك الظروف من اضطرابات اجتماعية واقتصادية وأمنية واحتمال وقوع ثورات أو اندلاع حروب، حسب قراءته المشهد، ولو لاحظ كثرة الفئران فهذا قد يكون مؤشرا لظهور وباء خاصة الطاعون، وهكذا.
لكن المشكلة الحقيقية فى عصرنا الحالى ليست فى العرافين وحدهم، بل فى المجتمعات التى تستمر فى تصديقهم، الاعتماد على العرافين يغذى التواكل ويثنى الناس عن اتخاذ قرارات مبنية على العلم والمنطق، عبر التاريخ، أضفى الحكام الشرعية على حكمهم من خلال نبوءات كاذبة، كما استُخدمت العرافة كأداة للتأثير على الجماهير أو الأعداء. مثال على ذلك ما حدث فى الحرب العالمية الثانية، حين استغل وزير الدعاية النازى، جوزيف جوبلز، كتابات نوستراداموس للتأثير على معنويات الأعداء.
حتى فى عصرنا الحالى، تطور العرافون وأصبحوا يظهرون فى ثياب أنيقة، يستخدمون الأجهزة الحديثة ويظهرون بثقة العلماء. ولكن علينا أن ندرك أن تصديق مثل هذه الممارسات يعيق تقدم المجتمعات. فالإنسان يتعلم من أخطائه، والمجتمعات تتقدم من خلال التجربة والخطأ. إذا سعينا إلى حياة خالية من الأخطاء أو رفضنا احتمال الخطأ، فإننا نعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، ونسمح للخرافة أن تهيمن على العقل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قضية حديقة جيزي .. خالد أرغنتش يُحكم بالسجن مع وقف التنفيذ
قضية حديقة جيزي .. خالد أرغنتش يُحكم بالسجن مع وقف التنفيذ

ET بالعربي

timeمنذ 29 دقائق

  • ET بالعربي

قضية حديقة جيزي .. خالد أرغنتش يُحكم بالسجن مع وقف التنفيذ

في تطور لافت في قضية إحتجاجات حديقة جيزي التي هزّت تركيا عام 2013، يواجه خالد أرغنتش، المعروف بدوره في مسلسل "حريم السلطان"، اتهامات بالإدلاء بشهادة زور، مما قد يؤدي إلى حكم بالسجن يصل إلى أربع سنوات. إلى جانب خالد، أصدرت محكمة في إسطنبول أحكامًا بالسجن مع وقف التنفيذ لأكثر من عام على رضا كوجا أوغلو، بتهمة الإدلاء بشهادة زور في احتجاجات حديقة جيزي عام 2013. حكم بالسجن مع وقف التنفيذ على خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو ورُفعت دعوى شهادة الزور بعد استدعاء النيابة العامة للممثلين، لإجراء قضائي آخر يتعلق بوكيلة المواهب الشهيرة عائشة باريم، المُحتجزة منذ يناير/كانون الثاني بتهمة محاولة الإطاحة بالحكومة التركية. كما يُزعم أن باريم وجّهت الممثلين الذين تُمثلهم لدعم احتجاجات حديقة جيزي علنًا. وفي حُكمها الصادر في 23 مايو/أيار، حكمت المحكمة على أرغنتش بالسجن لمدة عام وعشرة أشهر، وعلى كوجا أوغلو بالسجن لمدة عام وثمانية أشهر. إلا أن المحكمة أرجأت النطق بالحكم، مما يعني عدم تنفيذ الأحكام إلا في حال ارتكاب الممثلين جريمة أخرى. الممثلان أنكرا تلك الإتهامات وطلبا التبرئة خلال الجلسة، وردًا على الحكم، تحدّى أرغنتش المحكمة، مُتسائلاً بما معناه : "إذاً أنت تقول إنني كذبت؟" أيضاً وبعد تذكير القاضي بإمكانية إستئناف القرار، ردّ أرغنتش قائلاً ما معناه: "سنستأنف". ووفقًا لمكتب المدعي العام، حافظت باريم على علاقات وثيقة مع شخصيات بارزة في حركة "جيزي" آنذاك، بمن فيهم رجل الأعمال عثمان كافالا والممثل محمد علي ألابورا. يُذكر أن باريم، التي أسست شركة ID Communication عام 2002، هي من أبرز الأسماء في صناعة التلفزيون والسينما والترفيه في تركيا، وهي تُدير مجموعة من المواهب المتميزة. شاهد تقرير سابق : السياسة تغير معالم الدراما في تركيا وكان أرغنتش، إلى جانب ريزا كوجا أوغلو، قد استُدعيا للإدلاء بشهادتهما كشهود في إطار تحقيقات تتعلق بمديرة المواهب آيشه باريم، التي تواجه اتهامات بمحاولة 'الإطاحة بحكومة الجمهورية التركية أو منعها من أداء مهامها'، وذلك بسبب دورها المزعوم في تنظيم الاحتجاجات. النيابة العامة في إسطنبول قدمت لائحة اتهام تطالب فيها بسجن أرغنتش وكوجا أوغلو لمدة تصل إلى أربع سنوات بتهمة تقديم شهادة كاذبة. يُذكر أن احتجاجات حديقة غيزي بدأت كمظاهرات بيئية ضد مشروع تطوير حضري في إسطنبول، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاجية واسعة النطاق ضد سياسات الحكومة، مما أدى إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن. هذه التطورات تأتي في سياق سلسلة من المحاكمات المثيرة للجدل التي طالت نشطاء وفنانين شاركوا في الاحتجاجات، مما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، التي اعتبرت هذه المحاكمات ذات دوافع سياسية تهدف إلى قمع حرية التعبير والتجمع في تركيا

بحضور عمرو دياب وأحمد السقا.. أسماء جلال تحتفل بعيد ميلادها
بحضور عمرو دياب وأحمد السقا.. أسماء جلال تحتفل بعيد ميلادها

ET بالعربي

timeمنذ ساعة واحدة

  • ET بالعربي

بحضور عمرو دياب وأحمد السقا.. أسماء جلال تحتفل بعيد ميلادها

تصدرت أسماء جلال الترند خلال الساعات الماضية، وذلك بعد حفل عيد ميلادها الذي وصفه العديد أنه أشبه بالمهرجانات السينمائية، وذلك بسبب حضور عدد كبير من الفنانين الذين حرصوا على الاحتفال مع أسماء بعيد ميلادها الــ 30. وكان في مقدمة الحضور عمرو دياب، وحرص عدد كبير من الفنانين على التقاط الصور معه، ولفت الأنظار أيضاً ظهور أحمد السقا، بعد يوم من إعلانه الطلاق من مها الصغير، كما حرص أيضاً على الحضور، كريم فهمي، أحمد زاهر، أمير شاهين، مصطفى غريب، مايان السيد، محمد حفظي، آسر ياسين، أحمد فهمي، علي ربيع، مريم الخشت، عمرو يوسف، نجلاء بدر، أحمد رزق وغيرهم من الفنانين الذين أخذوا صور تذكارية مع أسماء جلال. وشهد حفل عيد ميلاد أسماء جلال الكثير من الفقرات، فبدأ الحفل بخروجها من مجسم كيك عيد الميلاد على أنغام أغنية "بعد التحية" لعصام كاريكا، وبعدها قدم كريم أبو زيد أغنية "لون شعرك"، كما قدم فرقة ديسكو مصر عدد من الأغاني، قبل أن يختم حفل عيد الميلاد توليت، وحرصت أسماء على ارتداء قناعه الشهيرة والرقص معه على أغانيه. وعلى المستوى الفني، فتعيش أسماء جلال حالة من النشاط، فبعد نجاح الجزء الثاني من مسلسل "أشغال شقة 2"، تحضِّر لعدد من الأفلام، وأبرزها "السلم والتعبان 2" مع عمرو يوسف وظافر العابدين. كما تصور أسماء جلال حاليا أيضاً فيلم "إن غاب القط" مع آسر ياسين، بالإضافة إلى "شمس الزناتي" مع محمد إمام، كما انتهت مؤخراً من تصوير فيلم "فيها إيه يعني" مع ماجد الكدواني وغادة عادل.

بين التواضع والانكسار النبيل.. لغة الجسد تروى ما لم تنطق به الدكتورة نوال الدجوى
بين التواضع والانكسار النبيل.. لغة الجسد تروى ما لم تنطق به الدكتورة نوال الدجوى

اليوم السابع

timeمنذ 3 ساعات

  • اليوم السابع

بين التواضع والانكسار النبيل.. لغة الجسد تروى ما لم تنطق به الدكتورة نوال الدجوى

لحظة ظهور الدكتورة نوال الدجوي، رائدة التعليم الخاص في مصر ومؤسسة جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب (MSA)، اتسمت بالمشاعر الصادقة والتقدير العميق من من حولها، خطفت خلالها الأنظار خاصة بعد الأزمة الأخيرة التي عانت منها بسبب أحفادها وما بينهم من خلافات. لكن على الرغم من الأجواء الاحتفالية المليئة بالحفاوة من طلاب الجامعة ومجلس إدارتها، عكست لغة جسد الدكتورة نوال لحظة إنسانية خالصة، بدت فيها متأثرة ومتفاجئة، وكأنها لم تكن تتوقع هذا القدر من التقدير العلني من طلابها ومحبيها خاصة بعد تداول الانباء الأخيرة وأزمة الاموال التي سبب صراع عائلي بين أحفادها، وقد يكون ان حضورها للحفل جاء خاصة لتنظر لمن حولها وتشاهد في أعينهم كيف ينظرون اليها بعد ما حدث. حسب لغة الجسد، فقد أظهرت ملامح وجه "ماما نوال" تعبيرات مختلطة بين التأثر والانبهار، بينما عكست وضعية جسدها نوعًا من التردد والتواضع الشديد، فعلى الرغم من إحاطة عدد من الطالبات بها واحتضانهن لها بمحبة، إلا أن جسدها المائل قليلاً للخلف ويديها المضمومتين أظهرا شعورًا قويًا بالرهبة والتقدير العاطفي للحظة، في إشارة إلى شخصية متزنة لا تسعى للأضواء رغم ما قدمته من إنجازات يشهد لها العديد من أبناءها الطلاب. اللقطة التي ظهرت فيها الدكتورة نوال تعبر عن انعكاسًا رمزيًا لمسيرتها التي لطالما آمنت بأن التعليم هو المفتاح الحقيقي للتقدم. الدكتورة خلال الحفل الدكتورة نوال الدجوى أول ظهور للدكتورة نوال الدجوي بعد أزمة أحفادها الدكتورة نوال الدجوى تشاهد عرض الأزياء الدكتورة نوال الدجوى خلال الحفل الدكتورة خلال الحفل الدكتورة نوال الدجوى أول ظهور للدكتورة نوال الدجوي بعد أزمة أحفادها الدكتورة نوال الدجوى تشاهد عرض الأزياء الدكتورة نوال الدجوى خلال الحفل

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store