
الأستاذ الجامعي… بين جواز السفر العلمي وشرعية العطاء الأخلاقي
تاريخ النشر : 2025-06-12 - 01:04 pm
أ. د. اخليف الطراونة
في زمن تتكاثر فيه الأحاديث عن إصلاح التعليم العالي، وتتكرر الشعارات حول جودة المخرجات، نغفل أحيانًا عن جوهر المسألة: الإنسان الذي يقف في قاعة المحاضرات، وبين دفّتي الكتب، وفي قلب الأسئلة الفكرية العميقة… إنه الأستاذ الجامعي.
لقد وضع المفكر الجزائري البروفيسور ناصر الدين سعيدوني مقياسًا بالغ الدقة حين قال إن "قيمة الأستاذ الجامعي تقوم على ثلاثة معطيات، يخطئ من يحاول تجاوزها في حياته العلمية". وهي ليست مجرد شروط وظيفية أو تعليمات إدارية، بل منظومة وجودية تحدد ملامح الأستاذ الجامعي الحقيقي، وتفصل بينه وبين من ينكفئ إلى دور الموظف الذي ينتظر تقاعده بصمت.
أولًا: المؤهل العلمي… جواز السفر نحو المعنى
فلا مكان في رحاب التعليم العالي لمن لا يحمل من الشهادات ما يفتح له أبواب البحث والتحليل والتمحيص. المؤهل العلمي ليس ورقة جامدة، بل ثمرة لرحلة فكرية شاقة، واستحقاق أكاديمي يتيح لصاحبه الدخول إلى فضاء المعرفة بثقة. إنه بمثابة جواز سفر لا يمنح الأفضلية فحسب، بل يكسب حامله شرعية العمل الجامعي، التي لا غنى عنها في ساحات البحث والتعليم.
ثانيًا: الإنتاج الأكاديمي المتواصل… العطاء الذي لا ينضب
الأستاذ الجامعي الذي لا يكتب، لا يبحث، ولا يُجدد، يُشبه ورقة أرشيفية فقدت صلاحيتها، أو كما قال سعيدوني: "سُلّم مهترئ يتدرج عليه الطلبة". فالإنتاج العلمي المستمر ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية تضمن بقاء الأستاذ الجامعي فاعلًا ومؤثرًا. إنه الرافعة التي يُترجم بها العلم إلى واقع، والأداة التي يُعاد عبرها تشكيل الفكر في كل جيل.
ثالثًا: السلوك الأخلاقي… ميزان النزاهة والهيبة
وهنا يكمن جوهر الرسالة الجامعية. فالأستاذ لا تُقاس قيمته بما ينشر فحسب، بل بكيفية تعامله مع المعرفة والطلبة والزملاء. النزاهة، والتواضع، وصون الكرامة، هي دعائم الشخصية الأكاديمية، ولا يُمكن لأي مؤسسة تعليمية محترمة أن تستقيم دونها. فالسلوك الأخلاقي ليس مجرد فضيلة فردية، بل ركيزة أساسية لبناء الثقة المجتمعية في الجامعة، وفي من يمثلها.
من دون هذه الأعمدة الثلاثة، تتفكك صورة الأستاذ الجامعي، وتتحول الجامعة إلى هيكل أجوف، وتغدو القاعات الدراسية أماكن للرتابة لا للارتقاء. والأسوأ من ذلك، يتحول الأستاذ إلى مجرد موظف يُكرر ما اعتاد عليه، يترقب تقاعده كما لو أنه نهاية حتمية، بلا مشروع علمي، ولا أثر فكري، فيطويه النسيان كما تُطوى الأوراق المهملة.
في ضوء هذا التشخيص، يصبح من الضروري إعادة تقييم دور الأستاذ الجامعي، لا على أساس عدد الشهادات أو سنوات الخدمة فقط، بل وفق معيار مركب تتداخل فيه كفاءة المؤهل، واستمرارية العطاء، ونزاهة السلوك. فهذه هي المعادلة التي ترتقي بها الجامعات، وتزدهر بها المجتمعات.
إننا اليوم، في جامعاتنا العربية، مدعوون إلى إعادة الاعتبار لهذه القيم الجوهرية: أن ننتصر للعلم لا للمظاهر، وأن نعيد للأستاذ الجامعي مكانته كمفكر، ومربٍّ، وقائد رأي… لا كموظف يطرق باب التقاعد بيد، ويودّع الذاكرة بيد أخرى. ــ الراي
تابعو جهينة نيوز على
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
فوزية محمد عبدالكريم مسك (ام سامي) في ذمة الله
عمون - انتقلت إلى رحمة الله تعالى فوزية محمد عبدالكريم مسك (ام سامي) ارملة المرحوم يوسف محمد خليفة النسور وسيتم الصلاة عليها بعد صلاة الجمعة في مسجد الامير حمزة بعمان، والدفن في مقبرة العائلة في ام خروبة. وتقبل التعازي اليوم بعد الدفن وغدا بعد الساعة الرابعة في ديوان عشيرة النسور - السلط.


سواليف احمد الزعبي
منذ 2 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
إغلاق جسر الملك حسين
#سواليف أعلنت #إدارة_الجسور أنه جرى #إغلاق #جسر_الملك_حسين أمام حركة #المسافرين بعد إعلان إغلاقه من الجانب الآخر. مهيبة بمستخدمي الجسر وتوفيرا لجهدهم ووقتهم عدم التوجه للجسر ولحين إعلان إعادة فتحه أمام الحركة من جديد.

عمون
منذ 2 ساعات
- عمون
الحاجة عطاف فؤاد ابو سيف (ام سعيد) في ذمة الله
عمون - انتقلت إلى رحمة الله تعالى الحاجة عطاف فؤاد ابو سيف (ام سعيد) زوجة علي سعيد ابو رمضان ابو سعيد. ووالدة سعيد ومحمد وعلي وسعد وسيشيع جثمانها الطاهر، بعد صلاة الجمعة من مسجد زي الكبير تقبل التعازي في جمعية سلمة في جبل الزهور عمان إنا لله وإنا إليه راجعون