logo
بدل رفو ..و..آلام جلجامش .. آلام السيد المسيح .. وآلام زرادشت

بدل رفو ..و..آلام جلجامش .. آلام السيد المسيح .. وآلام زرادشت

إيطاليا تلغراف نشر في 9 يونيو 2025 الساعة 20 و 00 دقيقة
إيطاليا تلغراف
حاتم خاني
دهوك – كوردستان
رَبَتَ على كَتفي .. التفتُّ خلفي ، كانت عيناهُ تتوهَّجان خوفا من المجهول ،لَفتَ نظري بِنطاله الفَضفاضُ باللّون الخاكي العسكري تَنبعثُ منه رائحةُ التُّراب من صحراءُ العراق ،خرج الجانب الايمن من قميصه الخشن وتدلّى فوق بنطاله ليعكس إضطرابا يغلي في داخله ، صافحني بيده اليمنى ، وفي يده الاُخرى كانت سدارته العسكرية ملتفةٌ ثناياها .
كان من عادته عندما نلتقي في حديقة الشهداء في مدينة الموصل ان يأتي وفي جيبه قصاصات ورق وقد سطّر فيها بعض الابيات من اشعاره ، يتغنى بها أمامي وأنا أنصت لسلاسته في نظم القصيدة وحماسته الكبيرة في الإلقاء ثم يسألني عن جودتها فأُعطيه رأيي او إنتقادي لبعض الكلمات .
لاحت في افقي وذاكرتي بعض الأبيات من احدى قصائده
عيناها الماجدولينيتان
سلبتا مني عقلي
وانتزعتا قلبي من صدري
واصبحت هائما في ازقة مدينتي
اجوب دروبها الملتوية
لعلي اجد ذاتي
تركت تلك الذكريات وعدت الى حاضري ورحبت به ثم سألته وأنا أرى الحيرة بادية على وجهه :
ما بك يا بدل….
قال : لم اعد اطيق العيش بدون وطن
تلفتُّ يمينا وشمالا لأتأكد ان لا أحد يسمعنا ، ففي هذا الوقت من انتفاضة 1991 وفي مدينة الموصل التي تحسب على النظام ، كانت أي كلمة في السياسة تودي بصاحبها الى الهلاك ، فالنظام جريح بسبب الانتفاضة الشعبية في الشمال والجنوب ، والجريح خطر على الجميع ، وكنت قد رأيت بعيني كيف يزجون شباب مدينة الديوانية في مركبات الحمل لكي يقتادونهم الى الموت دون محاكمة ودون تفريق بين من شارك او لم يشارك في الانتفاضة .
قلت له : واين عساك تجد هذا الوطن
قال : سأرتحل وسأبحث عنه في كل مكان
ذلك اللقاء في مرآب وقوف مركبات النقل العمومي في مدينة الموصل كان آخر لقاء بيني وبين شاعر الاغتراب بدل رفو في تلك المدينة ، حيث تركها وفي قلبه وجع ، الم الفراق عن امه ووجع الابتعاد عن قلبه الذي سيتركه بين جنبات مدينته التي ثكلت بآلام زرادشت في الماضي وآلام السيد المسيح فيما بعد .
إرتحل هو ليبحثَ عن ما نسميه وطن ، وبقينا نحن نشهد ما يحل بالعراق من حروب ومآسي وحصار إقتصادي حتى جاء ألإحتلال الأميركي في 2003 لينتزع من بين ضلوعنا نظاما عاش على جريان دماء العراقيين في ترع هذا البلد وانهاره .
تمر السنون وبينما نشهد حُقَباً غريبةً تمر على بلادنا ونكتوي بضياع كرامة الانسان على يد الاحزاب الحاكمة والتي تَمُنّ علينا بكسرة الحرية الموجودة ، استقر هو في النمسا وفي مدينة غراتس ليتمتع بكرامته ويعيش في كَنفِ الحرية ويحصل على خصلة الإنسانية التي كنا وما نزال نفتقدها في أوطاننا وعاد لينظِّم القصائد ويعيد قصيدته التي القاها علي في حديقة الشهداء ولكن بصيغة جديدة :
عيناك المجدولتان
سلبتا قلبي
وبثتا الغربة في روحي
بوجودهما اشعر بالغربة
وبدونهما انا غريب .
مرت ثلاثة عقود ونيف حيث التقيته مجددا ، في دهوك في حي بروشكي في شهر ايلول سبتمبر من عام 2024، واستقبلني في شقته او بالاحرى في شقته المتحف ، حيث بدت شقته وكأنها متحف صغير جمع كل ما وقعت يده عليه في البلاد التي جابها والتي زارها وارتحل اليها ورحل منها ، هدايا ، صور ، ملصقات ، رسوم ، لوحات ، جداريات ، تحف ، زجاجيات ، دمى ، زخارف وصور على الاقمشة ، على السجاد ، وعلى الاخشاب ، كل ما يجب ان تحتويه المتاحف من منحوتات ، تذكارات من كل البلدان والمدن التي زارها . بالاضافة إلى الكتب ، وقد علقت في ذاكرتي منحوتة جميلة او تمثال لرأس الشاعر بدل رفو ، أعدَّها ونحتها صديقه النحات أرشد خلف وكذلك صورة لجيفارا ، اوقفتني للحظات وانا انظر اليها واستذكر كيف كانت سيرته ملهمة للشباب الثوري ايام زمان عندما كنا نقرأ ونتثقف ولم نكن ندرك حينها ان الثورات ما هي الا لعبة من العاب الامم الكبيرة .
تبادلنا اطراف الحديث وإستعدنا بعض الذكريات واسترقْتُ منه بعض الكلام عن أُسلوب حياته وقضاء أوقاته في مدينته غراتس في النمسا وعن أحواله وكيف يكتب ، وعن رحلاته والغرائب التي شاهدها او تلمسها في البلدان التي زارها وعن قصائده ثم خرجنا الى شوارع دهوك نتجول بين اسواقها . ونلتقي ببعض الاصدقاء ونتكلم عن البعض الاخر وعندما يتغلغل التعب في أجسامنا نستريح في مقهى طيار الشعبي .
بدا لي انه لا يشبه الكتّاب او الأُدباء الحاليين في بلدي فقد بدا شعبياً في إرتياده المطاعم والمقاهي الصغيرة وبسيطا في ملبسه ، متواضعا في سلوكه وإجتماعيا في تعامله وإختلاطه مع الاخرين ، وهذه هي الصفات التي كنا نقرأ عنها في الكتب فقط عن كتاب عصر النهضة وكيف ساهموا في تغيير عقول شعوبهم حتى بدأت تلك النهضة تمزق الاوهام والجهل الذي كان متمكنا من تلك الشعوب كما هو حال شعبنا نحن الان في بلداننا .
لم اجده يتَصَيّدُ السلوكيات الخاطئة للناس ويقارن الأوضاع الحالية في اوطاننا مع مثيلاتها في البلد الذي يعيش فيه كما يفعل معظم الكورد المهاجرين الذين يزورون الوطن ، وجدتُّه كثير الكلام حلو الحديث محللا المواضيع ، يُغنيها بآرائه ومنتقدا حالة واحدة مستمرة منذ التسعينات من القرن الماضي وهي الجمود الذي حل بالهيئات والمنظمات والنقابات والاتحادات الاجتماعية ومن بينها إتحاد أُدباء الكورد في دهوك مما انعكس سلبا على الثقافة العامة للمواطن وادى الى تراجع مخيف في فكر وثقافة هذا المواطن وخلق لديه نوع من الاستسلام والانقياد الخاضع لما تمليه عليه الجهات الفاعلة والمؤثرة على المجتمع .
كنت احب ان يجيبنى على سؤالي ، تُرى هل وجدَ ما ذهب للبحث عنه عندما تركني في عام 1991 في مرآب النقل ؟
قال لي رداً على تساؤلاتي : أشعرُ بالغربة كلما عدت الى الوطن ، وأشعرُ بمثلها في بلاد الغربة ، لم أجد الوطن ولكنني وجدت وطنا ، أرتحل الى كل مكان وأرتاد كل فضاء ، ولكنّي أشعر بانّي أُسافر الى لامكان .
يتألم عندما يتذكر الوطن ويتألم عندما يكتب عنه وعندما ينظّم الشّعر وحتى عندما يفكّر ، فقد أصبح الألم عنده ملازما لترحاله ، يتلبَّسَهُ نفس الفكر الذي حَمَله جلجامش عندما ترك المُلك وهام على وجهه يروم العثور على اللّا هوية .
أما الانسان فقد وجدت فيه عينان حزينتان وقسمات وجه حائرة وشرود في الذهن والعيش على الهامش عندما لا يستطيع تصنُّع السعادة أمامنا ، لم أجد لديه إحساس بأَنه كسب كل الذي ذهب للبحث عنه بل وجدتُّ كأنه فقد ما كان يملكه عندما كنا نلتقي في شوارع الموصل وحاراتها حيث الضحكات والابتسامات العفوية واحاسيس الحب التي حملتها قلوبنا اليافعة في حينها .
لم تنقذه طفولة الهند وزرقة شفشاون .. ولا حتّى كلماتُ شِعره الجّميل ، فكل ما قيل ويُقال بحقه لا تلبث ان تجف تلك الكلمات في شرايينه وأوردته سريعا قبل ان تصل الى القلب ، ويبقى قلبه خاويا جافا الا من مرارة الغربة التي يكرّرها في اشعاره وقصائده .
يهرب من اشعار الحب ليتجنب الخوض فيه فيصطدم بأشعار الوطن لتتعاظم الغربة فوق غربته ، فقد سرقوا الوطن منه كما سرقوا قبلها قلب حبيبته فلم يعد لشعر الوطن اوشعر حبيبته اي لذة او احساس سوى العدم الذي عثر عليه جلجامش…. فقد سرقت الافعى نبتة الشباب التي اراد ان يجتزء قسما منها له بعد غفوته .
دهوك 9 / 6 / 2025
إيطاليا تلغراف

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزارة العدل : ما تم تداوله في بعض المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي 'لا تخص على الإطلاق الأنظمة المعلوماتية التابعة لوزارة العدل'
وزارة العدل : ما تم تداوله في بعض المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي 'لا تخص على الإطلاق الأنظمة المعلوماتية التابعة لوزارة العدل'

حدث كم

timeمنذ ساعة واحدة

  • حدث كم

وزارة العدل : ما تم تداوله في بعض المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي 'لا تخص على الإطلاق الأنظمة المعلوماتية التابعة لوزارة العدل'

وزارة العدل : ما تم تداوله في بعض المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي 'لا تخص على الإطلاق الأنظمة المعلوماتية التابعة لوزارة العدل' على إثر ما تم تداوله في بعض المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي بخصوص تسريبات بيانات إلكترونية، وتفاديًا لكل لبس أو تأويل من شأنه إثارة القلق لدى المواطنين، اصدرت وزارة العدل بلاغا توضيحيا تؤكد من خلاله للرأي العام الوطني ما يلي: 1. إن المعطيات المتداولة لا تخص على الإطلاق الأنظمة المعلوماتية التابعة لوزارة العدل، ولا تمت بصلة لقواعد بياناتها أو لخدماتها الرقمية المؤمنة. 2. أنظمة الوزارة المعلوماتية، بما فيها المنصات الرقمية للخدمات القضائية والإدارية، تشتغل بشكل عادي وآمن، ولم تتعرض لأي عملية اختراق أو تسريب معطيات. 3. الوزارة، في إطار يقظتها الدائمة، تعتمد بروتوكولات حماية متقدمة ومتعددة المستويات وفق أحدث المعايير الدولية في مجال الأمن السيبراني، ويتم إخضاع أنظمتها بشكل دوري لاختبارات وتقييمات تقنية من قبل مصالح متخصصة لضمان سلامتها. 4. تهيب وزارة العدل بالمواطنين إلى استقاء المعلومات المتعلقة بعمل الوزارة من مصادرها الرسمية المعتمدة، وعدم الانسياق وراء الإشاعات أو الأخبار غير الدقيقة التي من شأنها بث الارتباك دون سند موضوعي. وإذ تجدد الوزارة حرصها على ضمان أمن وسلامة المعطيات والبيانات المرتبطة بمرفق العدالة وخدماته الرقمية، فإنها تؤكد استمرارها في تعزيز آليات الحماية واليقظة المعلوماتية لمواجهة مختلف المخاطر المحتملة في هذا المجال.

محامية جزائرية تُبلغ عن توقيف تعسفي لثلاثة من زملائها بمطار القاهرة
محامية جزائرية تُبلغ عن توقيف تعسفي لثلاثة من زملائها بمطار القاهرة

الشروق

timeمنذ 2 ساعات

  • الشروق

محامية جزائرية تُبلغ عن توقيف تعسفي لثلاثة من زملائها بمطار القاهرة

أبلغت محامية جزائرية عن توقيف تعسفي لثلاثة من زملائها في المجال القانوني بمطار القاهرة الدولي، كانوا في سفرية مرتبطة بقافلة الصمود المغاربية. ونشرت المحامية فتيحة رويبي، وهي مستشارة في هيئة التحكيم الدولي، تدوينة عبر حسابها على فيسبوك تتحدث من خلالها عن 'احتجاز 3 محامين جزائريين بمصر، وسحب هواتفهم ووثائقهم الرسمية دون أي مبرر قانوني واضح!'. وقالت رويبي إن المعنيين بالتوقيف هم 'مصطفاوي سمير، محمد عاطف بريكي، وعباس عبد النور'، فيما قال نشطاء في المجال القانوني إن الثلاثة سافروا إلى مصر في إطار ترتيبات متعلقة بقافلة الصمود المغاربية التي انطلقت برا منذ يومين من العاصمة تونس. ونددت المحامية بما أسمته 'التصرف التعسفي'، الذي يُشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحرية التنقل وكرامة المواطن الجزائري، وخاصة حين يتعلق الأمر بمحامين يمثلون الجزائر في إطار مهني أو حقوقي. وأوضحت أن الثلاثة تم توقيفهم إلى جانب 37 شخصا آخرا، مطالبة السلطات الجزائرية ووزارة الخارجية بالتدخل الفوري والعاجل لحماية رعاياها، وضمان سلامة وحرية المحامين المحتجزين. وضجت منصات التواصل الاجتماعي، منذ الإعلان عن وصول قافلة الصمود المغاربية إلى الأراضي الليبية بالحديث عن الموقف المصري من دخولها باتجاه معبر رفح، خاصة وأن ذباب الصهاينة بدأ بالترويج لرواية المؤامرة على مصر وإحراجها أمام العالم. ومع اقتراب قافلة الصمود المغاربية من الأراضي المصرية لفك الحصار المضروب على قطاع غزة، سادت حالة من الصمت رسمياً في القاهرة إزاء التعامل معها، فيما قالت مصادر مطلعة في تصريحات إعلامية إن 'السلطات في مصر لم تحسم بعد الموقف بشأن السماح للقافلة بالعبور من عدمه'.

ضبط عبوات ناسفة جاهزة للتفجير في خور مكسر بعدن
ضبط عبوات ناسفة جاهزة للتفجير في خور مكسر بعدن

خبر للأنباء

timeمنذ 2 ساعات

  • خبر للأنباء

ضبط عبوات ناسفة جاهزة للتفجير في خور مكسر بعدن

أعلنت الأجهزة الأمنية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، الأربعاء، عن ضبط عبوات ناسفة ومتفجرات جاهزة للتفجير، كانت مخبأة وسط أحد الأحياء السكنية في مديرية خور مكسر، في عملية وصفت بـ"الاستباقية". وأوضح مصدر مسؤول في قوات الحزام الأمني أن دورية راجلة تابعة للوحدة كانت تنفذ عملية تمشيط أمني روتيني، حين عثرت على ثلاث عبوات ناسفة ملفوفة داخل أكياس بلاستيكية، تم إخفاؤها بعناية في أحد المواقع. وأضاف أن العبوات التي جرى ضبطها من النوع اللاصق، مصممة خصيصًا للاستهداف عبر الأسطح الحديدية، وكانت في حالة جاهزية كاملة للتفجير، ما يُشير إلى مخطط كان يُعد للتنفيذ في أي لحظة. وبحسب المصدر، فقد تم فوراً رفع بلاغ إلى غرفة العمليات المركزية، التي أرسلت فريقاً متخصصًا في التعامل مع المتفجرات، حيث جرى تفكيك العبوات وإبطال مفعولها باستخدام تقنيات فنية دقيقة، دون تسجيل أي خسائر. واعتبرت قوات الحزام الأمني العثور على هذه العبوات "دليلاً واضحاً على استمرار التهديدات الأمنية التي تستهدف استقرار المدينة"، مشددة على أن "التحقيقات جارية لتحديد هوية المتورطين وتعقب تحركاتهم، تمهيداً للقبض عليهم واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم". وأكدت القوات أنها "تعمل بالتنسيق مع مختلف الجهات الأمنية لمنع أي محاولة تستهدف أرواح المدنيين، والحفاظ على أمن عدن".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store