logo
شارع الأعشى في حارة نسيها الزمن

شارع الأعشى في حارة نسيها الزمن

الوطن٢٦-٠٣-٢٠٢٥

عندما نقول إن لنجيب محفوظ أثرًا كبيرًا في الدراما العربية، لا نبالغ أو نعطي لأدبه أهمية لا يستحقها. ما زال محفوظ يدير المشهد الدرامي العربي ويهيمن عليه منذ حقبة الخمسينيات الميلادية للقرن العشرين حتى يومنا هذا. فالخروج من عباءته بات مطلبًا لتوسيع دائرة الإبداع بعيدًا عن نطاق الحارة الشعبية التي أسسها. أشرنا في المقالات السابقة للأثر المحفوظي على مسلسلات سعودية كشارع الأعشى والعاصوف والشميسي، وجميعها عجزت عن إبداع أفكار خارج سياقاته القصصية.
اختيار المكان أو مسرح الأحداث يجسد أهمية كبرى بالنسبة للروائي المحترف، وهي مسألة يوليها محفوظ عناية فائقة ويطعمها بمجموعة من الأمكنة التراثية المستلهمة من الموروث التاريخي للشعب، ويستوحي منها الأغاني والأزياء والرقصات الشعبية، ويظل بناء الشخصيات بما تحمله من مرتكزات قيمية وأخلاقية وما تتوق إليه من تطلعات وآمال وما يعتمل بداخلها من تعقيدات نفسية وروحية هو الجانب الأصعب في العمل الدرامي. بناء الشخصية النفسي المعقد والعميق هو المفتاح السحري والشيفرة الكتابية التي لا يملكها إلا الكُتاب الكبار، وهو ما يفتقر له مسلسل «شارع الأعشى» فالكاتبة بدرية البشر عجزت فعليًا عن تحقيق الغاية الأساسية الممثلة في بناء شخصيات ذات أبعاد نفسية، وتركيب روحي عميق، فانقلب المسلسل لمحاولة توطين للحارة الشعبية المصرية.
دعونا نقدم نموذجًا آخر للمسلسلات ذات الأثر المحفوظي وهو المسلسل السوري «حارة نسيها الزمن» من إنتاج حقبة التسعينيات للكاتب هاني السعدي وبطولة توفيق العشا وفائق عرقسوسي. قصة المسلسل امتداد لتاريخ ما يعرف بـ(الفتوات) وأثرهم الاجتماعي في حارات وأزقة المجتمع العربي، ويعد نجيب محفوظ أول من تطرق لتاريخ الفتوات في أعماله كرواية «أولاد حارتنا» و«ملحمة الحرافيش»، وأهم شخصية في أدب الفتوات شخصية «عاشور الناجي» الشخصية المحورية في «ملحمة الحرافيش» وأول ظهور متكامل لشخصية الفتوة في الدراما العربية بما تحمله من أبعاد دينية واجتماعية وثقافية متشابكة، بمعنى أن محفوظ يعد مؤسسًا لما يعرف بأدب الفتوات أو الحرافيش. تعيش شخصية «الفتوة» وسط صراع مستعر بين جدليتي الخير والشر، ويكون «فتوة الحارة» بما يملكه من مقومات إرادة القوة إما ممثلا للخير ومحققا للعدالة أو العكس، وأخلاقيات الفتوة تنعكس على أخلاقيات سكان الحارة بالتبعية.
في «حارة نسيها الزمن» يلعب عبده (فائق عرقسوسي) دور (قبضاي الحارة) ممثلا جانب الشر في القصة، بالقوة يفرض الطاعة على سكان الحارة الفاسدين الذين يمتهنون مهنًا غير شريفة قبل انتقال عادل (توفيق العشا) للحارة والتغلب على عبده بالقوة وفرض سلطته الجديدة على الحارة وسكانها. عادل هنا يمثل جانب الخير والتطبيق العادل للقوة من خلال سعيه للإصلاح وتصحيح الانحرافات في الحارة. والفتوة هنا يلعب أدواره خارج دائرة القانون أو في غيابه أو بالتزامن معه. وقد يكون «فتوة الحارة» عادلا كريما ملبيا لحاجات أهالي الحارة، وفي ظله تحظى الحارة بالأمان أو العكس. الحارة الشعبية هنا ممثلة في «الفتوة» أو «القبضاي» تتسع لتعطي بعدا دلاليا أعمق وأكثر تعقيدا. استطاع محفوظ بعبقريته الأدبية أن يصورها أجمل تصوير ويلهم أعمالا درامية حديثة مثل «باب الحارة» و«حارة الشيخ» وقبلهما «حارة نسيها الزمن» فقد ألهمت شخصية «الفتوة» هاني السعدي فنقلها للحارة الشامية وصبغها بالهوية الدمشقية البسيطة. وإن كان السعدي قد نجح في تذويب الملامح المحفوظية في مسلسل «حارة نسيها الزمن»، ولكن سيظل أثر محفوظ ماثلا للعيان في هذا المسلسل أو أي مسلسل آخر يوظف شخصية الفتوة أو القبضاي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وفاة الفنانة السورية فدوى محسن
وفاة الفنانة السورية فدوى محسن

رواتب السعودية

timeمنذ 3 أيام

  • رواتب السعودية

وفاة الفنانة السورية فدوى محسن

نشر في: 20 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي فارقت الفنانة السورية فدوى محسن، الحياة عن عمر ناهز 84 عامًا، حسب ما أعلنت نقابة الفنانين في سوريا عبر صفحتها الرسمية على »فيسبوك«. وأكدت النقابة أنها ستعلن لاحقًا عن تفاصيل مراسم التشييع والدفن. ونعى الفنان هاني البكار، والدته عبر حسابه على إنستغرام قائلًا: »أمي في ذمة الله.. الله يرحمك يا أمي.. رحتي لعند أرحم الراحمين.« وكانت فدوى محسن، قد ولدت في 26 فبراير 1941 في مدينة دير الزور السورية، وبدأت مسيرتها الفنية في منتصف الثمانينات. حققت انطلاقتها الحقيقية في مسلسل »طرابيش« عام 1992، وبرزت لاحقًا بدور »أم إبراهيم« في عدة أجزاء من المسلسل الشهير »باب الحارة«. وساهمت في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، من أبرزها: »ما ملكت أيمانكم«، »قلوب صغيرة«، »صرخة روح«، »درب التبان«، »العبابيد«، »تل اللوز«، »عودة غوار الأصدقاء«، »بقايا صور«، »أبناء القهر«، »كوابيس منتصف الليل« وغيرها من الأعمال التي أثرت الساحة الفنية السورية. الرجاء تلخيص المقال التالى الى 50 كلمة فقط فارقت الفنانة السورية فدوى محسن، الحياة عن عمر ناهز 84 عامًا، حسب ما أعلنت نقابة الفنانين في سوريا عبر صفحتها الرسمية على »فيسبوك«. وأكدت النقابة أنها ستعلن لاحقًا عن تفاصيل مراسم التشييع والدفن. ونعى الفنان هاني البكار، والدته عبر حسابه على إنستغرام قائلًا: »أمي في ذمة الله.. الله يرحمك يا أمي.. رحتي لعند أرحم الراحمين.« وكانت فدوى محسن، قد ولدت في 26 فبراير 1941 في مدينة دير الزور السورية، وبدأت مسيرتها الفنية في منتصف الثمانينات. حققت انطلاقتها الحقيقية في مسلسل »طرابيش« عام 1992، وبرزت لاحقًا بدور »أم إبراهيم« في عدة أجزاء من المسلسل الشهير »باب الحارة«. وساهمت في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، من أبرزها: »ما ملكت أيمانكم«، »قلوب صغيرة«، »صرخة روح«، »درب التبان«، »العبابيد«، »تل اللوز«، »عودة غوار الأصدقاء«، »بقايا صور«، »أبناء القهر«، »كوابيس منتصف الليل« وغيرها من الأعمال التي أثرت الساحة الفنية السورية. المصدر: صدى

وفاة الفنانة السورية فدوى محسن
وفاة الفنانة السورية فدوى محسن

صدى الالكترونية

timeمنذ 3 أيام

  • صدى الالكترونية

وفاة الفنانة السورية فدوى محسن

فارقت الفنانة السورية فدوى محسن، الحياة عن عمر ناهز 84 عامًا، حسب ما أعلنت نقابة الفنانين في سوريا عبر صفحتها الرسمية على 'فيسبوك'. وأكدت النقابة أنها ستعلن لاحقًا عن تفاصيل مراسم التشييع والدفن. ونعى الفنان هاني البكار، والدته عبر حسابه على إنستغرام قائلًا: 'أمي في ذمة الله.. الله يرحمك يا أمي.. رحتي لعند أرحم الراحمين.' وكانت فدوى محسن، قد ولدت في 26 فبراير 1941 في مدينة دير الزور السورية، وبدأت مسيرتها الفنية في منتصف الثمانينات. حققت انطلاقتها الحقيقية في مسلسل 'طرابيش' عام 1992، وبرزت لاحقًا بدور 'أم إبراهيم' في عدة أجزاء من المسلسل الشهير 'باب الحارة'. وساهمت في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، من أبرزها: 'ما ملكت أيمانكم'، 'قلوب صغيرة'، 'صرخة روح'، 'درب التبان'، 'العبابيد'، 'تل اللوز'، 'عودة غوار الأصدقاء'، 'بقايا صور'، 'أبناء القهر'، 'كوابيس منتصف الليل' وغيرها من الأعمال التي أثرت الساحة الفنية السورية.

بيتهوفن وطه حسين ونجيب محفوظ
بيتهوفن وطه حسين ونجيب محفوظ

الشرق الأوسط

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • الشرق الأوسط

بيتهوفن وطه حسين ونجيب محفوظ

ثلاثة رجال وددت لو بُعثوا أحياءً حتى أقبِّل يد كل منهم امتناناً: بيتهوفن وطه حسين ونجيب محفوظ. أما طه حسين فلأنه علمني استقلال الرأي والجرأة في الجهر به غير حافل بالمرجفين، كما علمني فضيلة التخلي عما يتشبث به الآخرون في غير سؤال ولا تفكير. حين أستمع لتسجيلات صوته الأجش العميق يحيل مفردات اللغة في نبراته وإيقاعاته إلى ما يشبه التلاوة أو الترتيل، يداخلني شعور بالاطمئنان والسلام. شعور باليقين المجرد. يقين بماذا، لا أدري، لكنها تلك الراحة التي تصاحب اليقين الراسخ بأي شيء، تأتيني خالصة من كل شك ومن كل يقين. أما نجيب محفوظ، فهو الوحيد بين الثلاثة الذي كان يمكنني أن أقبِّل يده فعلاً، وقد التقيته أكثر من مرة، ولكن فاتني أن أفعل؛ ربما لأن الفكرة لم تداهمني في لحظة اللقاء حيث تركتُ بالبداهة يدي تلتقي باليد الممدودة بدلاً من أن أنحني عليها بالشفاه، إلا أنه لم يفتني أن أنحني على يده معنوياً مرات بلا حصر فيما انغمست في أعماله وكتبتُ عنها بالعربية والإنجليزية، ولهجت بحكمتها وفنيّتها في قاعات الدرس وصالات المؤتمرات. أدين لمحفوظ بفهم نفسي وفهم الناس والمجتمع. أدين له بتدريبي على الوصول إلى العمق الفلسفي الكامن وراء كل المواقف والسلوكيات. أدين له بتقنين النظرة المأساوية للحياة التي تتخلل كل أعماله وإن لم تؤدِّ قَطّ إلى رفض الحياة، وهي النظرة التي طالما فتنتني بتناقضها الصارخ مع الطبيعة الشخصية للرجل المفعمة بالتفاؤل والمرح والفكاهة في لقاءاته بالأصحاب والمريدين. ما أكثر ما أدين له به! لا أدري كيف كانت تصبح حياتي لو لم أكتشف عالم نجيب محفوظ وأنضوِ إليه. بيتهوفن أما بيتهوفن ذلك الموسيقار الألماني المخضرم بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فكأنه لم يُولد من أكثر من مائتين وخمسين سنة إلا ليرعى روحي في كل مراحل حياتي منذ اكتشفته في أواخر عقدي الثاني. كتب مائة ساعة من الموسيقى في سنوات عمره الست والخمسين استمعت لكل دقيقة منها. أحسست بكل خلجة شعور فيها. لا أدري كم من مئات الساعات قضيتها أستمع لساعات موسيقاه المائة. كان معي في كل أزمة روحية مررت بها. كان ينتشلني من الوهاد. يعلمني معنى الارتفاع فوق الآلام. معنى أن يتحول الألم إلى طاقة وإبداع. كانت حياته نموذجاً في حد ذاتها. لكني أقتصر على موسيقاه التي صاحبتني في مراحل العمر من السيمفونيات والكونشرتوات الكبرى إلى موسيقى الحجرة التي تقتصر على عازف أو أكثر لا يتجاوزون أصابع اليد. نجيب محفوظ تعتريني حالة من الورع في حضرة بيتهوفن لا تفترق عن الورع الديني عند البعض. حين تنساب موسيقاه من الراديو في لحظة أكون فيها مضطراً للمغادرة لسبب أو آخر، فإني أتحرّج من إغلاق الراديو وقطع الموسيقى، كما يتحرج البعض من إغلاق مذياع تنساب منه آيات الذكر الحكيم. فأجدني أحياناً أجبر نفسي على البقاء في الغرفة حتى لحظة مناسبة للقطع، أو إن لم يكن ذلك ممكناً فإني أغادر أحياناً من دون إيقاف الراديو. أما عروض الأداءات الحية لموسيقى بيتهوفن فهي عندي من قبيل طقوس العبادة الجماعية. وقد حضرت قبل يومين مناسبة من هذا القبيل. مناسبة خاصة جداً ونادرة جداً. «ويك إند» مخصص لبيتهوفن في إحدى قاعات الموسيقى في لندن. كان الأداء يبدأ في الحادية عشرة والنصف صباحاً، وينتهي في الثامنة والنصف مساءً على مدى يومَي السبت والأحد. نحو تسع ساعات من موسيقاه تتخللها محاضرتان، كل منهما ساعة، تتناولان تطور موسيقى الحجرة لديه من مقتبل حياته إلى أواسطها ثم أواخرها. واحد وعشرون من مؤلفاته (نحو 10 بالمائة من مجمل إنتاجه) استمعت إليها في ذينك اليومين. اضطلع بالجهد البطولي ثلاثة عازفين: واحد للبيانو، وواحدة للكمان، وواحد للتشيلو. ثلاثة كهّان مكرّسون في محراب بيتهوفن. أما القاعة المعبد فكان الحجيج فيها يملأون نصف المقاعد فقط أو أقل في زمن الآلهة الزائفة هذا. ستبقى تلك النغمات التي شاهدتها تتولد حيّةً من الآلات أمامي على يد أولئك السحرة الثلاثة تتردد في أذنيَّ طويلاً. بيتهوفن يد رحمة تمتد عبر القرون لتظلل عالماً ما زال يتلظى في لهيب العذاب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store