
كلما جاء أبريل
لو عاش الهولندي هانز كريستنسن جيفارد إلى اليوم لكان قد تجاوز الـ 140 سنة، وقد كان هذا جائزاً بالطبع، لأننا نقرأ من وقت إلى آخر عن معمرين في مثل هذه السن، فالرجل جاء هذه الدنيا في العام 1885، لكن الأقدار شاءت أن يرحل في الـ 27 من عمره، وأن يكون رحيله جماعياً ضمن مئات آخرين في حادث هز الدنيا عام 1912. كان هانز قد رحل ضمن 1500 مسافر، غرفت بهم السفينة الأشهر «تيتانيك»، التي ابتلعتها مياه المحيط الأطلسي في مثل هذا الشهر في تلك السنة.
ولا يزال العالم كلما جاء أبريل يذكر «تيتانيك»، التي أبحرت يوم 10 أبريل من لندن في اتجاه نيويورك وهي تحمل أكثر من 2223 من الركاب، فلما أصبح عليها اليوم الرابع عشر من الشهر وهي في عرض المحيط اصطدمت بجبل جليد عائم، فتهاوت نحو القاع، نجا 706 أشخاص، فيما لقي 1,517 شخص حتفهم.
لقد عاش الموسيقار محمد عبد الوهاب يخشى ركوب الطائرة ويتشاءم من أي رحلة بالطائرة، وكان يهرب من السفر جواً ما استطاع، ولم يسافر بالجو إلا مرات معدودة على أصابع اليد الواحدة، وكان مرغماً فيها كلها، وكان تقديره أن السفر بالبحر أكثر أماناً من الجو وبما لا يقاس بينهما، وكان يرى أن فرصة النجاة من الحوادث في البحر أكبر بكثير منها في حالة الطائرة.
كان يقول ذلك في أحاديثه التلفزيونية ويردده ويؤمن به، ولكن أحداً لم يلفت انتباهه إلى أن حوادث الطائرات ليس بينها حادث واحد كان عدد ضحاياه في مثل عدد ضحايا «تيتانيك»، ولا حتى نصف عدد ضحايا السفينة الشهيرة.
وكان الدكتور طه حسين ينافس عبد الوهاب في ذلك، وكان يكره ركوب الطائرة، ولم يركبها في حياته إلا مرتين كان مضطراً فيها، وقد كانت إحداهما من فرنسا إلى المغرب، لتكريمه من جانب الملك محمد الخامس، وكانت الثانية من جدة إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
هناك بالطبع آخرون بخلاف عبد الوهاب وطه حسين، ولكنهما الأشهر في الخوف من السفر بالطائرة، وفي التوجس شراً من أي رحلة إلى أي مكان تكون الطائرة هي وسيلة النقل فيها، ولكن هذا ليس موضوع هذه السطور على كل حال.
أما الذي أحيا ذكرى «تيتانيك» في أبريل من هذه السنة فهو أن ساعة جيب هانز سوف تُعرض في مزاد يقام في لندن بدءاً من اليوم 26 أبريل، وسوف تكون فرصة متجددة نستعيد فيها الظروف الدرامية، التي رافقت غرق السفينة قبل أن تبلغ الشاطئ الأمريكي، فمن بعدها أصبح مصطلح رأس جبل عائم يتردد في الأحاديث العابرة أكثر مما كان عليه من قبل بكثير، فلا يكاد أحد يذكر هذا المصطلح في أي حديث، إلا ويتذكر المتابع للحديث وقائع دراما «تيتانيك» بكل حجمها غير الطبيعي، ثم يذكر معها قياساً على ما كان فيها أن الجزء الظاهر من الشيء ليس هو بالضرورة الشيء كله، وأن قائد تلك السفينة المنكوبة اعتقد أن رأس الجبل العائم أمامه كل شيء، فغرق ومعه المئات ممن قصدوا نيويورك، فتحولوا إلى وجبة غير مسبوقة للأسماك.
كانت متعلقات هانز، التي عثروا عليها كالآتي: جواز سفر، ساعة الجيب المعروضة في المزاد، حافظة نقود، بعض من النقود كانت في جيبه، سلسلة مفاتيح، بوصلة، دفتر توفير، وقد تم انتشال جثمان هانز في العاشر من مايو، أي بعد الحادث بما يقرب من الشهر، وتم دفنه في كندا، أما متعلقاته فتم تسليمها لأبنائه، الذين أنجبوا أحفاداً هم الذين قرروا عرض الساعة في مزاد في عاصمة الضباب، والمؤكد أنه لو عاش إلى اليوم ثم قرر عرض ساعته نفسها في مزاد ما وجد داراً تعرضها أصلاً، ولو افترضنا أنه وجد الدار ما كانت ساعته ستحقق واحداً على عشرة من السعر المتوقع لها والذي يصل إلى 50 ألف دولار، فسعرها المرتفع تستمده من اسم السفينة الغارقة، ومن الدراما التي كانت رفيقة لها في رحلتها الأخيرة، وربما يكون هذا دليلاً على أن الأشياء في كثير من الأحيان لا تأخذ قيمتها من ذاتها، وإنما تتحدد القيمة بناء على الظروف والأجواء التي تحيط بالشيء، فتمنحه قيمة لا يمكن أن يتحصل عليها في الظرف العادي.
مات هانز وشبع موتاً، ولكن ذكراه تتجدد كلما تجدد الكلام عن السفينة، التي صار اسمها أشهر من كل السفن، وإذا كان الشاعر الإنجليزي تي إس إليوت قد قال في قصيدته الشهيرة «الأرض اليباب» أن أبريل أقسى الشهور، فلا شك في أنه كان مع أهل «تيتانيك» كما لم يكن مع سواهم في أي مكان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حلب اليوم
منذ 20 ساعات
- حلب اليوم
عودة المهجرين في الشمال الغربي مستمرة وسط ظروف صعبة
بعد مُضي نحو نصف عام على تحرير البلاد من سلطة النظام البائد، لا يزال مشهد الدمار يخيّم على مناطق سورية واسعة، وسط عجز الأهالي عن إعادة إعمار بيوتهم، فيما تتواصل جهودهم الدؤوبة باستدراك ما يمكن استدراكه من بيوتهم في مختلف المدن والقرى، مع حركة عودة خجولة للنازحين. وتُعد المنطقة الممتدة من ريف حلب الغربي إلى ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وصولًا لريف حماة الشمالي والغربي؛ من أبرز المناطق التي تعرّضت للدمار، بسبب القصف الروسي الواسع إبان الحملة العسكرية التي تعرضت لها المنطقة نهاية عام 2019 وبداية عام 2020. ومع ضعف قدرة الأهالي وإمكاناتهم في مقابل حجم الدمار الهائل، والغموض الذي يحيط بملف إعادة الإعمار، تتواصل جهود النازحين في العودة التدريجية والخجولة لقراهم ومدنهم المدمرة، حيث بلغ عدد المهجرين في الشمال الغربي، نحو 3 ملايين نسمة، وذلك حتى تاريخ سقوط الأسد، معظمهم من أرياف إدلب وحماة، بالإضافة للمهجرين من عموم البلاد، ولم يستطع أغلبهم العودة لمنازلهم وبيوتهم، حتى اليوم. وأفاد مراسل حلب اليوم بأن تفكيك الخيام يتواصل بشكل فردي من قبل النازحين في المنطقة، بينما تعود الحياة بشكل تدريجي لأرياف إدلب وحماة وحلب، لكن معظم الأحياء في القرى والمدن بالمنطقة لا تزال خالية حتى الآن. وبينما يعمل السكان على إصلاح منازلهم، ومحالهم قدر المستطاع، يعانون من الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء، فضلًا عن ارتفاع الأجور بسبب زيادة الطلب على الإعمار وما يتعلّق به. وتشهد القرى الصغيرة والنائية وضعاً أفضل لناحية عودة مظاهر الحياة، بسبب طبيعة المعيشة البسيطة في تلك المناطق التي يغلب عليها الطابع البدوي، حيث يعيش السكان على تربية المواشي ويستطيعون السكن في الخيام بجانب البيوت المدمرة، كما أن كلفة إصلاحها أقل نظرًا لكونها بسيطة التكوين. يروي 'محمد .ع' من سكان مدينة سراقب، لحلب اليوم كيف أنه لا يزال يعاني النزوح حتى الآن، فقد صرف كلّ ما بحوزته من مدخرات في رحلة التهجير المريرة، على مدى السنوات الخمسة الفائتة، وهو ما اضطره لبيع قطعة أرض مشتركة للعائلة، تبلع حصته منها نحو 5000 دولار أمريكي. ويقول الشاب الأربعيني إنه لا يتوقع أنه سيستطيع إصلاح بيته بذلك المبلغ، بسبب ارتفاع التكاليف وأسعار المواد، لكنه سيُصلح ما أمكن بحيث يعود لبيته ويتخلص من حالة النزوح تلك. يُضطر محمد للتنقل ذهابًا وإيابًا على نحو شبه يومي، بين منزله في مكان تهجيره غربي مدينة إدلب، وبين منزله الأصلي وسط رحلة معاناة بسبب قلة العمال، نظرًا لارتفاع الطلب على أعمال الإصلاح. وتزيد رحلة التنقل اليومية تلك على الشاب – حالُه حال الكثيرين – من الأعباء والتكاليف المعيشية، فيما يرفض التريث أملًا في الحصول على دعم ما من قبل بعض المنظمات أو انطلاق عملية إعادة الإعمار، معتبرًا أن هذا الأمر سيأخذ وقتا طويلا إن حدث. منذ نهاية عام 2019، بدأ أبو محمد من ريف معرة النعمان جنوب شرقي إدلب بتفكيك ما أمكن من عدد وأغراض، في كل من منزله ومزرعته، تاركًا وراءه البذار في الأرض، مما عرضه لخسارة كبيرة، فضلًا عن اضطراره لدفع إيجار منزل في رحلة النزوح مع مصاريف العائلة، بدون حصوله على دخل، وهو ما استنزفه ماديّا بشكل شبه كامل. ويجد الرجل الخمسيني نفسه اليوم في وضع صعب ماديًّا، فهو لا يرغب في أن يحذو حذو الكثيرين عبر بيع جزء من أرضه لاستصلاح ما تبقى، ولا يزال نازحًا بينما تدبّ الحياة بشكل تدريجي في منطقته. يعتمد أبو محمد على ما يرسله إليه ولده من ألمانيا، حيث يحاول استصلاح ما أمكن بشكل تدريجي، على أن يسكن حاليًا في المزرعة مع عائلته، ويأمل في أن يعطيه الموسم الزراعي المقبل دُفعة جيدة نحو الأمام. وتؤكد المنظمات الدولية أن تقديم الدعم للسكان حتى يتمكنوا من إعادة إعمار منازلهم يحتاج لجهود دولية وحكومية، وتكاتف من عدة دول، لأن الشعب لا يستطيع بقدراته المحلية إعادة الإعمار بسبب الكلفة العالية، حيث يمتد الدمار على كامل البلد، ويشمل بالإضافة لما سبق ذكره كلًّا من ريف حمص، وريف دمشق ومحيطها وأحياء مدينة حلب الشرقية. وبلغ عدد سكان الشمال السوري، في كل من إدلب وريف حلب أكثر من 6 ملايين نسمة (يشكل النازحون ما يقرب من 50 بالمائة) بحسب آخر إحصائية نشرها فريق منسقو استجابة سوريا، قبيل سقوط النظام، ومع عودة النازحين لمحافظاتهم في حلب وحمص وحماة ودمشق، فقد تم تسجيل عودة عكسية لعدد من سكان إدلب الذين كانوا مقيمين في تلك المحافظات، ما يعني بقاء الكثافة السكانية مرتفعة مع تناقص جهود الإغاثة الإنسانية بشكل غير مسبوق. يشار إلى أن مؤسسة قطر الخيرية أطلقت منذ أيام، برنامجًا لترميم 1500 منزل في سوريا، وبدأت المرحلة الأولى بالتعاون مع فريق الاستجابة الطارئة السوري، لترميم 300 منزل في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي.


العين الإخبارية
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
قرنفل إندونيسيا في قبضة التغير المناخي.. تهديد جديد يطول كنز جزر الملوك (صور)
بدأت آثار التغيّر المناخي تطال أيضا القرنفل الذي كانت القوى الاستعمارية تتنافس عليه زمنا طويل، وتنتجه إندونيسيا بكثرة في جزر مالوكو (أو جزر الملوك)، حيث موطنه الأصلي، ومن شأن هذا الواقع الجديد أن يهدد محاصيل هذا النوع من التوابل. وبات جوهر محمود يشعر بالقلق رغم تمسكه بأشجار القرنفل التي يملكها عند سفوح بركان جبل غمالاما الخصبة بجزيرة تيرناتي. ويوضح المزارع البالغ 61 عاما أن "الأمطار اليوم تهطل بغزارة، وهي مناسبة للزراعة، لكنها تجعل المحصول غير مضمون، وغالبا ما يصعب توقُّع" حجمه. فالتغيّر المناخي أدى في الواقع إلى تراجع محاصيل القرنفل الذي يحتاج إلى درجات حرارة ورطوبة معينة تحفظ رائحته وطعمه، وفقا لوكالة "فرانس برس". وإذا كان الموسم جيدا، قد يصل ما تنتجه أشجار القرنفل البالغ عددها 150 إلى 30 كيلوغراما من هذه التوابل العطرية المربحة المستخدمة في الطب والعطور والسجائر أو نكهات الطعام. لكنّ أسعار هذه التوابل التي تُستخرج من براعم أزهار شجرة القرنفل، تتراوح بين 5,25 و7,35 دولار للكيلوغرام الواحد، تبعا لأحوال الطقس. ويقول جوهر الذي يمثّل 36 مُنتِجا "في الواقع، نحن نتكبد خسارة مالية. فأشجار القرنفل لا تُثمر كل عام. الأمر يتوقف على الموسم". وخاضت البرتغال وإسبانيا وهولندا معارك للسيطرة على تيرناتي خلال ذروة تجارة القرنفل العالمية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. ولجأ السكان المحليون إلى مواجهة المستوطنين الهولنديين الذين كان يمنعونهم من زراعة أشجارهم الخاصة بهدف الإبقاء على احتكار هذا المنتج الذي صنع ثروة شركة الهند الشرقية الهولندية. لكن المنتجين مضطرون اليوم إلى إيجاد عمل ثانٍ لتغطية نفقاتهم، بسبب انخفاض المحاصيل. فجوهر مثلا يبيع مشروبات مصنوعة من التوابل، إلّا أن بعض زملائه يفكرون ببساطة في صرف النظر عن زراعة القرنفل. وتلاحظ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) بأن ثمة فرقا كبيرا في محاصيل القرنفل في إندونيسيا سُجِّل خلال العقدين الأخيرين، يفوق ذلك الذي شهدته الدول المنافسة، وخصوصا مدغشقر. وبالتالي، فإن العائد من هذه المحاصيل عام 2023 كان أقل بنحو الربع من الذروة التي بلغها في عام 2010. ولا تزال إندونيسيا مَصدرا لأكثر من ثلثي إنتاج العالم من هذه التوابل التي يُستهلَك قسم كبير منها محليا. لكن منذ عام 2020، لم يعد الأرخبيل المُصَدِّر الأكبر في العالم، إذ انتزعت منه مدغشقر هذه الصفة. وتتطلب زراعة القرنفل الصبر، وتستغرق الأشجار أكثر من عقد من الزمن حتى تنضج. وأدى الاحترار المناخي الناجم بشكل رئيسي عن الوقود الأحفوري كالفحم الذي يُستخدم على نطاق واسع في إندونيسيا، إلى تغيير الظروف الجوية التي تساعد في نمو القرنفل. ويتسم المناخ في تيرناتي بأنه أكثر جفافا عموما، لكنّ الاحترار بات يؤدي إلى احتباس أكبر للرطوبة، فتهطل الأمطار غالبا على شكل زخات مدمرة جدا للأزهار. ويقول لاكينا (52 عاما) "في السابق، كنت أستطيع ملء خمسة إلى ستة أكياس في موسم حصاد واحد". لكنّ هذا المزراع بات يكتفي اليوم بكيسين أو ثلاثة على الأكثر. أما إمبا، وهي مزارعة في الثانية والستين تملك 70 شجرة، فتشرح أن تجفيف القرنفل بات يستغرق خمسة أيام على الأقل بسبب الأمطار، في مقابل ثلاثة أيام ونصف يوم في الماضي. وتؤكد البيانات العلمية هذه الملاحظة الميدانية. ففي عام 2023، لاحظ باحثون من جامعة باتيمورا في أمبون أن إنتاج القرنفل آخذ في الانخفاض في جزيرة هاروكو، الواقعة جنوبي تيرناتي، بسبب زيادة هطول الأمطار وظواهر الطقس الأكثر تطرفا. ويوضح آري رومباس من منظمة "غرينبيس" لوكالة فرانس برس إن "المجتمعات التي تعيش في المناطق الساحلية والجزر الصغيرة معرضة للخطر بشكل أكبر". في ورشة لفرز التوابل، تنتشر رائحة القرنفل النفاذة بينما ينهمك العمال في ملء الأكياس. ومن ثم يُنقل القرنفل إلى مستودع يجري فيه فرز ميكانيكي لإزالة الأوساخ والأوراق غير المرغوب فيها، تمهيدا لتصدير الإنتاج إلى الصين. ويشرح التاجر رومين ذي أن "المحصول يكون سيئا إذا كان الجو حارا جدا، أما إذا هطلت أمطار غزيرة، فلا محصول. هذا العام، هطلت أمطار غزيرة". ويشير إلى أن الأسعار انخفضت إلى النصف تقريبا منذ العام المنصرم. وفي ضوء تضاؤل المحاصيل، يطالب جوهر بتقديم المساعدات لأولئك الذين شغلوا هذه الأراضي في الماضي. ويقول "أدعو الدول المحبة للتوابل إلى أن تفكر في قضايا المناخ العالمية". ويضيف "من دون هذه الثروة الطبيعية لن تستفيد الدول الغربية. لذا علينا أن نفكر في الأمر معا". aXA6IDEwNC4yMzguNS42NyA= جزيرة ام اند امز PL


العين الإخبارية
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
أغلى أطباق العالم.. كانت في الماضي طعاما للفقراء
لم تكن يوما السرطانات البحرية ولا الكافيار ولا فطر الترفاس (الكمأ) حكراً على الأثرياء فقط. بل على العكس، كانت بعض هذه الأطعمة تقدم مجانا في السجون أو تُلقى للحيوانات أو تُباع بثمن بخس في الأسواق الشعبية. ومع مرور الزمن، حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث انقلبت الموازين، وارتفعت مكانة بعض الأطعمة بشكل دراماتيكي، فانتقلت من موائد الفقراء إلى قوائم الطعام في أفخم المطاعم العالمية. الكركند (اللوبستر).. من غذاء الخدم إلى طبق ذهبي قبل بضعة قرون فقط، كان الكركند يُعتبر طعاما للفقراء والسجناء في الساحل الشرقي لأمريكا. كانت أعداد هذه القشريات وفيرة إلى حد أن الفلاحين كانوا يستخدمونها كسماد زراعي أو طُعم لصيد الأسماك، بل إن بعض العقود القديمة بين الخدم وأرباب العمل كانت تنص على ألا يُقدَّم الكركند أكثر من مرتين في الأسبوع للخدم. لكن مع تطور وسائل الطهي وتغير مفاهيم "الندرة"، بات اللوبستر اليوم أحد رموز الفخامة في المطاعم الساحلية، وقد تصل قيمة الطبق الواحد إلى مئات الدولارات. الكافيار.. من طعام البحارة إلى ملك الموائد الكافيار، بيض سمك الحفش، كان يُستهلك بكثرة في روسيا القيصرية كوجبة بسيطة يتناولها البحارة والصيادون، ولم يكن يُنظر إليه على أنه شيء مميز، بل كان يُملّح ويُخزن لرحلات البحر الطويلة. إلا أن ندرة أنواع معينة من سمك الحفش، خاصة "بيلوغا"، وتحسن أساليب الحفظ والتقديم، حولت الكافيار إلى سلعة نادرة لا تقدم إلا في حفلات الصفوة والمناسبات الخاصة. الكمأ (الترفاس).. كنز الصحارى الذي استيقظ العالم عليه في مناطق من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، كانت درنات الكمأ تُجمع بعد مواسم المطر ويأكلها الفلاحون كغذاء طبيعي غني بالبروتين. لم تكن هناك قيمة تجارية حقيقية للكمأ، بل كان يُباع بأسعار زهيدة في الأسواق الريفية. اليوم، يعتبر "الكمأ الأبيض الإيطالي" من أغلى الأطعمة في العالم، إذ قد يصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى أكثر من 3000 دولار، ويُباع أحياناً في مزادات دولية. المحار.. من طعام العامة إلى طبق ملكي في بريطانيا وفرنسا خلال القرنين الـ18 والـ19، كان المحار طعاما شائعا رخيصا يباع على نواصي الطرق، ويأكله العمال والفقراء بكثرة، بل إن الإقبال على المحار الرخيص كان ضخما لدرجة استنزفت بعض مناطق الصيد. اليوم، تغير الوضع جذريا، وأصبح المحار يُقدم في المطاعم الراقية مزينا بشرائح الليمون وبتقديم فني، ويباع بأسعار تعكس تحوله إلى "طعام ذواقة". السردين والأنشوجة.. المعلبات التي دخلت الصالونات في الأصل، كانت الأسماك الصغيرة مثل السردين والأنشوجة تُملح وتُخزن كمصدر طاقة للفقراء والبحّارة في أوقات المجاعة أو التنقل. ومع الوقت، طُورت طرق تعليبها وإضافة زيت الزيتون والتوابل الفاخرة إليها، ما منحها مكانة جديدة. اليوم، تحوّلت هذه المعلبات في بعض دول أوروبا إلى صناعات حرفية راقية، وتباع علب السردين الفاخرة في معارض وبأسعار لا يستهان بها. من المطبخ الشعبي إلى العالمية ويقول خبراء التغذية، أن ما يحدث مع هذه الأطعمة هو نتاج مباشر لتغير أنماط الاستهلاك العالمي، وارتباط الندرة بالجودة، فما كان يوما شائعا أو زهيدا أصبح اليوم رمزا للتفرد. ويثق الخبراء أن كثير من المطابخ الفقيرة تحوي كنوزا لم تُكتشف بعد، وعندما يلتفت إليها الطهاة العالميون، سترتفع قيمتها وتدخل دائرة الترف. aXA6IDgyLjIyLjIzNi41NSA= جزيرة ام اند امز PL