
تكريم رابطة المدارس الإنجيليّة للوزير شحادة: لنقلة نوعيّة في المجال التكنولوجي
نظّمت رابطة المدارس الإنجيليّة في لبنان حفلًا تكريميًّا لوزير المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، الدكتور كمال شحادة، بمناسبة تولّيه منصبه الجديد، وذلك مساء الخميس الواقع فيه ٢٧ شباط ٢٠٢٥.
حضر الحفل نخبة من الشخصيّات التربويّة، رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان الأب يوسف نصر، وممثلين عن الجامعات الأنطونية، الأميركيّة للعلوم والتكنولوجيا، هايكازيان، اليسوعيّة، جامعة الروح القدس الكسليك، جامعة سيدة اللويزة، بالإضافة إلى ممثّلين عن اتّحاد المؤسّسات التربويّة الخاصة في لبنان التي تضمّ المدارس الكاثوليكيّة، والأرثوذكسيّة، والمبرات الإسلاميّة، ومؤسسات المقاصد، ومؤسسات المصطفى، والمدارس الإنجيليّة. كما حضر مندوبو جمعيات ومؤسسات تربوية مثل ثمار، وسكيلد للصعوبات التعلميّة.
بدايةً، افتتح الحفل الدكتور جورج رحباني بكلمة أشاد فيها بأهميّة استحداث وزارة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، معربًا عن أمله في أن تتمكّن الوزارة الجديدة من وضع خطة استراتيجيّة وطنيّة لاستخدام برامج الذكاء الاصطناعي ومراقبة مندرجاته وضبطها، خصوصًا أنَّ لبنان يفتقد الحكومة الرقميَّة Digital Government وهو بالتالي يفتقر إلى قواعد البيانات اللازمة لإنجاح أي تطبيق ذكاء اصطناعي.
من جهته، أكّد د. شحادة أنّ التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي تشكّل تحدّيًا كبيرًا لكافة المؤسّسات التربويّة والجامعيّة والتعليميّة في لبنان، مشدّدًا على ضرورة مواكبة هذه التغييرات لضمان الاستفادة منها.
شحادة اشار إلى أنّ أولويّات الوزارة تتمحور حول وضع استراتيجيّة واضحة للدولة اللّبنانية تهدف إلى نقل لبنان من الواقع الحالي إلى تحقيق المكان الريادي الذي يستحقه في التطور التكنولوجي، معتبراً أنَّ القطاعين الخاص والتربوي يتقدَّمان بفارق كبير عن مؤسّسات الدولة في هذا المجال.
في السياق، أعرب شحادة عن تفاؤله الكبير بالمستقبل، مؤكّدًا أنّ الإنجازات التي حقّقها القطاع التربوي تعزّز قناعته بوجود مستقبل واعد للبنان، كما شدّد على أهمية اغتنام الفرصة المتاحة حاليًا لتحقيق نقلة نوعيّة في المجال التكنولوجي.
كما وأضاف أنّ لبنان يتميَّز بإمكانيّات هائلة سواء داخل البلاد أو في الخارج، مؤكداً أنّ هدف الوزارة هو تحسين الخدمات المقدّمة للمواطنين في مختلف المناطق اللبنانيّة.
وختم شحادة بالقول إن دور الوزارة يكمن في تحديد الأولويات وتجييشها من تمويل خارجي وطاقات لبنانيّة موجودة في المدارس والجامعات.
وتلا القس الدكتور حبيب بدر صلاة، شاكرًا الله على ما تحقّق وراجيًا الرب أن ينعم على لبنان بمستقبل زاهر.
من جهته، رحّب الدكتور نبيل قسطه، أمين عام رابطة المدارس الإنجيليّة في لبنان بمعالي الوزير كمال شحادة مهنِّئًا الطائفة الإنجيليَّة قائلًا: "نعرف أنّ نُصبَ عَينَيْ معالي الوزير خُطَّة لِنقلِ لبنانَ إلى مكانٍ أفضل من خلال هذا الذكاء الاصطِناعيِّ الذي لَمْ يَعُد من الكماليَّات في حياتنا العمليَّة واليوميَّة." كما أبدى الجاهِزيَّة العالية للتعاون الكامِل مع الوزارة.
وقد طرح د. قسطه مواضيع ونقاط مهمّة، أبرزها ضرورة استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، كما طالب بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصّة.
ثمَّ ألقى الأستاذ غسان حجار، رئيس تحرير جريدة النهار، كلمة توجّه فيها إلى معالي الوزير كمال شحادة، مؤكِّدًا أنَّ التحدّي الكبير ليس في إنجاز إدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج أو في إدارات الدولة التي لم تعرف كلّها المكننة البدائيّة بعد، بل التحدّي الحقيقيّ هو في بناء مشروع متقدِّم، يُتَّفق عليه مع أهل الاختصاص. هذا المشروع الرؤيوي يجب أن يكون ورقة أساسيَّة يُقرُّها مجلس الوزراء، تُشكِّل مادّة للمناهج الجديدة ما بعد الجديدة. وأضاف قائلًا إنَّ الرؤية الواضحة والثاقبة هي بداية المشروع الذي يُبنى عليه.
وقد اختُتِم الحفل بتأكيد الحضور على أهميّة مواصلة الحوار والتعاون مع الوزارة، وذلك بغية تحقيق هذه الأهداف، وبناء مستقبل أفضل للبنان. وفي نهاية الحفل، طلب القس جوزف قصاب، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان بركة الرب على الوزارة الجديدة وكرر التهنئة للوزير كمال شحادة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التحري
منذ 14 ساعات
- التحري
بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي … د. خالد جمال
منذ فجر الحضارات، شغل بال الإنسان سؤالٌ مركزي: هل يمكن التنبؤ بما سيحدث؟ ومتى وأين سيقع الحدث؟ وهل يمكن التعامل معه قبل أن يحدث؟ من هنا انطلقت فكرة 'نظرية الاحتمالات'، كوسيلة لفهم المجهول والتقليل من أثر الصدفة. وقد ظهرت أهمية هذا السؤال في أعمق صوره في ميداني الأمن والاقتصاد، حيث يسعى الإنسان إلى حماية نفسه من المخاطر التي تهدد أمنه ومعاشه. هذا السعي لم يكن مجرد ترف معرفي. منذ أن سعى ملك مصر في قصة النبي يوسف إلى تفسير حلمه عن البقرات السمان والعجاف، كان التفسير من وحي إلهي، لا يعلمه إلا الله. وقد فشل الإنسان، رغم محاولاته، في تقديم إجابات يقينية. فالاشتراكيون، الذين حاولوا تنظيم الاقتصاد، اصطدموا بواقع معقد أفشل مشاريعهم. وحدها البورصة اليوم، على فوضاها، تطرح احتمالات السوق، لكنها لا تنظمها. وهنا تبرز الأسئلة الجوهرية: هل سيملك الإنسان يومًا القدرة على تنظيم الاحتمالات وتحجيمها بحيث يتمكن من التنبؤ بالزمان والمكان للحدث قبل وقوعه؟ هل يمكن تجاوز 'الاحتمال' نحو 'اليقين'؟ المجالات التي تتوق لمثل هذه القدرة لا تُحصى: من الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والعواصف والحرائق، إلى الأزمات الاقتصادية من انهيارات أسعار ونقص إمدادات وأزمات في النقل وسلاسل الإنتاج، إلى القلاقل السياسية من احتجاجات إلى حروب، فإلى تغيرات اجتماعية عميقة مثل موجات الهجرة والتحولات في نمط الحياة والتعليم والعمل والعلاقات الاجتماعية. ثم يطلّ سؤال العصر: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي، الذي يتغذى على كمٍّ هائل من البيانات ويتعلم من التفاعلات، أن يختصر كل هذه الاحتمالات؟ هل يمكن أن 'يعلم' ما لا يعلمه إلا الله؟ هل ينجح حيث فشل الإنسان؟ هل نبني بأيدينا 'إلهًا صغيرًا' من السيليكون والشفرة؟ أم أن المسافة بيننا وبين هذا الخيال لا تزال بعيدة جدًا؟ صحيح أن الذكاء الاصطناعي قادر اليوم على توقع بعض الاتجاهات الاقتصادية أو الطبيعية بدقة نسبية، لكنه لا يزال محكومًا بالاحتمال، لا باليقين. فالعالم متغير، معقد، تحكمه مفاجآت تتجاوز النماذج والمعادلات. الاحتمال سيبقى جزءًا من وعينا، لأنه يعكس طبيعة الوجود نفسه: لا يقين فيه إلا ندر. هل يكون الذكاء الاصطناعي خلاصنا من عشوائية الاحتمال؟ أم مجرد أداة جديدة نحاول بها مواجهة المجهول؟ ذلك هو التحدي، وتلك هي معركة الفكر القادمة.


شبكة النبأ
منذ 5 أيام
- شبكة النبأ
تطويع الذكاء الاصطناعي لنشر القيم الإسلامية
أتاح الذكاء الاصطناعي فرصا واعدة لخدمة الإسلام ونشر تعاليمه بصورة أوسع واكثر فاعلية، سواء من خلال تطبيقات القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، أو تصميم روبوتات ومساعدات ذكية تقدم الفتاوى والتفسير، وتحسين جودة المحتوى الدعوي على المنصات الرقمية بمختلف اللغات، كما يمكن للذكاء الاصطناعي ان يسهم في التصدي للتطرف... بقلم: المدرس المساعد / ايلاف فاخر السيـلاوي تدريسية في كلية القانون / جامعة وارث الأنبياء في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجي، تبرز تقنية الذكاء الاصطناعي كأداة محورية ووسيلة مؤثرة في ميادين شتى من بينها المجال الديني والاسلامي، ولما كان الإسلام دينا خالدا يعنى بالإنسان في كل زمان ومكان. فقد أتاح الذكاء الاصطناعي فرصا واعدة لخدمة الإسلام ونشر تعاليمه بصورة أوسع واكثر فاعلية، سواء من خلال تطبيقات القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، أو تصميم روبوتات ومساعدات ذكية تقدم الفتاوى والتفسير، وتحسين جودة المحتوى الدعوي على المنصات الرقمية بمختلف اللغات، كما يمكن للذكاء الاصطناعي ان يسهم في التصدي للتطرف وسوء الفهم من خلال نشر التفسير المعتدل والنموذج الوسطي للدين، ورغم ما توفره هذه التقنيات من إمكانات مذهلة، فان توجيه استخدامها بشكل صحيح، مسؤولية تقع على عاتق المستخدم، ويظل ضرورة لضمان اتساقها مع القيم الأخلاقية والضوابط الشرعية، ويمثل تحديا حضاريا وفرصة استراتيجية لنشر رسالة الإسلام السمحة في افق جديد. فمن منظور إسلامي يمكن لهذه التقنية ان تحمل رسالة الإسلام ونشرها بطرق عصرية، فالذكاء الاصطناعي لا يقتصر على كونه أداة للبحث والمعالجة، بل اصبح شريكا في الإنتاج المعرفي وتوظيفه في نشر كل التعاليم الإسلامية وتعزيز قيم العدل والتسامح واحترام الانسان وهي من صميم الرسالة الإسلامية، مما جعل هذه التقنية قادرة على المساهمة في نشر ما ينفع الانسان للتقرب الى الله تعالى، وتشمل كافة فئات المجتمع لا سيما الأجيال الشابة التي تتعامل مع التكنولوجيا بشكل يومي. وان القيم الإسلامية ليست جامدة او منغلقة بل هي منظومة أخلاقية عالمية تتسم بالثبات في المبادئ والمرونة في الوسائل، ولا ينظر الى الذكاء الاصطناعي كعامل تهديد الهوية بل فرصة لنقل هذه القيم الى الفضاء الرقمي العالمي بأسلوب عصري ومؤثر، وان التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على تطويع هذه التقنية لخدمة رسالة الإسلام. فهو يقدم إمكانية غير مسبوقة لفهم اهتمامات الافراد وتحليل ميولهم وتقديم المحتوى المناسب لهم في اللحظة المناسبة، وهذا يفتح بابا واسعا امام المؤسسات الإسلامية والمبادرات الدعوية لتبني استراتيجيات اكثر تأثيرا وفاعلية تنطلق من فهم الانسان المعاصر وتخاطب قلبه وعقله بلغة يفهمهما ويثق بها، وفي ضوء التحولات والأفكار الدخيلة والمنحرفة عن الفطرة، والمفاهيم المظللة والمناقضة للقيم الإسلامية لابد من التأكيد على استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر اكبر ما يمكن من ثوابت الإسلام واحكام الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يعني فقط انتاج محتوى رقمي إسلامي بل يتطلب أيضا رؤية متكاملة تتضمن التأصيل الشرعي والوعي التقني والبعد الإنساني، والمفاهيم الأخلاقية حتى نضمن ان تكون رسالتنا انعكاسا صادقاً لجوهر الإسلام ومقاصده العليا والرصينة. ومما لا شك فيه ان هذه التقنية الذكية تساعد على نشر المحتوى للمسلمين وغير المسلمين في شتى انحاء العالم الاطلاع فيجب ان يكون موثوق بلغات شرعية مستمدة اصالتها من القران الكريم، وبها يكون التفاعل مع المعلومات والمسائل الفقهية ومصادر المعرفة الثقافية والإسلامية بشكل أكثر فاعلية وسرعة، كما انها تفتح آفاقاً غير مسبوقة لتجديد أساليب الدعوة وتعزيز الحوار مع كل الفئات المجتمعية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام في الفضاء الرقمي، كما يمكن انتاج وتصميم برامج لتفسير القران والاحكام الشرعية، كما أن تسخير الذكاء الاصطناعي في هذا المجال ينبغي ان يكون تسخيراً هادفاً ينطلق من فهم عمق الرسالة الإسلامية ومتطلباتها في هذا العصر، فالغاية لسيت مجرد استخدام التقنية لذاتها بل تطويعها لخدمة مقاصد الشريعة الإسلامية من تعليم وهداية وتزكية وتعميق الفهم الصحيح للدين، كما يمكن لهذه التقنية ان تكون وسطا معرفيا يساعد في نقل مسائل الشرع بطريقة مبسطة ودقيقة ومتاحة على مدار الساعة. ومع ذلك يمكن ان نشير الى مسألة مهمة لابد ان يستند هذا التطويع الى منهج علمي يجمع بين الاصالة والمعاصرة، بحيث تُبنى التطبيقات والأنظمة الذكية على أساس المصادر الشرعية المعتمدة وهي (القرآن الكريم، السنة النبوية، الاجماع، القياس)، ويراعى فيها اختلاف المذاهب الفقهية والسياقات الثقافية المتنوعة، ذلك لتعزيز الفهم الصحيح للكثير من المفاهيم والتعاليم الدينية عن طريق التطبيقات للأنظمة الذكية التي تفتح افاقا جديدة لزيادة نشر اساليب حديثة تواكب احتياجات العصر، فضلا عن ذلك ان يكون هناك إشراف من علماء ومختصين في هذا المجال لضمان سلامة المحتوى ودقته. وفي ضوء ما ذكرناه أعلاه، نوصي المستخدمين بتسخير الذكاء الاصطناعي في نشر تعاليم الإسلام بأن يحسنوا توجيه هذه الأداة الفعالة بما يتفق مع مقاصد الشريعة واخلاقياتها، لتقريب علوم الشريعة الى الناس والتمسك بالتعاليم الدينية من خلال الإجابات على الأسئلة الفقهية او شرح المفاهيم الدينية والتفسيرات للآيات القرآنية واحكام القران الكريم، على ان يلتزموا بالدقة الموضوعية وان يستندوا الى مصادر موثوقة تحت اشراف علماء مختصين، كما يُستحسن الاستثمار في تطوير محتوى ديني ذكي، تربوي واخلاقي يخاطب عقول الشباب بلغتهم المعاصرة، ويعزز الصورة الحقيقية للتعاليم الدينية في الداخل والخارج، وعليه فالذكاء الاصطناعي اذا وُظف بحكمة يمكن ان يكون منبرا عالمياً لنشر الهداية والرحمة والمعرفة الشرعية.


النهار
منذ 5 أيام
- النهار
"كلام على شفير الميتافيزيقا" لوليد الخوري: حفر دقيق في أصالة "العقلنة" بالخطاب التراثي
يضعنا الدكتور وليد كميل الخوري في كتابه الجديد الصادر عن مركز دراسات فلسفة الدين – بغداد، ودار التنوير (لبنان)، بعنوان "كلام على شفير الميتافيزيقا" في مواجهة مباشرة مع جملة من القضايا التي شغلت حيزاً أساسياً وواسعاً في الفكر الفلسفي العربي والإسلامي والغربي والمسيحي. ففي البدء كان الكلمة والكلمة استحالت إلى كل ما في الأعيان وانتظمت في الأدهان مفاهيم وشبكة معرفيات متجاوزة للطبيعي إلى ما هو فوقه الذي اعتدنا على تسميته "ما ورائي" أو "ميتافيزيقي" متأرجح بين القبول والتسليم لوضوحه ونقائه أو إنكاره ورفضه جملة وتفصيلا. وبين القبول والرفض درب أو صراط رفيع يفصل بين بر أمان أو لجة ندم سحيقة. واختار الدكتور وليد الخوري اسم الشفير حيث تتزاحم على ضفاف تاريخ الفكر البشري، المديد، سيول المذاهب والتيارات والملل: الناجية الراسخة في العلم أو الساقطة الخاسرة الضالة. وسبق للإمام الغزالي أن شبه الحالة هذه بـ"بحر عميق غرق فيه الأكثرون وما نجا منه إلا الأقلون" (الغزالي: المنقذ من الضلال). شفير الميتافيزيقا مع الدكتور وليد الخوري مختلف عن المعهود في المباحث الفلسفية: في ذات الله الواحد الأوحد، وملكوته، وفيض العقول عنه، وقدم العالم أو حدوثه ومخلوقاته النباتية والحيوانية، ونجوم وكواكب سماواته، والإنسان وقواه الغذائية والجنسية والحسية والعقلية. إنه إحاطة بخطاب نقدي في أركان الثقافة العربية والإسلامية المزروع "في تربة مالحة" تجلت في الموقف من المعتزلة، في ركونهم إلى أصالة العقل وحرية التفكير، وتتبع رصين لمسار الفكر العربي مع الأشعرية والمذاهب التي قبحت الفلسفة وأهلها ورميهم بالبدعة والكفر. ونظر ثاقب في فكر النهضويين وغربة الخطاب النقدي وأسبابها. مفتاح الإشكالية المحورية التي ترعرعت وعايشت الفكر العربي والإسلامي في حقباته المتتابعة يلخصها الدكتور وليد في تعليقه على مناظرة جرت بين السيرافي (لغوي - نحوي) ومتى (فيلسوف- منطقي، ومترجم) في مجلس الوزير الفضل ابن جعفر ابن الفرات (326 هج)، بين أصيل ودخيل. أصالة مشبعة بحرارة الحضارة العربية والإسلامية وما تحمله من امتيازات معنوية وأخلاقية وما أثارته الدخالة من " مشاعر التشكيك عبرت عنها المواقف المكفرة والمبدعة للفلاسفة الذين رأوا إلى الآخر اليوناني، في ما أنتجه في علوم الفلسفة والمنطق، إنجازاً معرفياً، يثري الحضارة الإنسانية الجامعة. الانطباع الذي ولدته المناظرة عند الحضور والحاكم الحكم أن كلام السيرافي "مبيض الوجوه .. طراز خالد لا يبليه الزمن .. وعليه، لقد انتهت المناظرة إلى نتيجة تعلي من شأن اللغة على حساب المنطق، وترفع الأصيل والموروث وتحط من قدر الوافد الدخيل" ويخلص المؤلف أي نتيجة مفادها أن هناك "فجوة عميقة تفصل بين علمين (النحو والمنطق) عززت تطوراً على شفير مرجعيتين (العقل والنص) تختلفان عند الأفق الميتافيزيقي لكل منهما'. ويرى صديقنا أن إشكاليات هذه المناظرة بطرفيها لم تغب عن الخطاب العربي المعاصر، ويورد أسماء المناصرين كالجابري الذي ناصر متى، ودفاع طه عبد الرحمن عن السيرافي. وفي مطلق الأحوال يعتبر سياق المناظرة والظروف التي أحاطت بها "شوهت معنى الحوار" وظهرت تداعياته في مواقف الغزالي وابن تيمية والأفغاني ومحمد عبده وغيرهم من النهضويين والمعاصرين. ويتطرق الكتاب إلى قضية بالغة الأهمية وهي معنى المعنى في ميادين العلوم التي نمت على هامش القرآن، وبشكل خاص في علوم اللغة وعلم أصول الفقه، لجهة أن هذا النوع من النظر "أملته الوقائع والمستجدات التي فرضها ويفرضها صخب الحياة وتجارب المجتمعات وحراكها اليومي الضاغط" وهذا مبحث موغل في التركيب الذهني عند المفكرين العرب والمسلمين على حد سواء. غلاف الكتاب. وتضمن الكتاب قراءات نقدية لمنهجيتي الغزالي وابن رشد في كتاب "مختصر المستصفى" لابن رشد. ويكشف الدكتور وليد عن معالم سمات العقلانية المتوسطية (التي سادت على ضفاف البحر المتوسط) عند طه حسين الداعية إلى أصالة العقل وحرية الإنسان في اختيار أفعاله (بدأت مع المعتزلة) والنسج على نول ارسطو في التفلسف، والضرب على أوتار الحداثة الثلاثة الذهبية : الحرية والديمقراطية والعقلانية. ويختم بإطلاق صرخة الأرض المدوية بسبب تغييب العقلانية والتحامل الصارخ على الحرية. وأزمة الفكر العربي مستمرة وإن تعددت المناهج التفكيكية الحديثة للنص التراثي، والقرآني بشكل خاص، بصنفيها: تلك التي تعمل على إعادة تركيب الحقل الدلالي للنص القرآني بما يتوافق مع شروط التفكير الحديث والمعاصر، وتلك التي ترى أن هكذا فعل يخلخل مبنيات العقيدة الدينية بضرب الثوابت في بنيتها وتجريدها من صفة القداسة المتأتية من أصلها الإلهي. ويستعرض المؤلف جملة من المناهج، كتفكيكية جاك داريدا، والألسنة السوسورية وشكلية اللغة، ليقول بأن التفكيك "لعب بالنار" . وغير خاف على أحد أن محنة الاختلاف مستمرة في طيات التاريخ العربي حيث "يتماهى فيه الديني والزمني، وتحركه، في كل الاتجاهات، لعبة القبض على المعنى من أجل الفوز بالجنتين : السلطة في الدنيا، والجنة في الآخرة"، وهي محنة تسقط كل محاولات الإبداع والترقي. ويستعرض المؤلف في حنايا كتابه أعمال ثلة من المفكرين المعاصرين والمتقدمين تحت عناوين ملفتة كالغزالي واللعب في حديقة الاسم المشترك، وتجربة كمال يوسف الحاج وفلسفته الملتزمة، والعقلانية الرشدية في ميزان الفكر المعاصر، ومسلك رفع التضليل والحيرة عن العقيدة بين ابن رشد وابن ميمون، والحقيقة المغيبة في نهضوية فرح انطون، وبسط السؤال على ساحة المعنى : صيغ ومنازل، والتأثيلية والتعبيرية: مسلكان منهجيان لوضع المصطلح الفلسفي العربي المنقول. هذا مع حفر دقيق في أصالة "العقلنة" في الخطاب التراثي، وتحديد تمايز المفاهيم المتعلقة بالعقلنة والعقلانية والتبرير العقلاني. من ذلك أن العقلنة تختلف عن العقلانية في كون "العقلانية تقدم رؤية للعالم تترجم الكلي بين ما هو عقلي فيه، أي التناسق والنظام وواقع الكون نفسه، ولعل في هذا المفهوم للعقلانية ما يؤول بها في رؤيتها للواقع، إلى إقصاء اللامعقول فيه، أو ما ليس ذا طابع عقلي'. وعليه يمكن أن تكون الأفعال الإنسانية لمجتمع ما عقلانية في مبادئها ونظام علاقاتها، وفي ذلك ابتعاد عن "التبرير العقلاني الذي يبني رؤية كليّة للكون ، انطلاقاً من واقعة جزئية، أو عامل واحد، مع تهميش وتغييب ما قد يكون من أسباب ووقائع أخرى. وعلى ضوء هذه الاختلافات يتعقب المؤلف العقلنة في مسارها التراثي. ولا يخفى أن ازدحام الكلام على شفير الميتافيزيقا تجمع شتات منازله عروة السؤال الملازمة لكل فعل تفلسف، جديده وقديمه. وما من إجابة إلا وتحف بها سيول النقد، في تعدديتها واختلافاتها. والطامة الكبرى معاناة حضورها في الثقافة العربية المهيمنة، إذ رموزها مهمشون مضطهدون ، وملاحقون لأنهم متهمون من "أهل الجمود" بخلخلة الأصيل وإحداث الاضطراب في العقيدة وعلومها بأدوات معرفية دخيلة، وزحزحة التقليد بمعرفيات الحداثة وقيمها. وهكذا يبقى العقل العربي "معتقلا" في زنزانة الخوف والتردد، ليس له إلا اجترار ماضيه الذي سطعت أنواره في لحظات مضيئة من لحظات حريته التي رميت في سلة تاريخه.