logo

تأملات في واقع امتحانات البكالوريا والتحديات التربوية المرتبطة بها

وجدة سيتيمنذ 2 أيام

تُعد امتحانات البكالوريا محطة مفصلية في المسار الدراسي للتلاميذ/ت، حيث تمثل مرحلة انتقالية نحو التعليم العالي أو التكوين المهني، كما تحمل، من وجهة نظر الأسر، دلالة قوية على النجاح والاعتراف الاجتماعي والتربوي. غير أن الملاحظ من خلال تتبع ارتسامات التلاميذ عبر مواقع الجرائد الإلكترونية، هو اتفاقهم على سهولة مواضيع الاختبارات رغم إخفاق العديد منهم في الإجابة عنها، ولجوء أغلبهم للغش كوسيلة للحصول على البكالوريا.
هذه المفارقة تعكس بوضوح أزمة عميقة في منظومة التعليم، حيث لم يعد المشكل مرتبطًا بصعوبة المواضيع، وإنما في ضعف مستوى التحصيل، وافتقاد عدد كبير من التلاميذ/ت للكفايات الضرورية التي تؤهلهم لاجتياز هذا الاستحقاق الوطني بنجاح. وهو ما يطرح أسئلة مقلقة حول جدوى هذه الامتحانات في ظل تراجع مردودية المدرسة وضعف التحصيل الدراسي.
لقد بات من الواضح أن جزءًا مهما من تلاميذ/ت التعليم الثانوي التأهيلي يعانون من تعثرات بنيوية تمتد من المراحل الدراسية الأولى، وتشمل صعوبات في التعبير الشفهي والكتابي، ضعف في الفهم والتحليل، وعجز في القيام بالعمليات الذهنية البسيطة والمركبة، وهي مشاكل لا يمكن تداركها ضمن حصص دعم محدودة المدة أو حلول ترقيعية في السنوات النهائية من التعليم الثانوي. هذا التدهور الملحوظ في المستوى يزداد حدة في ظل انعدام تكافؤ الفرص، حيث تختلف بيئة التعلم بين التلميذ المنتمي إلى وسط حضري ميسور، يستفيد من دعم أسري ومواكبة تربوية ودروس دعم مؤدا عنها، وبين التلميذ المنتمي إلى أوساط هامشية أو قروية يفتقر إلى نفس الموارد والإمكانيات.
وفي هذا الإطار، لا يُمكن اعتبار امتحانات البكالوريا الحالية منصفة للجميع، لأن ظروف الإعداد والتهييء ليست متكافئة. بالإضافة إلى أن الصيغة الحالية لنظام التقويم في الثانوي التأهيلي، الذي يرتكز على مرحلتين أساسيتين: الامتحان الجهوي في السنة الأولى من سلك البكالوريا، والامتحان الوطني في السنة الثانية. غير أن الامتحان الجهوي، الذي يحتسب بنسبة 25% من المعدل العام، يركز على مواد ذات طابع أدبي، حتى بالنسبة لتلاميذ الشعب العلمية، ما يجعل الإخفاق فيه حاجزًا نفسيًا وعائقًا تربويا أمام استكمال السنة الثانية الموالية. وفي كثير من الحالات، يؤدي هذا النظام، بالنسبة للتلاميذ غير الحاصلين على المعدل بالامتحان الجهوي، إلى الإحباط المبكر والشعور بعدم الثقة، يدفع عددًا منهم إلى الانسحاب الرمزي من مسارهم الدراسي رغم تواجدهم داخل الفصول الدراسية.
ومن غير المعقول أن تلاميذ المسارات العلمية يُلزمون باجتياز مواد لا تنتمي إلى تخصصهم وتُحتسب بشكل حاسم ضمن معدل البكالوريا، في حين أن المواد الأدبية يمكن أن تُحتسب في إطار المراقبة المستمرة فقط. هذا الخلل في بنية التقويم يحتاج إلى مراجعة شاملة تراعي التخصصات وتضمن العدالة في التقييم.
ويزداد الوضع تعقيدًا عندما نُضيف إشكالية التوجيه القصري الذي تم بالسنوات الماضية نحو الشعب العلمية خيار فرنسية، رغم أن عددًا كبيرًا من التلاميذ لا يمتلكون الحد الأدنى من الكفايات اللغوية لمسايرة التعلم باللغة الفرنسية. هذا التوجيه المفروض يؤدي إلى فجوة بين لغة التلميذ الأصلية ولغة التدريس، ويضعف من قدرته على فهم المضامين والتفاعل معها، مما ينعكس سلبًا على نتائجه الدراسية وعلى ثقته بنفسه، ويزيد من الشعور بالاغتراب داخل الفصول الدراسية.
وفي ظل هذا السياق، تبرز أهمية التوجيه المدرسي بوصفه آلية أساسية لضمان التلاؤم بين قدرات المتعلم، ميولاته، واختياراته الدراسية. لكن واقع الحال يُظهر ضعفًا كبيرًا في حصص المواكبة التربوية، التي لا تُفعل بالشكل الكافي لمساعدة التلاميذ على بناء مشروعهم الشخصي، والتخطيط لمسارهم الأكاديمي أو المهني بشكل واعٍ. فلو تم تفعيل حصص المواكبة التربوية بشكل مبكر، لتمكنا من توجيه التلاميذ ذوي الصعوبات الحقيقية نحو مسارات مهنية مناسبة، عوض إغراقهم في مسارات نظرية لا توافق ميولاتهم ولا مؤهلاتهم.
ويُعزز من هذا الطرح غياب التكوين المهني كمكون فاعل داخل المشهد التربوي بالثانويات، حيث لا تقوم مؤسسات التكوين المهني بأدوار إعلامية توجيهية كافية داخل المؤسسات التعليمية للتعريف بمساراتها وآفاقها. ورغم أن التكوين المهني أصبح مسارًا استراتيجيًا في السياسات التنموية للمغرب، خاصة في ظل تشجيع الدولة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، والانفتاح على المجال الصناعي والخدماتي، فإن التلاميذ يفتقرون إلى المعطيات الضرورية، ولا يتلقون التوجيه الكافي للاستفادة من هذا العرض التكويني.
إن تعزيز الارتباط بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات التكوين المهني، والرفع من عدد مقاعد هذه الأخيرة، وربط الشعب الدراسية بمسارات تكوين مهني واضحة، سيساهم في احتواء الأعداد الكبيرة من التلاميذ الذين لا ينسجمون مع المسارات الأكاديمية، ويفتح لهم آفاقًا جديدة للاندماج الاقتصادي والاجتماعي. كما أن شهادة البكالوريا، حتى وإن كانت رمزية في بعض الحالات، تُشكل عاملًا مهمًا في الحفاظ على تماسك التلميذ النفسي والاجتماعي، وتمنحه فرصة للعبور نحو مسار جديد بدل الإقصاء من المنظومة التعليمية بشكل نهائي.
إن الوضع الحالي يفرض مراجعة شاملة لأهداف التعليم الثانوي، بحيث لا تبقى البكالوريا غاية في حد ذاتها، بل محطة ضمن مشروع شخصي واضح ومخطط له، يتم فيه تكييف التقويم، وتفعيل التوجيه، وضمان تكافؤ الفرص، بما يضمن تعليمًا منصفًا، ذا جودة، وقادرًا على ربط المدرسة بالحياة، والمعرفة بسوق الشغل، والطموح بالواقع. إنها مسؤولية جماعية تتطلب إرادة سياسية قوية، ورؤية تربوية متكاملة تجعل من المتعلم محورًا لكل إصلاح.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

استفسارات حول مشروع تأهيل دوار بتسلطانت فوق مكتب العمدة
استفسارات حول مشروع تأهيل دوار بتسلطانت فوق مكتب العمدة

كش 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • كش 24

استفسارات حول مشروع تأهيل دوار بتسلطانت فوق مكتب العمدة

وجه مستشار بجماعة تسلطانت مراسلة إلى عمدة مدينة مراكش، بشأن مشروع تأهيل دوار الخدير الجديد بتسلطانت الذي يعاني من التهميش. وطالب المستشار المذكور بالحصول على بعض المعلومات حول مشروع تأهيل دوار النزالة والخدير الجديد بجماعة تسلطانت، وذلك بعد اعطاء تعليماتها للجهات المعنية للقيام بدراسة شاملة لهدا المشروع، وفك العزلة على ساكنة المجاورة لجماعة مراكش والتي لا تفصلها عنها سوى بعض الكيلومترات القليلة، ومازالت تتخبط في التهميش والاقصاء. واستعرضت المراسلة حجم الضرر والمعاناة اليومية التي تعانيها ساكنة وخاصة ترسبات المياه العادمة وتضرر الفرشة المائية والانقطاع اليومي للماء الشروب خصوصا في فصل الصيف، مشيرا أن هذا المشروع سيلقي استحسانا واسعا لدى الساكنة التي يتجاوز تعدادها ستة الاف اسرة.

وصفات مع كراميلا: فطائر بـ'كريم باتسيير'
وصفات مع كراميلا: فطائر بـ'كريم باتسيير'

جريدة الصباح

timeمنذ 2 ساعات

  • جريدة الصباح

وصفات مع كراميلا: فطائر بـ'كريم باتسيير'

المقادير 300 غرام من الدقيق ملعقة كبيرة من الزبدة اللينة 2 ملاعق كبيرة من السكر سكر فانيلا نصف ملعقة صغيرة من الملح كأس من الماء الدافئ ملعقة كبيرة من خميرة الخبز 160 غراما من الزبدة مقادير كريم باتسيير: نصف لتر من الحليب 2 ملاعق كبيرة من السكر 2 ملاعق و نصف من

موعد الإعلان عن نتائج 'الباكالوريا'
موعد الإعلان عن نتائج 'الباكالوريا'

الأيام

timeمنذ 4 ساعات

  • الأيام

موعد الإعلان عن نتائج 'الباكالوريا'

انطلق العد العكسي بالمغرب لإعلان نتائج الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا في دورته العادية لشهر ماي 2025، بعد انتهاء عملية التصحيح بمختلف مراكز التصحيح عبر ربوع المملكة. وبحسب الجدول الزمني المعتمد من لدن وزارة التربية الوطنية، فمن المنتظر أن تنعقد مداولات نتائج الدورة العادية يوم الجمعة 13 يونيو الجاري، على أن يتم الإعلان عن النتائج رسميا في اليوم الموالي، أي السبت 14 يونيو 2025. وساهم في عملية التصحيح حوالي 43 ألف أستاذ وأستاذة، موزعين على ما يقارب 310 مركزا خصصت لهذه الغاية، في إطار تعبئة شاملة لضمان السير السليم لمرحلة التصحيح.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store