
في حضرة مهرجان الكرز... حمانا تستعيد نبضها (صور وفيديو)
حين تسير في دروب حمانا، تشعر أنك تمشي فوق خريطة معلقة بين غيمة وضوء، فهي لا تبعد سوى ثلاثين كيلومتراً عن بيروت، لكنها تبعد أكثر من ذلك عن صخب المدن واستهلاك الروح. إنها بلدة الذاكرة، وعين الشمس، وواحة مهرجان الكرز.
والمهرجان في حمانا ليس مجرد تظاهرة سياحية موسمية، بل عودة سنوية إلى الذات، وإلى جذور القرية وتلك اللحظة التي تتصافح فيها اليد مع الغصن، والذكرى مع الطعم. هذا العام، في نسخته لعام 2025، امتدّ المهرجان على مدى يومين، وانتهى مساء أمس، بعد أن غمر حمانا بزخّات من الفرح والزوار، والموسيقى والكرز.
منذ ستينيات القرن الماضي، حين انطلق أول مهرجان للكرز، تحوّلت الضيعة من أرض توت إلى أرض كرز، ومن موسم صامت إلى صخب احتفالي. ملكة جمال الكرز، وألذّ كوكتيل، وأشهى كبّة بالكرز، ثمّ دخلت الحرفيّات والمونة والمطرّزات على خط المهرجان، فتوسّع وانفتح، وصار موسمًا للذاكرة والنمو.
لكن الكرز في هذا العام لم يصمد ليومين. ففي اليوم الأول، كان المشهد سوريالياً: أكياس، أيدٍ، ضحكات، صور، وقبل الغروب... نفدت ثمرة كرز حمانا. كل ما قُطف بِيع. وفي اليوم الثاني، من وصل متأخراً وجد كرزاً من الجبل ومن مناطق أخرى. قال أحد المسنّين، وهو يشير إلى بيت قديم في ساحة البلدة: "الكرز الذي اشتراه الزوار في اليوم الثاني لم يكن من حمانا... لقد نفد كرزنا. ولكن كرزنا يُعَدّ ذهباً، حتى وإن ارتفع سعره".
الزوار لم يكتفوا بشراء الكرز، بل ساروا على دروب المشي في الطبيعة الممتدة من نبع فالوغا، نزولًا في وادي لامارتين، وصولاً إلى بساتين حمانا. كانت الطريق أشبه برحلة في الزمن والطبيعة معًا. سكون النبع، ظلال الوادي، ثم فجأة ضجيج السوق، وصخب المهرجان، وصوت الكرز حين يلامس كفًّا متلهفة.
في قلب هذا المشهد، كانت مايا كنعان، ابنة البلدة، تستقبل الضيوف، تقول: "حمانا عروس قضاء المتن، وأنا ابنة هذه البلدة. في كل عام ننظم هذا المهرجان، ليس فقط لننشر الفرح، بل لننقل تراثنا إلى الأجيال المقبلة. لدينا أنواع مميزة من الكرز: الخمري، والمزيّح، والأصفر، ونصنع منها المربى، والكمبوت، والكبة، وحتى عصير الكرز. والمهرجان يتوسع عاماً بعد عام، إذ يضم الآن إلى جانب الكرز، منتجات من القشّ وبذور الكرز، وتحفاً مصنوعة يدوياً وأقمشة تراثية".
من يستمع إلى مايا يدرك أن المهرجان ليس فعالية تنتهي عند خيمة أو طبق. إنه ذاكرة تُصنع من جديد، وجيل جديد يمسك بها ليكمل المسيرة. فمنذ عشر سنوات، كانت بساتين الكرز خمسة فقط، أما اليوم فقد أصبحت أحد عشر بستاناً. الزراعة تتوسع، والشباب حاضرون، والبلدية تشجع، والمنظمات النسائية تهتم بالحرف والتراث.
وفي السوق، كانت الوجوه تتقاطع: أطفال يركضون، نساء يعدون الكبة بالكرز، شباب يوزعون أكياس القطاف على المشاركين. في الصباح، اصطحب أهل البلدة الزوار بالحافلات إلى البساتين، وعرّفوهم على أشجار الكرز وكيفية قطف الثمار الناضجة. ومن لم يقطف، استعاض بالشراء. ومن لم يشترِ، تذوّق، أو التقط صورة مع سلّة من كرز الجبل.
في السوق التي تعود أبنيتها إلى القرن الثامن عشر، تمازجت روائح الكرز بمربى الفريز، والخشب المعطّر بالقشّ، والفخار، وروائح الطعام الشعبي. أما الأطفال، فكان لهم عالمهم الخاص من الألعاب والمرح. وبين عزف الموسيقى، واستعراضات الجمباز، وحشود السيّاح أمام كشك "الكبة بالكرز"، بدت حمانا كأنها تستعيد صوتها، بعد أن هاجر أغلب ناسها.
البلدة التي كانت يوماً ملتقى الأدباء والمصطافين العرب والأجانب، بدأت تستعيد مكانتها. يقول لامارتين، الذي زار حمانا وكتب عنها في "رحلة إلى الشرق": "إن أجمل أعمال الله تقع في وادي حمانا". واليوم، في عام 2025، لا تزال أعمال الله تُزهر على شجرة، وتُباع في ساحة، وتُطبخ في قدر.
المهرجان أعاد الحركة إلى الشارع، والناس إلى الأرض. وفي كل ثمرة كرز قصّة صغيرة. وفي كل كيس يُحمل إلى بيروت أو صيدا أو زغرتا رسالة: أن هذه الأرض لا تموت، وأن في كل ثمرة... وطن.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 28 دقائق
- صدى البلد
رسالة قوية من شوبير بشأن مكافآت الأهلي
وجه الإعلامي أحمد شوبير رسائل قوية، بسبب حديث البعض عن المكافآت الخيالية التي رصدها مسؤولو النادي الأهلي للاعبي الفريق الأول لكرة القدم، خلال منافسات كأس العالم للأندية. وقال أحمد شوبير، في تصريحات تلفزيونية عبر فضائية «الأهلي»: "الناس كلها بتتكلم على مكافآت الأهلي الكبيرة، يا جماعة الخير إحنا في كأس العالم، أيوه في لائحة خاصة بكأس العالم وفي لائحة مجزية لكأس العالم، وفي مكافآت جيدة جدًا محطوطة لكأس العالم، الأهلي عامل لائحة تليق بكأس العالم، سواء في الجوائز والخصومات". وأضاف: "عقبال إن شاء الله عندكم يا حبايب وتبقوا في كأس العالم، وتجربوا اللوائح الجميلة دي، ما أحب ما علينا كله يبقى في كأس العالم، وكله يعمل لوائح جيدة والأهلي يستمتع بوجوده في المحفل الكبير لكأس العالم للأندية". وتابع: ٠مش هقول المكافآت كام، ولكنها مجزية جدًا وممتازة وتليق بالحدث العالمي". وأشار: "في ناس زعلانة، كل شوية يتفرجوا عليك وإنت شغال في محافل عالمية، بيرددوا كلام كتير غير صحيح، أرجوكم متهتموش وحطوا كل حاجة في حجمها الصغير، لأنك في محفل عالمي متدخلوش نفسكم في الحاجات الصغير دي". وختم: "الأهلي حالة، الأهلي عامل حالة في أمريكا، الناس اتخضت في مباراة الافتتاح الملعب 80% منه أهلاوية، فلازم في ناس هتبقى متضايقة منك شوية اللي عندهم تطرف في التشجيع".


LBCI
منذ 2 ساعات
- LBCI
مايا دياب تحبس أنفاس الجمهور بإطلالة لافتة وغريبة (صور)
نشرت الفنانة اللبنانية مايا دياب مجموعة من الصور اللافتة لأحدث جلسة تصوير لها، حيث اختارت ارتداء فستان باللون الأبيض وقبّعة بتصميم مميز مع وشاح باللون نفسه. وفي التفاصيل، تميّز فستان مايا دياب بتصميمه عند منطقة الصدر، كما ركّزت الصور على مجموعة من الأظافر التي انبعثت من أطرافها النيران، ما أضاف على الأجواء المزيد من الجرأة. وكانت قد شاركت مايا دياب مقطع فيديو لوردة في طور النمو والازدهار، ما خلق التساؤلات وأشعل الحماس بين محبي ومتابعي النجمة. A post shared by Maya Diab (@mayadiab)


ليبانون 24
منذ 2 ساعات
- ليبانون 24
بعد وفاة شقيقها بشكل مفاجئ لطيفة تخرج عن صمتها .. هل من شبهة جنائية؟
قامت الفنانة التونسية لطيفة بنفي ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام بشأن وجود شبهة جنائية أو ظروف غامضة تحيط بوفاة شقيقها الأكبر نور الدين ، الذي وافته المنية مؤخرا، مؤكدة أن هذه الأخبار عارية تماماً من الصحة. وفي تصريحات مؤثرة لها عبر إذاعة " موزاييك" التونسية، عبرت لطيفة عن حزنها العميق قائلة: "أخويا كان ملاك العيلة.. قبل ما يتوفى بساعتين كان بيتكلم معانا وبيضحك، وكان بيتابع الأخبار، وكان قلبه حزين جداً على اللي بيحصل في فلسطين وغزة." وأضافت: "ربنا يكتب لنا موتة زيه.. مات على سريره، ومن دون أي ألم". وشددت لطيفة على أن ما يتم تداوله من روايات مغلوطة حول وجود غموض أو عنف في الوفاة، غير صحيح على الإطلاق، لافتة إلى أن بعض الأشخاص تعمّدوا ترويج معلومات غير دقيقة تسيء للعائلة. وقالت: "أخويا كان قريب من البيت، وما ردش على التليفون، كسروا الباب لقوه على السرير.. ده اللي حصل بالضبط. حسبي الله ونعم الوكيل في اللي بيقول ويكتب أخبارا مش صحيحة". وفي السياق ذاته أصدرت عائلة الفقيد بياناً رسمياً من تونس ، نفت فيه صحة الشائعات المتداولة، مؤكدة أن الوفاة ناتجة عن أزمة قلبية مفاجئة، وأن الراحل لم يكن يعاني من أي أمراض أو مشكلات صحية سابقة، ما زاد من وقع الصدمة لدى العائلة والمقربين.(إرم نيوز)