
قائمة جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي 2025
خاص: إعداد- سماح عادل
أعلنت مؤخرا قائمة جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي، في دورته الرابعة التي كانت في الفترة من 9 إلى 13 أبريل 2025 في أمريكا.
انقسمت جائزة أفضل ممثل بين كل من الفنان المصري 'عصام عمر'، عن دوره في فيلم 'البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو'، والممثل الفلسطيني 'آدم البكري'، عن دوره في الفيلم العراقي 'إذا رأيت شيئا'. وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة للممثلة السودانية 'إسلام مبارك'، عن دورها في الفيلم المصري 'ضي.. سيرة أهل الضي'، وجائزة أفضل ممثلة فذهبت للفنانة اللبنانية 'دايموند بو عبود'، عن دورها في فيلم 'أرزة'.
وفاز الكاتب 'هيثم دبور'، بجائزة أفضل سيناريو عن فيلم' ضي'، ونال المخرج 'كريم الشناوي' جائزة أفضل مخرج عن نفس الفيلم. و منحت جائزة الأفق الذهبي لفيلم 'ضي'، لتصبح حصيلة الجوائز التي فاز بها خلال هذه الدورة المميزة 4 جوائز. ترأست 'إلهام شاهين'، لجنة تحكيم الدورة الرابعة للمهرجان، الذي افتتح فعالياته بعرض فيلم 'ضي'، وتم تكريم الفنان 'أحمد حلمي' بجائزة الإنجاز للسوبر ستار.
كان حفل افتتاح المهرجان في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية بحضور عدد كبير من صناع السينما العربية والعالمية، بينما تم اختيار فيلم ضي: سيرة أهل الضي ليكون فيلم افتتاح المهرجان.
المسابقة الرسمية بالمهرجان تضم 6 أفلام من الدول العربية، من بينها الفيلم المصري «ضي: سيرة أهل الضي» للمخرج كريم الشناوي، الفيلم اللبناني «أرزة» للمخرجة ميرا شعيب، والفيلم العراقي «إذا رأيت شيئاً» للمخرج عدي رشيد، والفيلم البحريني «إلكترا» للمخرجة هالة مطر، ومن كردستان فيلم «سعادة عابرة» للمخرجة سينا محمد، بالإضافة إلى الفيلم المصري «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» للمخرج خالد منصور، الذي تم اختياره ليكون فيلم يعرض في حفل ختام المهرجان.
يتنافس في قسم الأفلام القصيرة 16 فيلما قصيرا، منها الفيلم المصري«عقبالك يا قلبي» للمخرجة شيرين دياب، والفيلمان الأردنيان «الأنشودة» للمخرجة مي غوطي و«الظلال» للمخرجة رند بيروتي، والفيلم السوري «فطام» للمخرج حسام حمو، والفيلم الجزائري «نيا» للمخرجة إيمان عيادي.
يقام مهرجان هوليوود للفيلم العربي، ضمن الاحتفال بشهر التراث العربي الذي يُحتفل به سنويًا في أبريل، الذي يهدف إلى خلق مساحة جديدة لصناع الأفلام العرب ولتعريف الجمهور الغربي بالسينما العربية .
يقع مهرجان هوليوود للفيلم العربي في قلب مدينة هوليوود، وتتمثل مهمته الأساسية في توفير منصة لصانعي الأفلام العرب وشمال أفريقيا للالتقاء وإبداع وعرض أعمالهم الفنية. ويطمح المهرجان إلى تعريف محترفي السينما العالميين بصناعة السينما العربية، وإبراز تميزها وفرادتها. كما يسعى إلى مناقشة التحديات التي تواجه هذه الصناعة واستراتيجيات تطويرها.
إدراكًا منه لغنى صناعة السينما في المنطقة، يهدف مهرجان هوليوود للفيلم العربي إلى إنشاء منصة تتيح للجمهور الغربي التفاعل المباشر مع صانعي الأفلام العرب لاكتساب رؤى ثاقبة حول هوياتهم الثقافية والقضايا التي يواجهونها.
الأهداف الإستراتيجية:
بناء:
تعزيز قدرات ومهارات التعلم لدى الفنانين وصناع الأفلام العرب ليبقوا في طليعة اتجاهات السينما والفن.
توطيد العلاقات داخل الصناعة الأمريكية.
إنشاء شبكة مركزية لتبادل المعرفة بين الفنانين العرب والأمريكيين.
تثقيف الجمهور الغربي حول ثقافة السينما العربية من خلال توفير مصدر قيّم للتعلم وتعريفهم بالأفلام الجديدة والفنانين والمبدعين العرب.
الدفاع عن أعمال صناع الأفلام العرب في الصناعة الأمريكية.
السعي إلى الاعتراف بصناع الأفلام العرب في أوساط السينما في هوليوود.
تسهيل زيادة التغطية الإعلامية وتأمين صفقات توزيع مع كبرى الشبكات والمنافذ الإعلامية الغربية لصناع الأفلام العرب.
سيضمن المهرجان تغطية إعلامية شاملة عبر مجموعة متنوعة من المنصات الإعلامية الغربية المخصصة للفنون السينمائية، بهدف تعزيز انتشار الأعمال الفنية المعروضة. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تنظيم مجموعة واسعة من الأنشطة، بما في ذلك 'سوق المهرجان' وفعاليات أخرى متنوعة.
يحتفظ مهرجان هاف بحق استخدام جميع المواد المُقدمة لأغراض ترويجية ولإدراجها في دليل المهرجان. طوال فترة المهرجان، ستكون الأفلام المختارة متاحةً في مكتبة الفيديو الرقمية، والمتاحة حصريا لمحترفي السينما المعتمدين والصحفيين وهيئات المهرجانات، والمستضافة على خادم الدائرة المغلقة الخاص بمهرجان هاف. باختيار المشاركة في مهرجان هاف، يمنح المُقدمون تلقائيا الإذن بإدراج أفلامهم في مكتبة الفيديو، ما لم ينص صراحةً على خلاف ذلك في نموذج المشاركة.
القواعد والشروط:
تقبل الأفلام عبر FilmFreeway. يجب تقديمها رسميًا ليتم النظر فيها. يُفضل استخدام Vimeo.
بفضل عدم استلام الأفلام قيد الإنجاز. يُمكنكم تقديم فيلم غير مكتمل مع ملاحظات حول الأجزاء المفقودة، ولكن لا نضمن مشاهدة المُونتاجات الجديدة بعد تقديم الفيلم.
المشاركة مُكتملة على FilmFreeway.
عرض رقمي – رابط Vimeo
شروط التقديم:
يجب أن تكون الأفلام مكتملة في عام ٢٠٢٤ أو ٢٠٢٥.
في حال اختيارها، يجب أن تكون الأفلام متاحة للعرض بتقنية DCP.
يجب أن تكون جميع الأفلام غير الإنجليزية مصحوبة بترجمة باللغة الإنجليزية.
يجب تحميل الأفلام وتقديمها في موعد أقصاه الموعد النهائي للتأهل لرسوم الاشتراك.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 3 ساعات
- موقع كتابات
'محمد القبانجي'.. أول قارئ مقام عراقي تسجل له أسطوانة
خاص: إعداد- سماح عادل 'محمد القبانجي' فنان ومطرب عراقي، أحد الرواد المبدعين في مجال المقام العراقي، ومن أشهر قارئي المقام في العراق. إبداع.. في مقالة بعنوان (محمد القبانجي.. سيرة مختصرة وإبداع) كتبت 'د. إيمان نوري الجنابي': 'مطرب المقام الأول في العراق في القرن الماضي، عاش ما بين 1904 و1989. اسمه محمد عبد الرزاق الطائي، لقب بالقبانجي وهو لقب يطلق على من يمتهن وزن المحاصيل الزراعية بالقبان أي الميزان، والتي كانت مهنة والده ومهنته في صباه، أجاد غناء الموشحات والمقامات والبستات، نوع من الغناء البغدادي، وهو بعمر 12 سنة، وجدد حسب ما ذكره بعض العارفين في المقامات العراقية ذلك اللحن من الموسيقى العراقية التراثية. لقب بمطرب العراق الأول في المؤتمر الثاني للموسيقى الشرقية في القاهرة سنة 1932م بحضور الملك فؤاد ملك مصر. وقد تنافس مع الفنانة أم كلثوم والفنان محمد عبد الوهاب. مارس محمد القبانجي في أيام شبابه التمثيل المسرحي في فرقة حقي الشبلي عام 1927. أصر أن يكون فيما بعد تاجراً في الحبوب لئلا يعتمد في معيشته على الغناء ولأجل أن يحافظ على موقعه الاجتماعي والاكتفاء المادي. ولد محمد القبانجي في الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني سنة 1907 في جانب الرصافة من بغداد وقد اختلفت الآراء في تاريخ ميلاده، ما بين 1897 إلى تاريخ 1907 ولكن الاعتقاد الأرجح أن الميلاد الدقيق هو 1901. تزوج بابنة عمه عبد الجبار الذي شمله برعايته وتوجيهاته الحكيمة وقد رزقه الله منها ولدين هما (قاسم وصبحي) وعدداً من البنات»، أما عن كنيته وملامحه فقال: «كنيته (أبو قاسم) نسبة إلى ابنه الكبير، أما لقبه فهو (القبانجي- الكبنجي) وهو لقب عائلته إذ كان معظم رجالها يزاولون التجارة وحرفة كيل الطعام بالقبان (الكبان ويلفظ بالكاف الأعجمية المضخمة)، وهو طويل القامة ولونه أبيض مصحوب باحمرار، ذو محيا بشوش وثغر لا تفارقه الابتسامة وله مظهر وقور يبعث في نفوس الناظرين إليه الغبطة والانشراح والمهابة والاحترام، وله صوت موسيقي النبرات وبوسعه أن يرفعه فيصدح صداح البلبل، أو أن يخفضه فيبدو غليظاً رصيناً، وقد أحرز بصوته الفريد قصب السبق في جميع مجالات الغناء في العراق وانتشر له صيت بعيد، وهذه الصفات الحميدة والمواهب الفريدة جعلته يعيش سعيداً مرفهاً، وكان فضل الله عليه عظيماً، ولم تكن له إقامة في مكان واحد ففي بادئ الأمر كان مقيماً مع عائلته في محلة شعبية تدعى (سوق الغزل) بجانب الرصافة من بغداد، ثم انتقل منها إلى محلة (حمام المالح) وبعد فترة قصيرة عاد إلى محلته الأولى ومنها إلى محلة (صبابيغ الآل) وهناك توفي والده وتوفيت شقيقته (صبيحة) فتألم كثيراً وباع هذه الدار بثمن زهيد وشد الرحال إلى محلة (السنك) ومنها إلى كرادة مريم، ولكنه ألقى عصا الترحال بداره الجديدة في حي (الحارثية) بجانب الكرخ من بغداد بالقرب من مسجده الذي شيده على نفقته الخاصة'. عصر ذهبي.. في مقالة بعنوان (سيرة حياة الأستاذ محمد القبانجي.. سيد العصر الذهبي في المقام والغناء العراقي) بحث وإعداد 'د. نجوى الكوتاني و فاطمة الظاهر' كتب: ' في اليوم الثالث من نيسان/ أبريل من كل عام يصادف الذكرى السنوية لرحيل مطرب العراق الأول الأستاذ محمد القبانجي (1901 – 1988)، هذا الاسم الكبير في عالم المقام العراقي والذي نال إعجابا منقطع النظير وشهرة عربية واسعة، وكان صاحب طريقة في هذا اللون تسمى (الطريقة القبنجية) صار لها أتباع ومريدون وعشاق، حتى صار يمثل جزء من ذاكرة العراق التراثية والشعبية، ويعد أشهر مغني للمقام في العراق وفق آراء الكثيرين ممن عاصروه. وحدثت في حياته وهو طالب في المدرسة العسكرية قصة غريبة هزت كيانه بعنف. فقد كان والده يدفعه إلى مواصلة التعليم حتى وصل إلى مدرسة كانت معدة لتخرج الضباط والعسكريين وفجأة أخرجه والده من المدرسة قبل أن يكمل دراسته. وظن أن الأسرة قد لحقت بها خسارة فادحة في التجارة، ولكنه وجد الأسرة تعيش في نفس المستوى المادي المعقول كما كانت تعيش من قبل ولم يلاحظ تغييراً في حالة التجارة والقبانة التي يمارسها والده، إلا أن الجيش العثماني اخذوا اثنين من أخوته للخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولي (السفر بر) ولم يعودا، وأفاق الشاب محمد القبانجي من الصدمة المزدوجة صدمة فقده اثنين من إخوته، وصدمة إخراجه من المدرسة العسكرية التي كانت ستجعل منه ضابطا، ورويدا رويدا أحس بالهدوء وبالسرور حيث أدرك أن المدرسة والخدمة العسكرية كانت ستحول بينه وبين ممارسة هوايته للغناء والموسيقى، وبدأ يعمل مع عمه في مهنة القبانة بسوق الجملة للفواكه في (علوة جبر) الواقعة في منطقة الشورجة، وبعد أن أصبح (قبانجيا) في خان الشابندر في الشورجة أخذ يتردد على المقاهى فأستهوته مقهى كان صاحبها اسمه قدوري العيشة المولود سنه (1861) وكان أغلب روادها هم من المغنين والموسيقيين من بينهم قدوري العيشة نفسه وسيد ولي ورشيد القندرجي ومحمود الخياط . حيث بدأ القبنجي يجالسهم ويستمع إليهم بشغف وينصت لأدائهم، وقد توثقت صداقته مع الأستاذ قدوري العيشة الذي كان في حينها الوحيد الذي يجيد القراءة والكتابة من بين بقية قراء المقام من جيله، وذلك ما جعل حفظه للشعر يزداد وتتسع دائرة معلوماته قياسا بزملائه، كان القبانجي يقول عنه: (كان العيشة يدندن ويلحن ويغني وأنا اقرأ له الشعر من نظمي وكان العيشة يستفيد مني في هذا المجال فيما حفظته من الشعر مما جعلني استزيد من حفظ الشعر قبل الغناء وصولا لتحقيق حلمي في أن أكون مغنيا وقارئا للمقام على أساس جديد). لقد أعجب قدوري العيشة بالشاب محمد القبانجي لسببين وهما (جمال صوته وحفظه مئات الأبيات من قصائد الشعر النفيس) فقدمه قدوري العيشة لمشاهير المطربين والمغنين من قراء المقام الذين لم يبخلوا عليه بالتدريب وشرح أصول الغناء والموسيقى في مقابل أن يقرأ عليهم القصائد التي يحفظها لكبار الشعراء '. شخصيات عراقية.. يروي الأستاذ (ثامر العامري في صفحة 16 – 21 ) في كتابه 'شخصيات عراقية' محمد القبانجي، الذي صدر عن دائرة الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة والإعلام سنة 1987 بغداد. يقول: 'وفي مقهى قدوري العيشة طُلبَ ذات يوم من الشاب محمد القبانجي أن يغني شيئا مما حفظه من المقامات وكان السائل هو المطرب سيد ولي وقال بالحرف الواحد: 'يا محمد أنت لك خمس سنوات متابعة في هذه المقهى ماذا تعرف عن المقام نريد أن نسمعك' . فلبى الطلب وغنى، و بعد الانتهاء قيل له أنك احتفظت بالجوهر ولكن لماذا لم تتبع طريقتنا في الأداء؟، فرد عليهم قدوري العيشة 'أنه أحسن منا، دعوه يغني حسب طريقته الجديدة، وجميل أن يحتفظ بجوهر الغناء'. وعن هذه التساؤلات يعقب الأستاذ محمد القبانجي بقوله :' الحقيقة أنا لم أرفض طريقتهم في الغناء لكنني لم أتقيد بهم وكنت ولم أزل مقيماً للمطربين الذين ساروا على الطريقة القديمة للمقام البغدادي أمثال رشيد القندرجي والحاج نجم الشيخلي والحاج عباس طمبير والسيد جميل البغدادي'. ومن هنا تتوضح لنا أكثر فأكثر أخلاقية القبانجي وأدبه الرفيع الذي حببه إلى قلوب رواد المقهى وجلاسها من القراء و عشاق المقام على حد سواء'. ثم يضيف 'العامري في صفحة 28' من كتابه 'شخصيات عراقية' – مسيرة القبانجي، يقول فيها: 'للأستاذ القبانجي طريقته الخاصة المتميزة حتى في أدائه للمقامات الثابتة والمتعارف عليها وهي حالة تكمن في قراءته التي تحفزه على التجديد الهادئ بشئ من الثقة و الحذر، حتى استطاع أن يتجاوز الكثير من العقبات ويتخطاها بخطوات واثقة، وأستطيع القول أن القبانجي كان يعطي لكل مقام إضافات في الانعطافات الصوتية العذبة لدرجة أن الموسيقى كانت تلهث أحيانا وراء نبراته وتحويلاته الذكية التي لا يخرج بها لا على النغم ولا على أصول المقام الثابتة. وتشعر وأنت تصغي إليه بأنه يريد أن ينقلك إلى عوالم جديدة دون عقبات وهذا هو التجديد بحد ذاته، وانطلاقا من هذه الحقيقة بدأ البعض وبدافع من عدم الاستيعاب أو بدافع التزمت للمألوف بدأ هذا البعض يروج المقولات التي لا تملك الإثباتات أو الشواهد والأدلة التاريخية على صحتها، وحين نقول أن مرحلة القبانجي كانت بداية للانطلاق بالمقام إلى حالة صحيحة معاصرة بدليل أن الأستاذ القبانجي، استطاع بحكم حبه للمقام إلى درجة العشق و بذكاء مفرط أن يبحث عن القوالب الجديدة التي تحافظ على أصالة المقام وتضخه بدماء جديدة كانت السبب الأساس في تعلق الشباب بهذا اللون من الغناء الخالد الذي كاد أن ينقرض وتصدأ قوالبه القديمة التي يعتبر الخروج عليها خروجا على الموروث كله'. كنوز الموسيقي.. تحدث 'حمودي الوردي' عنه: 'بدأ القبنجي يدرس الفن الشعبي العراقي، عرف البستة ودرس القصائد وأجاد المواويل، ولم يكتف بالدراسة في بغداد والتتلمذ على أيدي كبار مطربيها بل قام بمغامرات أشبه بمغامرات الرواد والمكتشفين مخترقاً جبال الشمال والمناطق الشمالية ليستمع الى مطربيهم وباحثاً عن أصل كل أغنية شعبية مفتشاً عن كنوز الموسيقى العربية والعراقية ومع الدرس والتنقيب كان يغني فازدادت حلاوة صوته، ثم عادت ضغوط الأسرة تلعب دورها في حياته، فقد تقدمت السن بوالده واعتزل العمل ثم لحق به عمه أيضا، وكان والده وكما ذكرنا قد ضغط عليه وأجبره على الزواج من ابنة عمه قبل أن يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وهكذا فجأة وهو الفنان الرقيق أصبح ملتزم ومسئول عن معيشة عائله ضخمة العدد (والده ووالدته وزوجته وأربعة من الأخوة الصبيان والبنات ثم عمه وأسرته).. ومن محاسن الصدف ففي سنة 1925 وصلت الى بغداد بعثة من شركة (هزماستر فويس) البريطانية، كان هدفها تسجيل بعض أغاني مشاهير الفنانين في العراق، واستمع خبراء الشركة إلى الكثيرين الذين كانوا يكبرون محمد القبانجي سنا ومقاما وشهرة، ولكنهم توقفوا مبهورين وهم يسمعون صوت الشاب محمد القبانجي. وكان في أواسط العشرينات من عمره، فسجلت له الشركة مجموعة من الاسطوانات تفوق عدد ما سجلته للمطربين الآخرين ويبدو أن هذه الاسطوانات لاقت رواجا كثيرا خلال السنوات الثلاث التالية فقد فوجئ محمد القبانجي بدعوة من شركة بيضافون في عام 1928 لتسجيل جميع المقامات العراقية والأغاني التي تسمى بستات في أكثر من سبعين اسطوانة بصوته فقط دونا عن غيره من المطربين كان في السابعة والعشرين من عمره . وكانت هذه الفرصة التي أعدها له القدر مكافأة له على إخلاصه لأسرته ووفائه لأهله فقد انتهت مشاكله المادية وعادت الأسرة لتعيش في مستوى كريم، ونجح نجاحا كبيرا برغم أنه لم يكن قد درس الموسيقى والغناء في معهد متخصص أو في أي مدرسة وكان هذا الحدث حدثا مهما ليس في تاريخ محمد القبانجي وإنما في تاريخ الموسيقى العربية والعراقية بشكل عام'. قارئ مقام.. كان أول قارئ مقام عراقي تسجل له أسطوانة وهو أول من أدخل النهاوند في البيات، اشتهر له في البلدان العربية مقامان تأثر بهما الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وهما: مقام اللامي الذي تاثر به في تلحين أغنيته المعروفة (ياللي زرعتو البرتقال)، وتأثره أيضاً بمقام حجاز غريب الذي لحن منه رائعته (جبل التوباد) . في مقالة ل'سمير الخالدي' كتب: 'كان كريما بصمته كريما بيده حتى أن الشاعر معروف الرصافي قال له 'يا كريم اللسان يا كريم اليد فما أشد إعجابي بك'، وقيل للمؤرخ الأستاذ عبد الرزاق الحسني كيف تؤرخ فنان من جيلك فرد على السائل 'الأستاذ محمد القبنجي ربيب نفسه عصير دماغه أبدع في قراءة المقام العراقي إبداعا كبير واعتمد على نبوغه في تكييف ما ينشده اعتمادا مشهودا، هو لم يقلد أحدا ولم يأخذ عمن سبقه في هذا الضرب كثيرا ما اطرب سامعيه بصوته الرخيم وهيج المشاعر بفنه العظيم، فإن المقام العراقي يدين للاستاذ القبنجي بما حفظه من فن المقام'. أما الأديب المصري الدكتور 'زكي مبارك' فيقول في كتابه الموسوم (ليلى المريضه في العراق): 'حضرت سهرة أقامها السيد عبد الأمير فوق سطح فندق العالم العربي على نهر دجله غنى فيها القبنجي مقامات عراقيه حتى أهاج ما في دجله من سمكات'. وذكر الأستاذ صافي الياسري عن المرحوم الأستاذ محمد القبانجي في مقالته: (محمد القبانجي – سيد المقامات العراقية)، قائلا: 'في تطوره اللاحق لم يعد القبانجي يكرر القوالب التي تعلمها والقصائد التي حفظها عن أساتذته، كما يفعل معاصروه من القراء، بل صار يرتجل الأداء ويتنقل بين الأنغام ومقاماتها بحرية، ويختار شعرا لم يقرأه من قبل أحد، بل أنه نظم الشعر بالفصحى مثلما نظمه بالعامية الدارجة، وتلك في الحقيقة ثورة لم يسبقه إليه أحد ولم يأت بعده أحد وهي التي قادته إلى جعل عدد من الوصلات القصيرة ذات الأنغام المميزة والداخلة في مقامات أصلية في أن تكون مقامات أصلية بحد ذاتها وهي 13 مقاما أشهرها مقام اللامي'.


موقع كتابات
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
رواية 'قلب حاف'.. تجد المرأة ذاتها بالمعاناة والتحدي
خاص: إعداد. سماح عادل رواية 'قلب حاف' للكاتبة اليمنية 'فكرية شحرة' تحكي عن قصة حب لم تكتمل، لكن كانت لها تأثيرها القوي علي نضوج الفتاة التي وقعت في تلك العلاقة. .. عفاف: فتاة يمنية، تنتمي للطبقة المتوسطة، استطاعت أن تكون مختلفة رغم تنشئتها في مجتمع مغلق محافظ، كان لها شخصيتها المستقلة وقدرتها علي التميز، رغم أنها أحبت حبا لم يتحقق إلا أنها حولت طاقة الحب التي لم تتحقق لطاقة قوة دفعتها إلي مزيد من التطور والنضج وبناء شخصية مستقلة معتمدة علي نفسها بل ومساعدة وداعمة لكثير من النساء. حازم: البطل، لم تتضح ملامحه تماما، لكننا رأيناه من خلال عيون 'عفاف' التي كانت دوما ما تحكي عنه من زاوية شعورها به كرجل وحبيب، لكن نفهم أنه يتصف بكثير من صفات الرجال في مجتمع شرقي ، الغرور، الأنانية، لشعور بالفخر لكونه موضوعا للحب والتعلق، ولكونه يجذب الشابات الأصغر منه، والي لا يتورع أن يتلاعب بمشاعر فتاة بريئة. باقي الشخصيات في الرواية ثانوية. الراوي.. الراوي يحكي من خلال وجهة نظر 'عفاف'، ومن خلال رؤيتها للحياة وللمجتمع وللشخصيات من حولها، ويحكي عنها بضمير الغائب. فنجد أن باقي الشخصيات المحيطة تتفاعل معها وتتقاثع مع 'عفاف' سواء بشكل ايجابي مثل الجمعية التي أنشأتها، أو بشكل سلبي مثل البيت الذي كانت تعيش فيه. الرواية تقع في حوالي 116صفحة من القطع المتوسط، تتناول نشأة 'عفاف' ثم وقوعها في الحب، ثم محاولتها تطوير نفسها وتقدمها في العمر، وفي تجربة النضج وتنتهي نهاية ايجابية حيث تشعر 'عفاف' بالقوة حينما تقابل 'حازم' بعد مرور الزمن. الحب في مجتمع محافظ.. صورت الرواية حال الفتاة التي تنتمي لطبقة وسطي في مجتمع مغلق ومحافظ، وكيف أنها تعاني منذ طفولتها، وتشعر بالقيود تحيطها من كل جانب، إما تستسلم لها أو تحاول التحرر منها. وقد كانت 'عفاف' من النوع الثاني حيث تحايلت علي القيود لكي تتعلم ويصبح لديها شهادة جامعية. ثم رغم معارضه أخيها المتسلط استطاعت أن تلتحق بمجال العمل وليس أي عمل، وإنما العمل الأهلي معتمدة علي تسامح الأخ الأكبر والأم، وعلي قوتها الداخلية التي صمدت أمام التحديات من المجتمع حولها ومن محاولات المحيطين رجالا ونساء في اضطهادها وإشعارها باختلافها عنهم بشكل سلبي. كما صورت كيف يكون الحب في ذلك المجتمع المحافظ، حينما يكون الرجل غير متورط في ذلك الحب بل يستغله ليشعر بذاته أكثر وبكونه رجل جذاب، هنا تصبح المرأة فريسة لذلك الرجل المستغل، وفريسة للمجتمع الذي لا يسمح بالحب من الأساس وإنما يدير أمر الزواج وفق قواعد أخري، وهنا كانت الفتاة صامدة متحدية ومتمردة لم تقف عند حد الإخفاق في الحب والشعور بعدم التحقق والفشل، وإنما واصلت طريقها وحدها لتبني ذاتها وعقلها وحياتها دون حاجة لرجل أو زواج أو علاقة اجتماعية مقبولة. فقررت أن تواجه النظرة المجتمعية للمرأة التي تختار ألا تتزوج وألا تعيش تحت ظل رجل بل وأن تعمل وتكون فاعلة في مجتمعها . دعم النساء.. قدمت الرواية رؤية إيجابية أخري بخلاف استمرار المرأة في حياتها بعد علاقة حب فاشلة، وهي سعيها لدعم غيرها من النساء حين قررت 'عفاف' أن تنشئ جمعية بأموالها الخاصة لكي تدعم فيها الفتيات والنساء اللاتي وضعتهن ظروفهم الاجتماعية في موضع سيء. فعالجت وقدمت الدعم النفسي وساهمت في تعليم الفتيات وتأهيلهن حتي أنها ساعدت السيدات الكبار اللاتي جار عليهن الزمن . وقدمت الرواية بعض الحكايات عن تلك النساء، وهذا موقف ايجابي يحتسب للرواية التي سعت إلي وضع أمل وأفق تخرج منه 'عفاف' للنور وتكون يد تساعد الأخريات. التحرر.. وفي النهاية قدمت الرواية التحرر ل'عفاف' حين جعلتها تتقابل مع 'حازم' لتعرف أين وصل به الحال، لتكتشف أنه أحب أخرى، وضحي بأسرته لأجلها لكنه كان ضحية هذه المرة، ضحية علاقة حب غير محبوب فيها، وأن حبه لتلك المرأة لم يمنعه من التضحية بالأسرة وبالأطفال، في حين أنهم كانوا العائق في علاقته ب'عفاف' وتحجج بهم لكي يتهرب منها. حينها فقط عرفت 'عفاف' أن 'حازم' لم يكن يبادلها نفس الشعور، وأنه كان يستغل حبها له، وفهمت أنها قضت عمرا في علاقة حب زائفة، والأهم أنها استطاعت أن تتحرر منه ومن وهم حبها له وتضعه في حجمه الصحيح، وتراه علي حقيقته. 'فكرية شحرة'، كاتبة ومؤلفة يمنية. ولدت عام 1978 في اليمن. تخرجت من جامعة إب عام 2001 تخصص دراسات عربية، وبدأت في كتابة القصص من عمر مبكر. انتقلت عائلتها في عمر الرابعة من العمر إلى حاضرة المدينة وهناك التحقت بالتعليم النظامي، وفي عمر الخامسة عشرة في المرحلة المتوسطة تزوجت وأكملت تعليمها الثانوي والجامعي وهي زوجة وأم. تخرجت من جامعة إب عام 2001 تخصص دراسات عربية. أثرت البيئة المحافظة على ميولها فكانت القراءة رفيقتها، وبدأت في كتابة القصص من عمر مبكر إلا أن الكتابة الصحفية غلبت على أعمالها لفترة حتى أصدرت أول مجموعة قصصية بعنوان 'غيبوبة' عام 2014 ثم تلتها رواية 'عبير أنثى' عام 2015. أعمالها..


موقع كتابات
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
'د. أحمد الباسوسى'.. شرح الواقع فنيا واهتم بقضية شيئية الإنسان
خاص: إعداد- سماح عادل 'د. أحمد الباسوسى' قاص وروائي مصري، عضو اتحاد الكتاب المصريين وعضو نادي القصة، يعمل استشاري العلاج النفسي وعلاج الإدمان بمستشفيات جامعة القاهرة، وعضو الجمعية المصرية للعلاج النفسي، كاتب مستقل. حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في علم النفس الاكلينيكي/ جامعة عين شمس . تراتيل.. في مقالة بعنوان (الفعل والأمل غير المستحيل وملامح البسط في 'تراتيل وحكاوى قصيرة للغاية' للقاص د. أحمد الباسوسى) كتب 'خالد جوده أحمد': 'إن مطالعة عنوان المجموعة القصصية (تراتيل وحكاوي أخرى قصيرة للغاية)، للكاتب أستاذ علم النفس، د. أحمد الباسوسي، يضعنا مباشرة علي عتبة قضية الحكاية والقصة بشكل عام، وقضية النوع الأدبي الجديد الذي يطرق الباب بقوة ويتشكل في منطقة تماس أدبية جديدة، ويتدارسه النقاد والدراسين ليتم تأطيره ووضع المفهوم الفني المتعلق بأدائه، إنها القصة القصيرة جداً. وفي المجموعة بين أيدينا نجد عنصر القصة الحديثة والتي تركن أكثر للتجريد، ورعاية حالة كاملة وليس شرطا لحظة فنية واحدة. والمجموعة لا تمنح نفسها بيسر لقارئها إذ أنها لا تقتني مبدأ الوضوح الأدبي إلا بصيغة حداثية، بحيث تثق في ذكاء القارئ وتستفزه للولوج في مدارات التأويل ليصبح مشتركا مع القاص في إنتاج القصص، فعلي سبيل المثال القصة رقم 20 والمعنونة (عاد ومضى)، عن العجوز الذي يحكى ذكرياته مع الرجل صاحب القامة الطويلة، قصة مفتوحة تماما للتأويل، فرمزيتها عريضة تفسرها نافذة القصة المضيئة (الكاشفة لقصديتها) في العبارة (إنه يحقق انتصارات خيالية) ص 107، فالقاص لا يترك قارئه في هذه القصة وغيرها دون أن يفتح له نوافذ مضيئة كاشفة لداخل نصه، لكنه يدع له لذة التأويل واستحلاب النص'. ويضيف: 'يقدم القاص تشريحه الفني للواقع، ويهتم بقضية شيئية الإنسان، وعدم اهتمامه بالغوص في الأعماق أو صقل الروح والتزود بالثقافة، ففي قصة (مؤتمر) يختار ببراعة ودقة مفردة كاشفة معبرة (حشد المتأنقين الملتمعين)، واللمعة تعطي معني السطحية والتكلف، وعليها مدار القصة، وفي مقابل الشيئية يقدم أنسنة الأشياء في بلاغة قصصية تعبر عن المفارقة الجسيمة، ففي قصة وفاة كنموذج يصف الواقع بالطقس العاصف البارد، وتنتقل البرودة لكل شيء (في الغرفة المرتعشة … طفق المرتعشون يضحكون …) ص 33، كما يقدم أنسنة الأشياء أيضا في إطار وصف الواقع وقسوته (والشوارع التي تدهس) ص 49، أو تعاطف الجماد مع الإنسان المقهور (المحطة الودودة) ص 111، رغم أن هذا القطار في المحطة يتقيأ ركابه علي الدوام. يحتفي القاص في القصص بقيمة (العدالة الاجتماعية) تشغله القضية بقوة، ويعبر عنها بأدوات واحدة، نعطي منها مثالاً بالمعادل الموضوعي باستخدام الشوارع / الطرق، ووسائل المواصلات بأنواعها باعتبارها معبرة عن حظوظ الإنسان وتباين الطبقات، حيث نجد تعدد ماركات السيارات، وأنواع المواصلات وأقدار وتفاعل الناس بها، وشواهده كثيرة جدا في القصص، فالحارات تعبر عن الضيق والضياع، والسلام ليس سلاما إنما استسلاما لذلك كانت حارة السلام وليس شارع السلام، وممر الحارة الضيق تكرر ثلاث مرات في قصة (كلام) المشكلة في عدد 13 سطرا، والشارع ملئ بالحجارة والحفر في قصة (غضب) ص 21 ليس وصفاً للحالة المادية وفقط ولكنه رمزيه معبرة للحالة النفسية (الخمول وفقدان إرادة التغيير بالفعل). الطب النفسي.. في مقالة له بعنوان (أزمة في الطب النفسي أم أزمة في الثقافة المصرية) كتبت 'أحمد الباسوسي': 'طرحت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الطب النفسي الحادي عشر بكلية الطب جامعة القاهرة الأربعاء 11 فبراير 2018 إشكاليات مزمنة في ممارسة مهنة الطب النفسي، وانعكاساتها المزمنة أيضا على الثقافة المصرية في المجمل، وبغض النظر عن حالة عدم الحماس التي خيمت على أجواء المؤتمر، وغياب أساتذة كبار سواء من داخل الكلية أو خارجها عن المشاركة في افتتاح المحفل العلمي، والحضور الباهت في اللحظات الأخيرة لعميد الكلية لكي يستعرض انجازاته في تطوير التعليم الطبي بالكلية. جاءت كلمة أستاذ الطب النفسي الكبير التي استغرق الجانب الأكبر منها في محاولة لفهم عنوان أو شعار المؤتمر لهذا العام ' الطب النفسي ما بين الشخصي والمنهجي' تعكس في تقديري المدى الكبير الذي بلغته التحديات الفكرية والتطبيقية في ممارسة المهنة بصفة خاصة، وفي ممارساتنا الثقافية بصفة عامة. من المؤكد أن قضية التشخيص بمعناها الأوسع 'الفهم الأعمق للحالة أو الظاهرة' مسألة حيوية وتستدعي كافة الجهود المخلصة من أجل بلوغ أقصى درجات الفهم للحالة أو الظاهرة، لكن هل هذا يحدث بالفعل من خلال واقعنا ممارساتنا المهنية ومن خلال واقع ممارساتنا الثقافية في المجمل؟. المؤشرات والدلائل التي تعكسها ممارسات المحترفين لمهنة الطب النفسي لا تسير في اتجاه التحقق من مصطلح التشخيص على النحو المطلوب'. ويضيف: 'لكن المثير للدهشة أن يستولى هذا الجدل الفلسفي التاريخي الدائم على عقول غالبية الحضور ومن بينهم رائد من رواد مهنة الطب النفسي في مصر، وكذلك على غالبية مساحة النقاش والجدل في المؤتمر على حساب الحركة التطويرية بمفهومها الأشمل للارتقاء بممارسة المهنة في سياق جوانب أخرى بديلة بعيدا عن قضية التشخيص المثيرة للجدل على الدوام. ومن هذه الجوانب مسألة العمل ضمن فريق، 'الفريق العلاجي'، تلك المسألة التي تمثل أزمة حقيقية بالنسبة لعلاقة المصري بالآخر من جهة، وعلاقته بالآخر في سياق بيئة العمل في المجمل من جهة أخرى. وهذا التوجه السلبي من فرط شيوعه خاصة في بيئات العمل يكاد يشكل ظاهرة ثقافية بين المصريين تكشف عن عدم ميلهم للعمل الجماعي، أو العمل داخل مجموعة، وفي إطار أدوار محددة للأفراد تعتمد على التكامل وبلوغ هدف محدد واضح للمجموعة ككل. أيضا يكشف هذا التوجه السلبي للعمل الجماعي لدى المصريين عن الرغبة المفرطة لدى الشخص منهم في التفرد والتميز عن الآخر، ومشاعر ذاتية متضخمة بالقدرة على انجاز كافة المهام المطلوبة بنفسه دون الحاجة الى الآخرين، ورغبة مدهشة في أن يكون محط أنظار المجموعة، وثقتها في الاعتماد عليه في انجاز جميع المهام الموكلة إليه مهما كان حجمها، وتعقيداتها التي ربما لا تتوافق كثيرا مع خبراته الشخصية. بالطبع هناك استثناءات في التاريخ كشف عن إمكانية بلوغ المصريون ذروة العمل الجماعي وانجاز كافة أهدافهم المطلوبة، ونختار هنا حدثين من التاريخ الحديث للدلالة على هذا الأمر: الحدث الأول حدث بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي وكيف أدار المصريون منظومة العمل الجماعي بصورة مدهشة ورائعة حتى تحقق بناؤه والسيطرة على مياه النيل. والحدث الثاني حرب أكتوبر عام 1973 التي شهدت ملحمة عظمى من العمل الجماعي بين كافة أفرع القوات المسلحة في صورة رائعة من التكامل والتناغم والتجانس انتهت بتحقيق هدف النصر وهزيمة العدو. وهذه النماذج لم يكن يكتب لها النجاح بمعزل عن وجود جبهة داخلية مشكلة من ملايين المصريين موفورين بالحماس والرغبة في العطاء والإيمان بقيمة وأهمية الآخر والتعاون معه من اجل انجاز أهداف عظيمة على شاكلة بناء السد العالي الذي تم افتتاحه عام 1971 وحرب أكتوبر التي انتهت بالنصر وتحرير الأرض عام 1973'. 'يوميات حارق الشجر'.. لا أذكر على وجه الدقة متى ضاقت الفضاءات في رأسي؟ ولا كيف تحولت إلي شخص مختلف، صموت، انعزالي، أحاول بقدر الإمكان تجنب الضوضاء والناس. أمي كانت تقول لي قبل أن تموت إن طفولتي كانت صاخبة، مزدحمة بالإثارة والأحداث، وكنت غاية في الشقاوة والتمرد، كنت عنيفا مع الأطفال نظرائي، والأطفال الأصغر لدرجة أن المكان الذي كنت أتواجد فيه يتحول بسرعة إلى مسرح للفوضى، والضوضاء، والعراك، وبكاء الأطفال المصاحبين لأقربائهم بسبب اعتدائي عليهم. كانوا يسمونني في محيط العائلة 'التريمنيتور' نظرا لقوتي وقدرتي على سحق جميع الأطفال الذين ألتقيهم في المناسبات العائلية. ظل هذا الأمر عبارة عن مجرد كلمات كنت أسمعها من والدتي بعدما استطالت قامتي واشتد عودي وأصبحت أخجل من مجرد تواجدي بين الناس أو التحدث إليهم. وإذا شاءت الصدف أن يحاول أحدهم فتح حوار معي، ارتبك، ويتغير لون وجهي حسبما يقولون، وأفر من أمامه من دون أن يتمكن لساني من فك الجمود الذي أصابه. لكني أستطيع تذكر ما لحق بي من أحداث بعدما استطالت قامتي وخط الشارب بنيا خفيفا مع القليل من الخصلات المناظرة من الشعر الخفيف والمتناثرة من غير عناية على جانبي وجهي، وتظل الكتلة الأكبر متجمعة تحت ذقني ناعمة الملس. كأني لم أعد اكترث بشيء، افرغ جل طاقتي في مذاكرة دروسي والاحتفاظ بتفوقي على نظرائي، وكأنه قدري أن أظل في حالة عراك دائم مع الآخر . الأفكار في رأسي جامحة، متداخلة، غير واضحة المعالم. تدفعني بقوة نحو التشكك في الآخرين ومحاولة تجنبهم، والتركيز على التهام كتب المدرسة والتفوق عليهم بأي شكل. كأنه نهم العراك والصراع وربما الصدام، ذلك الذي جعلني أركض في سباق لم أشعر في داخلي أنني أنتمي إليه. اتخذت من العزلة والابتسامة الخجولة وسيلة دفاعية براقة لمنحى أوسمة 'الطيبة، والجنتلمان، والكيوت، وبتاع ربنا' عن استحقاق وجدارة. تفوقي الدراسي ذهب بي إلى كلية الهندسة الحكومية من غير معاناة، والأوسمة التي حصلت عليها من أقاربي ومعارفي وجيراني رشحتني من دون تردد عضوا بارزا في جماعة المترددين على مسجد الكلية بانتظام. لم أكن متيقنا من أن جميعهم على شاكلتي، لكن اغلبهم على الأقل يظهر ذلك، أو هكذا أدركت. لاحظت أنه كلما اتسعت الحلقات بيننا في مسجد الكلية وغيره، وتنوعت الدروس والمشايخ اتسعت حلقة الممنوعات والمحظورات والمحرمات داخل رأسي حتى أصبحت أرقب ذلك الكون الهائل من خلال ثقب الإبرة. لكن لا أستطيع أن أزعم أن ذلك حدث بالتحديد منذ أن وطأة قدماي مسجد الكلية الصغير المنزوي في أحد الأركان البعيدة داخل كليتنا المترامية الأطراف. كانت إرهاصات ذلك بادية على تصرفاتي منذ التحقت بالمدرسة الثانوية بعد انجازي المدهش وحصولي على المركز الأول على محافظتي الإقليمية غرب القاهرة في الشهادة الإعدادية. لاحظت عزوفي عن قراءة الشعر وبالتالي كتابته على الرغم من شغفي بذلك في طفولتي وبواكير صباي. أيضا كنت مدمنا للاستماع لأغاني عبد الحليم حافظ القديمة حيث تتراقص على إيقاعاتها وموسيقاها القلوب المتوثبة للعشق والحنان والخيال . وكان في أحلامي وخيالاتي أيضا متسع لاحتواء ذلك الكون الكبير المتقلب، والمتناقض والذي يبدو في أحيان كثيرة مثل حيوان شرس من الصعب ترويضه. لكني كنت على قناعة من إمكانية عمل ذلك بقوة الصراع التي تستعر داخلي ولا أدري لها سببا واضحا سوى رغبتي وعشقي للحياة. لكن في المدرسة الثانوية حسبما أتذكر وبالتحديد في منتصفها عانيت كثيرا من الحرمان العاطفي والجنسي. خجلي اللافت أعاق بقوة دخولي في تجربة عاطفية مع ابنة الجيران كنت في أشد الحاجة إليها، خاصة بعد أن تعمق شعوري بالرغبة في التحوصل داخل عالم الثانوية العامة المرهق. كنت التقيها في الدرس، ألمحت لي بصريح العبارة أن نخرج سويا بعد الدرس، بل حاولت لمس يدي ذات مرة بينما كنا ندخل القاعة سويا، لكني هلعت، ارتبكت، فررت بعيدا داخل نفسي، اهتاجت في رأسي كافة أنواع الهواجس وتداخلت. كنت أتخيلني أسير معها، اقبض على يدها ثم اقترب منها أكثر واضعها في حضني، واعتصرها بيدي، وعندما أنام أراني وهي نائمين في فراش واحد عاريين تماما، كنت كثير التفكير فيها باشتهاء. لكن وساوس أخرى غريبة دخلت على الخط لم تكن في الحسبان وجدتها مبررا رائعا منقذا لكي أستعيد حالة التوازن التي اختلت بفعل انجذابي الشديد لابنة الجيران وعجزي عن إقامة علاقة عاطفية أو غير عاطفية معها. تشكلت الأفكار داخل رأسي في صورة شيطان محرض على الفتنة والحرام. وكنت كلما أمعنت النظر أجدها أمامي ترتدي قناع ذلك الشيطان وتدفع بي من الخلف بكامل قوتها إلى داخل هوة النار المستعرة. في هذا الوقت تيقنت من أن تلك الصراعات داخلي ليس لها من حل سوى بالاقتراب من آخر، ولكن لأني إنسان عاجز، ضائع، عديم الحيلة، قررت الاندماج أكثر مع كتب المدرسة، وابتعد عن الناس وعن تلك الأحلام العاجزة التي كشفت مبلغ هواني مع ذلك الشيطان الذي يسكن داخلي. كنت كلما شعرت بالوحدة والخواء يزداد نهمي للاعتكاف دخل غرفتي والاستغراق في 'حفظ ' معادلات ومسائل الفيزياء والكيمياء والرياضيات. فتشت عن 'الله' داخلي، أدركته بعيون الشخص العاجز قليل الحيلة، الذي يطلب المساندة والستر. تحرك كلي في هذا الاتجاه، أصبحت محاصرا بإحكام بين المذاكرة والدروس من ناحية، وقضاء أوقات طويلة داخل الزاوية الصغيرة تحت منزلنا في الصلاة وقراءة القرآن، والاستماع لزمرة من المشايخ الجدد الذين يتواترون على هذه الزاوية من الناحية الأخرى، والأهم من كل ذلك تلك الصحبة من أصدقاء تلك الزاوية التي بدأت تتشكل وكان مجرد لقائي بهم في أوقات الصلاة يخفف عني الكثير من التوترات الداخلية. أصبحت في هذه الأيام لا أتردد في إعلان ضيقي وتبرمي من ضيق ملابس أختي الوحيدة، أو تصرفاتها وطريقة ضحكها، وكذلك نوعية البرامج التي يشاهدونها في تلفاز المنزل، بل كنت أتمنى بشدة لو يغلقونه للأبد، وأتخيل نفسي أحيانا أحمله بين يدي وألقيه من شرفة شقتنا بالطابق السابع. اتسعت دائرة صراعاتي الشخصية لتضم داخلها أبي وأمي ومسلكهم من الصلاة والدين وكيف أنهم بعيدون بآلاف الأميال عن 'الله ' الذي اعرفه. جاء الصيف وسط هذا الزخم من التصارع وقلق أمي، ودعاء أبي لي بالهداية في صلواته التي لم تكن تقنعني. جاء الصيف وترتيبي في امتحان المرحلة الأولي للثانوية العامة الأول بامتياز على مدرستي. تأكدت أن الله منحني هبة من عنده ولا يجب أن أفرط فيها. ازددت اقترابا من أصدقاء الزاوية الصغيرة، وازداد احتياجي لهم، شدة التصارع داخلي خفت وتيرتها، لم تعد مزعجة مثل زمان، لكنها كافية لمنحي الطاقة اللازمة للحسم والسحق مثل العادة. علاقتي بعائلتي بهتت، لم أعد أبالي بجدوى أو أهمية وجودي في المنزل بنفس القدر الذي يحدث مع جماعة أصدقاء الزاوية، حيث تحررت من أعباء أية قرارات تتطلب إنتاج أفكار، أو مناقشة آراء، أو مجرد اختيار أشخاص تقرأ لهم أو تنصت إليهم. كل شيء أصبح يصلني جاهزا من مشايخي أو حتى أصدقائي الأقدم. سعدت جدا بهذا الأمر، فمجرد عملية التفكير وإعمال الدماغ والانشغال بالمشكلات البشرية الصغيرة يؤجج الصراع داخلي بشدة، لكني أشعر بتحرري الآن. مضت السنة التالية بسرعة واحتفظت بتفوقي، ولم ألقى بالا بفرحة أمي، ولا شعور والدي بالزهو والفخار وهو يتحدث مع أصدقائه على المقهى الشعبي حيث كان منزلنا القديم، وكان لوالدي أصدقاء هناك. أسرعت للزاوية وقت صلاة العصر وهناك التقيتهم، والتقيت نفسي، كانت فرحتي بينهم طاغية، عظيمة، واستشعرتها أكثر عندما قدم شيخي للتهنئة، وإبلاغي بضرورة التقدم لكلية الهندسة لأنهم يعدونني لأمر كبير. رقص قلبي من الفرحة، كياني كله أصبح ممتلئا بالبشرى والروعة والتشوق لخدمة الجماعة. في هذه المرحلة بدا لي أن صياغة جديدة لحياتي تتشكل، وأن هناك صراعا جديدا ينمو داخلي يختلف عن صراعاتي مع الأطفال أيام زمان، أو مع أقراني في المدرسة أو حتى في مرحلة الثانوية العامة . لم أعد مهتم بالتفوق الدراسي قدر اهتمامي بأمور الجماعة التنظيمية، وانتخابات اتحاد الطلاب، والحرص على تنفيذ أوامر رؤسائي بمنتهى الدقة. أصبح المنزل بالنسبة لي مجرد فندق آوي إليه في آخر الليل، وقد أظل بالأيام لا يقع بصري على أمي أو أبي أو أختي الصغرى بسبب شدة انشغالي سواء في الجامعة أو أنشطة الجماعة التي تتواصل وتتمدد حتى إلى داخل البيوت. تقديراتي في الكلية تمحورت بين المقبول والجيد ليس أكثر. تقلدت مناصب في اتحاد الطلاب، وكنت أحلم بسحب فكرة الجماعة لتغطي جميع الطلاب، لكن بدا الأمر شبه مستحيل فهؤلاء الأغبياء لا يدركون مدى أهمية الانتماء للجماعة، ولم يستشعروا حلاوة مذاق كونك منتمي إلى أشخاص رائعين يظللهم حلم السيطرة وإنجاز الفكرة المثالية للواقع والحياة كما أخبرهم بها مشايخهم. كل يوم كان يمر يزداد هوسي بفكرة الجماعة وانتمائي إليها، وكيف أعمل بجد وإخلاص من اجل إرضاء مشايخي ورؤسائي رموز الجماعة . وجدتني انسلخ من ذاتي، هويتي، حتى جسدي، وأتوحد بذلك الكيان الافتراضي المسمى 'الجماعة' الذي يضم المئات من الشبان غيري ممن هم على شاكلتي. حياتي الشخصية أصبحت ملكا للجماعة، يتصرفون فيها كيفما يشاءون. عقب التخرج مباشرة وجدتني مرتبطا بزميلتي ابنة أستاذي في الجامعة وشيخي في نفس الوقت، فتاة جميلة بسيطة، هادئة الطبع، تتحدث في الدين أكثر من أي شيء آخر. تزوجنا في منزل والدها في إحدى المدن الجديدة شرق القاهرة، حيث انتقلت هناك للعيش مع زوجتي والعمل في إحدى الشركات الكبرى الخاصة بأحد أقطاب الجماعة الكبار. اتسع البون كثيرا مع أسرتي مكانيا، وعاطفيا، لم أعد اشعر بانتمائي لهذه الأسرة البائسة مصدر ألآمي وتوتراتي في السابق، والدي أشاح عني وجهه الذي كساه الكرب وانسحب من أمامي في هدوء حينما أخبرته بأمر زواجي واستقراري في القاهرة، بينما جزعت والدتي وضربت صدرها بكفها بقوة من فرط الدهشة والاحتجاج، ومفترض أنهم اعتادوا على هذه التصرفات منذ فترة طويلة. أما أختي الأصغر فلم تنبس، قالت لي من طرف لسانها وهي ترقب والديها 'ألف مبروك ربنا يهدي لك الحال'. لم أجزع من ردة الفعل تلك لسبب بسيط وهو أنني لم أعد اشعر بأي انتماء عاطفي أو وجداني، تجاه تلك الأسرة الضالة، بل ويعلم الله أني كنت ادعوا لهم بالهداية والدخول في عباءة الجماعة مثلما نصحني شيخي. حيث يتملكنا جميعا شعور جارف بالفخر والعظمة والعزة لأننا الفئة التي وضعها 'الله' على طريقه والصحيح. وأما بالنسبة للآخرين فإما أنهم مشاريع لقوم قد يهتدون ويصبحون معنا، وتتعزز قوتنا وقدرتنا على تحقيق حلم السيطرة والتمكين وإنجاز أستاذيتنا للعالم. وإما أنهم أعداؤنا وبالتالي يحق لنا التصارع معهم وفق مقتضيات المرحلة ومصلحة الجماعة. مع مرور الأيام وتواتر الصحبة وتآلف القلوب وجدتني أسبح مع أصدقائي وزملائي في الجماعة في نهر من الحب الرائق، أستمتع بعذوبة صحبتهم، وروعة انسجامنا في العلاقات الإنسانية، والتفكير، ولهفة بعضنا لبعض، وقدرنا ومصيرنا المشترك الذي يجمعنا في حب الجماعة والتفاني فيها، ومن أجلها. ارتبط كياني وهويتي، بل وحياتي بوجود الجماعة، ووجودي في الجماعة. إنها مشيئة الله ومشيئة الجماعة حيث ولدت، وحيث نشأت، وحيث انتميت إلى هؤلاء القوم المدهشين الذين بفضلهم بعثت من جديد في هذا العالم. لكن مجريات الأحداث لا تستقر بحال، ويتعرض البشر في الكثير من الأحيان للمحن والشدائد المهددة للأحلام والكيان، وكذلك حدث معي بعد أن تمكن الأعداء من ذبحنا والاستيلاء على هويتنا وأحلامنا. لا أستطيع احتمال فكرة أن تتعرض الجماعة للتصفية أو الزوال، ذلك معناه أنني أيضا إلى زوال أيضا، إنها فكرة سخيفة ومزعجة وسوف نقاومها، هكذا أخبرونا القادة، والمشايخ، حياتنا مرهونة بحياة الجماعة، وبقاؤنا على قيد الحياة مرتبط ببقاء الجماعة ، فكرة، وهدف، وبشر، وقادة وأن جهاد الأعداء واجب مقدس لحماية الجماعة. اشتد الكرب، توالت المحن. تعرضت للاعتقال عدة مرات وخرجت بسبب نجاح والدي، والمحامي الذي أحضره في إقناعهم باني خارج حدود الدائرة. عاد الصراع إلى داخلي أكثر قوة وضراوة. وجدتني أنفث حقدا بغير حدود على كل الذين تسببوا في هذا الأمر من الأعداء، خاصة ضباط وعساكر الشرطة والجيش. اعتبرتهم المفتاح الذي ساعد جموع الضالين على تبديد حلمنا وشتاتنا. جاءت التعليمات والقرارات عبر الهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي بعدم الهدوء حتى استعادة كل ما فقدته الجماعة. شاركت في أحداث المقاومة الكبرى وأقمت وأسرتي الصغيرة في معسكرات الاعتصام أياما طويلة، كما شاركت في عشرات المسيرات المحتجة بخشونة على الاستيلاء على سلطتنا وأحلامنا. واليوم موعدي الهام لإنجاز مهمة كبيرة سوف يكون لها صدى لدى الأعداء والضالين وكذلك لدى أصدقائنا في الخارج. تسلمت الرسالة الأمر، وكذلك القنبلة، تسللت إلى الحديقة بعد منتصف الليل بساعتين. أعمدة الإنارة الحكومية كانت معطلة، وكان الظلام الدامس يلف المكان، وكنت أبدو في هيئة المشردين الذين التقيهم عادة في الشوارع بملابس قديمة، رثة، حافي القدمين، ووجه طمرته القاذورات وشحم الإسفلت الأسود. اطمأننت إلى الظلام، والفراغ، وغفلة العيون. ربطت القنبلة بحبل على شكل حلقة علقته في رقبتي بحيث تتدلى القنبلة من ظهري، تسلقت شجرة الكازورينا التي تتمدد أغصانها لتتجاوز رصيف الشارع، نفس الموقع الذي تقف تحته مباشرة يوميا إحدى سيارات الشرطة المعبأة بالضباط والعساكر حيث يقفون في مواجهة بوابة الجامعة الرئيسية لمنع أصدقاءنا المحتجين من الخروج. كان المطلوب قتل أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأعداء بتلك القنبلة، واصلت تسلقي، اخترت غصنا عفيا قادرا على احتمال وزني الذي نقص في الآونة الأخيرة، سحبت القنبلة بهدوء، أخفيتها في كتلة كثيفة من الأوراق الإبرية للشجرة، ثبتها جيدا وكنت قد جهزت كل شيء يتعلق بإمكانية تفجيرها عبر الهاتف المحمول المثبت داخلها في لحظة وصول ارتال قوات الأعداء وتمركزهم في هذه المنطقة. قضيت الليل في هذا المكان، ومع بزوغ أضواء الفجر تسللت إلى مكان آخر متفق عليه، استحممت وتهندمت، تمركزت في مكان قريب من القنبلة ارقب مسرح العملية، بمجرد أن إنبجست أقوال السيارات في التوافد من بعيد حتى شعرت باستعادة روحي وحياتي، شعور غريب من السرور سرى في كياني ربما لأني أقوم بعمل جليل حسبما اخبروني. وبمجرد أن استقرت احدي السيارات مثل المعتاد بجوار الرصيف، تحت الغصن الذي يحمل القنبلة أدرت هاتفي المحمول بسرعة، بعدها سمع دوي انفجار هائل، ارتجت الأرض بالبشر والشجر كأنما ضربها زلزال شرس. سمع صراخ واهن لأصوات بشرية تستغيث، احترق كل شيء ، لم يعد شيء في المكان على حاله بعد ذلك .