
✅ السبحة.. نجمة تعلو في سماء هدايا ضيوف الرحمان بدون منازع
محمد حدادي – و م ع: ذرع دروبا من سوق 'البوادي' الشعبي النابض بالحياة في قلب مدينة جدة، جيئة وذهابا، قبل أن يتسمر وجما أمام محل لبيع السبح، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الحيرة والتردد، تاهت عيناه وتساءل عن أيها يختار إزاء تنوع صنوف الألوان وضروب الأشكال، وجودة المواد والخامات المتباينة بين الباهظ ثمنه والبسيط زهيد السعر.
حرص الحاج المغربي عبد الله، وهو في العقد الخامس من عمره، قبل موعد الرحيل عن الديار المقدسة بعد أدائه فريضة الحج لهذا العام 1446 هـ، على اغتنام الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء، بعد أن تلطف الحر قليلا، ليقتني بعض الهدايا لأهله وأصدقائه، لكن تردده ذاك جعله يقف صامتا دون أن يبرح المكان، قبل أن ينبري أحد أعوان المتجر ليقدم له بعض الشروحات التي قد تجلي حيرته.
هي نجمة تعلو في سماء هدايا الحجيج بدون منازع، تختزل معاني روحية بليغة أكانت باهظة الثمن أم بسيطة، تجد لها مكانا أثيرا في النفوس رغم كونها مجرد حبات يجمع بينها خيط، لكن وقعها لدى المهداة إليهم من الأقارب والأصدقاء يكون كبيرا، إذ يرى فيها الكثيرون بركة ودعاء بأن يمن عليهم المنان أيضا بزيارة مهوى القلوب.
ومن الناس من لا تكتمل عندهم أناقة اليد إلا بسبحة تتهاوى في تؤدة لا تخلو من فخامة بين الأصابع على إيقاع ذكر الله، حيث تتداخل طقطقات حباتها مع عبارات التسبيح وتعظيم الله جل وعلا، كأنما تعزف على أوتار القلب حروف عبارات التقوى.
ومهما اختلفت أنواعها وتباينت أسعارها والمواد التي تدخل في صنعها، تبقى السبح من أعز الهدايا التي يجلبها حجاج بيت الله الحرام والمعتمرون كتذكار من البقاع المقدسة، وهدية تنطوي على معاني البركة إلى أحبتهم وأصدقائهم.
وتظل السبح من الهدايا التي لا تخلو منها حقائب العائدين من الحج، مهما اختلفت قدراتهم المادية، والشعوب والثقافات التي ينتمون إليها.
وسواء أكانت من الأحجار الكريمة، كالزمرد واللؤلؤ والمرجان، أو بسيطة، من البلاستيك والخشب أو المواد الزجاجية، تبقى السبح ذات معاني رمزية وقيمة معنوية بالأساس، لما تحيل عليه وتختزله من دلالات روحية ترتبط بالذكر والعبادة والتقوى، فضلا عن كونها تنطوي على معاني كبيرة، لكونها اقتنيت من مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
وتتكون السبحة عموما من تسعة وتسعين حبة مع فاصلتين صغيرتين، حيث يكون بين كل فاصلة ثلاثة وثلاثون حبة وشاهد، ومنها ما يتكون من ثلاثة وثلاثين حبة مع فاصلتين، تكون بين كل منهما إحدى عشرة حبة وشاهد، ويحرص صناعها على أن تكون حباتها ذات حجم مناسب ويسهل تحريكها بأصابع اليد.
وثمة عوامل عديدة تدخل في تحديد أسعار السبح، يكون لها تأثير مباشر على قيمتها في السوق. ويأتي في صدارة هذه العوامل الخامات والمواد المستخدمة في الصنع. ويرتفع سعر السبح كلما كانت خامتها نادرة مثل الكهرمان، والأحجار الكريمة أو من المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة.
وتؤثر دقة الصنع والتصميم، أيضا، على قيمة السبح، حيث تبقى السبحة المصنوعة بطريقة يدوية أكثر تطلبا من حيث مدة الصنع ومهارة الصانع التقليدي ومدى حرفيته، مقابل السبح التي تصنع بطريقة آلية من مواد بسيطة زهيدة السعر كالبلاستيك مثلا.
وهناك من يتولد في نفسه شغف خاص بجمع أنواع عديدة ومختلفة من السبح لاسيما الثمين منها. وبفضل هذا الشغف تصبح لديهم صفات الخبير القادر على التفريق بين أنواع السبح ومعرفة الأصلي منها والمقلد. وغالبا ما تجدهم في بحث متواصل عن النادر منها وعن تلك المصنوعة من مواد باهظة الثمن أو ذات القيمة الثقافية والروحية، خاصة حينما يعتقد أنها مباركة أو كانت مملوكة لشخص عرف بزهده وورعه.
وعلى الصعيد الاقتصادي فإن حجم سوق الهدايا التذكارية التي يشتريها الحجاج والمعتمرون خلال موسم الحج والعمرة يبلغ حوالي 30 مليار ريال (8 ملايير دولار)، بحسب ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي.
وتقدر نسبة السبح والسجاد بحوالي 40 بالمائة من إجمالي هدايا الحجاج في موسم الحج.
وتتضح الأهمية الاقتصادية لهذه السوق بالنظر إلى التوافد الكثيف للحجاج أو المعتمرين على المحلات التجارية، سواء في أسواق مكة المكرمة أو المدينة والمنورة أو جدة، لاقتناء هدايا تتباين أسعارها وتختلف أنواعها بحسب تفضيلاتهم وقدراتهم المادية.
ولئن كان الكثيرون يواصلون تفضيل السبحة التقليدية، المصنوعة بطريقة حرفية من أرقى المواد الطبيعية كالكهرمان أو المرجان أو الفيروز، لما يتميز به ملمسها الطبيعي والأناقة التي تضفيها على اليد، فإن البعض الآخر، تغريهم مزايا التكنلوجيا التي غزت كل شيء في العالم.
وكغزوها كل مناحي الحياة، وجدت الثورة التكنولوجية لها موطئ قدم حتى في صناعة السبح، لتنتشر بين أيدي البعض سبح إلكترونية صغيرة يسعى مصنعوها لكسب نصيب من السوق، بالاعتماد على ما توفره من مزايا.
والسبحة الإلكترونية جهاز صغير خفيف الوزن يمكن الإمساك به بأصبعين فقط، من مميزاته توفره على شاشة وعداد رقمي لتسجيل عدد التسبيحات، يتيح لمستعمله التقدم في الأذكار ومعرفة عددها ما يحول بينه وبين النسيان، لئلا يعيد التسبيح من جديد.
وثمة، أيضا، مسبحة إلكترونية على شكل تطبيقات يمكن تحميلها على الهاتف المحمول، توفر خيارات متنوعة وعديدة على غرار باقي التطبيقات. ويعتقد أنصار هذه المسبحة أنها تتيح التركيز، وأنها مثالية لعد التسبيحات وتحول دون القلق بشأن مدى التقدم في تعداد الأذكار.
لكن هذه السبح الإلكترونية مهما تطورت تفتقر إلى القيمة الخاصة التي تختزنها السبح التقليدية وتاريخها على الصعيدين الثقافي أو الروحي، كما أنها تحتاج إلى الشحن أو استبدال البطارية، فضلا عن افتقارها للقيمة المادية الناتجة عن المواد النادرة والفخمة التي تصنع منها السبحة التقليدية.
ومن السبح التقليدية ما يعتقد بعضهم أنها 'مباركة' ولا مجال لأي جهاز إلكتروني مهما كان دقيقا أن يحل محلها. وعلاوة على كل ذلك يبقى التقليدي من السبح جسرا بين الماضي والحاضر، إذ تضرب جذوره في عمق التاريخ والثقافة الإسلاميين.
وغني عن القول إن هديا الحجاج لا تقتصر على السبح، بل إنها تشمل، كذلك، سجادات الصلاة ومجسمات الحرمين والتمور، فضلا عن الأقمشة بأنواعها والعطور بصنوفها وخاصة الشرقي منها، وكذا التحف التي تحمل صورا للكعبة أو المسجد الحرام.
بعد شروحاته تلك حول السبح انساب الحديث تلقائيا بين نسيم عون المتجر اليمني والحاج عبد الله، ليتناول شغفهما المشترك بكرة القدم وما يقدمه حارس المرمى المغربي المتألق ياسين بونو من أداء متميز في الدوري السعودي.
بعد حيرته استقر رأي الحاج عبد الله في نهاية المطاف، على مجموعة من السبح، فهي برأيه أخف وزنا من باقي الهدايا وأكبر وقعا وتأثيرا بالنسبة للأقارب. اختار من بعضها عشرات عديدة، فيما كان أكثر حرصا على دقة الانتقاء وجودة الاختيار بالنسبة لأنواع أخرى أجمل وأرقى اعتبارا لمدى قرب من ينوي إهداءها إليهم من قلبه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مراكش الإخبارية
منذ 13 ساعات
- مراكش الإخبارية
تنظيم النسخة 5 من المهرجان الوطني للمسرح بمراكش
تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله تنظم وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة- الدورة الخامسة للمهرجان الوطني لهواة المسرح في الفترة الممتدة ما بين 15 و19 يونيو 2025 بدار الثقافة الداوديات مراكش. وتشكل هذه الدورة امتدادا فنيا للدورات السابقة المتوهجة لمسرح الهواة الذي شكل على الدوام مشتلا للمواهب الفنية والفرجة الركحية الخلاّقة بأبعادها الجمالية والإبداعية، وتسعى هذه التظاهرة التي أصبحت موعدا سنويا فنيا قارا إلى تثمين المنجز الإبداعي لهواة المسرح وصون الذاكرة المسرحية المغربية. وتتبارى حول جوائز هذه النسخة ثمان فرق مسرحية تمثل مختلف مناطق المملكة المغربية وهي: فرقة « العطاء للمسرح والسينما » من قلعة السراغنة، فرقة « سوار للثقافة والفن » من شيشاوة، فرقة « تادلة فن » من قصبة تادلة، فرقة « ألوان للإبداع الفني » من اولاد تايمة، فرقة « إكليل للمسرح وفنون العرض » من بنسليمان، فرقة « أدونيسم للمسرح » من سلا، فرقة « لايف أرت للمسرح » من قرية با محمد، فرقة « ركح القصر للمسرح والثقافات » من القصر الكبير. وتكونت لجنة انتقاء المهرجان الوطني لهواة المسرح من كفاءات فنية ومهنية راكمت تجارب مهمة في المجال المسرحي، كما ستتولى مهمة تحكيم المسابقة لجنة يترأسها السيد هشام عبقاري مدير مديرية الفنون بوزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة- إلى جانب الأعضاء: توفيق حماني، فضيلة بنموسى، ياسين زاوي وعبد اللطيف فردوس، وتتوزع جوائز المهرجان بين: أحسن ممثلة، أحسن ممثل، أحسن سينوغرافيا، أحسن تأليف، أحسن إخراج، وأحسن عمل مسرحي. وترسيخا للأبعاد التكوينية في المجال المسرحي تمت برمجة فقرة « ماستر كلاس » لفائدة الفرق المشاركة في المهرجان حول موضوع: « الممارسة المسرحية بين الهواية والإحتراف » من تأطير الفنانة السعدية لاديب والفنان فريد ركراكي فيما سيسير فعاليات هذا اللقاء التكويني الفنان حسن هموش، كما ستعرف الدورة الخامسة للمهرجان الوطني لهواة المسرح تكريم مجموعة من أعلام المسرح المغربي الذين ساهموا في إثراء الساحة الفنية والأكاديمية على امتداد سنوات من البدل والعطاء وهم: الفنان فريد ركراكي، الفنان مصطفى خليلي، الفنانة مريم الصديقي والباحث المسرحي الدكتور محمد زوهير.


المغرب اليوم
منذ 13 ساعات
- المغرب اليوم
أحمد السقا يكشف موقفه من الزواج مُجدّداً
خلال لقائه في برنامج "تفاعلكم" المذاع على قناة "العربية"، كشف الفنان أحمد السقا عن موقفه من فكرة الزواج مرة أخرى، بعد إعلان انفصاله الأخير عن الإعلامية مها الصغير بعد زواج دام سنوات، كاشفاً عن أصعب لحظة مرت عليه في حياته. وقال السقا إنه لا يفكر حالياً في الزواج، معلّقاً: "دلوقتي لأ، أنا لسه طازة معرفش الله أعلم وأنا عندي عيالي أهم حاجة". وعن أصعب لحظة مرت عليه في حياته، قال السقا إنها لحظة دفن صديق عمره سليمان عيد، بحيث رفض المشاركة في دفنه وشعر وقتها أنه يدفن نفسه. وأكد السقا في اللقاء أنه تعلّم دفن الموتى من جدّه، عندما كان طالباً في الأولى إعدادي، حيث قال: "الوحيد اللي مقدرتش أدفنه سليمان عيد والكل استغرب، قلتلهم هدفن نفسي؟! ده أخويا 26 سنة مسبناش بعض يوم واحد". وأضاف: "الموت الحقيقة الوحيدة في الدنيا، مش شر زي ما الناس بتقول، ودفن الموتى ليه بروتوكول، وكل وفاة ليها طريقة، وربنا أراد أتعلّمها". وبسؤاله عما إذا أوصى أحداً بدفنه، أجاب السقا مازحاً: "أعتقد لما أموت معروف عني الجدعنة فأنا هدفن نفسي". قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :


كش 24
منذ 16 ساعات
- كش 24
مراكش تحتضن الدورة الخامسة للمهرجان الوطني لهواة المسرح بمشاركة 8 فرق
تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله تنظم وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة- الدورة الخامسة للمهرجان الوطني لهواة المسرح في الفترة الممتدة ما بين 15 و19 يونيو 2025 بدار الثقافة الداوديات مراكش. وحسب بلاغ صحفي، تشكل هذه الدورة امتدادا فنيا للدورات السابقة المتوهجة لمسرح الهواة الذي شكل على الدوام مشتلا للمواهب الفنية والفرجة الركحية الخلاّقة بأبعادها الجمالية والإبداعية، وتسعى هذه التظاهرة التي أصبحت موعدا سنويا فنيا قارا إلى تثمين المنجز الإبداعي لهواة المسرح وصون الذاكرة المسرحية المغربية. ووفق البلاغ ذاته، تتبارى حول جوائز هذه النسخة ثمان فرق مسرحية تمثل مختلف مناطق المملكة المغربية وهي: فرقة "العطاء للمسرح والسينما" من قلعة السراغنة، فرقة "سوار للثقافة والفن" من شيشاوة، فرقة "تادلة فن" من قصبة تادلة، فرقة "ألوان للإبداع الفني" من اولاد تايمة، فرقة "إكليل للمسرح وفنون العرض" من بنسليمان، فرقة "أدونيسم للمسرح" من سلا، فرقة "لايف أرت للمسرح" من قرية با محمد، فرقة "ركح القصر للمسرح والثقافات" من القصر الكبير. وأبرز البلاغ، أن لجنة انتقاء المهرجان الوطني لهواة المسرح تتكون من كفاءات فنية ومهنية راكمت تجارب مهمة في المجال المسرحي، كما ستتولى مهمة تحكيم المسابقة لجنة يترأسها هشام عبقاري مدير مديرية الفنون بوزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة- إلى جانب الأعضاء: توفيق حماني، فضيلة بنموسى، ياسين زاوي وعبد اللطيف فردوس، وتتوزع جوائز المهرجان بين: أحسن ممثلة، أحسن ممثل، أحسن سينوغرافيا، أحسن تأليف، أحسن إخراج، وأحسن عمل مسرحي. وترسيخا للأبعاد التكوينية في المجال المسرحي، يضيف البلاغ، تمت برمجة فقرة "ماستر كلاس" لفائدة الفرق المشاركة في المهرجان حول موضوع: "الممارسة المسرحية بين الهواية والإحتراف" من تأطير الفنانة السعدية لاديب والفنان فريد ركراكي فيما سيسير فعاليات هذا اللقاء التكويني الفنان حسن هموش. كما ستعرف الدورة الخامسة للمهرجان الوطني لهواة المسرح تكريم مجموعة من أعلام المسرح المغربي الذين ساهموا في إثراء الساحة الفنية والأكاديمية على امتداد سنوات من البدل والعطاء وهم: الفنان فريد ركراكي، الفنان مصطفى خليلي، الفنانة مريم الصديقي والباحث المسرحي الدكتور محمد زوهير.