logo
ميناسيان نعى البابا فرنسيس: كان صورة حية للراعي الصالح

ميناسيان نعى البابا فرنسيس: كان صورة حية للراعي الصالح

LBCI٢١-٠٤-٢٠٢٥

نعى كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، "برجاء القيامة انتقال البابا فرنسيس إلى بيت الآب السماوي"، مستشهداً بكلمات القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى تيموتاوس: "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ" (٢ تيموتاوس ٤).
وقال: "خدم قداسته الكنيسة الجامعة بأمانة ومحبة وتواضع، وكان صورة حية للراعي الصالح، حاملاً همّ الفقراء، وناطقاً بالسلام، ومجسّداً لرحمة الله في عالم متعطش للرجاء. عاش صلاته، وعلّم بالقدوة، وسار بتواضع في درب الرب، مؤمناً بوعد المخلّص القائم من بين الأموات: "إنني ذاهب لأعد لكم مكاناً، لتكونوا أنتم أيضاً حيث أكون أنا والآب والروح القدس" (يوحنا ١٤: ٢).
ويتقدم ميناسيان بتعازيه القلبية إلى الكنيسة الكاثوليكية جمعاء، وإلى الكرادلة والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين في العالم أجمع، سائلاً الرب أن يسكب تعزياته في قلوب الجميع، ويمنح راحة أبدية لنفس قداسته في حضرة الثالوث القدوس.
وقال: "المسيح قام! حقًا قام!".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف تنجح في كل أعمالك، وتتفوق على المنافسين، وترضي الله والناس جميعاً؟
كيف تنجح في كل أعمالك، وتتفوق على المنافسين، وترضي الله والناس جميعاً؟

شبكة النبأ

timeمنذ 8 ساعات

  • شبكة النبأ

كيف تنجح في كل أعمالك، وتتفوق على المنافسين، وترضي الله والناس جميعاً؟

الوصول إلى النجاح والتفوّق، وإرضاء الله والناس جميعًا، يتوقّف على توفير عنصرين: غيبيّ وظاهريّ؛ فلو اجتمعا، نجحنا وتميّزنا وتفوّقنا وأفلحنا، وكسبنا الذِّكر الحسن دون شكّ، إنّ الخدمة وقضاء الحوائج والإحسان، تعتبر من أهم الاستراتيجيات التي توفّر العامل الغيبيّ للنجاح والتميز ورضا الله تعالى، وتضمن البركة في الأعمال والأنشطة والمؤسّسات... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم. قال الله العظيم في كتابه الكريم: (إِنَّ هذا أَخي‏ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنيها وَعَزَّني‏ فِي الْخِطابِ * قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى‏ نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغي‏ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ إِلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَليلٌ ما هُمْ)[1]. وقال جل اسمه: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[2]. الأسئلة الأربعة الحديث يدور حول الإجابة على الأسئلة الأربعة التي لا بُدّ أنّها تُؤرّق كلَّ إنسان في فترةٍ من فترات حياته، ولعلّها تُؤرّق بعض الناس طوال حياتهم، وهي: 1- كيف يمكننا أن ننجح في أعمالنا كلّها، سواء أكنّا أطباءً، أم مهندسين، أم محامين، أم صحفيّين، أم مزارعين، أم تجّارًا، أم موظفين، أم أساتذة جامعة، أم أساتذة حوزة، أم خطباء ومؤلّفين ومربّين ومبلّغين ومؤسّسين ومدراء... إلخ؟ 2- كيف يمكننا أن نتميّز ونتفوّق على الآخرين وعلى جميع المنافسين؟ 3-4- كيف يمكننا أن نُرضي الله تعالى والناس جميعًا؟ كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف الأربعة في وقتٍ واحد، في أيّ عملٍ دخلنا فيه، أو نشاطٍ اضطلعنا به، أو أيّة صنعةٍ أو حِرْفةٍ امتهنّاها؟ والجواب عن ذلك: إنّ الوصول إلى النجاح والتفوّق، وإرضاء الله والناس جميعًا، يتوقّف على توفير عنصرين: غيبيّ وظاهريّ؛ فلو اجتمعا، نجحنا وتميّزنا وتفوّقنا وأفلحنا، وكسبنا الذِّكر الحسن دون شكّ، وسنشير إليهما في فصلين: الفصل الأول: شروط النجاح والتفوق الغيبية إنّ الخدمة وقضاء الحوائج والإحسان، تعتبر من أهم الاستراتيجيات التي توفّر العامل الغيبيّ للنجاح والتميز ورضا الله تعالى، وتضمن البركة في الأعمال والأنشطة والمؤسّسات والشركات، كما تستحوذ على رضا الناس دون شكّ؛ إذ الناس يُحبّون العالِم، ورجل الأعمال، والطبيب، والمزارع، والشاب... إلخ، الذي يخدم متطوّعًا، ويقضي حوائجهم مسارعًا، ويُحسن إليهم متواضعًا. ويدلّ على ذلك الحديث الآتي، فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (تَنَافَسُوا فِي‏ الْمَعْرُوفِ‏ لِإِخْوَانِكُمْ، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ – الْمَعْرُوفُ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مَنِ اصْطَنَعَ الْمَعْرُوفَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَمْشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُوَكِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَلَكَيْنِ: وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ، وَآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، يَسْتَغْفِرَانِ لَهُ رَبَّهُ، وَيَدْعُوَانِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ، لَرَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَسَرُّ بِقَضَاءِ حَاجَةِ الْمُؤْمِنِ إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ مِنْ صَاحِبِ الْحَاجَةِ)[3]. والحديث يتركّب من مقاطع ثلاثة: 1- (تَنَافَسُوا فِي‏ الْمَعْرُوفِ) ولنتصوّر أنّ المجتمع كلّه (أو العشيرة، أو الحزب، أو المؤسّسة، كلٌّ في حدوده)، لو تحوّل إلى مجتمع متنافس في أعمال البرّ، والمعروف ومعونة بعضهم بعضاً، فأيّة جنّة كانت ستكون الأرض؟! أو أيّة سعادة كانت ستُخيّم على اتباع تلك المرجعية أو على التيار أو الحزب أو العشيرة التي تلتزم بذلك؟! ذلك أنّ التنافس في المعروف يعني أنّك إذا وجدتَ أخاك أو جارك أو زميلك أو الجمعية أو المنظمة الفلانية قد تَكفّلت مثلاً عشرة أيتام (من أمواله، أو عبر التوسّط وتشويق هذا وذاك)، فتسعى أنت، أو جمعيتك ومنظمتك، لتتكفّل عشرين، ويسعى ابن عمّك ليتكفّل ثلاثين... وهكذا، وتعود حلقات السلسلة، ليسعى الأوّل ليتفوّق على من تفوّق عليه... وهكذا الحال في التنافس على إغاثة الفقراء، وتزويج العزّاب والعازبات، وقضاء ديون الناس، وبناء المساجد والحُسينيّات والمكتبات والمدارس والمياتم ودُور الضيافة... إلخ، وكذلك إصلاح ذات البين، فلو أصلح صاحبك أو مؤسسته في هذا الأسبوع بين شخصين في قضيّة، أو زوّج شخصين، تسعى ومؤسستك للإصلاح بين مجاميع أكثر... وهكذا. من فقه اصطناع المعروف وقوله: (اصْطَنَعَ الْمَعْرُوفَ) ذو دلالة بالغة؛ فإنّ (اصْطَنَعَ) تتميز على (صنع)، فإنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، وباب الافتعال يدلّ على بذل الجهد وتجشّم العناء في تحصيل المطلوب والمقصود، فإن اكتسب العلم، تعني: بذل جهدًا حتّى كسبه، وكذا اكتسب المال، عكس كسب... وهكذا المعروف، عليك أن تقوم به وإن كلّفك جهداً ووقتاً ومالاً، وباب المعروف مخصّص لمن يبذلون الجهد، كماء الوجه في الوساطة لدى هذا وذاك، خاصةً وأنّ بعض المسؤولين أو الأثرياء يستخفّ بالوسطاء، بل قد يهتك حرمة الوسيط، أو على الأقل يهمله، أو يتجاهله، ومن الجهد الركض في مختلف دوائر الحكومة لإنجاح معاملة شخص مؤمن ومطلق السعي الحثيث لإنجاح أعمال الآخرين. 2- (فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَمْشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُوَكِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَلَكَيْنِ: وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ، وَآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، يَسْتَغْفِرَانِ لَهُ رَبَّهُ، وَيَدْعُوَانِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ...). وهنا تكمن البركة والجوانب الغيبية، إذ إنّه إذا مشى في حوائج الناس، وكّل الله به ملكين يستغفران له (فيرضى عنه الله تعالى)، ويدعوان له بقضاء حوائجه (فتتيسّر له أعماله، وتَتذلّل له العقبات التي تحول دون نجاحه في مَعمله، أو مصنعه، أو مؤسّسته، أو خطابته، أو تدريسه...). الرسول (صلى الله عليه وآله) أَسَرُّ بقضاء حاجة المؤمن، منه! 3- والغريب أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يَسَرُّ بقضاء أيّ واحدٍ منّا لحاجة أيّ مؤمن، أكثر من أن يُسرّ بها صاحب الحاجة نفسه!، فلو سعيتَ لإطلاق سراح مسجون فأطلقته، أو في تزويج أعزب أو عزباء فزوّجته أو زوجتها، أو في بناء دارٍ لفقيرٍ أو يتيمٍ فبنيتها، فمهما بلغ سرور صاحب الحاجة بذلك، فإنّ سرور رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يكون أعظم وأعمق. والسّرّ في ذلك هو قوله تعالى: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيمٌ)[4]، وأنه الوالد الرحيم، والأب الشفيق وأكثر، وقد ورد: (الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَمَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ. الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَخَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَالذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ. الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَعِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْظُ الْمُنَافِقِينَ، وَبَوَارُ الْكَافِرِينَ...)[5]. ومن أروع القصص في هذا الحقل، القصتان التاليتان: تاجر يتبرع بحديد جميع المساجد والحسينيات! الأولى: إنّ أحد التُجّار في إحدى المدن المهمّة ذات الملايين من النفوس، كان يمتلك مصانع صلب وحديد، فأخذ على نفسه أن يتبرّع لكل مسجد يُبنى أو حسينية تُبنى في تلك البلدة، بالحديد كلّه، (والذي يُكلّف قسطًا كبيرًا جدًّا من حجم أجور البناء)، وأعلن عن ذلك... وتتالت عليه الطلبات... والرائع في الأمر أنه وفى بوعده والتزم بكلمته... وقد بُنيت المئات من المساجد والحسينيات وشُيِّدت طوال عدّة عقود، وحديدها بأكمله من تبرّع هذا الرجل، وقد بارك الله في أعماله ومصانعه، فتطوّرت وازدهرت. والغريب: أنّه منذ أن توفّي قبل حوالي خمسين سنة وإلى الآن، فإن أولاده ثمّ أحفاده استمرّوا على المنهج نفسه حسب وصيّته مع أنه يقلّ أن يكون الأبناء فالأحفاد كالأب في التقوى والصلاح والبذل والعطاء... والغريب أيضًا: أنّ المصانع والمعامل والشركات، في بلادنا، عادةً تضعف إن لم تُغلق تمامًا بعد وفاة المؤسّس الرائد، الذي يتميّز عادةً بكفاءات استثنائيّة حيث صنع من الصفر مصانع ناجحة إلا أنّ الأبناء عادةً ليسوا بتلك الكفاءة، فإن كانوا كذلك، فإن الأحفاد ليسوا بتلك الكفاءة. ولكنّ الله تعالى، وكجزء من الأجر على صلاحه وعطائه، بارك في أعماله ومصانعه وأولاده وأحفاده، حتى استمرّت مصانعه ناجحة حتّى يومنا هذا، وقد استمرّت بتزويد كل حسينيّة جديدة أو مسجد جديد، بالحديد! وهذا يعني أنّ عامل الغيب قد يتدخّل وبوضوح لصالح من يعمل الصالحات، ليكون ناجحاً في دنياه ومفلحاً في آخرته كذلك. تاجر مشهور بالبخل الشديد، يكتشف الناس انه قديس! الثانية: عن أحد العلماء في مدينة أصفهان، المشهور بقضائه لحوائج الناس، في مقابل أحد كبار التُجّار المشهور ببُخله الشديد جدًّا. والقصة هي: إنّ أحد كبار التُجّار كان معروفًا بالبخل، فلم يكن يقصده صاحب حاجةٍ إلا ورفض مساعدته، سواء أكان فقيرًا، أم يتيمًا، أم أرملة، وسواء أكان المبلغ الذي يحتاجه قليلاً أم كثيرًا، حتى أصبح حديث المجالس في بخله... وساءت سُمعته لدى الناس... ولعلّه أصبح مكروهًا، يُتندَّر به في المحافل. وفي المقابل، كان أشهر علماء أصفهان، وهو السيد حسين الخادمي (وإلى جوار السيد عبد الحسين الطيب) الذي توفّي سنة 1405هـ (أي قبل 41 سنة)، معروفًا بتأسيسه المؤسّسات، وقضائه لحوائج الناس، وتكفّله للفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، إضافة إلى إدارة شؤون الحوزة والطلاب[6].. وكان العديد من الناس يضغط على السيّدَين ليُحدّثا ذلك التاجر وينصحاه، لكن الجواب كان من قبيل: إنّ الكلام معه لا يُغيّر من الواقع شيئًا! (وكانت في العبارة تورية خفيّة لا يفطن لها إلا من يعرف واقع الحال، ولكنّ واقع الحال لم يكن يعرفه أحد!). ومضت السُّنون، والناس تنتقِصُ من ذلك التاجر في كلّ مكان، ولكنه كان كالجبل الراسخ، لا يلين أبدًا، ولا يُغيّر من سيرته أصلًا! ثم توفّي التاجر... فلم يحضر جنازته إلّا القليل جدًّا من الناس، نظرًا لبُخله الشديد. لكنّ السيد الخادمي أبلى بلاءً حسنًا في تشييع الرجل، حتى لحده في قبره، ممّا أثار استغراب الكثيرين! وهنا كانت المفاجأة: فقد أخبر السيد بعد وفاة هذا التاجر، أنّ هذا التاجر (المشهور بالبُخل)، كان في الواقع هو المصدر الأكبر لتمويل جميع أعماله الخيرية، من رعاية أيتام، ومساكين، وبناء مساجد، ومكتبات، وإدارة شؤون الحوزة... إلخ. ولكنّ السبب الأساس في الكتمان المطلق، هو أنّ ذلك التاجر كان قد أخذ على السيّد العهود والمواثيق، بأن لا يُخبِر أحدًا بأنّه يدفع له شيئًا، وأن يتكتّم على الأمر أشدّ التكتّم، وأنّه يحتسب كلام الناس ضدّه، في ميزان أعماله... إذ كان ذلك التاجر يؤمن بصدقة السرّ، وبأن لا يُخالط عمله رياءٌ أو سُمعة أبدًا... لذا ابتكر هذه الطريقة الفريدة. وكم حزن الناس إذ علموا ذلك... وكم ترحّموا عليه... والأهم من ذلك كله: أنّه نال رضا الله سبحانه... كما أنّ الله تعالى بارك في أسرته وفي أمواله، إذ كانت تزيد ولا تنقص، رغم ضخامة ما كان يدفعه للسيّد. وموطن الشاهد: أنّ التُجّار، بل وعامّة الناس، لو تعلّموا من هذا التاجر منطق الإعطاء والبذل بدون حدود، ومن دون توقّعٍ لأي مردود اجتماعي أو غيره أبدًا، إلّا رضا الله تعالى وبركة صاحب الأمر (عجّل الله فرجه الشريف)... وأنّهم جميعًا، لو انتهجوا منهج: (تَنَافَسُوا فِي‏ الْمَعْرُوفِ‏ لِإِخْوَانِكُمْ، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ)، واتخذوا مسيرة المشي في حوائج المؤمنين دأباً وديدناً، أما كانت الأرض، أو تلك البلدة أو الجماعة التي تلتزم بهذا المنهج، تتحوّل إلى جنّة غنّاء؟ وأما كان كلّ واحدٍ من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ينجح في أعماله: إمّا بجهده لو أمكنه، أو بمؤازرة إخوته المؤمنين لو لم يمكنه أو متى ما تعثر؟ الفصل الثاني: شروط النجاح والتفوّق: الانضباط والإنتاجية و... إنّ شروط نجاح أيّ إنسان في أيّ عمل يدخل فيه، سواء أكان تجارةً، أم زراعةً، أم صناعةً، أم فتح مطب ومصنع ومعمل، أم تدريسًا وخطابةً وتربيةً، أم تأسيس مؤسسات... إلخ، من الناحية الظاهرية هي: العمل الشاق، والانضباط، وزيادة الإنتاجية، وغير ذلك ممّا سيأتي. وعلينا أن نعتبر من الآخرين، ومن الأمم المتطوّرة التي إنّما تطوّرت، ظاهريًّا، بسبب هذه العوامل الثلاثة الأساسيّة. القيم البروتستانتية وراء صعود الحضارة الغربية ولنستعرض هنا حالة الحضارة الغربية ماضياً وحاضراً، حيث كان الغربيّون في العصور الوسطى في أدنى درجات سُلّم الحضارات، وكانوا يعيشون التخلّف الكبير والجهل والتشرذم، وكان المسلمون في الأندلس هم أكثر دول العالم تطوّرًا، حتى كان الغربيّون يتوافدون إلى جامعات الأندلس للتزوّد من علوم المسلمين في الفيزياء، والكيمياء، والصناعة... إلخ، الأمر الذي يحدث عكسه الآن،... ولكنّ الذي حدث أنّه في القرن السادس عشر، الـمُسمّى بـعصر الإصلاح الديني، نفخت البروتستانتية في نفوس المسيحيّين هذه المبادئ الثلاثة، حيث ساهمت الأخلاق البروتستانتية، خاصة الكالفينية، في تعزيز قيم العمل الشاق أو الجاد، والانضباط، والتقشّف وعدم الإسراف، وفي المقابل الادخار الفعّال لبناء رأس مال يصلح للاستثمار في مشاريع مستقبلية، واعدة، بدلاً من الاستهلاك الـمُفرِط. وبذلك، دعمت السياسات الرأسمالية التي شجّعت بقوّة على مبادئ الحرية الفردية والمبادرة، وعلى حرّية السوق المتحرّرة من التدخّل الحكومي، وذلك كلّه لزيادة الإنتاج من جهة، وزيادة الإنتاجيّة من جهةٍ أخرى، والتي تعني الحصول على كميّات أكبر أو أفضل من المخرجات من نفس المدخلات السابقة، فلو كنت تحصل على طنٍّ من البرتقال مثلًا من هذه المزرعة، فإنّ زيادة الإنتاجيّة تعني أن تحصل من نفس هذه المزرعة على طنَّين من البرتقال، عبر تحسين جودة التربة، وجودة الريّ، وجودة الأسمدة الكيماويّة، وجودة استخدام المبيدات الحشريّة، وشبه ذلك. أو إذا كنت مؤلفاً تُنتج في 8 ساعات، 8 صفحات، فإنّ زيادة الإنتاجيّة تعني أن تُطوّر آليّاتك لكي تكتب في نفس الثماني ساعات 16 صفحة مثلًا، أو تكتب في نفس الـ 8 ساعات، 8 صفحات لكن بمستوى أرقى، عبر تطوير مهارات الكتابة، والتفكير، واستخدام أدوات تكنولوجيّة أرقى. والعِبرة في الأمر: إنّ كلّ حضارة، أو أمة، أو شعب، أو تيّار، أو جماعة، أو مؤسّسة، أو أسرة، أو فرد أرادت النجاح والتفوق، فلا بدّ لها من التمسك بهذه القيم الثلاثة: العمل الجاد، الانضباط، زيادة الإنتاجيّة (عبر إلغاء الإسراف والتبذير، وعبر تحسين جودة العمل والتفكير... إلخ) - والتي سبق القرآن الكريم والروايات الشريفة إلى التأشير عليها والتأكيد عليها، كما سيأتي في مقال قادم بإذن الله تعالى. فرجلُ الدين، على سبيل المثال، لا يمكن أن يصبح خطيبًا بارعًا، أو كاتبًا مرموقًا، أو أستاذًا مميزًا، أو داعيةً مُبرَّزًا على مستوى العالم، إلّا بـالدراسة والمطالعة الجادّة ليل نهار، والانضباط، بالالتزام بالمواعيد في أوقاتها، والسيطرة على شهوة النوم، والرغبة في الكَعدة، والنُزهة، واللاانضباط في المواعيد والبرامج وغيرها، وبزيادة الإنتاجيّة عبر مختلف السبل، كالتدريب على المطالعة السريعة (بشروطها، وقد كتبت فيها كتب)، والتدريب على طريقة التفكير السداسي الأبعاد (حسب نظرية القبعات الست)، والتقييم رباعي الأضلاع (عبر معادلة S.W.O.T) وغير ذلك. وكذلك الطبيب، والمهندس، والمحامي، والمزارع، والمسؤول، وهكذا. ولكن كيف تولدت الرأسمالية المتوحشة؟ ولكن، وفي المقابل، فإنّ الحضارة الغربيّة، المتأثّرة بقيم البروتستانتيّة السابقة، افتقدت قيمًا أخرى غاية في الأهميّة، لم تُعِره لها البروتستانتيّة بالًا؛ كالإحسان وقضاء حوائج الإنسان بما هو إنسان والعدالة الاجتماعية، وقد تحدّث عنها مفكّرو الغرب قبل غيرهم، ولأجل افتقادها اسموا الرأسمالية بالرأسماليّة المتوحّشة، حيث التركيز الـمُفرط على الأرباح على حساب الإنسان، وحيث تصنيم الحرية الفرديّة والسوق الحرّة، حتى لو أدّت، وهي عادةً تؤدّي، إلى سحق حقوق الآخرين، وإهمال التوزيع العادل للثروة، وشطب العدالة الاجتماعيّة، وحقوق العمال، والأجور العادلة من القائمة، ونظائرها... ولا شكّ أن القوى الأخرى، الكاثوليكية مثلاً، كانت تدفع باتجاه هذه القيم، والصدقة على الفقراء، والإحسان، لسبب أو لآخر، (على تفصيل في الفرق بين الرؤوس الفاسدة الانتهازيّة، وملايين الأتباع الذين اقتنعوا بذلك وفعلوا) لكنّ قطار الحضارة الغربية مضى باتجاه منطق الغاب، بل نظّر منظّروهم الاقتصاديّون وقالوا: بإنّ الصدقة وأعمال الخير تشوّه الاقتصاد!، وأنّه: دَعْهُ يعمل، دَعْهُ يسير بلا حدود، ولا ضوابط، ولا كوابح... ويكفي لنتعرّف على طريقة التفكير الغربيّة هذه (كي لا نُبتلى بمثلها، ونكتفي بتعلّم الإيجابيّات)، أن نقرأ كلمة تشرشل: (يجب أن يُعهد بالحكومات العالميّة إلى الأمم الشبعى، فهي لا تبغي لنفسها أكثر مما عندها!!. ولَئِن أضحت الحكومة العالميّة بين يدي الأمم الجوعى، لواجه العالم أخطارًا على الدوام...)[7]. وهذا مِثَل أن يقول الثريّ البرجوازيّ: دع مليارات أخرى تُضاف إلى أرصدتي الملياريّة كي أدّخرها، (فإني لا أبغي لنفسي أكثر مما عندي)، ولا تدعها تذهب إلى ملايين الفقراء الذين يكادون يموتون من الجوع، وإلّا لاشتروا بها أطعمة فأكلوها، فنفدت مليارات الدولارات، وانعدمت في أيام! واللافت أنه يتحدث عن (الحكومة العالمية) التي يبدو أنهم كانوا يخططون لها منذ عشرات السنين والتي تسارعت خطواتها أخيراً أكثر فأكثر. ويكفي أن نعرف أيضًا أن من نتائج محوريّة الأنا هذه، أن القرن العشرين شهد مقتل 187 مليون إنسان في الحربَين العالميّتَين أو بسببها ونظائرها. مؤسس مدرسة شيكاغو يهودي يقف وراء منطق الغاب الاقتصادي كما يكفي أن نعرف أن أهم مؤسّسي مدرسة شيكاغو الاقتصاديّة هم من اليهود ففي كتاب، "عقيدة الصدمة ورأسماليّة الكوارث"، يوثق الباحثان كيف قامت قوى الهيمنة الخفية الأميركيّة بتتويج مهندس التوحّش الرأسمالي، ملتون فريدمان، مؤسّس مدرسة شيكاغو، كواحد من أبطال أميركا، في قرار صدر عن الكونغرس وهو الذي شكّل مع سوروس، المعروف بكونه مهندس الثورات الملوّنة وفيلسوف البورصات (وكلاهما يهوديّ من أصول مجريّة) أخطر ثنائي يواجه حركات التحرّر في العالم كلّه – حسبما يقوله الكتاب. وكما يقول بعض الباحثين: فقد ارتبط اسم فريدمان أولًا بـجامعة شيكاغو، قسم العلوم الاقتصاديّة، الذي تولّى إعداد موجات من خبراء الاقتصاد وصندوق النقد الدولي، لفرض الخصخصة وفلسفة السوق المطلقة المتوحّشة، الغابة، بمعنى الداروينيّة الاجتماعيّة والاختيار الطبيعي للأقوى. كما ارتبط هو وأستاذه وشريكه، فريدريك فون هايك، من المدرسة النمساويّة ثانيًا، بتيّارات مماثلة في جامعة هارفارد، وخصوصًا دانيال بيل. ونالا، كلاهما، جائزة نوبل، بعد عام واحد من تأييدهما المذبحة الدمويّة التي قادها الانقلاب العسكري عام 1978 في تشيلي، بدعم وتدبير من الاستخبارات الأميركيّة وعدد من الشركات هناك.[8]. صعود ممثلي الشركات إلى سُلّم القيادة السياسية في أمريكا ويكفي أن نعلم أيضاً ما ذكره الباحث من انه: مع صعود الولايات المتحدة بعيد الحرب العالمية الثانية، صعد ممثلو الشركات إلى القمة السياسية في واشنطن، مثل الأخوين دلاس في وزارة الخارجية وإدارة الاستخبارات. وكانا يديران مكاتب محاماة كبرى لشركات، مثل النيكل ومورغان وسوليفان. - كان كسينجر الأبرز في تاريخ الخارجية الأميركية، في ملفات الصين والتحضير لكامب ديفيد والإشراف على أكثر من انقلاب عسكري دموي، كما حدث في تشيلي، وكان، في الوقت نفسه، يملك عدداً من الشركات، مثل شركة كسينجر أسوشيتس، ويمتلك حصصاً كبيرة في شركات كوكا كولا، وفيليور لإعادة الإعمار، وتريريم للخدمات الأمنية، وآي تي تي التي شاركت في انقلاب تشيلي المذكور. - وزير خارجية آخر، هو جيمس بيكر، يملك شركة كبرى للمحاماة وتمثيل مصالح العائلة السعودية وشركة هاليبرتون، بالإضافة إلى حصص كبيرة في مجموعة كارلايل للأنظمة والاتصالات الدفاعية. - الفريق الأميركي لغزو العراق من وزراء خارجية ودفاع: - شولتز، رئيس لجنة تحرير العراق، عضو مجلس إدارة في شركة بكتل. - ديك تشيني، رئيس مجلس إدارة هاليبرتون، التي وقعت مع الجيش الأميركي عقودا للبنية التحتية واللوجستية وتأمين الأسلحة والجنود والمرتزقة. - رامسفيلد، رئيس شركة بيوتكنولوجية، هي شركة جلياد ساينسز، من نتاجها براءة اختراع أدوية تسبب الهلوسة ونزعة الانتحار. وكما هو معروف فإن رامسفيلد هو مهندس خصخصة الجيوش لمصلحة الشركات الخاصة، حتى أنه ألغى الدعم الصحي العسكري للجيش الأميركي نفسه. - بول بريمر، مساعد سابق لكيسنجر، وصاحب شركات للخدمات الأمنية. - جيمس ستيل، قائد أكبر جماعات المرتزقة ومؤسس الخيار السلفادوري للترويع عبر القتل المعلن، وهو نائب رئيس شركة إنرون، ومساعد لبريمر... وتأكيداً للعلاقة الوثيقة بين الإدارات السياسية الأميركية والشركات الكبرى، كرّست إدارة ترامب (تاجر فنادق وعقارات وكازينوهات) كما غيرها العلاقة السابقة باختياره وزراء ومسؤولين من عالم الأثرياء الكبار، الذين كانوا يمثلون شركات إكسون موبيل في وزارة الخارجية، وجنرال داينمايكس وبوينغ في وزارة الدفاع، ورجال غولدمان ساسكس في أكثر من وزارة، مثل الخزانة والمجلس الاقتصادي، بالإضافة إلى نائبه مايك بينس، من رجال الأعمال المنتفعين من تداعيات العاصفة كاترينا، التي ضربت نيو اورلينانز)[9]. الاستهلاك المفرط والترفيه بدل العمل والادخار إضافةً إلى ذلك، فقد بدأت الحضارة الغربيّةُ مسيرةَ الانحدار منذ عقود، إذ إنّ عوامل النجاح الماضية بدأت تتآكل فيها؛ حيث اتجه عامّةُ الشعب نحو الاستهلاك الـمُفرط بدل الادّخار والاستثمار، والتقشّف وعدم الإسراف، وحرّضتهم على ذلك الشركات الكبرى، بما تملك من وسائل إعلام عملاقة، إذ أضحت تُغري الناس ليلَ نهار بالاستهلاك المفرط، كما وفّرت المصارف الفرص الكبيرة للناس جميعاً للاقتراض، بل دفعتهم للاستدانة المفرطة لأغراضٍ استهلاكيّة... وهكذا زاد الاستهلاكُ الترفيّ، وتناقص الادّخار والاستثمار، كما اتجه الأطفال والشباب وعامّة الشعب نحو أنواع اللّهو واللّعب والترفيه الضار أو غير النافع بدل العمل الشّاق، وبدأ الانضباطُ يتضاءل، وهكذا... وانخفضت الإنتاجيّة تبعًا لذلك كلّه، ولولا ان عوّضتها التطوّراتُ التكنولوجيّة لوجدتَ تسارع انهيار الحضارة الغربية أكثر. الاستدراج الإلهي وهكذا نجد في الغرب، كما نشهد في الشرق، تجلِّيًا واضحًا لكلمة الإمام علي (عليه السلام) الشهيرة: (كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ)[10] فإن كثيرًا من الناس، أفرادًا ومنظّمات وشعوبًا وحكومات، تزيدهم النِّعمُ طُغيانًا، وقد غفلوا، أو تغافلوا عن كونها استدراجًا لهم إلى أليم عذاب الله وإلى سيّء العاقبة، إذ استثمروا عطايا الله تعالى لهم، من ذكاءٍ ومالٍ وقوّةٍ وسلطةٍ وعلاقاتٍ و...، في عصيانه، وفي ظلم عباده، وسرقة أموال الآخرين بالرشاوي والربا والاحتيال والتدليس والاحتكار، وبافتعال الحروب، وشِبهها. وقد قال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلي‏ لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلي‏ لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ)[11]، و(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)[12]، وقال الأمير (عليه السلام) في تتمة الرواية السابقة (وَمَا ابْتَلَى اللَّهُ أَحَداً بِمِثْلِ‏ الْإِمْلَاءِ لَهُ)[13]، وقد قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ)[14]. والحل: لا تستَعِنْ بنِعَمِ الله على معاصيه وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إِنْ أَرَدْتَ أَنْ‏ يُخْتَمَ‏ بِخَيْرٍ عَمَلُكَ‏ حَتَّى تُقْبَضَ وَأَنْتَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَعَظِّمْ لِلَّهِ حَقَّهُ أَنْ لَا تَبْذُلَ نَعْمَاءَهُ فِي مَعَاصِيهِ)[15]. وعن الإمام علي (عليه السلام): (أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لِلَّهِ [سُبْحَانَهُ‏] أَلَّا تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ‏ عَلَى مَعَاصِيهِ)[16]. وعنه (عليه السلام) – لكميل: (هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً! بَلَى [أُصِيبُ‏] أَصَبْتُ‏ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ)[17]. وقال الإمام علي (عليه السلام): (أَيُّهَا النَّاسُ لِيَرَكُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِينَ كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِينَ، إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً، وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً فَقَدْ ضَيَّعَ مَأْمُولاً)[18]. وفي المقابل: فإنّ استمرار النجاح والتفوق، وهما من النِّعم الكبرى، ورضا الله والناس، منوطة كلها بالعدل والإحسان. قال الإمام الرضا (عليه السلام): (اسْتِعْمَالُ‏ الْعَدْلِ‏ وَالْإِحْسَانِ‏ مُؤْذِنٌ بِدَوَامِ النِّعْمَةِ)[19] قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لَا تَدُومُ‏ النِّعَمُ‏ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ: مَعْرِفَةٍ بِمَا يَلْزَمُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِيهَا، وَأَدَاءِ شُكْرِهَا، وَالتَّعَبِ فِيهَا)[20]، فقد قال الإمام علي (عليه السلام): (مَنْ‏ بَسَطَ يَدَهُ‏ بِالْإِنْعَامِ حَصَّنَ نِعْمَتَهُ مِنَ الِانْصِرَامِ)[21] المعادلة الاقتصادية - الاجتماعية والمعادلة الاقتصادية – الاجتماعية التالية هي أفضل ما يجسد علاقة النِعم بالإنسان وضمان استمراريتها مع ضريبتها التي عليه أن يدفعها. فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً اخْتَصَّهُمْ‏ بِالنِّعَمِ‏ يُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا لِلنَّاسِ فَإِذَا مَنَعُوهَا حَوَّلَهَا مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ)[22]. وقال الإمام علي (عليه السلام): (نِعَمُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ مَجْلَبَةٌ لِحَوَائِجِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَامَ لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَضَهَا لِلدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَضَهَا لِلزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ)[23]. وعنه (عليه السلام): (مَنْ كَثُرَتْ [نِعْمَةُ] نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَامَ لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ‏ وَالْفَنَاء)[24]. وعنه (عليه السلام): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً، فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ، وَمَنْ قَصَّرَ عَنْهُ خَاطَرَ بِزَوَالِ النِّعْمَةِ وَتَعَجُّلِ الْعُقُوبَةِ، فَلْيَرَكُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِينَ كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ‏ فَرِقِينَ‏)[25]. فكلما ازدادت قوة الإنسان وثروته ومكانته الاجتماعية ازدادت حوائج الناس إليه، وعليه حينئذٍ أن يزداد تواضعاً للناس وعطاءً لهم، وإلا عرّضها للزوال، وقد ورد (مَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ اشْتَدَّتْ مَئُونَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَاسْتَدِيمُوا النِّعْمَةَ بِاحْتِمَالِ الْمَئُونَةِ وَلَا تُعَرِّضُوهَا لِلزَّوَالِ، فَقَلَّ مَنْ زَالَتْ عَنْهُ النِّعْمَةُ فَكَادَتْ‏ أَنْ‏ تَعُودَ إِلَيْهِ)[26]. الاستعانة بنعمة السلطة على ظلم العباد وعلى مستوى الحكومات والمسؤولين وذوي النفوذ يقول (عليه السلام): (وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ‏ وَتَعْجِيلِ‏ نِقْمَتِهِ‏ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ [يَسْمَعُ‏] سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ)[27]. وعنه (عليه السلام): (مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَظَلَمَ‏ فِيهَا، إِلَّا كَانَ حَقِيقاً أَنْ يُزِيلَهَا عَنْهُ)[28]. - عنه (عليه السلام): (وَايْمُ اللَّهِ، مَا كَانَ قَوْمٌ‏ قَطُّ فِي‏ غَضِ‏ نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوهَا، لِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ، وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ، وَوَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ، وَأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ)[29]. رسالة الإمام الصادق (عليه السلام) إلى حاكم الأهواز ورسالة الإمام الصادق (عليه السلام) للنجاشي – حاكم الأهواز، (وهو جدّ النجاشي – الرجالي المعروف) التالية ترسم خطوطاً واضحة لمسؤوليات المسؤولين والحكام، فإذا وجدناهم قاموا بها فهم السعداء وإلا نالوا غضب الله تعالى والملائكة وكراهية الناس، وسلب الله منهم تلك النعمة وحوّلها إلى نقمة.. ولَئِن أمهلهم فإنه يسلب منهم نور التقوى وطيبة القلوب فيتحولون بمرور الزمن إلى وحوش آدمية ومصاصي دماء. فعن عبد الله بن سليمان النوفلي قال: كنت عند جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، فإذا بمولى لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه ففضه وقرأه، وإذا أول سطر فيه: هل عليك أن تسر بوصولك إلى السلطة أو تحزن؟ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِلَى أَنْ قَالَ: إِنِّي‏ بُلِيتُ‏ بِوِلَايَةِ الْأَهْوَازِ، فَإِنْ رَأَى سَيِّدِي وَمَوْلَايَ أَنْ يَحُدَّ لِيَ حَدّاً، أَوْ يُمَثِّلَ لِي مِثَالًا لِأَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَيُلَخِّصَ لِي فِي كِتَابِهِ مَا يَرَى لِيَ الْعَمَلَ بِهِ، وَفِيمَا أَبْتَذِلُهُ، وَأَيْنَ أَضَعُ زَكَاتِي؟ وَفِيمَنْ أَصْرِفُهَا؟ وَبِمَنْ آنَسُ؟ وَإِلَى مَنْ أَسْتَرِيحُ؟ وَبِمَنْ أَثِقُ وَآمَنُ وَأَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي سِرِّي؟ فَعَسَى أَنْ يُخَلِّصَنِي اللَّهُ بِهِدَايَتِكَ فَإِنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَأَمِينُهُ فِي بِلَادِهِ، لَا زَالَتْ نِعْمَتُهُ عَلَيْكَ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ: فَأَجَابَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حَاطَكَ اللَّهُ بِصُنْعِهِ، وَلَطَفَ بِكَ بِمَنِّهِ، وَكَلَأَكَ بِرِعَايَتِهِ، فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ. أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَاءَنِي رَسُولُكَ بِكِتَابِكَ، فَقَرَأْتُهُ وَفَهِمْتُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْتَ وَسَأَلْتَهُ عَنْهُ، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ بُلِيتَ بِوِلَايَةِ الْأَهْوَازِ، فَسَرَّنِي ذَلِكَ وَسَاءَنِي، وَسَأُخْبِرُكَ بِمَا سَاءَنِي مِنْ ذَلِكَ، وَمَا سَرَّنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا سُرُورِي‏ بِوِلَايَتِكَ فَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يُغِيثَ اللَّهُ بِكَ مَلْهُوفاً خَائِفاً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، وَيُعِزَّ بِكَ ذَلِيلَهُمْ، وَيَكْسُوَ بِكَ عَارِيَهُمْ، وَيُقَوِّيَ بِكَ ضَعِيفَهُمْ، وَيُطْفِئَ بِكَ نَارَ الْمُخَالِفِينَ عَنْهُمْ). إيذاء أي ولي لهم يحرمك رائحة الجنة! وقال (عليه السلام): (وَأَمَّا الَّذِي سَاءَنِي مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَدْنَى مَا أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْثُرَ بِوَلِيٍّ لَنَا، فَلَا تَشَمَّ حَظِيرَةَ الْقُدْسِ، فَإِنِّي مُلَخِّصٌ لَكَ جَمِيعَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ إِنْ أَنْتَ عَمِلْتَ بِهِ، وَلَمْ تُجَاوِزْهُ رَجَوْتُ أَنْ تَسْلَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)[30]. وقوله (عليه السلام): (تَعْثُرَ بِوَلِيٍّ لَنَا، فَلَا تَشَمَّ حَظِيرَةَ الْقُدْسِ) كلمة خطيرة إلى أبعد الحدود إذ عَثَر به يشمل جميع أنواع الإيذاء والظلم المادي والجسدي والنفسي والروحي.. فأيهما حصل حرم العاثر حتى من شمّ حظيرة القدس فكيف بولوجها والدخول فيها؟. ولعل السبب في تخصيصه (عليه السلام) الملهوف الخائف بكونه من آل محمد (عليهم السلام) بالذكر، هو أن الحكومات الأموية والعباسية كانت شاهرة السيف ضدهم، وكان حتى اليهودي والمسيحي والملحد في مأمن أما الشيعي فكان مطارداً ملاحقاً.. وكانت السجون ممتلئة بهم.. وكانوا بين شريد وطريد وأسير وقتيل وجريح. على أن ذلك من مفهوم اللقب فلا مفهوم له. وقال (عليه السلام): (وَاعْلَمْ أَنَّ خَلَاصَكَ مِمَّا بِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ، وَكَفِّ الْأَذَى عَنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَالتَّأَنِّي وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ...). (وَمَنْ أَدْخَلَ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ سُرُوراً، فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ (عليهم السلام) سُرُوراً، وَمَنْ أَدْخَلَ عَلَى‏ أَهْلِ الْبَيْتِ (عليهم السلام) سُرُوراً، فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) سُرُوراً، وَمَنْ أَدْخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) سُرُوراً، فَقَدْ سَرَّ اللَّهَ، وَمَنْ سَرَّ اللَّهَ فَحَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ جَنَّتَهُ). أرصدة المسؤولين المنتفخة وقال (عليه السلام): (يَا عَبْدَ اللَّهِ اجْهَدْ أَنْ لَا تَكْنِزَ ذَهَباً وَلَا فِضَّةً، فَتَكُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ‏). والعجيب أنك ترى كثيراً من المسؤولين في بلادنا تنتفخ حساباتهم وأرصدتهم في المصارف باستمرار، فبعد أن كانوا حفاةً مفلسين إذا بهم قد أصبحوا أثرياء مرفهين يملكون القصور الفخمة والأسواق والمتاجر والمصانع والمعامل والثراء العريض. إخافة المؤمن في منطق الاستخبارات وقال (عليه السلام): (يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِيَّاكَ أَنْ تُخِيفَ مُؤْمِناً، فَإِنَّ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ نَظَرَ إِلَى مُؤْمِنٍ نَظْرَةً لِيُخِيفَهُ بِهَا أَخَافَهُ اللَّهُ يَوْمَ لَا ظِلِّ إِلَّا ظِلُّهُ وَحَشَرَهُ فِي صُورَةِ الذَّرِّ لَحْمَهُ وَجَسَدَهُ وَجَمِيعَ أَعْضَائِهِ حَتَّى يُورِدَهُ مَوْرِدَهُ). والغريب أن وزارات الاستخبارات وقوات الأمن بشتى فروعها في عامة البلاد الإسلامية وكذلك المحاكم والمحاكم الخاصة، التي ورثتها بلادنا من الشيوعيين، تبني منهجيتها على إخافة المواطن.. فإذا وقع بقبضتها فلا يكاد المتهم يشمّ رحمة ولا شفقة ولا محامي ولا حسيب ولا رقيب.. والغريب ان الكثير منهم يعذبون المتهم خارج دائرة القانون، وغالباً ما تكون التهمة باطلة، بل حتى لو كانت بحق فإنه لا يجوز تعذيب أحد أبداً. وقال (عليه السلام): (وَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) قَالَ: مَنْ أَغَاثَ لَهْفَاناً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَغَاثَهُ اللَّهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ وَآمَنَهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَآمَنَهُ مِنْ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ). ألوان من قضاء حوائج الإخوان وقال (عليه السلام): (وَمَنْ قَضَى لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ حَاجَةً قَضَى اللَّهُ لَهُ حَوَائِجَ كَثِيرَةً مِنْ إِحْدَاهَا الْجَنَّةُ، وَمَنْ كَسَا أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ سُنْدُسِ الْجَنَّةِ وَإِسْتَبْرَقِهَا وَحَرِيرِهَا وَلَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي رِضْوَانِ اللَّهِ مَا دَامَ عَلَى الْمَكْسُوِّ مِنْهُ سِلْكٌ، وَمَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ مِنْ جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ طَيِّبَاتِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ سَقَاهُ مِنْ ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ رَيَّهُ، وَمَنْ أَخْدَمَ أَخَاهُ أَخْدَمَهُ اللَّهُ مِنَ الْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ وَأَسْكَنَهُ مَعَ أَوْلِيَائِهِ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ حَمَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ رُجْلَةٍ حَمَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ وَبَاهَى بِهِ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ زَوَّجَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ امْرَأَةً يَأْنَسُ بِهَا وَتَشُدُّ عَضُدَهُ وَيَسْتَرِيحُ إِلَيْهَا زَوَّجَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَآنَسَهُ بِمَنْ أَحَبَّهُ مِنَ الصِّدِّيقِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَإِخْوَانِهِ وَآنَسَهُمْ بِهِ). ليقضِ كل مسؤول مائة حاجة يومياً! وعلى كل مسؤول، بل كل ذي قوة في حزب أو عشيرة أو جماعة أن ينتهج هذا المنهج.. وتصوروا.. لو أنّ كل مسؤول في وزارة الداخلية أو الخارجية أو الدفاع أو الزراعة أو الصناعة أو التجارة أو غيرها، وكل ذي نفوذ في حزب أو نقابة أو اتحاد، قرّر أن يقضي يومياً، بالمباشرة أو عبر أذرعه، مائة حاجة أو حتى عشر حاجات، أية جنة ستكون الأرض حينئذٍ؟ وهذا مع قطع النظر عن التزامهم بقضاء حوائج الناس في حدود مسؤولياتهم فإنه واجب، وإهمال ذلك خيانة في الأمانة.. والغريب أن المسؤولين أضحوا غير مسؤولين! وأن أحدهم لا يقضي لك حاجتك القانونية، كرخصة بناء أرض أو تأسيس شركة أو معمل ضمن الشروط القانونية، إلا برشوة يأخذها المسؤول الأول التابع للجهة الفلانية، فإذا تقدم المواطن خطوة.. فاجأه مسؤول آخر من الجهة الفلتانية بمطالبته برشوة أخرى.. وهكذا قد تأخذ منه عشر جهات رشاوى ورشاوى.. متسببة في إفقار الناس وزيادة نسبة التضخم وتضخم البيروقراطية وتحطيم ازدهار البلد وتخريبه.. وقد نقل ان بعض المسؤولين يأخذ على مجرد منحك إجازة لبناء مجمع سكني ملايين الدولارات! وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَقَدْ عَلِمْتُمْ‏ أَنَّهُ‏ لَا يَنْبَغِي‏ أَنْ‏ يَكُونَ‏ الْوَالِي‏ عَلَى‏ الْفُرُوجِ‏ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ، وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ... وَلَا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ)[31]. بل سريان الرشوة في الأمم سبب هلاكها فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ‏ كَانَ‏ قَبْلَكُمْ‏ أَنَّهُمْ‏ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ، وَأَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ)[32]. بل الرشوة سحت بل هي كفر فعن يزيد بن فرقد، قال: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ السُّحْتِ، فَقَالَ: هُوَ الرِّشَا فِي الْحُكْمِ)[33]. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (الرِّشَا فِي‏ الْحُكْمِ‏ هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ)[34]. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إِيَّاكُمْ وَالرِّشْوَةَ فَإِنَّهَا مَحْضُ الْكُفْرِ وَلَا يَشَمُّ صَاحِبُ‏ الرِّشْوَةِ رِيحَ الْجَنَّةِ)[35]. أَعِنْ المؤمن ضد الجائر وتحمّل الضريبة! وعودةً إلى رسالة الإمام الصادق (عليه السلام) نجده يقول (عليه السلام): (وَمَنْ أَعَانَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ عَلَى سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى إِجَازَةِ الصِّرَاطِ عِنْدَ زَلَّةِ الْأَقْدَامِ، وَمَنْ زَارَ أَخَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لَا لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ كُتِبَ مِنْ زُوَّارِ اللَّهِ، وَكَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ)، ومن الواضح ان إعانة الأخ المؤمن على السلطات الجائر له ضريبة وأية ضريبة في بلادنا الاستبدادية! لكن ذلك هو ثمن الجواز على الصراط عند زلة الأقدام! ولذا أكّد (عليه السلام) ذلك بقوله: (ثُمَّ إِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ فَإِنَّهُ مَنِ اعْتَصَمَ بِحَبْلِ اللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، فَاتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُؤْثِرْ أَحَداً عَلَى رِضَاهُ وَهَوَاهُ فَإِنَّهُ وَصِيَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهَا وَلَا يُعَظِّمُ سِوَاهَا). لتكن الخدمة وقضاء الحوائج منهج حياتنا وبشكل عام لو جعل كل واحد منا في أي موقع كان، رسالةَ الإمام الصادق (عليه السلام) هذه نصب عينه وعمل بها قدر المستطاع لتغيرت معادلات كثيرة ولتحوّل وجه الأرض المغبرّ الكئيب إلى واحة مليئة بالسعادة والحبور والسرور... ومن أروع الروايات التي تحرض على قضاء الحوائج تلك التي تعبر بـ (تظاهر النعم على الناس) وتهدد بزوالها. فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): (مَا مِنْ عَبْدٍ تَظَاهَرَتْ‏ عَلَيْهِ‏ مِنَ‏ اللَّهِ‏ نِعْمَةٌ إِلَّا اشْتَدَّتْ مَئُونَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَمَنْ لَمْ يَقُمْ لِلنَّاسِ بِحَوَائِجِهِمْ، فَقَدْ عَرَضَ النِّعْمَةَ لِلزَّوَالِ، قَالَ: فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقُومَ لِهَذَا الْخَلْقِ بِحَوَائِجِهِمْ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ)[36]. قال أبو عبد الله (عليه السلام) للحسين الصحاف: (يَا حُسَيْنُ مَا ظَاهَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ النِّعَمَ حَتَّى ظَاهَرَ عَلَيْهِ مَئُونَةَ النَّاسِ، فَمَنْ صَبَرَ لَهُمْ وَقَامَ بِشَأْنِهِمْ زَادَهُ اللَّهُ‏ فِي نِعَمِهِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ لَهُمْ وَلَمْ يَقُمْ بِشَأْنِهِمْ أَزَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ تِلْكَ النِّعْمَةَ)[37] وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (مَنْ‏ عَظُمَتْ‏ عَلَيْهِ‏ النِّعْمَةُ اشْتَدَّتْ لِذَلِكَ مَؤُنَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ بِمَئُونَتِهِمْ اجْتَلَبَ زِيَادَةَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَرَّضَ النِّعْمَةَ لِزَوَالِهَا)[38]. كلما ازداد ثروة ازداد بخلاً! والغريب أنّ بعض الناس كلما ازداد ثراء وأموالاً ازداد بخلاً وإمساكاً مع أن مقتضى القاعدة أن يزداد عطاءً، ولعل السبب هو (مَنْهُومَانِ‏ لَا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومُ عِلْمٍ وَمَنْهُومُ مَالٍ)[39]، فإنّ مال الدنيا كماء البحر كلما ازددت منه شرباً ازددت عطشاً.. والحل عدم التسويف بمعنى أن يعوّد الإنسان نفسه وهو لا يملك شيئاً ثم وهو يصعد قليلاً قليلاً على العطاء قليلاً فأكثر فأكثر؛ فإنه إذا اعتاد العطاء لم يصعب عليه بعد ذلك البذل أكثر فأكثر كلما نمت أمواله أكثر فأكثر... وإلا، فإنه إذا سوّف وفكّر مع نفسه: (انني سأعطي وأنفق وأبذل عندما أمتلك أموالاً طائلة). فإنه حيث عوّد نفسه على الإمساك، استمكن منه الشيطان وتحكمت فيه عادة البخل فيكون كلما ازداد ثروة ممن يزداد بخلاً وإمساكاً.. وذلك مجرب بكلا طرفيه: من درّب نفسه على الإحسان والعطاء وهو يصعد تدريجياً استمر على ذلك المنهج وازداد عطاءه.. وبالعكس ممن خدع بأمل زائف: أن ينفق مستقبلاً، فإنه لا يوفق لذلك عادة. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين * سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم .............................................. [1] سورة ص: 23-24. [2] سورة العصر: 1-3. [3] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص195. [4] سورة التوبة: 128. [5] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص200. [6] فمثلاً من نشاطاته: 1ـ بناء مسجد في مدينة إصفهان، وفي جزيرة قشم، وفي مدينة هرمز. 2ـ تأسيس مكتبة عامّة في مسجد السيّد الخادمي في مدينة إصفهان. 3ـ ومكتبة في المؤسّسة الأحمدية لنشر الثقافة الإسلامية. 4ـ تجديد بناء المدرسة العربية التي سُمّيت بعد وفاته باسمه. 5ـ تشكيل الجمعية الصادقية لرعاية المعلولين والمقعدين. 6ـ إنشاء المؤسسّة الأحمدية لنشر الثقافة الإسلامية. 7ـ بناء مستشفى الإمام الحسن العسكري الخيرية. 8ـ تشكيل لجنة الإمام صاحب الزمان الخيرية. 9ـ تأسيس مكتبة مدرسة المُلّا عبد الله. كما كان زاهداً في حياته، وشديد التواضع للناس وشديد الاحتياط في صرف الحقوق الشرعية إلا في مواردها الصحيحة – وذلك حسب بعض المصادر المعروفة. [7] إعاقة الديمقراطية، الولايات المتحدة والديمقراطية ـ نعوم تشومسكي 9 مركز دراسات الوحدة العربية ط 2 1998. [8] [9] المصدر السابق. [10] نهج البلاغة: الحكمة 116. [11] سورة آل عمران: 178. [12] سورة الأعراف: 182، سورة القلم: 44. [13] نهج البلاغة: الحكمة 116. [14] سورة إبراهيم: 28-29. [15] عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص4. [16] نهج البلاغة: الحكمة 330. [17] نهج البلاغة: الحكمة 147. [18] نهج البلاغة: الحكمة 258. [19] عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص24. [20] تحف العقول: ص318. [21] غرر الحكم ودرر الكلم: ص629. [22] عوالي اللألئ: ج1 ص372. [23] بحار الأنوار: ج75 ص13. [24] نهج البلاغة: الحكمة 372. [25] تحف العقول: ص206. [26] الكافي: ج4 ص37. [27] نهج البلاغة: الكتاب 53. [28] غرر الحكم ودرر الكلم: ص701. [29] نهج البلاغة: الخطبة 178. [30] وسائل الشيعة: ج17 ص207. [31] نهج البلاغة: الخطبة 131. [32] نهج البلاغة: الكتاب 79. [33] الكافي: ج7 ص409. [34] الكافي: ج7 ص409. [35] بحار الأنوار: ج101، ص274. [36] الكافي: ج4 ص37. [37] الكافي: ج4 ص38. [38] قرب الإسناد (ط - الحديثة): ص77. [39] الخصال: ج1 ص53.

الخطبة الدينية وأثرها في الاصلاح الفكري
الخطبة الدينية وأثرها في الاصلاح الفكري

شبكة النبأ

timeمنذ 8 ساعات

  • شبكة النبأ

الخطبة الدينية وأثرها في الاصلاح الفكري

ولما كان الامام علي بن ابي طالب (ع)، يمثل انموذجاً للخطيب الديني البارع في الاصلاح الفكري لأبناء الامة فإننا اتخذنا من بعض خطبه دعائم ليقوم عليها بحثنا الحالي ومن تلك الخطب التي تضمنها بحثنا الخطبة الغراء واعطاء صورة واضحة عن اثر الخطبة الدينية في اصلاح المجتمع وافراده سواء أكان اصلاحا... المقدمة: الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالرحمة والهدى، صلى الله وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين. إن الإصلاحَ أمرٌ أساس في الدين، يتناول جميع الجوانب التي يتحقق بها صلاحُ الأمة ورقيّها وتقدّمها وأمنها، ولخطبة الجمعة -لا شك- أثر في تحقيق ذلك الإصلاح، وتبليغ رسالته، والحضِّ عليه، وتذليل الصعاب النفسية والاجتماعية التي تُعطِّله أو تَعُوقُه أو تُخْمِد جذوتَه. وإذا كان هذا هو أثر الخطبة، وكان همُّ الخطباء ترسيخَ مفهوم الإصلاح وتعميقَ الشعور به، والتغلّبَ على معوِّقاته؛ فإنه يحسنُ بحثُ هذا الأثر من حيث مؤهلات الخطيب النفسية والعلمية والمنهجية، ومن حيث الواقعُ الذي يعيشه المسلمون، ومن حيث أنواعُ المشكلات المطروحة التي ينبغي أن تعطَى لها الأولويَة في الخطب الدينية. ولما كان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، يمثل انموذجاً للخطيب الديني البارع في الاصلاح الفكري لأبناء الامة فإننا اتخذنا من بعض خطبه دعائم ليقوم عليها بحثنا الحالي ومن تلك الخطب التي تضمنها بحثنا الخطبة الغراء للإمام علي (ع) فضلا ًعن الخطبة الغراء وفضلاً عن اعطاء صورة واضحة عن اثر الخطبة الدينية في اصلاح المجتمع وافراده سواء أكان اصلاحاً فكريا ًام نفسياً ام خلقياً ام اجتماعياً. وبناءاً على ما تقدم نقدم بحثنا الموسوم (الخطبة الدينية وأثرها في الاصلاح الفكري) والذي يتضمن ثلاثة مباحث وهي كالآتي: المـــبحـــث الأول: وتضمن: الخطبة مفهومها وانواعها ومقوماتها المبحث الثاني: وتضمن الخطبة الدينية وأثرها في شحذ الهمم المبحث الثالث: السبب الداعي لإلقاء الخطبة الغراء وانتهى البحث بخاتمة تضمنت أهم ما توصل إليه الباحث من استنتاجات. الخُطْبَةُ: هي بضم الخاء، وهي ما يُقال على المنبر، يُقال: خَطَبَ على المنبر خُطْبَة - بضم الخاء - وخَطَابة، وأما خِطْبَة - بكسر الخاء - فهي طلب نكاح المرأة. وهي مشتقة من المخاطبة، وقيل: من الخطب، وهو الأمر العظيم؛ لأنهم كانوا لا يجعلونها إلا عنده. قال في تهذيب اللغة: "والخطبة مصدر الخطيب، وهو يخطب المرأة ويخطِبُها خِطبة وخِطِّيبى... قلت: والذي قال الليث أن الخطبة مصدر الخطيب لا يجوز إلا على وجه واحد، وهو أن الخُطبة اسم للكلام الذي يتكلم به الخطيب، فيوضع موضع المصدر، والعرب تقول: فلانٌ خِطْبُ فلانة(1)". وقال في القاموس: "وخَطَبَ الخاطب على المِنْبَر خَطابة بالفتح، وخُطبة بالضم، وذلك الكلام خُطبة أيضًا، أو هي الكلام المنثور المُسَجَّع ونحوه، ورجل خَطِيبٌ حسن الخُطبة بالضم". (2). وقال في مختار الصحاح: "خاطَبَه بالسلام مُخَاطَبة وخِطَابا، وخطب على المنبر خُطْبَة - بضم الخاء - وخَطَابة، وخَطَب المرأة في النكاح خِطْبَة - بكسر الخاء - يخْطُبُ بضم الخاء فيهما، واختَطَبَ أيضًا فيهما، وخَطُبَ من باب ظَرُفَ صار خطيبًا" (3). وقال في المصباح: "خَاطَبَه مُخَاطَبَة وخِطَابا، وهو الكلام بين متكلم وسامع، ومنه اشتقاق الخُطبَة -بضم الخاء وكسرها- باختلاف معنيين، فيُقال في الموعظة: خَطَبَ القوم وعليهم من باب قتل، خُطبة - بالضم -، وهي فُعلة بمعنى مفعولة... وجمعها خُطب، وهو خطيب القوم إذا كان هو المتكلم عنهم، وخَطَبَ المرأة إلى القوم إذا طلب أن يتزوج منهم، واختطبها، والاسم الخِطْبة - بالكسر..... (4). خَطَبَ الناسَ وفيهم وعليهم خَطَابةً وخُطْبةً: ألقى عليهم خُطْبة. وخَطَب فلانةً خَطْبًا وخِطْبَة، طلبها للزواج. وخَطُب خَطابة: صار خطيبًا. وخاطبه مخاطبة وخِطابا، كالمه وحادثة، أو وجّه إليه كلاما. والخِطاب: الكلام، وفَصْل الخِطَاب هو خطاب لا يكون فيه اختصار مُخِلّ ولا إسهاب مُمِلّ، والخُطْبة: الكلام المنثور يخاطِب به مُتكلِّمٌ فصيحٌ جَمْعًا من الناس لإقناعهم، ومن الكتاب: صدْرُه جمع خُطَب، والخَطَّاب: وصف للمبالغة للكثير الخطبة [بضم الخاء وكسرها]. والخطيب الحسن الخُطبة، أو من يقوم بالخَطابة في المسجد وغيره، والمتحدث عن القوم. جمع خُطباء. والخَطْب والمخاطبة والتخاطب: المراجعة في الكلام، ومنه الخُطْبة، ويقال من الخُطْبة: خاطِب وخطيب، ومن الخِطبة: خاطب لا غير. والخَطْب: أيضًا الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب(5). 2. الخطبة في الاصطلاح: عرَّفها بعضهم بأنها: الكلام المؤلف المُتضمِّن وعظًا وإبلاغًا (6). ولكن هذا فيه إجمال. وأوضح منه تعريف من قال: إنها قياس مركب من مقدمات مقبولة أو مظنونة، من شخص معتقد فيه، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم من أمور معاشهم ومعادهم (7). وعرَّف بعض المعاصرين الخطابة: بأنها فنّ من فنون الكلام، يقصد به التأثير في الجمهور عن طريق السمع والبصر معا (8). وكل هذه التعريفات ونحوها تدور حول التعريف بالخطبة عمومًا، ومعناها متقارب. وأما خطبة الجمعة بخصوصها فلم أطلع على تعريف صريح لها - فيما بين يدي من كتب الفقهاء - لعلهم تركوا ذلك لوضوحها عندهم، وقد جاء في بدائع الصنائع في معرض كلامه على أحكام خطبة الجمعة قوله: " والخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله والدعاء للمسلمين، والوعظ والتذكير لهم" (9). وهذا بيان لمعناها حسب المتعارف عليه، وليس تعريفًا دقيقًا تتوفر فيه الشروط المعتبرة عند الأصوليين. فيما أرى - تعريف الخَطابة بأنها: فنُّ مشافهةِ الجمهور، وإقناعِه واستمالتِه. فلابد من مشافهة، وإلا كانت كتابة أو شعرًا مدونًا. ولابد من جمهور يستمع، وإلا كان الكلام حديثا أو وصية. ولابد من الإقناع، وذلك بأن يوضح الخطيب رأيه للسامعين، ويؤيدَه بالبراهين ليعتقدوه كما اعتقده، ثم لابد من الاستمالة، والمراد بها أن يهيج الخطيب نفوس سامعيه أو يهدئَها، ويقبضَ على زمام عواطفهم يتصرّف بها كيف شاء، سارًّا أو مُحزِنًا، مُضحِكًا أو مُبكيًا، داعيًا إلى الثورة أو إلى السكينة. وإذاً فأُسُس الخَطابة: " مشافهة، وجمهور، وإقناع، واستمالة ". (10). مفهوم الخطابة وانواعها: الخُطبة: كلام يُلقى في جموع الناس، بهدف إقناعهم بالفكرة التي يدعو إليها الخطيب، والتأثير فيهم بما يبديه من حُجَج وغيرها، ومن ثَمَّ استمالة عواطفهم للوقوف إلى جانبه في تأييد فكرته، والعمل على حسب ما يدعو إليه. وعرَّف عبد الجليل شلبي (الخطابة) بأنَّها: "أصول وقواعد ترشد الإنسان إلى فن مخاطبة الجماهير، بطريقة إلقائية، تشتمل على الإقناع والاستمالة". وعرَّفها أبو زهرة، بأنَّها: "صفة راسخة في نفس المتكلِّم، يقتدر بها على التصرُّف في فنون القول؛ لمحاولة التأثير في نفوس السامعين، وحملهم على ما يراد منهم بترغيبهم وإقناعهم"(11). فالإلقاء الخطابي الناجح لا بُدَّ من وجود شرطين أساسين فيه، وهما: الإقناع والاستمالة؛ وذلك أنَّ كثيراً من الناس قد يقتنعون بأشياء في قرارة أنفسهم، ويوقنون بخطورة ما يصنعون، كشارب الخمر والدخان؛ ولكن هذه القناعة لا تغيِّر في سلوكهم شيئاً، ولا تدفعهم إلى التخلي عما هم فيه وَفق هذه القناعة، والعمل بما فيها. بل يحتاجون إلى قوة تأثيرية معيَّنة تدفعهم إلى الإقدام والصمود، ومغالبة العادة والإغراء الذي يوقعهم في الباطل(12). والخطيب البارع: هو الذي يتمكَّن من مخاطبة الجمهور، على اختلاف مداركهم، وثقافاتهم، وميولهم الفكرية والنفسية؛ بما يناسبهم من أفانين البيان، وطرائق الخطاب. أنواع الخطب: تتنوَّع الخطب باختلاف موضوعها وغرضها. وأشهر أنواعها هي: الخطب الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والقضائية. هي التي تتناول دعوة الناس إلى الهدى ودين الحق، والتمسُّك بالقيم الدينية، والتنفير من فعل المنكرات، أو الترغيب في أنواع البر والخيرات، والتحلي بفضائل الأخلاق، ونحو ذلك مما يُلقى في المساجد ـ كما في خطبة الجمعة والأعياد ـ وما يتناوله الخطباء في المحافل والجمعيات الدينية، من شؤون السياسة، والاقتصاد، والمجتمع، من وجهة النظر الدينية، وما يهم المسلمين ويشغل بالهم من الأمور المستحدثة، والمسائل الجارية، والقضايا التي تتصل بمصالحهم. كما تشمل الخطب التي يلقيها قادة الجيوش في ساحات الجهاد، حثَّاً لجنودهم على القتال، وتحريضاً لهم على الاستبسال، وبيان ما أعدَّ الله للمجاهدين في سبيله من مكانة، وما أعدَّه للشهداء منهم من الجنان والحور العين، ونحو ذلك مما يناسب موضوع الجهاد في سبيل الله تعالى. وللناس استعداد طيب لقبول الخطب الدينية، والتأثُّر بما يلقيه الخطباء من الوعظ والتوجيه؛ بسبب ما يتمتع به موضوع الدِّين من مكانة في النفوس، ولارتباطه بحياة المتدينين في الحياة وبعد الممات(13). ثانياً: الخطب الاجتماعية: هي الخطب التي تلقى في الاحتفالات العامة أو الخاصة؛ بغرض تكريم أو استقبال أو وداع أو تهنئة أو نحو ذلك. ويتناول بعضها المشكلات الاجتماعية بعامة، وتلك التي ظهرت في العصر الحديث، نتيجة نمو الوعي الاجتماعي؛ مثل: مشكلات الفقر، والغلاء، والتشرُّد، ورعاية الطفولة، وسوء الأحوال الصحية، ومشكلات المرأة، وقضايا العمال... ونحوها. ثالثاً: الخطب السياسية: هي الخطب التي تتناول شؤون الحكم والدّولة، وعلاقة الأفراد والجماعات بها من حقوق وواجبات. أو تلك التي تتصل بأمور الدّولة الداخلية أو أمورها الدّولية. وتشمل الخطب التي تلقى في المجالس النيابية أو الشورية للنظر في شؤون الدولة وأمور الرعية، أو تلك التي تُلقى في المؤتمرات السياسية، والصراعات الانتخابية، ونحوها. رابعاً: الخطب القضائية: ويُراد بها ما يُلقى في المحاكم وأثر القضاء من خطب؛ كتلك التي يلقيها المحامون أو أعضاء النيابة أمام القضاة في قاعات المحاكم. ويعتمد الخطيب في مثل هذا النوع من الخطب؛ على عرض القضية في وضوح وجلاء، بعد تكييفها في حدود القوانين، ووَفق مواد القانون التي تختص بالقضية موضوع النظر(14). خامساً: الخطبة الجهادية: تعتبر الخطبة التي يلقيها الخطيب للمجاهدين الذين يتوجهون لساحة القتال شيء مهم وضروري لحثهم على الجهاد ورفع الروح المعنوية عندهم وتثبيتهم عند احتدام المعركة وتذكيرهم انهم يقاتلون في سبيل الله وانهم اذا استشهدوا فهم فائزون بالجنة وانهم اذ انتصروا فهم سيرفعون راية الاسلام ويعلون كلمته وتكون على عاتقهم مهمة عزه الاسلام ونصره (15). هناك جملة من المقومات التي ترتكز عليها الخطبة الناجحة إذا ما أريد لها التأثير في الاخرين وتحقيق الغاية من الخطابة ومن تلك المقومات ما يأتي: 1. مراعاة الكلام لمقتضى الحال: فيتوسم الداعية حال السامعين، ليعرف مبلغ طاقتهم وقدر استحقاقهم وإقبالهم على الانتفاع ليعطيهم ما يتحملون، ويمسك عما لا يطيقون، ويوجز إذا خشي الملالة والانصراف(16)، وقد روى جابر بن سمرة (17) قال: (كنت أصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا(18)، كما اعتبر (صلى الله عليه وآله) قصر خطبة الرجل من علامات فقه الرجل، فقال: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته، مَئِنَّةٌ من فقهه، فأطيلوا الصلاة، اقصروا الخطبة(((19)، وذلك بأن يوجز الخطبة مع الاستيعاب لجميع عناصرها. 2. التفاعل الصادق المخلص أثناء الخطابة(20): فإن هذا مما يثير المشاعر النفسية عند المدعوين، ويلفت أنظارهم، ويجذب انتباههم، إضافة إلى المشاركة الوجدانية من الداعية مع المدعوين، وبيان تأثره بكل ما يتحدث به إليهم(21) وقد ورد عنه أنه كان إذا خطب وأنذر بيوم القيامة احمر وجهه وعلا صوته كأنه منذر جيش، كما روى الإمام مسلم: (كان إذا خطب، احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم)(22)، وهذه الهيئة الخطابية تنم عن تواصل مباشر بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين خالقه (جلَّ وعلا) حيث لا ينطق عن هوى، ولا حاجة به إلى التصنع والتكلف وإنَّما تنساق له العبارات انسياقاً وهو يُقلبها كيف يشاء. 3. الوضوح: وهذا يعني اختيار الألفاظ المفهومة والعبارات السهلة، مع مراعاة مستوى السامعين الثقافي والتيسير عليهم، وتفصيل المجمل من الكلام وتوضيحه(23). فيكون حديثه واضحا بينا، يفهمه السامعون، ولا ينتقل من فكرة أو من عنصر إلى آخر، إلا وهو متأكد من استيعابهم له ما أمكن، مع مراعاة الفروق الفردية في القدرة على الاستيعاب، وذلك بأن ينوع في طرق العرض، وأساليب الكلام، لتوضيح مقصده كالتكرار والتأني في الكلام، ويراعي حسن النطق، وتجويد الكلمات والحروف(24). 4. تميزت خطبه (صلى الله عليه وآله) باشتمالها على عناصر الخطبة الجيدة: مثل تقسيمها إلى عناصر وأفكار رئيسية، فيبتدئ بالبداية الملائمة ثم يذكر ما يريد ثم ينهي بالخاتمة الملائمة، لأن الخطبة تحتاج إلى مقدمة تهيئ أذهان المدعوين لسماعها، ومما كان يبدأ به (صلى الله عليه وآله) حمد الله تعالى والثناء عليه والتشهد، ثم يعرض الموضوع ويفصله تفصيلا مناسبا. وفي خطب الفتح اشتملت خطبه على العديد من التشريعات المهمة والتذكير بالله تعالى، والموعظة الحسنة وغير ذلك من العناصر، ثم ختمها بما يؤكد عرضه ومما ختم به خطبته يوم الفتح، تكليفه السامعين بحمل أمانة التبليغ لمن وراءهم بقوله: ((وليبلغ الشاهد الغائب))(25). 5. التنويع فيها تبعا لموضوعها، ومراعاة لحال المستمعين: فإذا كان المدعوون بحاجة إلى التخويف والترهيب، ذكرهم بعذاب الله، وإن رأى فيهم يأسا وقنوطا ووجلا شديدا، ذكرهم بعظيم رحمة الله وسعة رحمته وأشاع في قلوبهم ما يطمئنهم وينيب قلوبهم، كما فعل (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول خطبة له في مكة، حين أعطى الأمان لقريش، وقال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) (26). 6. استغلال هذه الوسيلة تربوياً، فعند تأمل موقفه (صلى الله عليه وآله) مع قضية المرأة المخزومية التي استشفع لها أسامة (رضي الله عنه)، يتبين له أثر الخطبة في التربية، فقد أنكر (صلى الله عليه وآله) على أسامة شفاعته قائلا: أتشفع في حد من حدود الله. ثم لم يكتف بهذا الاستفهام المشبع بالمرارة واللوم لكنه بادر في عشية ذلك اليوم دون تأجيل وجمع القوم ووقف فيهم خطيبا وقال: أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها(27). 7. استعمال العوامل الموقظة لعقول السامعين، والمثيرة لحماسهم واهتمامهم: ومن ذلك توجيه الأسئلة للمخاطبين، فذلك يهيئ أنفسهم للاستجابة والانقياد، -حيث أن المسئول غالبا في موقف أضعف من السائل- وهذا الشعور يحتاجه الخطيب ليعي الناس كلامه وما يهدف إليه(28)، وذلك كسؤال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقريش: ((ما ترون أني فاعل بكم؟)) 8. استخدام الأساليب البلاغية، مثل التوافق في تقسيم الجمل، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((تؤخذ صدقاتهم في ديارهم، ويجير على المسلمين أدناهم، ويرد على المسلمين أقصاهم))(29). واستخدام أسلوب التأكيد، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لقد قتلتم قتيلا لأدينَّه))(30). وكذلك استخدامه القسم في قوله: ((والذي نفس محمد بيده)) مع المبالغة إلى جانب التأكيد على إقامة الحدود، بأن ذلك لو وقع من فاطمة رضي الله عنها - وهي أبعد الناس عن ذلك - لأقام عليها الحد. فضلاً عن استخدام أسلوب المقابلة، فذكر في خطبته الشريف ثم ذكر الضعيف، وذكر البر التقي الكريم على الله، ثم ذكر الفاجر الشقي الهين على الله. إلى غير ذلك من المزايا التي ساعدت على إنجاح هذه الوسيلة، مما جعلها ذات آثار مباركة في تبليغ الدعوة(31). الخطبة الغراء للإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) من خطبة له، وهي من الخطب العجيبة: (الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله (32). مانح كل غنيمة وفضل،. وكاشف كل عظيمة وأزل. أحمده على عواطف كرمه، وسوابغ نعمه. وأؤمن به أولا باديا، وأستهديه قريبا هاديا، وأستعينه قاهرا قادرا، وأتوكل عليه كافيا ناصرا. وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله؛ أرسله لإنفاذ أمره، وإنهاء عذره، وتقديم نذره. أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب الأمثال، ووقت لكم الآجال. وألبسكم الرياش وأرفغ لكم المعاش (33). وأحاط بكم الإحصاء (34)، وأرصد (35) لكم الجزاء، وآثركم بالنعم السوابغ، والرفد الروافغ، وأنذركم بالحجج البوالغ. فأحصاكم عددا، ووظف لكم مددا، في قرار خبرة، ودار عبرة، أنتم مختبرون فيها، ومحاسبون عليها.فإن الدنيا رنق (36) مشربها، ردغ (37) مشرعها، يونق منظرها، ويوبق مخبرها. غرور حائل، وضوء آفل، وظل زائل، وسناد مائل. حتى إذا أنس نافرها، واطمأن ناكرها؛ قمصت (38) بأرجلها، وقنصت بأحبلها، وأقصدت بأسهمها، وأعلقت المرء أوهاق (39) المنية قائدة له إلى ضنك المضجع، ووحشة المرجع، ومعاينة المحل، وثواب العمل. وكذلك الخلف بعقب السلف. لا تقلع المنية اختراما (40) ولا يرعوي الباقون اجتراما. يحتذون مثالا ويمضون أرسالا (41)، إلى غاية الانتهاء، وصيور الفناء. حتى إذا تصرمت الامور، وتقضت الدهور، وأزف (42) النشور؛ أخرجهم من ضرائح القبور، وأوكار الطيور، وأوجرة (43) السباع، ومطارح المهالك، سراعا إلى أمره، مهطعين(44) إلى معاده. رعيلا صموتا، قياما صفوفا. ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي. عليهم لبوس الاستكانة، وضرع الاستسلام والذلة. قد ضلت الحيل، وانقطع الأمل. وهوت الأفئدة كاظمة، وخشعت الأصوات مهينمة (45). وألجم (46) العرق، وعظم الشفق، وأرعدت الأسماع لزبرة الداعي إلى فصل الخطاب، ومقايضة الجزاء، ونكال العقاب، ونوال الثواب. عباد مخلوقون اقتدارا، ومربوبون اقتسارا، ومقبوضون احتضارا، ومضمنون أجداثا، وكائنون رفاتا (47). ومبعوثون أفرادا، ومدينون جزاء، ومميزون حسابا. قد أمهلوا في طلب المخرج، وهدوا سبيل المنهج، وعمروا مهل المستعتب، وكشفت عنهم سدف (48) الريب، وخلوا لمضمار الجياد، وروية الارتياد، وأناة المقتبس المرتاد، في مدة الأجل، ومضطرب المهل. فيالها أمثالا صائبة، ومواعظ شافية، لو صادفت قلوبا زاكية، وأسماعا واعية، وآراء عازمة، وألبابا حازمة! فاتقوا الله تقية من سمع فخشع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وأيقن فأحسن، وعبر فاعتبر، وحذر فحذر، وزجر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى، واري فرأى، فأسرع طالبا، ونجا هاربا، فأفاد ذخيرة، وأطاب سريرة. وعمر معادا، واستظهر زادا ليوم رحيله، ووجه سبيله، وحال حاجته، وموطن فاقته، وقدم أمامه، لدار مقامه. فاتقوا الله عباد الله جهة ما خلقكم له، واحذروا منه كنه ما حذركم من نفسه، واستحقوا منه ما أعد لكم بالتنجز (49) لصدق ميعاده، والحذر من هول معاده. ومنها: جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها، وأبصارا لتجلو عن عشاها، وأشلاء (50)جامعة لأعضائها، ملائمة لأحنائها (51)، في تركيب صورها ومدد عمرها، بأبدان قائمة بأرفاقها (52)، وقلوب رائدة لأرزاقها، في مجللات (53) نعمه، وموجبات مننه، وحواجز عافيته. وقدر لكم أعمارا سترها عنكم، وخلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم؛ من مستمتع خلاقهم (54)، ومستفسح خناقهم (55). أرهقتهم (56) المنايا دون الآمال، وشذبهم عنها(57) تخرم الآجال. لم يمهدوا في سلامة الأبدان، ولم يعتبروا في أنف (58) الأوان. فهل ينتظر أهل بضاضة (59) الشباب إلا حواني الهرم؟ وأهل غضارة (60) الصحة إلا نوازل السقم؟ وأهل مدة البقاء إلا آونة الفناء؟ مع قرب الزيال، وأزوف الانتقال، وعلز (61) القلق، وألم المضض وغصص الجرض (62)، وتلفت الاستغاثة بنصرة الحفدة والأقرباء والأعزة والقرناء! فهل دفعت الأقارب أو نفعت النواحب، وقد غودر في محلة الأموات رهينا، وفي ضيق المضجع وحيدا، قد هتكت الهوام جلدته، وأبلت النواهك جدته، وعفت (63) العواصف آثاره، ومحا الحدثان (64) معالمه، وصارت الأجساد شحبة بعد بضتها، والعظام نخرة بعد قوتها، والأرواح مرتهنة بثقل أعبائها، موقنة بغيب أنبائها، لا تستزاد من صالح عملها، ولا تستعتب من سيئ زللها! أولستم أبناء القوم والآباء، وإخوانهم والأقرباء، تحتذون أمثلتهم، وتركبون قدتهم(65) وتطؤون جادتهم؟!. فالقلوب قاسية عن حظها، لاهية عن رشدها، سالكة في غير مضمارها، كأن المعني سواها، وكأن الرشد في إحراز دنياها! واعلموا أن مجازكم على الصراط ومزالق دحضه (66) وأهاويل زلله، وتارات أهواله. فاتقوا الله عباد الله تقية ذي لب شغل التفكر قلبه، وأنصب الخوف بدنه، وأسهر التهجد غرار (67) نومه، وأظمأ الرجاء هواجر (68) يومه، وظلف الزهد شهواته (69)، وأوجف الذكر بلسانه(70)، وقدم الخوف لأمانه، وتنكب المخالج (71) عن وضح السبيل، وسلك أقصد المسالك إلى النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور، ولم تعم عليه مشتبهات الامور. ظافرا بفرحة البشرى، وراحة النعمى في أنعم نومه وآمن يومه. وبادر من وجل، وأكمش (72) في مهل. ورغب في طلب، وذهب عن هرب، وراقب في يومه غده، ونظر قدما أمامه. فكفى بالجنة ثوابا ونوالا، وكفى بالنار عقابا ووبالا! وكفى بالله منتقما ونصيرا! وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما! أوصيكم بتقوى الله الذي أعذر بما أنذر، واحتج بما نهج، وحذركم عدوا نفذ في الصدور خفيا، ونفث في الآذان نجيا (73)؛ فأضل وأردى، ووعد فمنى، وزين سيئات الجرائم، وهون موبقات العظائم. حتى إذا استدرج قرينته (74)، واستغلق رهينته، أنكر ما زين، واستعظم ما هون، وحذر ما أمن. أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام، وشغف (75) الأستار، نطفة دهاقا (76)، وعلقة محاقا، وجنينا وراضعا، ووليدا ويافعا. ثم منحه قلبا حافظا، ولسانا لافظا، وبصرا لاحظا؛ ليفهم معتبرا، ويقصر مزدجرا. حتى إذا قام اعتداله، واستوى مثاله؛ نفر مستكبرا، وخبط سادرا (77)، ماتحا في غرب (78) هواه، كادحا سعيا لدنياه، في لذات طربه، وبدوات أربه (79)، ثم لا يحتسب رزية، ولا يخشع تقية. فمات في فتنته غريرا (80)، وعاش في هفوته يسيرا. لم يفد عوضا، ولم يقض مفترضا. دهمته فجعات المنية في غبر (81) جماحه، وسنن مراحه، فظل سادرا، وبات ساهرا، في غمرات الآلام، وطوارق الأوجاع والأسقام، بين أخ شقيق، ووالد شفيق، وداعية بالويل جزعا، ولادمة (82) للصدر قلقا. والمرء في سكرة ملهثة، وغمرة (83) كارثة، وأنة موجعة، وجذبة مكربة، وسوقة متعبة. ثم أدرج في أكفانه مبلسا (84)، وجذب منقادا سلسا. ثم القي على الأعواد رجيع وصب (85)، ونضو(86) سقم، تحمله حفدة الولدان، وحشدة الإخوان، إلى دار غربته، ومنقطع زورته، ومفرد وحشته. حتى إذا انصرف المشيع، ورجع المتفجع؛ اقعد في حفرته، نجيا لبهتة السؤال، وعثرة الامتحان. وأعظم ما هنالك بلية نزول الحميم، وتصلية الجحيم، وفورات السعير، وسورات (87) الزفير. لا فترة مريحة، ولا دعة مزيحة، ولا قوة حاجزة، ولا موتة ناجزة، ولا سنة مسلية بين أطوار الموتات وعذاب الساعات، إنا بالله عائذون! عباد الله! أين الذين عمروا فنعموا، وعلموا ففهموا، وانظروا فلهوا وسلموا فنسوا!. أمهلوا طويلا، ومنحوا جميلا، وحذروا أليما، ووعدوا جسيما. احذروا الذنوب المورطة، والعيوب المسخطة. اولي الأبصار والأسماع، والعافية والمتاع! هل من مناص أو خلاص، أو معاذ أو ملاذ، أو فرار أو محار (88) أم لا؟ ﴿فأنى تؤفكون﴾(89)! أم أين تصرفون! أم بماذا تغترون! وإنما حظ أحدكم من الأرض ذات الطول والعرض قيد (90) قده، متعفرا على خده! الآن عباد الله والخناق مهمل، والروح مرسل، في فينة(91) الإرشاد، وراحة الأجساد، وباحة الاحتشاد، ومهل البقية، وانف المشية، وإنظار التوبة، وانفساح الحوبة (92) قبل الضنك والمضيق، والروع والزهوق، وقبل قدوم الغائب المنتظر، وأخذة العزيز المقتدر (93). المبحث الثاني الخطبة الجهادية دراسة موضوعية: تعتبر الخطبة التي يلقيها الخطيب للمجاهدين الذين يتوجهون لساحة القتال شيء مهم وضروري لحثهم على الجهاد ورفع الروح المعنوية عندهم وتثبيتهم عند احتدام المعركة وتذكيرهم انهم يقاتلون في سبيل الله وانهم اذا استشهدوا فهم فائزون بالجنة وانهم اذ انتصروا فهم سيرفعون راية الاسلام ويعلون كلمته وتكون على عاتقهم مهمة عزه الاسلام ونصره (94) ومن اجل دراسة الخطة الجهادية دراسية موضوعية سنتناول الخطبة الجهادية لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) انموذجاً. الخطبة الجهادية لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) انموذجاً الخطبة السابعة والعشرين من نهج البلاغة وتعد من مشاهير خطب الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، تحمل الطابع السياسي والاجتماعي والعقائدي، حيث يذكر فيها الامام علي (ع) فضل الجهاد في سبيل اللّه والدعوة اليه، وتخاذل اصحابه عن نصرة الدين... علما ان الجهاد ركن من اركان الدين حيث يقول الباري سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (95). فنبدأ الان بشرحها ثم الوقوف على مقوماتها من الافكار والعواطف والاسلوب ونختم الحديث بمقارنة مع ابن نباتة. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الجِهَادَ(96) بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ (97)الوَثِيقَةُ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ(98) أَلبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ البَلاَءُ، وَدُيِّثَ (99) بِالصَّغَارِ وَالقَمَاءَةِ (100)، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْأَسْهَابِ(101)، وَأُدِيلَ الحَقُّ مِنْهُ (102) بِتَضْيِيعِ الجِهَادِ، وَسِيمَ الخَسْفَ(103)، وَمُنِعَ النَّصَفَ(104). أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هؤُلاَءِ القَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ(105) إِلاَّ ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ (106) وَتَخَاذَلتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغَارَاتُ (107)، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأُوْطَانُ. وَهذَا أَخُو غَامِد قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ(108)، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ البَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا(109). وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالْأُخْرَى المُعَاهَدَةِ (110)، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا(111) وَقُلْبَهَا(112) وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا (113)، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالْإِسْتِرْجَاعِ وَالْإِسْتِرْحَامِ(114)، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ(115)، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ (116)، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً. فَيَا عَجَباً! عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً(117)، حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً (118) يُرمَى: يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْرُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْن! فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِم فِي أَيَّامِ الحَرِّ قُلْتُمْ: هذِهِ حَمَارَّةُ القَيْظِ(119) أَمْهِلْنَا يُسَبَّخُ عَنَّا الحَرُّ(120)، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ: هذِهِ صَبَارَّةُ القُرِّ(121)، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا البَرْدُ، كُلُّ هذا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ; فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ! يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَارِجَالَ. حُلُومُ الْأَطْفَالِ. وَعُقُولُ ربَّاتِ الْحِجَالِ. لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ. مَعْرِفَةٌ وَاللّهِ جَرَّتْ نَدَما وَاعْقَبَتْ سَدَما. قَاتَلَكُمُ اللّهُ لَقَدْ مَلاُتُمْ قَلْبِي قَيْحا. وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظا. وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسا. وَأفَسَدْتُمْ عَلَيِّ رَأيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ وَلكِنْ لَاعِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ. للّهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحَدٌ مَنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاسا وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاما مِنِّي؟ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرِّفْتُ عَلَي السِّتِّينَ. وَلكِنْ لَا رَأيَ لَمِنْ لَا يُطَاعُ. وعلة ذلك كما ذكرها صاحب الكامل (انه انتهى الى علي بن ابي طالب (عليه السلام) ان خيلاً لمعاوية وردت الانبار فقتلوا عاملا له يقال له حسان بن حسان، فخرج مغضبا يجر ثوبه حتى اتى النخلية، واتبعه الناس، فرقى رباوة من الارض فحمد اللّه واثنى عليه، وصلى على نبيه (ص) ثم قال اما بعد فان الجهاد....)(122). هذا وان الحملة كانت عنيفة جدا كما اشار اليها ابن ابي الحديد نقلا عن كتاب الغارات (انه قال (الغامدي)، دعاني معاوية فقال: اني باعثك في جيش كثيف ذي اداة وجلاد، فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها، فان وجدت بها جندا فاغر عليهم، والا فامض حتى تغير على الانبار، فان لم تجد بها جندا فأمض حتى توغل المدائن، ثم اقبل الي، واتق ان تقرب الكوفة، واعلم انك ان اغرت على اهل الانبار واهل المدائن فكأنك اغرت على الكوفة ان هذه الغارات يا سفيان على اهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كل من له فينا هوى منهم، وتدعو الينا كل من خاف الدوائر (المصائب والشدائد)، فاقتل من لقيته ممن لس هو على مثل رايك، واخرب كل ما مررت به من القرى واحرب الاموار (اسلب) فان حرب الاموال شبيه بالقتل وهو اوجع للقلب...) (123). شرح الخطبة: قيل ان كلام الملوك ملوك الكلام، وبناء على هذا فان كلام المعصوم ما هو الا عصمة للكلام، فانك تجد في هذه الخطبة ان الحديث جاء مناسبا للمخاطبين، بلا لغو ولا ابهام، يصب في الضمائر الحية حميم الغضب ضد اعداء الدين، يذكر هم اولا بفضل الجهاد في سبيل اللّه والتمسك بسنة رسوله(صلى الله عليه وآبه وسلم)، والترغيب في الدخول الى الجنان، والجلوس عند الحور الحسان، ومن جانب آخر يحذهم نار جهنم وغضب الجبار، ثمَّ يحذرهم من الذال والاحتقار عند ترك الجهاد، وكان هذا العمل منه دؤوبا، يدعو هم ليلا ونهارا، سرا واعلانا، ثم بدا باستنهاض الهمم العالية للرجال، وترغيبهم للقتال، واثارة الحماسة في قلوب الجماهير، من قبل ان يستفحل الامر، وينقادوا لسيطرة الاجنبي، ولكن لا امر لمن لا يطاع، حينئذ استصرخ ضمائرهم، وحاول ان يحرك الوجدان لديهم، وذلك لما ذكر المرأة التي تعد ناموساً وعرضا للإنسان العربي المسلم، وبين كيف تجاوز عليها الاعداء، وسلبوا منها الذهب من خلخال وسوار وقلادة وقرط وفي النهاية يبدي الامام علي (عليه السلام) اسفه الشديد بالموت لسماع هذه الاخبار الموحشة، وبهذه الجمل عساه ان يكتسب الاعوان وينفروا معه الى سوح القتال، ولكن للأسف الشديد، لقد ماتت الضمائر الحية، وخرست الالسن الناطقة، وكان الموت يرفرف على رؤوسهم، فرارا من الزحف، واخيرا دعى عليهم بقوله: قبحا لكم وترحا، وان ينحيهم اللّه عن الخير، ذاما لهم بقوله: قاتلكم اللّه لقد ملئتم قلبي قيحا (صديدا) وشحنتم (ملاتم) صدري غيظا(غضبا) وجرعتموني نغب (جرع) التهمام (الهم) انفاسا... فهو (ع) يذكر في خطابه هذا بعض المحن التي لاقاها من الكوفيين(124). احتوت الخطبة على البحوث التالية: فضل الجهاد، الدعوة اليه، تخاذل الكوفيين عن نصرته، الرؤية المستقبلية، اظهار التحسر والتلف عليهم، التنفر منهم، واخيرا ذمهم. العاطفة: نشير قليلا الى تجلي عنصر العاطفة في هذه الخطبة فنقول، اولاً: انه (ع) خاطب الوجدان، حيث خاطب الامام (ع) نفسه الكريمة والمستمعين قائلا: اني قد دعوتكم الي قتال هؤلاء القوم ليلا ونهار او...و...، فانك ترى من خلال الكلام، نفسه (ع) مطمئنة ارتياحاً، لأنه ادى الواجب الملقى على عاتقه بقوله: دعوتكم ليلا ونهارا... ولكن المستمعين اتخذوا التواكل والخذلان طريقا لهم كي لا يفلحوا ابدا، والحال هم المسؤولون امام هذا الخراب والدمار لانهم هم المستهدفون والمقصرون في اداء واجباتهم، ورضوا بالغزو وتمسكوا بالمعاذير الواهية. ثانيا: تحريك المشاعر، فانه (ع) اثار الاحاسيس لدى المخاطبين عن طريق حب الوطن، حيث قال: وملكت عليكم الاوطان، فاحتلال الوطن من قبل الاعداء يثير الغضب عند الجمهور حتى يصل بهم الحال الى الاخذ بالثأر من المعتدين، وكما يقول الرسول العظيم (ص): حب الوطن من الايمان، وكذلك آثار المشاعر عن طريق العرض، فانظر الى تدرجه في اثارة العاطفة لدى الجماهير الحاشدة، فانه (ع) ابتدأ بذكر المرأة المسلمة ثم المعاهدة، ثم تدرج في كلامه من سلب الحجل (الخلخال) في الاقدام وصعوده الى السوار في المعاصم (الايدي) والى القلادة في الجيد، واخيرا الى القرط في الاذان، فمع هذا التصاعد يتصاعد لهيب الحماسة والغيرة وتثار الحمية في النفوس وتشحنها حقدا وحنقا على العدو علما انه (ع) كان يعلم ما للمسلم من بذل نفسه وماله للحفاظ على سمعة المرأة وعلى شرف الفتاة، فاذا هو يعنف هؤلاء القوم على القعود دون نصرة المرأة التي استباح العدو حماها ثم انصرفوا امنين من دون مقاومة وكذلك اثار مشاعر الجمهور عن طريق اثارة الشعور الديني، حيث يقول (عليه السلام) فيا عجبا عجبا، واللّه يميت القلب ويجلب الهم (125) من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم... صرتم غرضا (هدفا) يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، تغزون ولا تغزون، ويعصى اللّه وترضون، فكل من التفرق عند الدين الحق، وعصيان الرب. الخيال والبلاغة: في قوله (عليه السلام): لباس التقوى، وثوب الذل، استعارتان، ففي لباس التقوى، استعارة مكنية، شبه التقوى بإنسان وحذف المشبه به وابقى بعض صفاته لتدل عليه، وهو لباس، على سبيل الاستعارة المكنية، وهكذا القول بالنسبة لقوله (عليه السلام) ثوب الذل. وفي قوله (عليه السلام): ليلا ونهارا، سرا واعلانا، مقابلة، وكذا في قوله (عليه السلام): يغار عليكم ولا تغيرون وتغزون ولا تغزون، طباق سلب، وبين الحر والقر جناس ناقص، وفي عبارة: عجبا واللّه يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء....صناعة بديعية تؤكد على القسم(126) الذي فيه هجاء. الاسلوب: اولاً: متأثر بالقران الكريم كما يلوح للناظر، وذلك اما عن طريق الاقتباس مباشرة كما في العبارات التالية: ١- قوله (ع): وهو لباس التقوى، مقتبس من قوله تعالى: قد انزلنا عليكم لباسا يواري سؤاتكم وريشا ولباس التقوى (127). ٢- قوله (ع): دعوتكم ليلا ونهارا وسرا واعلانا، مقتبس من قوله تعالى: رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا...ثم دعوتهم جهارا... واسررت لهم اسرارا(128). ٣- قوله (ع) وهذا اخو خامد، مقتبس من قوله تعالى: (والى مدين اخاهم شعيبا) (129). واما الاقتباس غير المباشر فتصوره الامثلة التالية: ١- قوله (ع): وديث بالصغار، مشابه لقوله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا(130). 2- قوله (ع): وضرب على قلبه بالاسهاب، مشابه لقوله تعالى: طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون(131). ٣- قوله (ع): واديل الحق منه، نظير قوله تعالى: قال قد اجيبت دعوتكما (132). 4- قوله (ع): وسيم الخسف، يشابه قوله تعالى: وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء(133). الفصاحة: وهي من ابرز الصفات عند الامام علي (ع)، حيث قيل في شان نهج البلاغة انّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق. فأولاً: الكلمات الفصيحة والبليغة جاءت مناسبة لمواقعها من هذه الخطبة، فأدنى تغير في المحل او استخدام المرادف لاختلف المعنى ؛ فعلى سبيل المثال نأخذ كلمة (تواكلتم) في هذه الجملة (فتواكلتم وتخاذلتم...)، لو عوضت بكلمة (تعاجزتم)، لما ادت ذلك المعنى الملقاة على عاتق (تواكلتم)، فالكلمة الاولى فيها معنى الفرار من المسؤولية وهو غير معذور، والحال الكملة الثانية ترى العجز عذرا. ثانياً: اتخاذ الجمل الإنشائية والخبرية منطلقا في الكلام، فتارة يميل الى الانشائية كقوله (ع): قلت لكم اغزوهم (امرية) قبل ان يغزوكم؛ فواللّه (قسم) ما غزى قوم... واخرى يستعين بالخبرية كقوله (ع): فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات وملكت عليكم الاوطان... فالتنوع هذا جاء حسب ما يقتضيه المعنى حيث يجعل القارئ يتمتع بالكلام ولا يمل الخطاب، وهذه الصبغة الحاكمة على ارجاء الخطبة. موازنة: من اجل الوقوف على الصياغة الادبية، ومن اجل بيان محاسن الخطبة الجهادية لمولانا امير المؤمنين (ع)، نشير هنا الى مقايستين قام بهما ابن ابي الحديد في شرحه. فالأولى: القران الكريم والامام علي (ع)، يقول ابن ابي الحديد: (فان شئت ان تزداد استبصارا، فانظر القران العزيز، واعلم ان الناس قد اتفقوا على انه في اعلى طبقات الفصاحة، وتامله تاملا شافيا، وانظر الى ما خص به من مزية الفصاحة والبعد عن التعقر(134) والتعقيد والكلام الوحشي الغريب، وانظر الى كلام امير المؤمنين(عليه السلام) فانك تجده مشتقا من الفاظه، ومقتضبا من معانيه ومذاهبه ومحذوا به حذوه، ومسلوكا به في منهاجه، فهو وان لم يكن نظيرا ولا ندا، يصلح ان يقال انه ليس بعده كلام افصح منه ولا اجزل ولا اعلى ولا افخم ولا انبل الا ان يكون كلام ابن عمه عليه السلام، وهذا امر لا يعلمه الا من ثبت له قدم راسخة في علم هذه الصناعة، وليس كل الناس (العلماء) يصلح لانتقاد الجوهر، بل ولا لانتقاد الذهب، ولكل صناعة آلة ولكل عمل رجال) (135). واما الثانية: الامام علي (عليه السلام) وابن نباتة: يقول ابن ابي الحديد (واعلم ان التحريض على الجهاد، والحض عليه قد قال فيه الناس فاكثروا، وكلهم أخذوا من كلام امير المؤمنين (عليه السلام)، فمن جيد ذلك ما قاله ابن نباتة الخطيب: ايها الناس الى كم تسمعون الذكر فلا تعون، والى كم تقرعون بالزجر فلا تقلعون، كأن اسماعكم تمج ودائع الوعظ، وكأن قلوبكم بها استكبار عن الحفظ، وعدوكم يعمل في دياركم عمله، ويبلغ بتخلفكم عن جهاده امله، وصرخ بهم الشيطان الى باطله فأجابوه... فالجهاد الجهاد ايها الموقنون، والظفر الظفر ايها الصابرون، والجنة الجنة ايها الراغبون، والنار النار ايها الراهبون، فان الجهاد اثبت قواعد الايمان، واوسع ابواب الرضوان، وارفع درجات الايمان. السبب الداعي لإلقاء الخطبة الغراء: نُقل في سبب هذه الخطبة أنّ أهل الكوفة كانوا في آخر خلافته عليه السّلام قد فسدوا وكانوا قبائل متعدّدة فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته فيمرّ بمنازل قبيلة أخرى فيقع به أدنى مكروه فيستعدي قبيلته، وينادى باسمها مثلا يا للنخع أو يا لكنده نداء عاليا يقصد به الفتنه وإثارة الشرّ فيتّألب عليه فتيان القبيلة الّتي قد مرّ بها وينادون يا لتميم يا لربيعة فيضربونه فيمرّ إلى قبيلته ويستصرخ بها وتسّل بينهم السيوف وتثور الفتنة، ولا يكون لها أصل في الحقيقة ولا سبب يعرف إلّا تعرّض الفتيان بعضهم ببعض، وكثر ذلك منهم فخرج عليه السّلام إليهم على ناقة فخطبهم هذه الخطبة (136). مضامين الخطبة الغراء تتوفر الخطبة الغراء على كثير من المضامين الاجتماعية والأخلاقية والتربوية والكلامية نشير الى نماذج منها. رفض العصبية: كان لخطب الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومنها الخطبة الغراء الأثر البارز في ذم العصبية السلبية وتعزيز الروح الإنسانية في المجتمع وبيان قبح التفاخر بأمور لا ينبغي للإنسان جعلها المعيار في التفاضل والتفاخر، وأن العصبية والتعصب انتهاج للمنهج الشيطاني وسير على الجادة التي اختطها إبليس "ولو رخَّصَ اللهُ في الكبرِ لأحَد من عباده لرخَّصَ فيه لخاصَّةِ أَنبِيَائِهِ وأَوليائه"(137). الحث على التواضع: يحث أمير المؤمنين (عليه السلام)على التواضع والتذلل للمؤمنين والصالحين ويؤكد أن التواضع من الصفات التي ارتضاها سبحانه للأنبياء والصالحين "ورضِيَ لهم التَّوَاضُعَ، فأَلْصَقُوا بِالاَرْضِ خُدُودَهُمْ، وعفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ، وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤمِنِينَ. قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ- وامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ ومَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ- فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَى والسُّخْطَ بِالْمَالِ والْوَلَدِ- جَهْلًا بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ- والِاخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى والِاقْتِدَار، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ- بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِم‏(138). الحث على التعصب المحمود: قال عليه السلام مشيراً الى بعض انواع العصبية المحمودة: فَإِنْ كان لا بُدَّ من العصبِيَّةِ- فليكنْ تعصُّبُكُمْ لمكارمِ الخصالِ- ومَحَامدِ الأَفعالِ ومحاسنِ الأُمُور- الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ والنُّجَدَاءُ- مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ ويَعَاسِيبِ القَبَائِلِ- بِالأَخْلاقِ الرَّغِيبَةِ والأَحْلامِ الْعَظِيمَةِ- والأَخْطَارِ الجَلِيلَةِ والآثَار المحْمُودَةِ- فَتَعَصَّبُوا لخلالِ الحمدِ من الحفظِ لِلْجِوَارِ- والْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ والطَّاعَةِ لِلْبِرِّ- والْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ والأَخْذِ بِالْفَضْلِ- والْكَفِّ عن الْبَغْيِ والإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ- والإِنصَافِ لِلْخَلْقِ والكَظْمِ لِلْغَيْظِ- واجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الأَرْض(139)‏. ثانياً: الاشارات إلاجتماعية التأكيد على الإتحاد والإلفة: لا شك أن الرسالة المحمدية التي مثلها أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل تمثيل تولي مفهوم الاتحاد أهمية كبيرة في أكثر من موضع، منها ما جاء في الخطبة الغراء: فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ شَأْنَهُمْ (يعني الأنبياء والصالحين)- وزَاحَتِ الأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ- ومُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ- وانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ ووَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ- من الاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ واللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ- والتَّحَاضِّ عَلَيْهَا والتَّوَاصِي بِهَا- واجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وأَوْهَنَ مُنَّتَهُم‏.(140) التحذير من الفرقة والتشتت: حيث حذر عليه السلام من هذه الآفة التي تؤدي الى تفكك المجتمعات والشعوب وسقوط الدول، قائلا: فانظُرُوا إِلى ما صَارُوا إِليه في آخرِ أُمورهمْ (الأمم السابقة) حينَ وقعت الفرقةُ وتَشَتَّتَتِ الأُلْفَةُ- واختلفتِ الكلمةُ والأَفئدةُ- وتشعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وتفرَّقُوا مُتحاربِينَ- وقد خلعَ اللَّهُ عنهُمْ لباسَ كرامته- وسلبهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ- وبقي قصصُ أَخبارهمْ فيكم- عبراً للمُعْتَبِرِين. فَاعْتَبِرُوا بحال ولَدِ إِسماعِيلَ- وبني إِسحاقَ وبني إِسْرَائِيلَ (ع)- فما أَشدَّ اعتِدَالَ الأَحْوَالِ وأَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ- تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ في حالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ- ليالِيَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ والْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ- يَحْتَازُونَهُمْ عن رِيفِ الْآفَاقِ وبَحْرِ الْعِرَاقِ- وخُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ- ومَهَافِي الرِّيحِ ونَكَدِ الْمَعَاشِ- فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ ووَبَرٍ- أَذَلَّ الأُمَمِ دَاراً وأَجْدَبَهُمْ قَرَاراً. (141) الحث على الثبات في طريق الله: قال عليه السلام في وصف المؤمنين الذين صبروا على الأذى في حبّ الله وما ترتب عليه من ثمار عظيمة: حتَّى إِذا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ- جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ- والاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ- جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ البلاءِ فَرَجاً- فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ و الأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ- فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً و أَئِمَّةً أَعْلاماً- و قَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ - ما لم تَذْهَبِ الآمَالُ إِلَيْهِ بِهِم(142). ثالثاً: اشارات كلاميٌة: أشار سلام الله عليه في الخطبة الغراء الى مجموعة من النكات الكلامية والعقائدية، منها: الحكمة من وراء الاختبار والابتلاء: ولكنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ ما يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْيِيزاً بِالاخْتِبَارِ لَهُمْ ونَفْياً لِلِاسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ وإِبْعَاداً لِلْخُيَلاءِ مِنْهُمْ. (143). الحكمة في فقر الأنبياء: قال عليه السلام: ولو أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لأَنْبِيَائِهِ- حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ- ومَعَادِنَ الْعِقْيَانِ ومَغَارِسَ الْجِنَانِ- وأَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ ووُحُوشَ الأَرَضِينَ- لَفَعَلَ- ولَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وبَطَلَ الْجَزَاء- واضْمَحَلَّتِ الأَنْبَاءُ ولَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ- ولا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ-. (144) ولَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ -وضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ- مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ والْعُيُونَ غِنًى- وخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ والأَسْمَاعَ أَذًى ولَوْ كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لا تُرَامُ وعِزَّةٍ لا تُضَامُ- ومُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وتُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ- لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ على الخلقِ في الاعْتِبَارِ- وأَبْعَدَ لَهُمْ فِي الِاسْتِكْبَارِ- ولآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِم‏.(145). الحكمة في تشييد الكعبة في أرض قفراء: فَجَعَلَهَا – الكعبة- بَيْتَهُ الحرَامَ الَّذِي جعلهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً- ثُمَ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأَرْضِ حَجَراً وأَضْيَقِ بُطُونِ الأَوْدِيَةِ قُطْراً- بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ ورِمَالٍ دَمِثَةٍ وعُيُونٍ وَشِلَةٍ و قُرًى مُنْقَطِعَةٍ لا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ ولا حَافِرٌ ولا ظِلْفٌ... ابْتِلاءً عَظِيماً وامْتِحَاناً شَدِيداً واخْتِبَاراً مُبِيناً وتَمْحِيصاً بَلِيغاً، وَلوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ- أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ ومَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وأَنْهَارٍ وسَهْلٍ و قَرَارٍ جَمَّ الأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ ورَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ ورِيَاضٍ نَاضِرَةٍ و طُرُقٍ عَامِرَةٍ، لكانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ البَلاءِ. (146). الحكمة في التشريعات وعللها: قال عليه السلام: (ما حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ ومُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ في الأَيَّامِ المَفْرُوضَاتِ تَسْكِيناً لأَطْرَافِهِمْ وتَخْشِيعاً لأَبْصَارِهِمْ وتَذْلِيلًا لِنُفُوسِهِمْ وتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ وإِذْهَاباً لِلْخُيَلَاءِ عَنْهُمْ ولِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً والْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالأَرْضِ تَصَاغُراً ولُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا مَعَ مَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الأَرْضِ و غَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ والْفَقْر). (147). التذكير بحال المؤمنين وتعرضهم للبلاء: وتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ والبَلاءِ أَ لَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الخَلائِقِ أَعْبَاءً وأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلاءً وأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالا اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ و جَرَّعُوهُمُ الْمُرَار. (148). النبي والتربية الإلهية يشير عليه السلام الى الرعاية الإلهية والتربية الربانية للنبي الأكرم (ص) قائلا: ولَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ومَحَاسِنَ أَخْلاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ ونَهَارَه. (149). ومن معالم التربية النبوية إليه(عليه السلام): تتلمّذه على يد الرسول الأكرم (ص) بين عليه السلام علاقته بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومدى التصاقه به وتلمّذه عليه بقوله: وقدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)- بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ- وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ- ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ ويُمِسُّنِي جَسَدَهُ- ويُشِمُّنِي عَرْفَهُ- وكانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ- ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ- ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ- يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً- ويَأْمُرُنِي بِالاقْتِدَاءِ بِهِ- ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ- فَأَرَاهُ وَ لا يَرَاهُ غَيْرِي- وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلامِ- غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا. (150). رؤية الوحي وسماع صوته يشير عليه السلام الى قضية مهمة في الخطبة تكشف عن المرتبة الإيمانية العالية التي وصل إليها والمكانة السامية التي حظي بها الى جنب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهي أنّه (عليه السلام) بلغ مرتبة من الرقي الإيماني يصفها بقوله: أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وَ أَشُمُّ رِيحَ النبوة- ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلى الله عليه وآله)- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟- فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ- إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى- إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ- وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْر. (151). وفي ختام الخطبة بيّن عليه السلام معجزة عظيمة وقعت على يدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعد أن طلب منه كبار القرشيين ذلك، حيث قال عليه السلام: ولَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ (صلى الله عليه وآله) لَمَّا أَتَاهُ الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ- فَقَالُوا لَهُ: يا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً- لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ و لا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ- ونَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وأَرَيْتَنَاهُ- عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ ورَسُولٌ- وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ. فَقَال (صلى الله عليه وآله): ومَا تَسْأَلُونَ؟ قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا- وتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): "إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ"- فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ-وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْر- وإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ ومَنْ يُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ. (152) ثُمَّ قَالَ (ص): يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ- إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ- وتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ- حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ- فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا- وجَاءَتْ ولَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ- وقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ- حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) مُرَفْرِفَةً- وأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص)- وبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ (ص). فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَاسْتِكْبَاراً: فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا ويَبْقَى نِصْفُهَا- فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا- كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِيّاً- فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّهِ (ص)- فَقَالُوا كُفْراً وعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ- فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كان- فَأَمَرَهُ (ص) فَرَجَعَ. فَقُلْتُ أَنَا: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- وأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى- تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وإِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ. فَقَالَ الْقَوْمُ: كُلُّهُمْ بَلْ ساحِرٌ كَذَّابٌ- عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ- وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي(153). الخاتمة: 1-لا يختلف اثنان في أن الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) يمثل مشعلاً وهاجاً في سماء الخطباء على مر عصور تاريخ الامة الاسلامية عبر خطبه التي احتوت على مضامين الإصلاح الفكري للإنسان. 2- احتل موضوع الإصلاح الفكري مكانة بارزة في الخطب الدينية لما يمثله من أثر في سعادة المجتمع ورقيه وديمومته. 3- إنَّ الخطبة الناجحة لها جملة من المقومات ومن أبرزها: مراعاة الكلام لمقتضى الحال والتفاعل الصادق المخلص أثناء الخطابة والوضوح واستخدام الأساليب البلاغية، مثل التوافق في تقسيم الجمل وغيرها من الخصائص التي تجعل الخطب مؤثرة في الاخرين. 4- نتلمس براعة الصياغة ودقة المعنى ورصانة الاسلوب وبلاغة المفردات في خطب الامام علي (عليه السلام) وعلى وجه الخصوص الخطبة الغراء مما جعلها خطبة مؤثرة في الاخرين ومجال اهتمام الباحثين. 5- برزت أهمية الإصلاح الفكري في مضامين الخطبة الغراء كما توضَّح ذلك في أثناء البحث وكيف عالج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الأخطاء والتخلف في المجتمع. 6- احتوت الخطبة الغراء على الإصلاح العقدي والإصلاح الفكري والإصلاح الاجتماعي والتربية والأخلاق. * باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025 ......................................................... المصادر: القران الكريم. 1. ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، دار احياء التراث العربي بيروت، بلا سنة نشر. 2. ابن منظور، لسان العرب،، دار الكتاب المصري، القاهرة، بلا سنة طبع. 3. ابن ميثم البحراني، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، شرح ‏نهج‏ البلاغة، دار الثقلين – بيروت لبنان،ج4، بلا سنة نشر. 4. أبو العباس محمد بن جرير المبرد، الكامل في اللغة والادب، مكتبة المعارف، بيروت، ج 1، بلا سنة نشر. 5. أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي علاء الدين، بدائع الصنائع، الناشر: المطبعة الجمالية، دار الكتب العلمية - الطبعة: الثانية،ج1، 1406هـ - 1986م. 6. أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، النهاية انتشارات قدس محمدي – قم، ايران، ج3، بلا سنة نشر. 7. أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحرير ألفاظ التنبيه، أو المسمى بـ " لغة الفقهاء "، تحقيق: عبد الغني الدقر، دار القلم – دمشق، ط1،، 1408 هـ. 8. أحمد أحمد غلوش، الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها، دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بلا سنة. 9. أحمد بن عبد الوهاب النويري، نهاية الإرب في فنون الأدب الناشر: دار الكتب العلمية، ط1، ج7، 2004. 10. أحمد بن محمد بن علي الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية – بيروت، 2010. 11. أحمد محمد الحوفي، فن الخَطابة،، نهضة مصر، القاهرة، بلا سنة. 12. حسن جاد، البلاغة والنبوية وأثرها في النفوس، بحث منشور في مجلة البحوث الإسلامية، المجلد الثاني، العدد الأول 1400ه. 13. خالد القريشي: الإلقاء الخطابي، دار العاصمة، 2001. 14. الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن. تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، ط الأولى 1412هـ 1992م. 15. سيد جعفر شهيدي، ترجمة نهج البلاغة ط ٢،، انتشارات معهد الانقلاب الاسلامي، ١٣٧٠ هـ. 16. السيد علي نقي فيض الإسلام، ترجمة و شرح نهج البلاغة،، الخطبة 232، ج4، بلا سنة. 17. شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، سير أعلام النبلاء، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثةج3، 1405 هـ / 1985 م. 18. عبد الجليل شلبي: الخطابة وإعداد الخطيب، طبعة دار الشروق، 1977. 19. علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، التعريفات، الطبعة الاولى، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1983م. 20. علي عبد العظيم، الدعوة والخطابة، دار الاعتصام القاهرة، ط1، 1399 هـ - 1979م. 21. علي محفوظ: فن الخطابة وإعداد الخطيب، دار الاعتصام، القاهرة، 1984. 22. الغروي محمد، الامثال والحكم، مؤسسة النشر الاسلامي، قم ٠٧٤١ ه.، ص ٣٨٨. 23. فخر الدين الطريحي النجفي، مجمع البحرين، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: ١٤٠٨ - ١٣٦٧ ش. 24. مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، القاموس المحيط، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1407هـ 1987م. 25. مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط القاهرة. ط الثالثة، ج1، 1405هـ 1985م. 26. محمد أبو زهرة: الخطابة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980. 27. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح،، الناشر: مكتبة لبنان، 1986. 28. محمد بن أحمد بن الأزهري، تهذيب اللغة، المحقق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الاولى، 2001 29. محمد عبده، نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع)، تحقيق: شرح: الشيخ محمد عبده، ج 1، الطبعة الأولى، سنة الطبع: ١٤١٢ - ١٣٧٠ ش. 30. محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المتوفى 1205هـ، تاج العروس من جواهر القاموس،، تحقيق عبد الكريم الغرباوي. 31. مصلح سيد بيومي، الخطابة في الإسلام، لخطابة في الإسلام، دار الطباعة المحمدية، ط1، القاهرة، 1404ه/ ۱۹۸۹م. 32. هشام يوسف محمد بنان، المنهج الدعوي في أصول المحاضرة الدعوية، بحث تأصيلي بين التجربة الميدانية والدراسة النظرية، دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة ط: 1، 1413هـ 1992م. 33. هشام يوسف محمد بنان، المنهج الدعوي في أصول المحاضرة الدعوية، ط1، تاريخ النشر: 1413هـ، 1992م. شبكة المعلومات العالمية الانترنيت: -هند بنت مصطفى شريفي، مقومات وخصائص الخطبة الناجحة، مقالة منشورة شبكة المعلومات العالمية (الانترنيت)، تاريخ الزيارة 22 / 1 / 2018 على الموقع: https: // - يقين ضمور، خطبة الجهاد للمنفلوطي، مقالة منشورة على شبكة المعلومات العالمية الانترنيت بتاريخ ١٢ مايو ٢٠١٤ على الموقع: com https: //mawdoo3. ............................................ الهوامش (1) ينظر: تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري،، المحقق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الاولى، 2001، مادة " خطب " 7 /246. (2) ينظر: القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، المحقق: محمد نعيم العرقسوسي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثامنة، 2005، مادة "خطب" 1 /65. (3) ينظر: مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، الناشر: مكتبة لبنان، 1986، مادة "خطب"، ص 76. (4)أحمد بن محمد بن علي الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية – بيروت، 2010، مادة " خطب " 1 /173. (5) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، القاموس المحيط، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1407هـ 1987م، ص 103 - 104 ؛ مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط القاهرة. ط الثالثة 1405هـ 1985م، 1 / 251 – 252. ؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن. تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، ط الأولى 1412هـ 1992م، ص 286. (6) النووي، تحرير ألفاظ التنبيه، أو المسمى بـ " لغة الفقهاء "، ص (84 - 85). (7)علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، التعريفات، الطبعة الاولى، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1983م، ص 99. (8) د. مصلح سيد بيومي، الخطابة في الإسلام، لخطابة في الإسلام، دار الطباعة المحمدية، ط1، القاهرة، 1404ه/ ۱۹۸۹م، ص (11). (9)أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي علاء الدين، بدائع الصنائع، الناشر: المطبعة الجمالية، دار الكتب العلمية - الطبعة: الثانية، 1406هـ - 1986م، 1/262. (10) ينظر: فن الخَطابة، أحمد محمد الحوفي، نهضة مصر، القاهرة، بلا سنة، ص 5. (11) عبد الجليل شلبي: الخطابة وإعداد الخطيب، طبعة دار الشروق، 1977م، ص 13. محمد أبو زهرة: الخطابة، دار الفكر العربي، (القاهرة: 1980م)، ص 19. (12) انظر: خالد القريشي: الإلقاء الخطابي، دار العاصمة، 2001م، ص 15. (13)علي محفوظ: فن الخطابة وإعداد الخطيب، دار الاعتصام، (القاهرة: 1984م)، ص 70 -71. (14)علي محفوظ: فن الخطابة وإعداد الخطيب، دار الاعتصام، (القاهرة: 1984م)، ص 70 -71. (15) يقين ضمور، خطبة الجهاد للمنفلوطي، مقالة منشورة على شبكة المعلومات العالمية الانترنيت بتاريخ ١٢ مايو ٢٠١٤ على الموقع: ttps: // (16) علي عبد العظيم، الدعوة والخطابة، دار الاعتصام القاهرة، ط1، 1399 هـ - 1979م، ص 42 – 52. (17) هو جابر بن سَمُرة بن جُنادة بن جُندب العامري السُّوائي، حليف بني زهرة، أمه خالدة بنت أبي وقاص أخت سعد بن أبي، شهد فتح المدائن ونزل الكوفة، توفي رضي الله عنه في ولاية بشر على العراق سنة 74.، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، سير أعلام النبلاء، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م، 3/ 186. (18) صحيح مسلم كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/ 591 ح 866، وسنن النسائي في صلاة العيدين باب القصد في الخطبة 3/ 191 ح 1582. (19) صحيح مسلم كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/ 594 ح 869. (20) أحمد أحمد غلوش، الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها، دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بلا سنة، ص 420 - 421. (21) هشام يوسف محمد بنان، المنهج الدعوي في أصول المحاضرة الدعوية، بحث تأصيلي بين التجربة الميدانية والدراسة النظرية، دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة ط: 1، 1413هـ 1992م، ص 261، (22) كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/ 592 ح 867، رواه النسائي في سننه كتاب صلاة العيدين باب كيف الخطبة للعيدين 3/ 188 ح 1578 وقال: (كان إذا ذكر الساعة) وكذلك رواه الإمام احمد في مسنده عن ابن الزبير 1/ 167. (23) علي عبد العظيم، الدعوة والخطابة، ص 45. (24)هشام يوسف محمد بنان، المنهج الدعوي في أصول المحاضرة الدعوية ص 251 - 255. (25) د. هند بنت مصطفى شريفي، مقومات وخصائص الخطبة الناجحة، مقالة منشورة شبكة المعلومات العالمية (الانترنيت)، تاريخ الزيارة 22 / 1 / 2018 على الموقع: https: // (26) هند بنت مصطفى شريفي، مقومات وخصائص الخطبة الناجحة. (27) هند بنت مصطفى شريفي، المصدر نفسه، ص 17. (28) حسن جاد، البلاغة النبوية وأثرها في النفوس، بحث منشور في مجلة البحوث الإسلامية، المجلد الثاني، العدد الأول 1400ه، ص 157. (29) مقومات وخصائص الخطبة الناجحة، ص 25. (30) المصدر نفسه، ص 27. (31) المصدر نفسه، ص28. (32) الطول: الفضل.النهاية في مجرد الفقه والفتاوى لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي(385 – 460هـ) (الشيخ الطوسي)، النهاية انتشارات قدس محمدي – قم، ايران، بلا سنة نشر، (3/ 145). (33) أي أوسع عليكم. وعيش رافغ: أي واسع (النهاية: ٢ / ٢٤٤). (34) قال ابن أبي الحديد: تقول: حاط فلان كرمه: أي جعل عليه حائطا، فكأنه جعل الإحصاء والعد كالحائط المدار عليهم؛ لأنهم لا يبعدون منه ولا يخرجون عنه (شرح نهج البلاغة: ٦ / ٢٤٥). (35) النهاية: ٢ / ٢٢٦. (36) تاج العروس: ١٣ / ١٧٧. (37) تاج العروس: ١٢ / ٢٠. (38) النهاية: ٤ / ١٠٨. (39) النهاية: ٥ / ٢٣٣. (40) يقال: اخترمهم وتخرمهم: أي اقتطعهم واستأصلهم (النهاية: ٢ / ٢٧). (41) أرسالا: أي أفواجا وفرقا متقطعة، يتبع بعضهم بعضا (النهاية: ٢ / 222). (42) أزف: أي دنا وقرب (النهاية: ١ / ٤٥). (43) أوجرة السباع: جمع وجار؛ وهو جحرها الذي تأوي إليه (النهاية: ٥ / ١٥٦). (44) الإهطاع: الإسراع في العدو. وأهطع: إذا مد عنقه، وصوب رأسه (النهاية: ٥ / ٢٦٦). (45) الهينمة: الكلام الخفي لا يفهم (النهاية: ٥ / ٢٩٠). (46) الجم العرق: أي وصل إلى أفواههم، فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام (النهاية: ٤ / ٢٣٤). (47) الرفات: الحطام من كل شيء تكسر (لسان العرب: ٢ / ٣٤). (48) سدف الريب: ظلمها (النهاية: ٢ / 355). (49) التنجز: طلب شيء قد وعدته (لسان العرب: ٥ / ٤١٤). (50) الأشلاء: جمع شلو؛ وهو العضو، وأراد (عليه السلام) بالأشلاء هاهنا الأعضاء الظاهرة، وبالأعضاء: الجوارح الباطنة (شرح نهج البلاغة: ٦ / ٢٥٨). (51) أحناؤها: أي معاطفها (النهاية: ١ / ٤٥٥). (52) أرفاقها: منافعها، يقال: هذا الأمر رفيق بك أي نافع (تاج العروس: ١٣ / ١٦٩). (53) جلل الشيء: عم (تاج العروس: ١٤ / ١١٨). (54) الخلاق: الحظ والنصيب (النهاية: ٢ / ٧٠). (55) الخناق: الحبل الذي يخنق به (لسان العرب: ١٠ / ٩٣). (56) أرهقه: أغشاه وأعجله (النهاية: ٢ / ٢٨٣). (57) شذبهم عنها: قطعهم وفرقهم، من تشذيب الشجرة؛ وهو تقشيرها. وتخرمت زيدا المنية استأصلته واقتطعته (شرح نهج البلاغة: ٦ / 260). (58) أنف: أي مستأنف استئنافا، وأنفة الشيء: ابتداؤه (النهاية: ١ / ٧٥). (59) البضاضة: رقة اللون وصفاؤه الذي يؤثر فيه أدنى شيء (النهاية: ١ / ١٣٢). (60) الغضارة: النعمة والخير والسعة في العيش والخصب والبهجة (تاج العروس: ٧ / ٣١١). (61) العلز: خفة وهلع يصيب الإنسان (النهاية: ٣ / ٢٨٧). (62) الجرض: أن تبلغ الروح الحلق (النهاية: ١ / ٢٦١). (63) عفا الأثر: بمعنى درس وامحى (النهاية: ٣ / ٢٦٦). (64) حدثان الدهر: نوبه وما يحدث منه (لسان العرب: ٢ / ١٣٢). (65) القدة: الطريقة (لسان العرب: ٣ / 344). (66) دحض: زلق (النهاية: ٢ / ١٠٤). (67) الغرار: النوم القليل (لسان العرب: ٥ / ١٧). (68) الهواجر: جمع هاجرة؛ وهي نصف النهار عند اشتداد الحر (الصحاح: ٢ / ٨٥١). (69) أي: كفها ومنعها (النهاية: ٣ / ١٥٩). (70) أي: حركه مسرعا (النهاية: ٥ / ١٥٧). (71) تنكب عن الطريق: إذا عدل عنه. والمخالج: أي الطرق المتشعبة عن الطريق الأعظم الواضح (النهاية: ٥/١١٢). (72) أي تشمر وجد (النهاية: ٤ / ٢٠٠). (73) من النجوى؛ وهو السر ما بين الاثنين والجماعة (مجمع البحرين: ٣ / ١٧٥٦). (74) القرينة - هاهنا -: الإنسان الذي قارنه الشيطان، ولفظه لفظ التأنيث، وهو مذكر. ويجوز أن يكون أراد بالقرينة النفس (شرح نهج البلاغة: ٦ / 268). (75) الشغف: جمع شغاف القلب، وهو حجابه، فاستعاره لموضع الولد (النهاية: ٢ / ٤٨٣). (76) نطفة دهاقا: أي نطفة قد أفرغت إفراغا شديدا؛ فهو إذا من الأضداد (النهاية: ٢ / ١٤٥). (77) سادرا: أي لاهيا (النهاية: ٢ / ٣٥٤). (78) الماتح: المستقي من البئر بالدلو من أعلى البئر. والغرب: الدلو العظيمة (النهاية: ٤ / ٢٩١ وج ٣ / ٣٤٩). (79) دوات: آراء تظهر للرجل فيختار بعضا ويسقط بعض (تاج العروس: ١٩ / ١٩٠). (80) الغرير: المغرور (لسان العرب: ٥ / ١٣). (81) الغبر: جمع الغابر؛ أي الباقي (النهاية: ٣ / ٣٣٨). (82) أي ضاربات. والالتدام: ضرب النساء وجوههن في النياحة (النهاية: ٤ / ٢٤٥). (83) غمرة كل شيء: منهمكه وشدته، كغمرة الهم والموت ونحوهما (لسان العرب: ٥ / 29). (84) المبلس: الساكت من الحزن أو الخوف. والإبلاس: الحيرة (النهاية: ١ / ١٥٢). (85) الرجيع من الدواب: ما رجعته من سفر إلى سفر؛ وهو الكال. والوصب: دوام الوجع ولزومه، وقد يطلق على التعب والفتور في البدن (لسان العرب: ٨ / ١١٦ وج ١ / ٧٩٧). (86) النضو: الدابة التي أهزلتها الأسفار، وأذهبت لحمها (النهاية: ٥ / ٧٢). (87) سورات: جمع سورة؛ أي شدة. وزفرت النار: سمع لتوقدها صوت (تاج العروس: ٦ / ٥٥٢ وص ٤٦٥). (88) من حار يحور: إذا رجع (النهاية: ١ / ٤٥٩). (89) سورة الأنعام: الاية ٩٥ وغيرها. وأفكه: أي صرفة عن الشيء وقلبه (النهاية: ١ / ٥٦). (90) قيد: أي قدر (النهاية: ٤ / 131). (91) الفينة: الحين والساعة (النهاية: ٣ / ٤٨٦). (92) الحوبة: الحاجة (النهاية: ١ / ٤٥٥). (93) نهج البلاغة: الخطبة ٨٣. وقال الشريف الرضي في ذيل الخطبة: وفي الخبر: أنه (عليه السلام) لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود، وبكت العيون، ورجفت القلوب. ومن الناس من يسمي هذه الخطبة: " الغراء ". ((94] يقين ضمور، خطبة الجهاد للمنفلوطي، مقالة منشورة على شبكة المعلومات العالمية الانترنيت بتاريخ ١٢ مايو ٢٠١٤ على الموقع: https: // (95) سورة ال عمران: الآية 1٤2. (96) نهج البلاغة، خطب الامام علي (ع)، ج1، ص67، نقلاً عن شبكة المعلومات العالمية الانترنيت: موقع المكتبة الشيعية. (97) جُنّتهُ ـ بالضم ـ: وقايته، والجُنّة: كل ما استترت به. (98) رغبةً عنه: زُهداً فيه. (99) دُيّثَ ـ مبني للمجهول من دَيّثَهُ ـ أي: ذلّلَهُ. (100) القَماءة: الصّغار والذل، والفعل منه قَمُؤَ من باب كَرُمَ. (101) الاسهاب: ذهاب العقل أوكثرة الكلام، أي حيل بينه وبين الخير بكثرة الكلام بلا فائدة. وروي: (ضُرب على قلبه بالاسْداد) جمع سد أي الحجب. (102) أُدِيل الحقّ منه، أي: صارت الدولة للحق بَدَلهُ. (103) سيم الخسف أي: أُولي الخسف، وكلّفه، والخسف: الذّل والمشقّة أيضاً. (104) النَّصَف: العدل، ومُنع مجهول، أي حُرِمَ العدلَ: بأن يسلط الله عليه من يغلبه على أمره فيظلمه. (105) عُقْر الدار ـ بالضم ـ: وسطها وأصلها. (106) تواكلتم: وكَلَ كل منكم الامر إلى صاحبه، أي لم يتولّهُ أحد منكم، بل أحاله كلٌّ على الاخر. (107) شُنّت عليكم الغارات: مُزِّقَت عليكم من كل جانب كما يشن الماء متفرقاً دفعةً بعد دفعة. (108) الانبار: بلدة على شاطىء الفرات الشرقي، ويقابلها على الجانب الاخر «هِيت». (109) المسالِحُ: جمع مَسْلَحَة ـ بالفتح ـ: وهي الثغر والمَرْقب حيث يُخشى طروقُ الاعداء. (110) المعاهَدَة: الذميّة. (111) الحِجْل ـ بالكسر و بالفتح و بكسرين ـ: الخلخال. (112) القُلُب ـ بضمتين ـ: جمع قُلْب ـ بالضم فسكون ـ: السوار المُصْمَت. (113) الرعاث ـ جمع رَعثة ـ وهو: ضرب من الخرز. (114) الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء مع القول: إنّا لله وإنا اليه راجعون، والاسترحام: أن تناشده الرحمة. (115) وافرين: تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم، ويروى (موفورين). (116) الكَلْم ـ بالفتح ـ: الجرح. (117) تَرَحاً ـ بالتحريك ـ أي: همّاً وحُزْناً. (118) الغرض: ما ينصب ليرمى بالسهام ونحوها، فقد صاروا بمنزلة الهدف يرميهم الرامون. (119) حَمَارّة القيظ ـ بتشديد الراء وربما خففت في ضرورة الشعر ـ: شدة الحر. (120) التسبيخ ـ بالخاء المعجمة ـ: التخفيف والتسكين.. (121) صَبَارّة الشتاء ـ بتشديد الراء ـ: شدة برده، والقُر ـ بالضم ـ: البرد، وقيل هو برد الشتاء خاصة. (122) نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع)، تحقيق: شرح: الشيخ محمد عبده، سنة الطبع: ١٤١٢ - ١٣٧٠ ش، الطبعة: الأولى، ج 1، ص 67. (123) شهيدي سيد جعفر، ترجمة نهج البلاغة ط ٢، ١٣٧٠ هـ، انتشارات معهد الانقلاب الاسلامي، ص 34. نقلاً عن مجلة آفاق الحضارة الاسلامية العدد / ١٥ (124) شهيدي سيد جعفر، المصدر السابق، ص 67--69. (125) المبرد محمد بن جرير، الكامل في اللغة والادب، مكتبة المعارف، بيروت، ج ١/١٣. (126) ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، دار احياء التراث العربي بيروت، ١/٤٤١. (127) سورة (الاعراف/ ٦٢) (128) سورة(نوح/ ٤-٩) (129) سورة(الاعراف/ ٨٥) (130) سورة(البقرة/ ٢١٢). (131) سورة(التوبة / ٨٧). (132) سورة(يونس/ ٨٩). (133) سورة(هود/ ٤٤). (134) ينظر: الغروي محمد، الامثال والحكم، مؤسسة النشر الاسلامي، قم ٠٧٤١ ه.، ص ٣٨٨. (135) ينظر: أحمد بن عبد الوهاب النويري، نهاية الإرب في فنون الأدب الناشر: دار الكتب العلمية، ط1، 2004، ج ٧/١٥٠. (136) كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني المعروف بـ(ابن ‏ ميثم)، شرح ‏نهج‏ البلاغة، دار الثقلين – بيروت لبنان،ج4، ص ص۲۳2-۲۳3. (137) ينظر: نهج البلاغة، سيد جعفر الشهيدي، طهران: علمي و فرهنگي، 1377 ش، ص۲۱۲. (138) نهج البلاغة، للسيد جعفر الشهيدي، ص 214. (139) ترجمة و شرح نهج البلاغة، السيد علي نقي فيض الإسلام، الخطبة 232، ج4، ص۸۰۱. (140) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۲۰-۲۲۱. (141) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۱۸. (142) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۱۹. (143) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۱۱. (144) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۱5. (145) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۱2. (146) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۱2 (147) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص۲۱۷ (148) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج 2،، ص151. (149) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج 2،ص151. (150) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج 13، ص213 (151) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 13،، ص213 (152) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص503. (153) نهج البلاغة، السيد جعفر الشهيدي، ص 503- 504.

جمعية رعاية اليتيم أطلقت حملة 'أضحى الخير 2025'
جمعية رعاية اليتيم أطلقت حملة 'أضحى الخير 2025'

صيدا أون لاين

timeمنذ يوم واحد

  • صيدا أون لاين

جمعية رعاية اليتيم أطلقت حملة 'أضحى الخير 2025'

لمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك، أطلقت جمعية رعاية اليتيم في صيدا حملة " أضحى الخير 2025 " لإستقبال التبرعات والأضاحي وإيصالها الى مستحقيها. وتوجه رئيس الجمعية الدكتور سعيد مكاوي بكلمة بالمناسبة جاء فيها: "نتقدم من أهلنا الأحباء في مدينة صيدا ومن جميع الداعمين والمتبرعين الكرام وأسرة الدار بأسمى آيات التهنئة بقرب حلول عيد الأضحى المبارك سائلين الله تعالى ان يعيده بالخير واليمن والبركات ومتمنين لحجاج بيت الله الحرام حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً ان شاء الله. منذ تأسيسها في العام 1952، تواصل جمعية رعاية اليتيم رسالتها الإنسانية والإجتماعية والتكافلية تحقيقاً لرؤية المؤسسين في خدمة الإنسان والمجتمع والتي تابعت ولا تزال تجسيد أهدافها من خلال ما أرسته بدعم الخيرين من مراكز ومدارس وما تنفذه من برامج متخصصة وما تحققه من نجاح وريادة وتميز في مجال العمل الاجتماعي. واستمراراً لهذه الرؤية ، وجرياً على عادتها في كل سنة، تطلق جمعية رعاية اليتيم حملة أضاحي العيد لهذا العام تحت عنوان " أضحى الخير" ، احياء وتجسيداً لسنّة الأضاحي بما هي تضحية وعطاء وتقرب الى الله تعالى.وبالمناسبة، تشكر الجمعية كل المتبرعين والمساهمين الكرام ، مؤسسات وأفراداً ، في لبنان وخارجه ، وتؤكد لهم ان استمرارها بأداء رسالتها التكافلية هو بعد فضل الله وبركته وتوفيقه، بفضل مساندتهم الدائمة لها، في كل برامجها في مجال الرعاية التخصصية التربوية والنفسية والإجتماعية لأبناء الفئات الأكثر حاجة ، وتمكينهم بالعلم والمعرفة وتزويدهم بشهادة أو مهنة ليشقوا طريقهم في الحياة العملية نحو مستقبل آمن ومشرق. وكل عام وأنتم بخير". حملة أضحى الخير وأعلنت الجمعية إطلاق حملة " أضحى الخير" لإستقبال التبرعات والأضاحي للعام 2025 . وجاء في بيان صادر عن الجمعية : قال الله تعالى: ﴿لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ﴾ ( سورة الحج: 37). جرياً على عادتها مع اقتراب عيد الأضحى المبارك من كل عام ، وتحقيقاً لرسالتها في رعاية ومساعدة الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع، وبهدف دعم الأطفال الأيتام والعائلات المتعففة، تعلن جمعية رعاية اليتيم في صيدا عن إطلاق حملتها السنوية " أضحى الخير" لإستقبال التبرعات والأضاحي للعام 2025 لإيصالها الى مستحقيها. ويتم ذبح الأضاحي بعد صلاة العيد ويتواصل طيلة أيامه ، وفقًا للضوابط الشرعية والمعايير الصحية. وحددت الجمعية ثمن الأضحية على الشكل التالي : * خروف عويس بلدي : 50-52 كيلو 350$ * عجل أوروبي كامل: 450 كيلو 1820$ * سبع العجل أوروبي: 260$ وبالمناسبة أيضاً ، تواصل الجمعية تنفيذ برنامجها " إدعم أمنيتي بصدقة"، بهدف تحقيق أمنيات أطفالها ، لزرع الفرحة في قلوبهم. فتحقيق حلم صغير يترك أثراً كبيراً . للحجز والتبرع للمشروعين وللمزيد من المعلومات، يُرجى الاتصال على رقم الهاتف: 07720788 / مقسم: 218 - 112 - 114 – 168 . او من خلال التبرع عبر تطبيق موقع الجمعية الإلكتروني وحساباتها على وسائل التواصل الإجتماعي. كما يُمكن للراغبين بالتبرع زيارة مكاتب جمعية رعاية اليتيم في مقرها: مبنى دار الفتاة - مستديرة السراي – صيدا . أضحى مبارك ، وكل عام وأنتم بخير".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store