
مقامة المصطلم
المصطلم , إحدى الألقاب التي أطلقت على الحلاج , والبغداديون تحديداً هم من أطلقوه , وتعريف و معنى مصطلم في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي : اِصطَلَمَ : فعل واصْطَلَمَهُ : صَلَمَهُ , (( واصطلمَهم الدهر أو الموت أو العدُوُّ: استأْصَلَهُمْ وأبَادَهم )) , اصْطَلَمَهُ : صَلَمَهُ, ويقال : اصطلمَهم الدهر أو الموت أو العدُوُّ : استأْصَلَهُمْ وأبَادَهم , أي ان معنى كلمة (( الاصطلام )) : الاسْتِئْصَالُ , تَقُولُ: اصْطَلَمَ الشَّجَرَ إِذَا اسْتَأْصَلَهُ , وَأَصْلُهُ مِنَ الصَّلْمِ وَهُوَ القَطْعُ , يُقَالُ : صَلَمَ الشَّيْءَ صَلْماً أَيْ قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ , وُيْطَلَقُ الاصْطِلاَمُ بِمَعْنَى: الإِفْنَاءِ , وَالصَّلْمُ : فَنَاءُ الشَّيْءِ , وَيَأْتِي الاصْطِلاَمُ أَيْضًا لِمَعانِي : الإِبَادَةُ , الإِزَالةُ .
هناك مجموعة شعرية للشاعر العماني عبدالله البلوشي بعنوان (( المصطلم )) , التي ترتبط فضاءاتها بشخصية الحسين بن منصور الحلاج , وذلك من خلال السعي إلى إبراز رؤى متخيلة حول موطنه الأول , ورحلاته في مدن الشرق الإسلامي , ومعاناته وحتى استقراره ببغداد , ويذكر ان (( المصطلم )) أحد الألقاب التي أطلقت عليه , حيث جاءت تسمية النص بهذا اللقب لأجل ترسيخه كلقب مغمور , إذ إن لقب الحلاج ظل الأكثر شهرة من بين كل الألقاب التي أطلقت عليه , وتتكون المجموعة من ثلاثة مقاطع عبارة عن اشتغالات على بيئة وجوده التي تضم شخوصاً ورموزاً وأمكنة , ويستقي المقطع الأخير (من الفيض) رؤية تأملية كانت ماثلةً في ديوانه الموسوم (الطواسين) وهو من أعماله ذات النشيد الصوفي الحاد , فما هي الطواسين ؟
الطواسين الثلاث , هي ثلاث سُورٍ من القرآن الكريم تُسمى بـ (( الطواسين )) , وتُعرف أيضاً بـ (( الطواسيم )) و (( الطواسم )) , وهذه السور متتالية حسب ترتيب المصحف الشريف , و هي من السور المكية , و هذه السور هي : سورة الشعراء و رقمها (26) , و سورة النمل و رقمها (27) , و سورة القصص ورقمها (28) , و إنما سُميت بالطواسين أو الطواسيم لإبتدائها بحرفي الطاء و السين , فهي ذوات طس , ذلك لأن سورتي الشعراء و القصص تبتدآن بـ (( طسم )) , و سورة النمل تبتدأ بـ (( طس )) , قالَ الجَوْهَرِيُّ : الصَّوابُ أَنْ تُجْمَعَ الطَّواسيمُ و الطَّواسينُ و الحَواميمُ , التي هي سورٌ في القرْآن بذَواتِ و تُضافُ إلى واحِدٍ فيُقالُ : ذَواتُ طسم , و ذَواتُ حم , وإِنّما جُمِعَتْ على غيرِ قِياسٍ .
ذكر المدائني أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الأذن , فسألته عن قصته , فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى , فنظر إلى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
(( لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم تنصرف إلا ونحن رواء
أطعنا بني تيم لشقوة جدنا *وما تيم إلا أعبد وإماء )) , فقلت : سبحان الله , أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا إله إلا الله , فقال: يا ابن اللخناء , إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجبا منه , فصاح لي ادن مني ولقني الشهادة , فصرت إليه , فلما قربت منه استدناني , ثم التقم أذني فذهب بها , فجعلت ألعنه وأدعو عليه , فقال : إذا صرت إلى أمك فقالت من فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الأهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت أن تكون أمير المؤمنين . (( مروج الذهب: ٢ / ٣٧٩ , تاريخ الطبري: ٤ / ٥٢٣ ,أنساب الأشراف : ٣ / ٦٠ , الكامل في التاريخ: ٢ / ٣٤٤)) .
لنعد لصاحبنا المصطلم الحلاج الذي يقول : (( أنعي إليك نفوسا طاح شاهدها * فيما ورا الحيث بل في شاهد القدم , أنعي إليك قلوبا طالما هطلت * سحائب الوحي فيها أبحر الحكم , أنعي إليك لسان الحق منك ومن * أودى وتذكاره في الوهم كالعدم , أنعى إليك بيانا يستكين له * أقوال كل فصيح مقول فهم , أنعي إليك إشارات العقول معا * لم يبق منهن إلا دارس العلم , أنعي وحبك أخلاقا بطائفة * كانت مطاياهم من مكمد الكظم , مضى الجميع فلا عين ولا أثر * مضى عاد وفقدان الأولى إرم,
وخلفوا معشرا يحذون لبستهم * أعمى من البهم بل أعمى من النعم )) .
قالوا: ولما أخرج الحلاج من المنزل الذي بات فيه ليذهب به إلى القتل أنشد : (( طلبت المستقر بكل أرض * فلم أر لي بأرض مستقرا , وذقت من الزمان وذاق مني * وجدت مذاقه حلوا ومرا , أطعت مطامعي فاستعبدتني * ولو أني قنعت لعشت حرا )) , وقيل : إنه قالها حين قدم إلى الجذع ليصلب , والمشهور الأول , فلما أخرجوه للصلب مشى إليه وهو يتبختر في مشيته وفي رجليه ثلاثة عشر قيدا وجعل ينشد ويتمايل : (( نديمي غير منسوب * إلى شئ من الحيف , فلما دارت الكأس * دعا بالنطع والسيف , سقاني مثل ما يشر * ب فعل الضيف بالضيف , كذا من يشرب الراح * مع التنين في الصيف )) , ثم قال : (( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ))[الشورى: 18] , ثم لم ينطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل , قالوا: ثم قدم فضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه , وهو في ذلك كله ساكت ما نطق بكلمة , ولم يتغير لونه , ويقال إنه جعل يقول مع كل سوط (( أحد أحد )) , قال أبو عبد الرحمن : سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت عيسى القصار يقول: آخر كلمة تكلم بها الحلاج حين قتل أن قال : (( حسب الواحد إفراد الواحد له )) , فما سمع بهذه الكلمة أحد من المشايخ إلا رق له , واستحسن هذا الكلام منه , وقال السلمي : سمعت أبا بكر المحاملي يقول سمعت أبا الفاتك البغدادي – وكان صاحب الحلاج – قال: رأيت في النوم بعد ثلاث من قتلالحلاج كأني واقف بين يدي ربي عز وجل وأنا أقول يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ فقال: كاشفته بمعنى فدعا الخلق إلى نفسه فأنزلت به ما رأيت , ومنهم من قال : بل جزع عند القتل .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة أنباء براثا
منذ 9 ساعات
- وكالة أنباء براثا
الامام الجواد (ع) معجزة الامامة
طاهر باقر من اغرب امور الناس هي الامامة ولذا اصبحت محل ابتلاء المسلمين فمن يؤمن بها عن عقيدة ملكت قلبه كله حتى افتداها بنفسه ومن دخل الشك قلبه فهو على ريبة من هذا الامر حتى يلقى الله وهو في دينه شاك، ولك ان تتخيل كبار علماء الشيعة ياتيهم الامر بالخضوع لصبي عمره لايتجاوز العشرة اعوام، ابتلاء وفتنة لايفوز بها الا مؤمن ملأ الله قلبه بالايمان. سنختبر مستوى هذا الايمان في اصحاب الامام الرضا عليه السلام وقد ذهب الى جوار ربه وخلف من ورائه صبيا عمره تسعة اعوام شاءت قدرة الله ان يكون اماما للمسلمين، سنذهب الى تلك البرهة ونقرء ماحصل فقد جاء في كتاب عيون المعجزات: " لما قبض الرضا عليه السلام كان سن أبي جعفر (ابي جعفر: الجواد) عليه السلام نحو تسع سنين، فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريان بن الصلت، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمان بن الحجاج ويونس ابن عبد الرحمان، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمان بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمان: دعوا البكاء! من لهذا الامر وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر عليه السلام. فقام إليه الريان بن الصلت، ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه، ويقول له: أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك، إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس، هذا مما ينبغي أن يفكر فيه. فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبخه. (1) وكان لابد ان يشاهد الناس جميعا معجزة الامامة والسر المستودع فيها وكيف يمكن ان يحصل ذلك؟ عندما تقف عقول العلماء عاجزة امام علم الامام المعصوم وهو ابن سبعة اعوام عندها تتكشف الحقيقة للقاصي والداني وهكذا يقول صاحب كتاب الاختصاص: علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: لما مات أبو الحسن الرضا عليه السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر عليه السلام فدخل عمه عبد الله بن موسى وكان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة، فجلس وخرج أبو جعفر عليه السلام من الحجرة، وعليه قميص قصب، ورداء قصب، ونعل حذو بيضاء. فقام عبد الله واستقبله وقبل بين عينيه وقامت الشيعة وقعد أبو جعفر عليه السلام على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض تحيرا لصغر سنه. فانتدب رجل من القوم فقال لعمه: أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ (أتى بهيمة :واقعها او نكحها) فقال: تقطع يمينه ويضرب الحد، فغضب أبو جعفر عليه السلام ثم نظر إليه فقال: يا عم اتق الله اتق الله إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عز وجل فيقول لك: لم أفتيت الناس بما لا تعلم؟ فقال له عمه: يا سيدي أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها فقال: أبي تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزناء فان حرمة الميتة كحرمة الحية، فقال: صدقت يا سيدي وأنا أستغفر الله" (2) لم يكن عبد الله بن موسى رجلا عاديا من عامة الناس فهو كان ابنا لامام وشقيقا لامام وعما لامام وقد اخذ العلم على يد الامام فهو عالم نحرير لكن علمه لايصل الى مرتبة علم الامام المعصوم حتى وان بلغ السابعة من العمر وهنا تحصل المعجزة ليس بالاعجاز الغيبي بل بالاعجاز العلمي ويحدث ذلك كله امام المئات من الموالين ومن عامة الناس. وحتى لو جرى الشك في اذهان غير الشيعة بخصوص هذه الروايات لكن التاريخ لايستطيع ان يكذب على السلاطين والحكام لانهم يعاقبون باشد العقاب من يتقول عليهم الاقاويل او ينقل عنهم مالايرضونه وهذا هو حال المامون زعيم الدولة العباسية مع الامام الجواد عليه السلام وهو بعمر الصبا. وقد روى عنه المصنفون إن أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام لما توفي والده علي الرضا عليه السلام وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتفق أنه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه، والصبيان يلعبون، ومحمد واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشر سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين، ووقف أبو جعفر محمد عليه السلام فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عز وجل قد ألقى عليه مسحة من قبول، فوقف الخليفة وقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له محمد مسرعا: يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظني بك حسن إنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت. فأعجبه كلامه ووجهه، فقال له: ما اسمك؟ قال محمد، قال: ابن من أنت؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا عليه السلام فترحم على أبيه وساق جواده إلى وجهته و كان معه بزاة. فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب فأخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه، فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبو جعفر لم ينصرف، ووقف كما وقف أولا . فلما دنا منه الخليفة قال: يا محمد قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: ما في يدي؟ فألهمه الله عز وجل أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل النبوة. فلما سمع المأمون كلامه عجب منه، وجعل يطيل نظره إليه، وقال: أنت ابن الرضا حقا، وضاعف إحسانه إليه "(3). معجزة الامام الجواد عليه السلام لاتعرف الحدود ولاتقتصر على زمان، كشمس تسطع في كل زمان ومكان، ولما اراد المأمون تزويج ابنته ام الفضل للامام الجواد اعترض عليه حاشيته من بني العباس وقللوا من شأن وقدر الامام وذكروا بانه لايصلح لهذا التزويج وانه لايزال في سن مبكرة. فقد ورد في كتاب الاحتجاج: عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي الامر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الامر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عز وجل وينزع منا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا عليه السلام ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا عليه السلام ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه. فقالوا له: إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله. قالوا: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شئ من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم. فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك. فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست (الدست : صدر البيت) ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه الصلاة والسلام. فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت. قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟. فقال أبو جعفر عليه السلام: قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو خطأ، حرا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا، مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟. فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل على أبي جعفر عليه السلام فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك قد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي وإن رغم القوم لذلك. فقال أبو جعفر عليه السلام: الحمد لله إقرارا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته، والأصفياء من عترته. أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام، أن أغناهم بالحلال عن الحرام، و قال سبحانه: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليها السلام وهو خمس مائة درهم جيادا فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟. فقال المأمون: نعم قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ قال أبو جعفر عليه السلام: قد قبلت ذلك ورضيت به. فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة. قال الريان: ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الإبريسم، على عجلة مملوة من الغالية، ثم أمر المأمون أن تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم. فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام: إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده. فقال أبو جعفر عليه السلام: نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة وإن كان ظبيا فعليه شاة وإن كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد عليه الماء ثم وهو موضوع عنه في الخطاء، والكفارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة. فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك فان رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك فقال أبو جعفر عليه السلام ليحيى: أسألك؟ قال: ذلك إليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك. فقال له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة وبماذا حلت له وحرمت عليه؟ فقال له يحيى بن أكثم: لا والله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه. فقال أبو جعفر عليه السلام: هذه أمة لرجل من الناس، نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة، فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له. قال: فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله إن أمير المؤمنين أعلم وما رأى فقال: ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الاسلام وحكم له به، ولم يدع أحدا في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما ابنا دون الست سنين، ولم يبايع صبيا غيرهما أولا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم وإنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين ثم نهض القوم" (4) لقد تعمدت ان اجلب الرواية بحجمها الواسع حتى يتضح للقاصي والداني منزلة ائمة اهل البيت صلوات الله عليهم وتقدمهم على سائر البشر وذلك بشهادة العباسيين الذين كانوا يناصبوهم العداء الا ماندر ونحن هنا لدينا شهادة مكتملة الاركان من قبل الخليفة العباسي المامون وبالطبع نحن اتباع اهل بيت النبوة لسنا بحاجة الى مثل هذه الشهادة لكننا نعرضها لمن يجهل حق اهل البيت ولايعرف منزلتهم. بقلم: طاهر باقر الهوامش ====================================== 1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٠ - الصفحة ٩٩ 2- الاختصاص: ص 102. 3- كشف الغمة ج 4 ص 187 و 188. 4- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٠ - الصفحة ٧٨


موقع كتابات
منذ يوم واحد
- موقع كتابات
حروف عائمة على سطور من ماء
تُعدّ اللغة العربية من أكثر اللغات ثراءً ودقة، لأنها وبالدرجة الأساس لغة القرآن الكريم ..حيث تتطلب الكتابة التزامًا صارمًا بقواعد النحو والإملاء. إلا أن الأخطاء الإملائية لا تزال تتسلل إلى كثير من النصوص، حتى من قبل الكُتّاب المحترفين، مما يثير التساؤلات حول الأسباب الكامنة التي تقع وراء هذه الظاهرة ، وآثارها السلبية على المحتوى المكتوب .. وكيفية معالجة مثل هذه الكوارث في وقت التهمت فيه العولمة ، القراءة و الحروف وحبر الأقلام بشراهة. قد يكون الضعف في الركائز الاساسية للبنى التحتية للتعليم من أهم الأسباب التي أدت الى إنهيار اللغة ، و كذلك تراجع القراءة لدى البعض ممن يدعون المعرفة والدراية ويطلقون على انفسهم ( بالكتًاب) ، وما هم في الحقيقة إلا اعجاز نخل خاوية ..مما يقلل من تعرّضهم للنماذج الصحيحة . بالإضافة الى إهمال أهمية الإملاء في العصر الرقمي.. والذي بدوره يؤدي الى تراكم الآثار السلبية للأخطاء الإملائية و يشوه المعنى المقصود ..فيفقد القارئ المصداقية لسوء فهم المعنى الواضح للنص ، وبالنتيجة سيتكون الإنطباع السلبي على الكاتب أو المؤسسة التي يمثلها. الأخطاء الإملائية ليست مجرد هفوات بسيطة، بل قد تكون مؤشرًا على ضعف لغوي أعمق. لذلك، تقع المسؤولية على عاتق الكُتّاب والمؤسسات الثقافية والتعليمية في تصحيح المسار، والإرتقاء بمستوى الكتابة، بما يليق بجمال وعراقة اللغة العربية. لذا فمن المهم جدا متابعة مثل هذا الآفات التي تنمو لتلتهم جدران اللغة الرصينة عن طريق العودة إلى القراءة المنتظمة للكتب ذات اللغة السليمة و إعادة تعلم قواعد الإملاء الأساسية من مصادر موثوقة .. وكذلك إعطاء الإملاء أهمية في التدريبات الكتابية عن طريق إقامة دورات تقويمية مكثفة لتحسين اللغة العربية و تخريج المؤهلين والقادرين على صياغة الخبر دون أي خطأ لغوي أو إملائي بما يتناسب مع المهنية البحتة التي تحملها مفردة ( الكاتب ) لأن اللغة أداة الكاتب، فإذا كانت هذه الأداة مشوشة أو ضعيفة، تضيع الأفكار العظيمة في الطرق المعتمة.


ساحة التحرير
منذ 2 أيام
- ساحة التحرير
انتصار الطفولة من بين نيران نمرود العصر!بشرى خالد الصارم
انتصار الطفولة من بين نيران نمرود العصر! بشرى خالد الصارم* ها قد عاد زمن المعجزات في زمن الفواجع، معجزة الطفلة التي نجت من نيران العدو الصهيوني عادت لتذكرنا بمعجزة خليل الله إبراهيم عليه السلام فكانت النار برداً وسلاماً عليها،في موقف يحقق أن لله جنوداً في أرضه. طفلة تبحث عن النجاة وسط أتون الجحيم وقودها الناس والإنسانية، تبحث عن الحياة وسط ركام الموت، وأشلاء محروقة، وأجساد متفحمة، تبحث عن الأمان في زمن الإبادة والإجرام، طفلة لم تكتفي بتحمل ماتطيقه بل تحملت مالا تطيقه أمة الملياريّ مسلم بمفردها، تسارع ألسنة النار كي تتعداها وتتغلب عليها، تحدت الموت والخوف، تحدت كل أضواء القصف والنيران وأصوات الصواريخ والحرائق، طفلة كأنها جيش بعدته وعتاده، أي صمود يارب السماء سكبته في قلبها،وأي ثبات أسكنته فؤادها. لم يكن فلم سينمائي من إنتاج هوليوود، لم يكن مسلسل كرتوني يحكي معاناة الطفولة في الحروب، إنه واقع دامي وحقيقة مؤسفة لأمة محمد صلوات الله عليه وآله وسلم من حرك جيوش المسلمين لنصرة الإسلام والمسلمين، فبأي وجه سيقابلون نبيهم يوم لا ينفع جاه ولا حكم. وسط هذا الهول، وبلوغ القلوب الحناجر، كانت الطفلة تسعى بخطاها الصغيرة تبحث عن مخرج من بين الظلمات التي تحيط بها بعضها فوق بعض، عيناها الصغيرتان التي كانت ترى بالأمس ألوان الحياة في مدرسة تأوي النازحين، شهدت في تلك اللحظة جحيم وظلم صورة من صور الإجرام الذي يتفنن به العدو الصهيوني في صورة يومية دون انقطاع، كان قلبها الصغير يحيطه وميض فطري نور على نور بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فكانت هي طفلة معجزة الخليل عليه السلام التي تغلبت على إجرام نمرود العصر الناجية من نيران الطاغية والمجرم العدو الصهيوني. أما آن لضمائر الشعوب وحكام العرب أن تصحو؟! أما آن للقوب أن ترحم وتخشع لأصوات الاستغاثة من أهالي غزة؟! أما آن للعرب أن يفيق من سباته وأن يحرك بوصلة جهاده نحو قبلة العزة والكرامة والتضحية' غزة ' ماذا بعد تنتظرون؟! لا فائدة من الاستنجاد بهم فقد طبعت العمالة والخيانة عليهم، وأصبحوا أشد ذلة ومسكنة من اليهود، بل أصبحوا تحت أقدامهم يدوسونهم كما يحلوا لهم. ولكن هناك شعب هم أرق قلوباً وألين أفئدة، من سماهم الله بالأنصار، كانوا وما زالو صنوان حق وإخوة صدق، هم من يعول أهل غزة عليهم، هم بقية العروبة في الأرض، وهم بقية الإسلام والدين،هم ناصري أطفال ونساء ومستضعفيّ أهل غزة، هم من حركوا جيشهم وأسلحتهم وصواريخهم القادمة من أراضي الحكمة والإيمان تزأر أصواتها بصوت الأطفال ووجع الأيتام نحو الأراضي المحتلة، في أبلغ معنى للتلاحم بين اليمن وفلسطين، ورسالة واضحة بأنهم لن يتركوا فلسطين وأنهم معهم وليسوا وحدهم في مواجهة الإجرام، مواجهة الموت، مواجهة الطغيان ونمرود العصر، وفرعون الزمن. يقسم الشعب اليمني ياطفلة النيران وخليلة الشعب اليمني بأن صواريخ التلاحم ستنصرك وستثأر لآلامك وجروحك، في موقف إيماني أخلاقي ديني يثبت مدى التلاحم بين جراح صنعاء وآلام غزة، واعلمي بأن العاقبة للمتقين وأن نصر الله قريب، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. #اتحاد_كاتبات_اليمن 2025-05-28