
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت "أم الشاشات"؟ وهل نستغني عنها؟
لا أزال إنساناً قديماً، هكذا اعتبر نفسي عندما أتعامل مع التلفزيون، لا يمكنني التخلي عمّا اعتدت عليه منذ صغري؛ أن أنتظر مسلسلي المفضل، أو نشرة الأخبار الرئيسية، أو برنامجاً يثري معرفتي في ساعة محددة، رغم أني لم أتجاوز الخامسة والثلاثين من عمري، إلا أن الالتزام الذي يضفيه التلفزيون على حياتي يطغى على مواكبتي لتكنولوجيا الشاشات الذكية في عالم البث.
هذه قصتي مع التلفزيون والتي دفعتني لأن أكتب محتفلاً بيومه العالمي الذي حدّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، إحياءً لذكرى اليوم الذي انعقد فيه أول منتدى عالمي للتلفزيون.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد جاء هذا الحدث بوصفه اعترافاً بالتأثير المتزايد للتلفزيون في عملية صنع القرار، وهو ما يعنى الاعتراف بالتلفزيون كوسيلة أساسية في إيصال المعلومة إلى الرأي العام والتأثير فيه.
وتقول الأمم المتحدة إن اليوم العالمي للتلفزيون ليس احتفاءً بأداة بقدر ما هو احتفاء بالفلسفة التي تعبر عنها هذه الأداة.
وبينما تتحكم ساعة تلفزيونية بعقارب ساعتي اليومية، فإن التلفزيون بالنسبة لطارق نصير، 58 عاماً، ليس مجرد شاشة، بل هو جزء من نمط حياة.
ويضيف: منذ صغري وأنا أنتظر مواعيد البرامج والمسلسلات بفارغ الصبر، وأعتبر هذه المواعيد طقوساً يومية. الأخبار تأتي في وقت محدد، المسلسل في وقت محدد، وهذا يجعل يومي منظّماً. "أما الشاشات الذكية، فأشعر أنها تسرق الإحساس بالانتظار والالتزام".
وفي تعليقه على تأثير التكنولوجيا على المشاهدة التلفزيونية، لا ينكر نصير فوائدها، لكنها "أضاعت روح المشاركة"، بحسب رأيه.
"في الماضي، كنا نتحدث كعائلة عن المسلسل الذي شاهدناه معاً أو الأخبار التي تابعناها. اليوم، كل شخص يشاهد شيئاً مختلفاً بمفرده. أفتقد تلك اللحظات الجماعية"، بحسب نصير.
كيف تطور التلفزيون عبر العقود؟
منذ اختراع التلفزيون في أوائل القرن العشرين، شهد الجهاز تطوراً هائلًا على مر العقود. بدأت أجهزة التلفزيون بمظهر بسيط وتقنيات محدودة، لكنها أصبحت الآن جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، وتطورت بشكل كبير في جوانب عدة مثل الجودة، وتقنيات البث، والمحتوى. في هذا السياق، نلقي الضوء على أبرز مراحل تطور التلفزيون عبر التاريخ.
نشأة التلفزيون (1920-1930)
التطور الأولي للتلفزيون كان نتاجاً لاكتشافات علمية عدة في مجال البث الإشعاعي والصورة المتحركة، ففي عام 1927، قدم العالم الأمريكي فيلكس بيتيرسون أول بث تلفزيوني باستخدام أنابيب الكاثود، بينما كان الباحث جون بيرد في بريطانيا أول من أرسل إشارات تلفزيونية من خلال الأسلاك، مما يعد خطوة هامة نحو مفهوم التلفزيون الحديث.
وفي الأربعينات والخمسينات، أصبح التلفزيون تقنية منتشرة بشكل تدريجي، وأصبح متاحاً للبث العام في العديد من البلدان، وفي هذه الفترة، كان التلفزيون يقتصر على بث البرامج بالأبيض والأسود، بينما كانت التجارب مستمرة لإنتاجه بالألوان منذ عام 1928.
التلوين (1950 – 1970)
بعد تداعيات الحرب العالمية الثانية، ووفاة البريطاني جون بيرد الذي قدّم عروضاً كثيرة للتلفزيون الملون قبل اعتماده رسمياً، انتقلت التجارب إلى أمريكا، وفي أوائل الستينات، قدمت الشركات الأمريكية أول بث تلفزيوني بالألوان، ليشكل هذا ثورة حقيقية في طريقة تقديم المحتوى المرئي.
التلفزيون الرقمي (1980 – 2000)
مع بداية التسعينات، دخل التلفزيون مرحلة جديدة من التطور مع ظهور التلفزيون الرقمي والقنوات الفضائية، إذ أسهمت هذه التقنيات في تحسين جودة الصورة والصوت، وتمكن المشاهد من متابعة مجموعة واسعة من القنوات المتخصصة، فقد أصبح البث الفضائي متاحاً وبدأ استخدام الستالايت في معظم أنحاء العالم، مما سمح بانتشار قنوات فضائية عالمية.
التلفزيون عالي الدقة (HD) (2000 إلى 2010)
في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ظهرت تقنية التلفزيون عالي الدقة (HD)، والتي قدمت صورة أكثر وضوحاً وتفاصيل دقيقة، إضافة إلى تحسين الصوت بشكل ملحوظ، وتطورت التقنيات أيضاً لتشمل البث عبر الإنترنت من خلال منصات مثل يوتيوب ونتفليكس، التي بدأت في تغيير الطريقة التي يستهلك بها الناس المحتوى التلفزيوني.
البث عبر الإنترنت والبث التفاعلي (2010 – 2020)
في العقدين الأخيرين، بدأ البث عبر الإنترنت يأخذ زمام القيادة، مما أحدث تحولًا كبيراً في صناعة التلفزيون، ونشأت منصات أصبحت تهيمن على كيفية استهلاك الجمهور للمحتوى.
التلفزيون 4k و 8k (2020 – وقتنا الحاضر)
وفي العقد الحالي، بدأ التلفزيون يتجه نحو دقة عرض أعلى، مما يوفر للمشاهدين صوراً أكثر وضوحاً وتفاصيل فائقة الدقة، كما أن الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) أصبحا جزءاً من تجربة المشاهدة في بعض التطبيقات.
"أشعر وكأن الوقت فقد قيمته"
ومع دخول الشاشات الذكية، والتطبيقات عالم التلفزيون، بات الناس أمام حرية مشاهدة أوسع، بعيداً عن القيود المهنية والأخلاقية التي تفرضها القنوات التلفزيونية على المحتوى، وأصبح لدى كل فرد حرية اختيار المحتوى الذي يتابعه وفي الوقت الذي يراه مناسباً.
سألتُ نُصير، عمّا إذا كانت خيارات المشاهدة حسب الطلب تغنيه عن الالتزام بوقت محدد، فكان ردّه أن الالتزام بمواعيد البث يمنحنه شعوراً بالانضباط.
ويقول: "عندما أعرف أن الأخبار الساعة الثامنة أو المسلسل الساعة التاسعة، أرتب وقتي على هذا الأساس، أما إذا كان كل شيء متاحاً في أي وقت، أشعر وكأن الوقت فقد قيمته".
وينتقد الشاشات الذكية رغم اقتنائها في منزله "لأن أبناءه شباب ويواكبون التكنولوجيا المتطورة"، بحسب قوله، معتبراَ أن التنقل بين التطبيقات والقوائم معقدٌ بالنسبة له، مقارنة بجهاز التحكم البسيط للتلفزيون، كما أنه يفضل الشاشة الكبيرة، على متابعة أي محتوى على الشاشات الذكية الصغيرة.
ويقول: "التلفزيون بالنسبة لي أم الشاشات".
توافق سميرة الكايد، 68 عاماً، الرأي بالقول إن انتظار المسلسل التلفزيوني في ساعة معينة له شعور خاص، شغف انتظار ما سيحدث في حلقة يوم غد شيء مميز بالنسبة لها، لا تستطيع أن تستغني عنه رغم قدرتها على متابعة الحلقات جميعا في وقت واحد كما توفرها تطبيقات البث الجديدة.
لم تتغير عادات المتابعة التلفزيونية للكايد على مر العقود، فمسلسل سهرة المساء لا يزال له ساعة محددة في يومها.
وتقول الكايد، وهي ربّة منزل، أن التلفزيون يلبّي احتياجاتها من حيث المحتوى الذي ترغب في متابعته، وأن ما توفره تطبيقات البث الحديثة "مبالغ به" بحسب رأيها، ويُفقدها "المتعة الخاصة" التي تضفيها المتابعة التلفزيونية.
أما بالنسبة للأخبار، فهي تعتمد التلفزيون والتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي كمصادر، دون تفضيل لأي منها على الآخر.
"الجمهور أصبح أكثر انتقائية وتفاعلية"
وتؤكد الدكتورة بيان القضاة، أستاذة الإعلام الرقمي، في حديثها لبي بي سي بمناسبة "يوم التلفزيون العالمي"، على الدور المحوري الذي لعبه التلفزيون في تشكيل الثقافة المجتمعية في العالم العربي خلال العقود الماضية.
وتوضح القضاة أن التلفزيون كان الوسيلة الأساسية التي تساهم في نقل الأخبار، وترفيه الجمهور، وتعليم فئات المجتمع بشكل غير مباشر، مما جعل له تأثيراً كبيراً في نشر اللهجات المحلية، وتعزيز الهوية الوطنية، وزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
ومع ظهور عصر البث الرقمي وتنامي منصات الفيديو تغير تأثير التلفزيون بشكل جذري، بحسب القضاة، التي تشير إلى أن الخيارات المتعددة أصبحت متاحة الآن للجمهور، ما يسمح لهم بالوصول إلى محتوى متنوع من ثقافات ولغات مختلفة، "هذا التوسع أسهم في التأثير على الهوية الثقافية المحلية"، وفتح المجال لما وصفته بالعولمة الثقافية.
وفي الوقت ذاته، ترى القضاة أن الجمهور أصبح أكثر انتقائية وتفاعلية، "ما أدى إلى تراجع هيمنة التلفزيون التقليدي كمصدر رئيسي للمعلومات والترفيه".
تطرقت القضاة أيضاً إلى دور التلفزيون البارز في تشكيل الرأي العام، لا سيما في العالم العربي، وأوضحت أن التلفزيون كان له دور أساسي في تغطية الأحداث السياسية الكبرى والثورات، وأبرز مثال على ذلك هو تأثير التغطية التلفزيونية لأحداث الربيع العربي، "إذ تمكن التلفزيون من نقل الأحداث بشكل واسع وبث أصوات العديد من الفئات المهمشة في المجتمعات العربية".
"مع مرور الوقت، تراجع هذا الدور بسبب ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو التي أفسحت المجال للأفراد لبث الأخبار وتشكيل الرأي العام بشكل مستقل"، بحسب القضاة.
ورغم ذلك، أكدت القضاة أن التلفزيون لا يزال يحتفظ بمكانته المؤثرة، خاصة بين الأجيال الأكبر سناً وفي المناطق التي ما تزال فيها معدلات استخدام الإنترنت منخفضة.
أما في ما يتعلق بتأثير التقنيات الحديثة على التلفزيون، فقد أشارت القضاة إلى أن البث الرقمي، ومنصات الفيديو عند الطلب (OTT)، بالإضافة إلى التكنولوجيا التفاعلية، غيرت بشكل جذري من دور التلفزيون التقليدي، ففي الماضي، كان التلفزيون الوسيلة الإعلامية الوحيدة أو الرئيسية التي يعتمد عليها الجمهور، ولكن الآن أصبح التلفزيون جزءًا من نظام إعلامي متعدد المنصات.
التلفزيون التقليدي بمواجهة العصر الرقمي
وعن التحديات التي يواجهها التلفزيون التقليدي في هذا العصر الرقمي، وما إذا كان هذا العصر سيدفعنا للاستغناء عن التلفزيون، تقول القضاة في حديثها مع بي بي سي: "أحد التحديات الكبرى هو تراجع عدد المشاهدين التقليديين، خاصة مع زيادة المنافسة من المحتوى الرقمي الذي تقدمه منصات مثل يوتيوب ونتفليكس، إلى جانب صعوبة جذب الفئات الشابة التي تفضل الاستهلاك الترفيهي والتعليم عبر الإنترنت".
لكن، وبالرغم من هذه التحديات، أضافت القضاة أن هذه التحولات تحمل أيضاً فرصاً كبيرة للتلفزيون، مثل إمكانية التخصيص الكبير للمحتوى، والوصول إلى جمهور عالمي، فضلاً عن استخدام التكنولوجيا مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المشاهدة.
وفي هذا السياق، لفتت القضاة، والتي عملت سابقاً لسبع سنوات في أول مدينة إعلامية أردنية احتضنت قنوات تلفزيونية عربية وعالمية منذ عام 2001، إلى أن هذه التحولات تمثلُ تحولًا نوعياً قد يكون دافعاً رئيسياً لتلفزيون المستقبل كي يواكب احتياجات العصر الرقمي ويوازي تطور وسائل الإعلام الحديثة بدلًا من أن يتراجع دوره.
كنتُ قد التقيت بصديق لي في أحد المقاهي، إنه زيد، شاب يصغرني بالعمر، أعتقد أنه في أواخر العشرينات، وبعد أن تبادلنا السلام، قال لي إنه جاء ليقضي ساعة من الوقت خارج المنزل، بعيداً عن أجواء العائلة، لكن فضولي دفعني لأن أسأله عما يزعجه من العائلة في هذه الساعة.
جاءت الإجابة كما توقعتها، فالثامنة مساءً بالنسبة لوالديه هي ساعة مسلسلهم المسائي المفضل، ولا يمكنهم التفريط في تلك اللحظات، وهو ما لا يستطيع زيد أن يتحمله، فهو يرى أن منصة واحدة قادرة على أن تختصر عشرات الساعات من الجلوس أمام التلفزيون في ساعتين، بحسب قوله.
حدّثته عن فكرة التقرير الذي تقرأه الآن، وطلبت منه أن يتصل بوالده، فقط لأستشعر قدسية هذه الساعة بالنسبة للعائلة، لكن العم "أبو زيد" لم يجب على اتصالنا، إلا بعد مرور حوالي الساعة، فأدركنا أن المسلسل قد انتهى.
تحدثت إلى "أبو زيد"، ضحكنا كثيراً على ما يراه من فوارق بين الحديث والقديم، كانت من أمتع المحادثات بالنسبة لي، لكن ما اختصر عشرين دقيقة من الكلام جملة واحدة قالها لي: "لكل زمن جيل، ولكل جيل عادة".
لا يعلم العم "أبو زيد" أنني من هذا الجيل، لكن عاداتي في مشاهدة التلفزيون تعود لجيل سابق.
على كل حال، إن كنت تقرأ هذا التقرير وساعتك الذكية تشير إلى السادسة مساءً فأنا الآن في طريقي إلى النادي الرياضي، لأنهي تدريباً مدته ساعة ونصف، قبل أن أعود إلى المنزل وأتابع المسلسل ذاته عند الثامنة، فأنا متحمس لحلقة جديدة، موجودة على المنصات منذ أربعة أيام.
هذا أنا في علاقتي مع التلفزيون، فماذا عنك أنت؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 أيام
- العربي الجديد
يوروفيجن: التلفزيون الإسباني عرض رسالة تضامن مع الفلسطينيين على الهواء متحدياً قرار اتحاد البث الأوروبي
عرض التلفزيون الإسباني رسالة تضامن مع الفلسطينيين خلال البث المباشر لنهائي مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) في بازل السويسرية، في تحدٍّ من الهيئة العامة الإسبانية للإذاعة والتلفزيون RTVE لتحذيرات اتحاد البث الأوروبي EBU وتهديداته بفرض عقوبات، ورسالةٍ رسميةٍ منه تُحذّر من التعليق السياسي. وقبل بدء النهائي، بثّت الهيئة الإسبانية رسالةً ثنائية اللغة على الشاشة جاء فيها: "عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان ، الصمت ليس خياراً. السلام والعدالة لفلسطين". "يوروفيجن" بطعم التضامن في إسبانيا كذلك خلال الحفل، تحدّث المذيعان الإسبانيان، توني أغيلار وجوليا فاريلا، عن الأزمة الإنسانية التي خلّفها العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة ، ودعوا إلى السلام. وقال المذيعان: "وفقاً للأمم المتحدة، قُتل أكثر من 50 ألف شخص في غزة، بينهم أكثر من 15 ألف طفل. هذا ليس بياناً ضدّ أيّ دولة، بل دعوةٌ للسلام والعدالة واحترام حقوق الإنسان". وجاء هذا الموقف العلني بعد أسابيع من ضغوط متزايدة في إسبانيا على منظمي مسابقة "يوروفيجن" لتعليق مشاركة إسرائيل بسبب عدوانها المستمر على الغزيين. ووجهت RTVE رسالة إلى اتحاد البث الأوروبي الذي ينظم المسابقة "لطلب فتح نقاش في شأن مشاركة التلفزيون العام الإسرائيلي في المسابقة". وأكدت الهيئة في رسالتها دعمها لـ"يوروفيجن"، لكنها لاحظت أيضاً "المخاوف التي يثيرها في المجتمع المدني الإسباني إزاء الوضع في غزة ومشاركة التلفزيون العام الإسرائيلي". موسيقى التحديثات الحية النمسا تفوز بلقب يوروفيجن... واحتجاجات على مشاركة إسرائيل تراشق بين اتحاد البث وRTVE من جانبه، أصدر اتحاد البث الأوروبي، الذي يفرض قواعد صارمة ضد التصريحات السياسية أثناء البث، رسالة إلى RTVE يحذّرها فيها من عقوبات مالية في حال تكرار مثل هذه التعليقات خلال النهائي. وجادل الاتحاد بأن الإشارة إلى أعداد الضحايا في غزة تنتهك شرط "يوروفيجن" للحياد السياسي. لكن أدانت مجالس الأخبار الداخلية في RTVE تحذير اتحاد البث الأوروبي ووصفته بأنه رقابة، مضيفةً: "نتمسك بحق مقدمي برامجنا في التحدث بحُريّة ومسؤولية. نرفض التدخل ونؤكد التزام RTVE بالتغطية الإعلامية الصادقة، لا سيما في الأحداث الدولية الكبرى". وإسبانيا ليست إلا واحدة من الدول والجهات التي ترفض إسرائيل في المسابقة. تلقّت المتسابقة الإسرائيلية يوفال رافائيل هتافات من أجل فلسطين وصرخات استهجان ضدها خلال غنائها. وفي شوارع بازل تجمع المتظاهرون ملوحين بالأعلام الفلسطينية ومرددين هتافات ضد العدوان ومشاركة دولة الاحتلال في مسابقة من المفترض أنها عن السلام. كذلك وقّع أكثر من 70 متسابقاً سابقاً في "يوروفيجن"، بمن فيهم الإسبانية بلانكا بالوما، رسالة مفتوحة تطالب بتعليق مشاركة إسرائيل في المسابقة.


العربي الجديد
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- العربي الجديد
90 عاماً على تشغيل مترو موسكو: "قصر للشعب"
يصادف الخميس ذكرى مرور 90 عاماً على تشغيل المرحلة الأولى من أول خطوط مترو موسكو بطول 11.2 كيلومترا فقط في 15 مايو/أيار 1935، والذي جعلها تلتحق بـ23 مدينة فقط حول العالم كانت قد دشنت شبكة المترو في تلك الفترة. ويتميز مترو موسكو بمحطات متنوعة يشبه بعضها تحفاً فنية فريدة، فيما يغلب على بعضها الآخر طابعاً أكثر حداثة. لم تعد شبكة المترو في العاصمة مجرد وسيلة نقل سريعة، بعيداً عن الازدحام المروري، بل أصبحت رمزاً من رموز العاصمة الروسية، وشاهدةً على تاريخها منذ ثلاثينيات القرن الماضي. في الوقت الحالي، توسّع مترو موسكو، ليضم نحو 300 محطة موزّعة على أكثر من 15 خطاً تجاوزت نطاق المدينة ممتدة إلى الضواحي، مما جعله وسيلة التنقل الأساسية لملايين الركاب يومياً. كما يرتبط مترو موسكو في أذهان الروس بمجموعة من الحقائق المثيرة مثل تحوله إبان الحرب العالمية الثانية إلى ملجأ، إذ تحولت أرصفته وأنفاقه إلى مأوى لنحو نصف مليون شخص أثناء الغارات الجوية لألمانيا النازية. وسرعان ما اتخذت الحياة تحت سطح الأرض ملامح الحياة اليومية العادية، فافتتحت المتاجر وصالونات تزيين الشعر وحتى المكتبات، كما ولد أكثر من 200 طفل داخل المترو أثناء الغارات الجوية. وحتى الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين ألقى إحدى كلماته الشهيرة أثناء الحرب في محطة مترو ماياكوفسكايا عام 1941. حول العالم التحديثات الحية "حارس الذاكرة"... فلسطيني في لبنان يحتفظ بمقتنيات شاهدة على النكبة وبعد الحرب العالمية الثانية، دخلت أعمال بناء مترو موسكو مرحلة جديدة، شملت الخط الدائري الرابط بين محطات السكك الحديدية والذي شكل ذروة عمارة الحقبة الستالينية، إذ زُينت المحطات الـ12 بالتماثيل والرسومات ومصابيح ضخمة فريدة من نوعها. وفي عام 2023، استكملت أعمال مد الخط الدائري الكبير بطول نحو 70 كيلومترا الذي يعد الأطول في العالم، مما أتاح التنقل بين أطراف موسكو من دون المرور بوسط المدينة. ويجمع مترو موسكو في تصاميم محطاته أساليب معمارية مختلفة. على سبيل المثال، استوحيت محطة كروبوتكينسكايا، أو "قصر السوفييت"، كما كانت تسمى عند افتتاحها عام 1935، من بهو معبد الإله آمون رع في الكرنك الذي بناه المصريون القدماء على ضفة النيل الشرقية في مدينة الأقصر في عهد المملكة الحديثة. ومن بين القصص التي انتشرت حول "كروبوتكينسكايا" أن تشابهها مع معبد الكرنك أثار غضب المشرف على بناء المترو، لازار كاغانوفيتش، في ظل إعلان الشيوعية والإلحاد أيديولوجيا رسمية للدولة السوفييتية حينها. ولكن مصمم المحطة، أليكسي دوشكين، طمأنه بالقول: "عندهم قصور للفراعنة، وعندنا قصور للشعب!".


العربي الجديد
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- العربي الجديد
مدينة باتارا الأثرية في تركيا تستعيد ضوءها
لو لم تضَأ منارة باتارا لربما بقيت المدينة التركية الأثرية في غياهب النسيان والإهمال؛ فحتى الأتراك، أو جلهم، لا يعرفون عن ذلك الكنز ما يستحق، قبل أن تعلن الرئاسة التركية، قبل خمس سنوات، عن مشروع ترميم المنارة، بعد قرون من ظلامها، لتخرج خبايا وأسرار باتارا إلى النور توازياً مع إحياء منارتها وإضاءتها قبل أيام. كثيرون لا يعرفون باتارا، وهو ما لم يغفره الخبير السياحي التركي سردار دونميز، وإن برّره بأن بلاده تزخر بكنوز ومعالم أثرية ومدن قديمة لا تُعد ولا تُحصى. يختصر دونميز، في حديثه إلى "العربي الجديد"، باتارا بأنها "واحدة من أقدم الأماكن المأهولة في العالم، إذ تعود، وفق الوثائق، إلى القرن الثامن قبل الميلاد". ويشير إلى أن في المدينة ما يدل على أهميتها وتاريخها، وما لا يزال قائماً حتى اليوم، مثل منارتها البحرية التي أُعيد ترميمها وإنارتها، والمسرح، والحمامات الرومانية. لكنّ الأهم، في رأيه، أن في المدينة الأثرية مبنى برلمان يُقال إنه من أقدم التجارب الديمقراطية في العالم، وقد رُمّم أيضاً. وحول ما يُقال عن أن باتارا هي موطن القديس نيكولاس المعروف ببابا نويل، يوضح المتخصص التركي أن أعمال الحفر أشارت إلى أنه وُلد في باتارا في القرن الرابع، وعاش فيها طفولته، ثم تدرّج في مناصب الكنيسة حتى أُرسل أسقفاً إلى ديمرة في أنطاليا، جنوب غربي تركيا، وتوفي هناك. ووفق الميثولوجيا الإغريقية، فإن باتارا هي موطن ولادة أبولّو، إله الشمس والفن، وأرتميس، إلهة القمر والصيد. كما أن الإلهة هيرا غضبت على ليتو، التي عشقها زوجها كبير الآلهة زيوس، فرفضت جميع الأماكن استضافتها، إلى أن تمكنت من اللجوء إلى باتارا. علوم وآثار التحديثات الحية معرض تركي يروي قصة تطور الأسلحة منذ العصر الحجري يسترسل الخبير التركي في الشرح حول أهمية باتارا وسبب اختيار المنارة لإعادة المدينة إلى الضوء، موضحاً أنها بُنيت في عهد الإمبراطور نيرون عام 64–65 قبل الميلاد، وفقاً للكتابة البرونزية الموجودة عليها. وكانت عند تشييدها مرتفعة تُرى من بعيد، لأن باتارا كانت ميناءً لتجميع وتخزين الحبوب التي تُنقل من الأناضول إلى روما. كما أن شواطئ باتارا تُعد من السواحل النادرة التي تلجأ إليها سلاحف "كاريتا كاريتا" منذ ملايين السنين لوضع بيضها وخروج صغارها. وتوازياً مع مساعي تركيا إلى إدراج المدينة الأثرية باتارا، عاصمة اتحاد ليقيا، على القائمة الدائمة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( يونسكو )، يُركّز أيضاً على المسرح الروماني، الذي يمثل مرحلة الانتقال المعماري بين العصرين الهلنستي والروماني، وعلى مبنى مجلس اتحاد ليقيا، الذي يُعدّ أول مجلس ديمقراطي في العالم. السلطات التركية أعلنت أخيراً إحياء منارة باتارا البحرية التي يبلغ طولها 26 متراً، ويعود تاريخها إلى ألفَي عام، بعد أن دمّرها زلزال رودس عام 1481، في منطقة كاش في ولاية أنطاليا. وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن أن عام 2020 هو "عام باتارا"، بهدف الحفاظ على التراث التاريخي وإحياء المعالم الأثرية التي تروي قصص الحضارات القديمة في المنطقة الواقعة بين قضاء فتحية في ولاية موغلا وقضاء قاش في ولاية أنطاليا، والتي تحوي آثاراً على وجود حياة بشرية تعود إلى ما قبل أربعة آلاف عام من الميلاد. وتُعرف باتارا بأنها عاصمة اتحاد ليقيا، الذي كان يضم 23 مدينة في منتصف القرن الأول الميلادي، وفق ما تؤكد البروفيسورة حواء إيشكان إيشيق، رئيسة أعمال الحفر في المدينة. وتعود آثار باتارا إلى حقب زمنية مختلفة، بدءًا من العهد الروماني وصولًا إلى العثماني ، لكنّ أقدم منارة بحرية، وحماماً رومانياً، ومجرى مائياً، ومدخل المدينة التاريخية، والمسرح الروماني، تتصدر معالم المدينة. طبيعياً، تحوي المدينة تلالاً رملية شبيهة بتلك الموجودة في صحارى مصر، ما يجذب محبي ركوب الخيل والجِمال إلى جانب هواة التاريخ. ولهذه الطبيعة المركبة، من بحر وتلال رملية ومواقع أثرية، عوامل جذب إضافية لشركات الإنتاج الدرامي والسينمائي، التي تصوّر أفلامها في المنطقة، فهي، كما يُقال، "استوديو طبيعي لتصوير الأفلام السينمائية"، وصُوّرت فيها أعمال عدة من قبل.