
«هذه ليلتي»... وحرب الاستنزاف
في «اليوبيل الذهبي» لأم كلثوم -50 عاماً على رحيلها- يطيب للبعض البحث عن معلومة غير مسبوقة، لإذاعتها، وعندما لا يعثرون عليها يخترعونها. وهكذا فوجئت بمن يجد علاقة وطيدة بين القصيدة العاطفية الرائعة «هذه ليلتي» وبداية حرب الاستنزاف في مصر التي اشتعلت بعد هزيمة 67.
الأغنية انطلقت في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) 1968، وكتبها الشاعر والكاتب الكبير جورج جرداق، عن إحساس عاطفي عاشه بكل تفاصيله. كنت قد التقيت الشاعر الكبير قبل عامين من رحيله عام 2014، في إحدى الإذاعات اللبنانية الخاصة، حيث كان يسجل حلقات لبرنامجه، وكانت معنا الإعلامية اللبنانية ريميال نعمة التي حرصت على أن تسجل جانباً من الحوار. جورج هو آخر شاعر غنائي ظلَّ على قيد الحياة، بعد رحيل الكبار الذين رصَّعوا حياتهم وحياتنا بالوجود علي الخريطة الفنية لـ«الست».
كانت أم كلثوم لديها حلم أن تغني لعدد من كبار شعراء القصيدة العربية، وبالفعل ردَّدت من المملكة العربية السعودية للأمير عبد الله الفيصل قصيدتين هما «ثورة الشك» و«من أجل عينيك عشقت الهوى»، وقبلها للشاعر من أصل يمنيّ علي أحمد باكثير «قالوا أحب القس سلّامة».
وتعددت بعدها القصائد للشعراء العرب أمثال السوري نزار قباني «أصبح عندي الآن بندقية»، والسوداني الهادي آدم «أغداً ألقاك»، ولو امتد بها العمر لتغنَّت بكلمات آخرين.
عندما التقيت جورج جرداق كان يقف علي باب الثمانين، اكتشفت أن مشاعره ساخنة كأنه في عِزِّ المراهقة، وهكذا كتب «هذه ليلتي وحلم حياتي... بين ماضٍ من الزمن وآت».
إلا أن هناك مَن يبحث عن «التريند»، وهكذا عدُّوا أن الليلة تعني الثأر من العدو الصهيوني، وكالعادة وجد هذا التفسير «الحلمنتيشي» أتباعاً يكررون نفس «الموال». وبالمناسبة «الحلمنتيشي» هو شعر يجمع بين العامية والفصحى، بروح ساخرة، ليطلق عليه مثلاً «المشعلقات» بدلاً من «المعلقات». هل نحن بحاجة الآن إلى تلك «المشعلقات»؟
قال لي أحد الإعلاميين إنه لا يجد بأساً في البحث عن قصة جاذبة، حتى لو لم تكن لها علاقة من قريب أو بعيد بالحقيقة، مثلما حدث أيضاً بعدها مع شاعر السودان الهادي آدم، الذي أدى نجاح قصيدته «أغداً ألقاك» 1970 إلى أن يكره هو شخصياً ذكرها، ويعتذر عن أدائها في المنتديات مهما ألحَّ عليه الحضور. كان يستشعر أنها قد اختزلت كل إنجازه في قصيدة واحدة.
أشاعوا أيضاً تلك الحكاية المختلقة؛ أنه بمجرد أن اتصلت به أم كلثوم من أجل غناء القصيدة، جاء إلى القاهرة قادماً من الخرطوم وأنشد «أغداً ألقاك»، قاصداً لقاءه أم كلثوم.
رغم أن الهادي صرح بأنه كتبها قبلها بسنوات عن الفتاة التي كان بعد طول معاناة يسعى للزواج منها.
وهي قصة كما ترى طريفة، ولكنهم أرادوها لصيقة أكثر بأم كلثوم فصارت «ليلة أم كلثوم» وليست «ليلة» الفتاة التي أحبها!
نعم توجد أغنيات بدأت بكلمة مداعبة مثل «على قد الشوق»، التي وضعت عبد الحليم حافظ على أولى درجات النجاح الطاغي، عندما كان يتمشى مع صديقه الموسيقار كمال الطويل على أحد شواطئ الإسكندرية، ولمح الطويل فتاة رائعة الجمال فقال لها متغزلاً: «على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلِّم»، وظل كمال يأتي يومياً من أجل «الجميل»، الذي لم يأتِ بعدها أبداً، ولكنها صارت أغنية ناجحة عمرها الآن أكثر من 70 عاماً!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ يوم واحد
- عكاظ
منيرة المهدية في حياة أم كلثوم: ظالمة أم مظلومة؟
تابعوا عكاظ على في ذاكرة الطرب العربي، تبرز منيرة المهدية كأول نجمة مسرح وغناء في مصر، امرأة تمرَّدت على الأعراف، وشقت طريقها بصوتها وجرأتها في زمن الرجال. لكنها حين التقت على حلبة الفن مع صعود أم كلثوم، كُتبت الحكاية بوجهين: موهبةٌ تتوهج، وأخرى تتوارى. تشير روايات صحفية إلى أن منيرة، وقد كانت في قمة مجدها، شعرت بتهديد حقيقي من الطفلة الريفية التي صعد نجمها بسرعة. فخططت، وفقاً لتلك الروايات، لحملة تشويه ضد أم كلثوم، عبر الصحفي محمد عبد المجيد، وصلت إلى فبركة اتهام أخلاقي خطير. وبحسب القصة، فإن تدخّل الشيخ أمين المهدي، حال دون انهيار مستقبل كوكب الشرق، بل جعل الجماهير تتعاطف معها، فازداد بريقها وسقطت الحيلة. كما أوردت بعض المصادر الإعلامية المصرية أن منيرة دعت أم كلثوم للغناء على مسرحها، ثم أطفأت الأنوار عمداً أثناء فقرتها لإرباكها وتشويه ظهورها أمام الجمهور، غير أن أم كلثوم، بثبات أعصابها، واصلت الغناء في الظلام، لتحوّل الموقف إلى لحظة إعجاب استثنائية، أحرجت بها صاحبة المسرح. لكن هل منيرة المهدية، ظالمة فعلاً؟ أم أنها ضحية توقيت ومقارنة ظالمة؟ لا مصادر مؤكدة توثق تلك الوقائع من جهة مستقلة، ولا شيء يثبت أنها وحدها كانت تقف ضد أم كلثوم، في معركة الشهرة والنفوذ. ما نعلمه أن الزمان كان قد تغيّر، والجمهور كان يبحث عن صوتٍ جديد، وصورة مختلفة. قد تكون منيرة أساءت التقدير، أو خانها الزمن، أو ظلمها التاريخ حين لم يُنصف دورها الريادي. وفي كل الأحوال، تبقى القصّة انعكاساً لصراع الأضواء في عالم لا يحتمل نجمتين في سماء واحدة. أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} منيرة المهدية و أم كلثوم


عكاظ
منذ 3 أيام
- عكاظ
أول مسرح في المدينة المنورة
في غياب التوثيق تظهر معلومات على السطح تنافي حقيقة البدء، وقد غاب عنا التوثيق وتحديداً في الجوانب الفنية التي لم تكن محل اهتمام المجتمع، وفي ظل عدم الاهتمام تغيّب الباحثون في هذه الحقول الفنية لما يجده الباحث من عنت وإحباط، كون انشغاله يواجه تحريم المادة التي يبحث فيها، وفي الحقول الفنية المحلية نفذ الغناء من التهميش، فالمنشغلون به اقتحموا الدوائر المحرمة لأسباب عديدة قد يكون أهمها احتفال واحتفاء الشارع بهذا الفن، في الأعراس والمناسبات السعيدة حين كان المغنون يغنون في الشوارع، وفي البيوت المغلقة، ويسجلون إنتاجهم خارج البلد على أسطوانات يلتقطها أثرياء البلد ويتسامرون عليها. كما أن إذاعات عربية (أهمها صوت العرب) نشطت في إذاعة الأغاني الراقية من خلال أهم مطربي الفترة الذهبية كأم كلثوم وعبدالوهاب، وقد يكون هذا الجانب أهم الجوانب التي أسهمت بانتعاش الأغنية السعودية وتوثيقها توثيقاً شفويّاً (في البدء)، ربما تكون هذه لمحة سريعة لما وودت الحديث عنه من غياب توثيق بقية الجوانب الفنية كالمسرح، والنحت، والتصوير.. وإن أردت توسيع دائرة التحريم فهذا يستوجب أن ذكر بعض الفنون التي لم تستطع النفاذ بصورة كبيرة، وتحديداً المسرح، والآن ونحن نعيش الأجواء الصحية لاستقبال ما تم تحريمه، يستوجب علينا إعادة الحفر لكل التجارب التي بدأت وتم ردمها سابقاً، وإن بقيت تنز في الظهور.. وحين يتم الحديث عن البدايات الأولى لبعض الفنون كالمسرح مثلاً فأول ما يتم الاستفتاح به هو مسرح احمد السباعي الذي تم تجهيزه في عام (1961) في مكة المكرمة، لكن هذا المسرح لم يستطع العرض وأُغلق من حينه.. وفي الأيام الماضية حين تم ذكر بدايات المسرح في دول الخليج تم إهدار دم أول عرض مسرحي أقيم في المنطقة، وقد تنازع البدايات المسرحية في دول الخليج البحرين بأول عرض والكويت بثاني عرض مسرحي، فالدراسات الخليجية السابقة وثقت أن البحرين صاحبة أول عرض مسرحي مدرسي عرض في 1925 وقدمت الكويت ثاني عرض مسرحي في عام 1939، إلا أن الباحث المصري سيد علي إسماعيل، أستاذ المسرح في كلية الآداب جامعة حلوان، أثبت من خلال دراسته عن المسرح الخليجي أو محاضرته التي ألقاها في سلطنة عمان محاضرة بعنوان «توثيق تاريخ المسرح الخليجي بين التنظير والتطبيق... سلطنة عمان والسعودية نموذجين»، توصل فيها إلى أن المدينة المنورة هي أول مدينة في الجزيرة العربية عرضت مسرحية جماهيرية داخل المدرسة الصناعية عام 1910، ويؤكد هذا منشور نشر في جريدة المؤيد المصرية.. وبهذا التأكيد تكون المدينة المنورة أول مدينة تعرض مسرحاً احترافيّاً والدخول الى المسرحية من خلال مبلغ يدفعه الحاضر لمشاهدة تلك المسرحية.. الغريب أن المدينتين المقدستين احتفلتا بالمسرح كحالتين يؤكدهما التاريخ. كما أن هناك تجارب مسرحية سعودية حدثت في فلسطين من وقت مبكر، ففي عام 1935 عرضت الكشافة السعودية في فلسطين مسرحية «السمسرة وباعة الأراضي» حول ظاهرة بيع الأراضي لليهود في فلسطين في تلك الفترة وفي العام التالي تم عرض مسرحية (إلى المجد). وكشف الدكتور سيد علي إسماعيل مجهودات الشيخ عبدالعزيز الكحيمي الذي كان القنصل العام للسعودية في فلسطين ذلك الشيخ الذي دعم العروض المسرحية مثل مسرحية «الشهيدة»، ومسرحية «اليتيم»، وسواهما كان ذلك في عام 1944.. وأعتقد أن هذه الشهادة التوثيقية يجب الاحتفاء بها، وتزويد الباحثين في المسرح السعودي بنسخة من هذه الحقيقة؛ لكي لا تغيب تلك المعلومة بين غثاء ما ينشر في الشبكة العنكبوتية. أخبار ذات صلة


المدينة
منذ 3 أيام
- المدينة
(أغدًا ألقاك)
من أجمل قصائد الغزل، وأغنية من أعذب أغاني أم كلثوم، كتبها الشاعر السوداني الهادي آدم، ولحَّنها الموسيقار محمد عبدالوهاب. الأغنية تصوِّر قلق العاشق الذي يتراوح بين الشوق وهيبة اللقاء مع المعشوق.أغدًا ألقَاك يَا خوفَ فُؤادِي من غدٍيَالَ شَوقِي واحتراقِي في انتظارِ الموعدِكان الهادي آدم من جملة الشباب السودانيِّين الذين توجَّهوا إلى مصر؛ لاستكمال تعليمهم أواخر أربعينيَّات القرن الماضي، وكان شاعرًا فتيًّا ممهورًا برقَّة أهلنا في السودان وطيبة قلوبهم، معروفًا في وسطه، شغوفًا بالكلمة، تخرَّج في دار العلوم في مصر، وحصل على إجازة في اللغة العربيَّة وآدابها.أثناء إقامته في مصر، أحب زميلته في الجامعة، فتقدَّم لخطبتها، ولكنَّ أهلها رفضوا تزويجها له؛ لأنَّهم لا يريدون أنْ ترحل ابنتهم بعيدًا عنهم.ترك الشاعر المرهف؛ قلبه في القاهرة، وعاد إلى السودان ممتلئاً بالحزن؛ ليعمل في التدريس، وبعد مدة جاءته بشرى من الحبيبة، تخبره بأن أهلها وافقوا على الزواج، لم ينم الشاعر ليلتها متهيئاً للقاء حبيبته، وجلس يساهر الليل بانتظار الصباح، وانسكب قلمه يسترجع شوقه وحبه للقاء الغد، فكتب قصيدة بعنوان «الغد»، أواخر عام 1948م، وبقيت قصيدته غافية في ديوانه «كوج الأشواق»، إلى أن لحنها الموسيقار عبدالوهاب بعد نكسة عام 1967م.بعد النكسة بدأت أم كلثوم بإقامة حفلات، يعود ريعها للمجهود الحربيِّ، الذي كان جزءًا من مشروعها للمِّ الشمل العربيِّ، وكنوعٍ من التكريم للعواصم العربيَّة التي تذهب إليها، كانت تختار شاعرًا من البلد، وتغنِّي إحدى قصائده، فغنَّت لجورج جرداك من لبنان «هذه ليلتي»، ولنزار قباني من سوريا «أصبح الآن عندي بندقيَّة»، وبعد حفل كبير في السودان، استُقبلت فيه السيدة بحفاوة عالية، قررت بعدها أنْ ترد جميلها لهذا الاستقبال الحافل لها من شعب السودان، بأنْ تغنِّي أغنية من كلمات شاعرٍ سودانيٍّ، فكلَّفت الشاعر صالح جودة بمهمَّة ترشيح قصائد لشعراء سودانيِّين.طاف صالح جودة في مكتبات القاهرة؛ بحثًا عن أشعار الشعراء السودانيِّين، فتجمَّعت لديه سبعة دواوين لسبعة شعراء، درسها واختار من كل ديوان قصيدة، تتوافر فيها الذائقة الغنائيَّة، وقدَّم القصائد إلى أم كلثوم، كان من بين القصائد؛ قصيدة «الغد» للهادي آدم.قرأت أم كلثوم القصيدة، فأبدت إعجابها بها، وطلبت لقاء صاحب القصيدة، وبحضور الموسيقار عبدالوهاب، قرأ آدم القصيدة عدَّة مرَّات مع إجراء بعض التعديلات، وتم تغيير اسم القصيدة من «الغد» إلى «أغدًا ألقَاك»، حُفظت القصيدة في الأدراج؛ بسبب رحيل عبدالناصر، وتعرُّض السيدة لوعكة صحيَّة. رأت الأغنية النور في مايو (آيار) 1971م، عندما صدحت بها أم كلثوم على مسرح قصر النيل. فرح الهادي بغناء السيدة لقصيدته؛ لدرجة أنْ أطلق على قصيدته اسم (المحظوظة).كانت هذه قصَّة الأغنية الجميلة، والقصيدة الرائعة.