logo
تطور المجرات فى رؤية إقليدس الفضائى

تطور المجرات فى رؤية إقليدس الفضائى

المصري اليوم٢٢-٠٣-٢٠٢٥

تحدثت من قبل عن مرصد «يوكليد»، الذى أطلق خلال صيف ٢٠٢٣ فى مدار حول الشمس، حاملًا تكنولوجيا فائقة التطور واسم عالم الرياضيات الإسكندرانى القديم إقليدس، فى مهمة لرصد مكونات الكون وتاريخه.. وفى ظهيرة يوم الأربعاء الماضى، عقدت وكالة الفضاء الأوروبية مؤتمرًا صحفيًّا لإعلان أول مخرجات علمية أرسلها التليسكوب، ورغم أن النتائج تشكل مجرد ٠.٥٪ مما هو متوقع خلال السنين القادمة فإنها وفيرة ومبهرة؛ فهذا المرصد قادر على رصد فى بضعة أيام ما رصده تلسكوب هابل على مدى ثلاثة عقود كاملة، وبجودة فائقة.
قبل «إقليدس الفضائى» كان من الممكن مسح مساحات كبيرة من السماء مقابل التضحية بالعمق وجودة الرصد (أى وضوح الصور)، أو على العكس كان يمكن تصوير عمق الكون بجودة عالية لكن على مساحات محدودة من السماء (مثلما يفعل هابل وأيضًا جيمس ويب)، أما «يوكليد» فيمكنه مسح مساحات كبيرة بجودة بصرية عالية، وبعمق كونى يصل لأكثر من ثلاثين مليار سنة ضوئية.
هكذا احتوت الأرصاد الأولى فى مجال رؤية «يوكليد» على ٢٦ مليون مجرة، تحتوى على مئات الملايين إلى مئات المليارات من النجوم.. ومن بين تلك المجرات تم تصنيف ٣٨٠٠٠٠ مجرة حسب أشكالها المختلفة، إلى الأنواع التى عرفها العالم العظيم إدوين هابل منذ حوالى قرن: ما بين قرصية شبه مسطحة وأخرى بيضاوية شبه كروية (وكل ما فى بينهما).. التصنيف الذى اتضح أنه ليس مهمًا فقط لفهم طبيعة المجرات إنما لفك شفرة تاريخ الكون نفسه كما سنرى. منذ زمن هابل وكانت هناك تكهنات عن أصل أنواع المجرات. فى البداية كان الاعتقاد السائد أنها تشكل سلسلة تطور؛ هابل نفسه اعتقد أن المجرات البيضوية تتحول مع الزمن إلى مجرات قرصية، وكان هناك من يرى العكس.. أما عندما بدأت دراساتى العليا فى المجال منذ ثلاثة عقود، فكان التصور السائد بين علماء الفلك التقليديين قد استقر على أن أشكال المجرات تأتى نتيجة نشأتها؛ أى أنها خلقت فى صورها الحالية ولم تتطور كثيرًا مع الزمن.. أما الذين حاولوا دمج فهم المجرات بتاريخ الكون الذى يحتويها فكان لهم رأى يجمع بين فكرتى النشأة والتطور، وهو الذى ساد خلال العقود الماضية. فى هذا التصور، تنشأ المجرات صغيرة ثم تندمج مع بعضها، والمنتج النهائى وشكله يعتمد على تاريخ هذا الاندماج لكل مجرة.. وهذا يعتمد بدوره على التذبذبات الأولية فى حساء كونى أملس، تؤدى تحت تأثير الجاذبية إلى تكتلات تنشأ منها المجرات، فى تشابه مع تكثف قطرات المطر من سحب البخار.
المثير أن فى هذا التصور الكونى لا تنشأ التكتلات أولًا من المادة العادية، إنما من مادة مظلمة لا نعرف طبيعتها بعد، لكننا نعتقد أنها تتكتل بسهولة بمقارنة بالمادة العادية، وبعد تكتلها تسحب الغاز الكونى نحو بؤر جاذبة تنشأ المجرات والنجوم فى مراكزها.
هناك أدلة كثيرة على وجود تلك المادة المظلمة، بعضها يأتى من ظاهرة تتنبأ بها نظرية أينشتاين للجاذبية (النسبية العامة)، التى تقر بانحناء الضوء عند مروره فى مجال المادة الجاذبى.. ونحن نرصد هذه الظاهرة بالفعل فلكيًّا، ونرصدها حتى عندما لا نرى كمية كافية من المادة لكى نشرح الانحناء المرصود، مما يدل على وجود مادة إضافية مظلمة.. ويمكنننا حتى رسم خرائط لتوزيع المادة المفقودة فى الكون، عن طريق تحليل دقيق لانحناء الضوء فيه.. وهذا ما سيفعله مرصد «يوكليد»، الذى سيرسم خرائط لتوزيع المادة المظلمة، وكذلك المجرات، وسيبحث عن العلاقة بينهما عبر عشرة مليارات سنة من عمر تطور الكون. وفى هذا السعى معلومات عن طبيعة المادة المجهولة، المعضلة التى حيرت العلماء على مدى نصف قرن. ومن خلال تغير التكتلات المرصودة مع الزمن، سيبحث «يوكليد» أيضًا عن طبيعة الطاقة (المظلمة كذلك) التى تدفع تعجل فضاء الكون فى التمدد. فمعدل نمو التكتلات مع الزمن يشير إلى طبيعة هذه الطاقة التى تشكل حاليًّا ربما أهم المعضلات الأساسية فى العلوم الطبيعية.
هكذا سيربط بين المعضلات النظرية المتعلقة بقوانين الكون الطبيعى على أعمق مستوى وموضوع فى غاية البساطة، وهو تصنيف أشكال المجرات وأنواعها.. الربط الذى سيعكس قوة طرق العلم، حيث لا يمكن معرفة أين سيوصلنا الفضول الساذج الصادق، إذا اندمج مع التجربة العملية والفكر المنضبط. هذا هو الحال بالفعل مع هندسة إقليدس نفسها، التى يدرسها كل تلميذ فى المدرسة (والتلسكوب مسمى على اسمه لأنه يكمل مشوار دراسة هندسة الكون، التى اتضح مع أينشتاين أنها جزء من الفيزياء!).. لكن هذا الربط لا يتضح تلقائيًّا للعقل، بل يستوجب تعلمه. لذلك ستجد دائمًا تلاميذ يتساءلون عن فائدة نظريات الهندسة التى يدرسونها. لكن المجتهد منهم قد يستمع إليك إذا أخبرته بأن فى منهجها النظرى المجرد أساسًا فكريًا لكل تكنولوجيا يستخدمها فى حياته اليومية، وكل اتساع فى تصورنا للكون الذى نسكنه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سقوط من الفضاء بعد 50 عامًا.. مركبة سوفيتية تثير الذعر في إندونيسيا
سقوط من الفضاء بعد 50 عامًا.. مركبة سوفيتية تثير الذعر في إندونيسيا

24 القاهرة

timeمنذ 4 أيام

  • 24 القاهرة

سقوط من الفضاء بعد 50 عامًا.. مركبة سوفيتية تثير الذعر في إندونيسيا

شهدت إندونيسيا حالة من الذعر والقلق بعد سقوط جزء من مركبة فضائية سوفيتية قديمة في المحيط الهندي، على مسافة قريبة من سواحل العاصمة جاكرتا، والحادث الذي لم يسفر عن أي خسائر بشرية، أعاد إلى الأذهان التحديات المتزايدة التي يشكلها الحطام الفضائي. المركبة القضائية، التي تُعرف باسم كوزموس 482، تم إطلاقها عام 1972 ضمن مهمة استكشافية إلى كوكب الزهرة، لكنها فشلت في مغادرة المدار الأرضي بعد خلل في نظام الدفع، ما أدى إلى بقاء أجزائها في الفضاء لعقود، قبل أن تعود إلى الأرض بشكل غير متوقع هذا الأسبوع. وأكدت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، أن عملية دخول المركبة إلى الغلاف الجوي كانت "غير منضبطة"، وأن الخبراء لم يتمكنوا من تحديد الموقع الدقيق لسقوطها مسبقًا، وهو ما زاد من حالة الترقب والذعر، خاصة في المناطق الساحلية. سقوط مركبة فضائية في إندونسيا سقوط مركبة فضائية في إندونسيا المركبة كانت مصممة لتحمّل درجات حرارة شديدة، نظرًا لأنها كانت مخصصة للتوجه إلى الزهرة، الكوكب الأكثر حرارة في النظام الشمسي، وبعد انفصال أحد أجزائها وسقوطه في الثمانينيات، بقي الجزء الأكبر في المدار إلى أن دخل الغلاف الجوي للأرض هذا الأسبوع، بعد نحو 50 عامًا من إطلاقه. القلق يتجاوز السقوط نفسه رغم، أن الحادث لم يُسجل أي أضرار على الأرض، إلا أن الخبراء أعربوا عن قلقهم المتزايد من تكرار مثل هذه الحوادث، في ظل تزايد كمية الحطام الفضائي الناتج عن الأقمار الصناعية والمهمات الفاشلة. وأشار مسؤولو ESA إلى أن التهديد المباشر للبشر كان منخفضًا، إلا أن المواد المنبعثة أثناء احتكاك الحطام بالغلاف الجوي قد تشكل خطرًا بيئيًا، بما في ذلك الإضرار بطبقة الأوزون والمساهمة في تغير المناخ على المدى الطويل. بعد أكثر من نصف قرن في الفضاء.. الأرض على وشك تصادم مع مسبار فضائي إنجاز غير مسبوق.. علماء يتمكنون من رؤية الذرات عبر الفضاء تلوث فضائي خارج السيطرة؟ تُعد هذه الواقعة تذكيرًا صارخًا بمدى تعقيد السيطرة على النفايات الفضائية، خصوصًا مع تضاعف عمليات الإطلاق إلى الفضاء، ودعت جهات علمية إلى ضرورة تعزيز التعاون الدولي لوضع آليات أكثر فاعلية لرصد وإدارة هذه المخلفات قبل أن تتسبب بكوارث.

أخبار التكنولوجيا : كواليس 7 أعوام من تجهيزات الرائد البريطانى تيم بيك للوصول إلى الفضاء
أخبار التكنولوجيا : كواليس 7 أعوام من تجهيزات الرائد البريطانى تيم بيك للوصول إلى الفضاء

نافذة على العالم

timeمنذ 5 أيام

  • نافذة على العالم

أخبار التكنولوجيا : كواليس 7 أعوام من تجهيزات الرائد البريطانى تيم بيك للوصول إلى الفضاء

الثلاثاء 20 مايو 2025 04:31 مساءً نافذة على العالم - يعرف رائد الفضاء البريطاني تيم بيك الكثير عن السفر إلى الفضاء، حيث أمضى الرجل البالغ من العمر 53 عامًا، ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية (ISS) بين ديسمبر 2015 ويونيو 2016، وأثناء وجوده هناك، أكمل أول عملية سير في الفضاء لبريطانيا، وشارك في 250 تجربة بحثية، وقد يكون يستعد في الوقت الحالي للعودة للفضاء، وهنا نرصد 7 سنوات أمضاها قبل أول مرة ينطلق فيها خارج الكوكب، وفقا لما ذكرته صحيفة "ديلى ميل" البريطانية. رحلة تيم بيك إلى الفضاء 2008: تم تقديم طلب إلى وكالة الفضاء الأوروبية، وبدأت عملية فرز دقيقة استمرت عامًا كاملًا. 2009: اختير للانضمام إلى فيلق رواد الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وعُيّن سفيرًا للعلوم والمهن الفضائية في المملكة المتحدة. 2010: أكمل 14 شهرًا من التدريب الأساسي لرواد الفضاء. 2011: انضم بيك وخمسة رواد فضاء آخرين إلى فريق يعيش في كهوف سردينيا لمدة أسبوع. 2012: أمضى 10 أيام في قاعدة دائمة تحت الماء في فلوريدا. 2013: كُلف بمهمة لمدة ستة أشهر إلى محطة الفضاء الدولية. 2015: انطلق إلى محطة الفضاء الدولية.

أخبار التكنولوجيا : تلسكوب هابل يرصد ثقبًا أسودًا متجولا يلتهم نجمًا
أخبار التكنولوجيا : تلسكوب هابل يرصد ثقبًا أسودًا متجولا يلتهم نجمًا

نافذة على العالم

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • نافذة على العالم

أخبار التكنولوجيا : تلسكوب هابل يرصد ثقبًا أسودًا متجولا يلتهم نجمًا

السبت 10 مايو 2025 06:45 مساءً نافذة على العالم - رصد علماء الفلك، باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، ثقبًا أسود وهو يلتهم نجمًا، ممزقًا إياه إربًا، ومُحدثًا انفجارًا إشعاعيًا هائلًا. وتسمى الثقوب السوداء وحوش الكون الجائعة وهى أجسامٌ شديدة الكثافة قادرة على امتصاص أي مادة تقترب منها بشدة ثم تلتهمها. كان هذا الانفجار الإشعاعي، المسمى حدث الاضطراب المدي (TDE)، هو ما مكّن الباحثين من تحديد الثقب الأسود، وقد تميّز حدث الاضطراب المدّي، المسمى AT2024tvd، لسببٍ غير مألوف: فبينما تقع معظم الثقوب السوداء الهائلة في مركز المجرة، كان هذا الثقب أسودًا متجولًا. بالإضافة إلى هابل، استخدم الباحثون أيضًا أدوات أخرى مثل مرصد تشاندرا للأشعة السينية التابع لوكالة ناسا ومرصد NRAO الكبير جدًا لمراقبة TDE. ويبدأ الثقب الأسود كجسم مظلم وخفي، ولكن عندما يمر نجم بالقرب منه جدًا، يجذبه جاذبية الثقب الأسود ويتمدد ، وهذا يترك سحابة من المواد تشبه القرص حول الثقب الأسود، وتسقط هذه المواد بسرعة في الثقب الأسود، مما يُحدث وميضًا من الإشعاع من الأشعة السينية إلى أطوال الموجات الراديوية التي يمكن رصدها من الأرض مما يُظهر أن الثقب الأسود ليس في مركز المجرة كما هو متوقع. في الواقع، في هذه المجرة تحديدًا، لا يوجد ثقب أسود فائق الكتلة واحد فقط، بل اثنان: أحدهما في مركز المجرة، وهذا الثقب الأسود المتجول، ويُعتقد أن هذا يحدث عندما تصطدم مجرتان صغيرتان وتندمجان لتكوين مجرة ​​واحدة أكبر. وقال رايان تشورنوك، المؤلف المشارك من جامعة كاليفورنيا في بيركلي: "توجد الثقوب السوداء الضخمة دائمًا في مراكز المجرات، لكننا نعلم أن المجرات تندمج وهكذا تنمو المجرات ، وعندما تلتقي مجرتان وتصبحان مجرة ​​واحدة، نحصل على ثقوب سوداء متعددة". وأضاف: "الآن نتوقع أن تلتقي في النهاية، لكن المنظرين توقعوا وجود مجموعة من الثقوب السوداء تتجول داخل المجرات ، ويتوقع الباحثون أن الثقبين الأسودين الهائلين في هذه المجرة قد يندمجان في المستقبل، وهو ما سيكون حدثا هائلا لدرجة أنه سيخلق موجات جاذبية يمكن رصدها من الأرض .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store