
عبد الرحيم يوسف: مينيكه شيبر ترسم صورة متعددة الأبعاد لنموذج الأرملة
مينيكه شيبر تستعيد سيرة الأرامل من قلب التاريخ
صدر حديثا عن دار صفصافة للنشر كتاب " الأرامل " للكاتبة والباحثة الهولندية مينيكه شيبر، وبترجمة الشاعر والمترجم عبد الرحيم يوسف.
قال الشاعر والمترجم عبد الرحيم يوسف "في كتابها الأحدث صدورًا، تغوص مينيكه شيبر كما عوَّدتنا في رحلة بحث شائقة عبر التاريخ والنصوص الأدبية واللوحات الفنية والأديان وكتابات الرحالة والفلاسفة والأمثال الشعبية والصحف والمجلات والدراسات المتخصصة والتقارير الرسمية والحكايات الشخصية والأغاني الشائعة والمجهولة وثقافات الشعوب المختلفة شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا كي ترسم صورة متعددة الأبعاد لنموذج الأرملة في كل هذه المصادر القديمة والمعاصرة.
تابع يوسف: "تقدم لنا مينيكه شيبرما نعرفه جيدًا وما يمكن أن يبدو لنا ضربًا من ضروب الخيال من أشكال الحداد وطقوسه، من معاناة الألم والفراق ومفارقات الممارسات الاجتماعية العجيبة المرتبطة بهذه المعاناة، من القيود المفروضة على الأرامل في الثياب والحركة وممارسة الحياة، من تاريخ التعامل المرتاب والمتشكك الذي يصل أحيانًا إلى حد الاتهام بالسحر والقتل، من مظاهر الظلم ومصادرة الحقوق بل والنفي من المجتمع تمامًا، وتقدم لنا أيضًا نماذج مضيئة لتحدي كل هذه الظروف والبشاعات. كتاب ينطلق من مأساة شخصية ليتخطى الألم الذاتي عن طريق المعرفة والتأمل والبحث في المسكوت عنه من كل هذه الأسئلة والبديهيات الشائكة.
من أجواء الكتاب 'استهلال: الأرمل ليس أرملة'
لطالما فاقت الأرامل من النساء في العدد الأرامل من الرجال، وأغلب هؤلاء الأرامل تزوجوا مرة أخرى، في الأغلب من نساء أصغر سنًا دائمًا، لهذا ولأسباب أخرى -من ضمنها الحرب- يموت أغلب الأزواج قبل زوجاتهم. وفقًا لتقدير أُجري عام 2021، توجد 258.5 مليون أرملة في كافة أنحاء العالم، واحدة من كل عشر أرامل فيهن تعيش في فقر مدقع.
ولطالما جرى تجاهل هذا البُعد الديمغرافي، حتى من جانب حركات المرأة. في كتابها "عالم من الأرامل A World of Widows" (1996)، كانت مارجريت أوِينز Margaret Owens أول من سلط الضوء على الوضع القانوني والاجتماعي الضعيف للأرامل في المجتمعات الأفقر، مع تركيز خاص على أفريقيا وآسيا. وفي عام 1998 أشارت مجلة (Index on Censorship/مؤشر الرقابة) -التي تركز على حرية التعبير والكتابة في أنحاء العالم- إلى قضية خاصة بالأرامل تحت عنوان "الأرامل، الحياة والموت":
بالرغم من انتشار جماعات حقوق الإنسان والاهتمام المتزايد بحرية التعبير عبر العالم، لا توجد جماعة صامتة وغير مرئية مثل أرامل العالم. تسقط الأرامل من حسابات الجميع. هن ضحايا التقاليد التراثية والممارسات في أجزاء كثيرة من العالم، وهن الإرث غير الموجود في الحسبان من أوروبا إلى أفغانستان. هكذا يعني كونك أرملة أن تعيشي حياة من الإهمال والتمييز والتحرش والوحدة والنبذ والفقر.. دون استثناء تقريبًا.
تحافظ المجتمعات المعاصرة على توازن دقيق بين ألفة الماضي الموثوق فيها والحاجة إلى التغيير، هذه النظرة إلى الوراء نحو ما مضى قبل أن يحظى بالرعاية المكثفة خلال الفترات الانتقالية. هناك حالة من التشبث الشديد بالطرائق والعادات القديمة على نحو خاص في المجتمعات الأصغر حجمًا، بينما في المجتمعات الصناعية الحديثة تعاني السلطة والأخلاقيات التقليدية من الأخطار.
الحزن حتى الباب
فكرة الأرمل السعيد بخبر وفاة زوجته شيء تنقله أمثال من أجزاء مختلفة من العالم، وهو ما يجعله غالبًا يبدو أقرب إلى خبر سعيد:
الزوجة الميتة أفضل متاع في المنزل. (قطالوني)
الأوزة الميتة تجلب الحياة، الزوجة الميتة تجلب الجنة. (إسباني)
يدوم الحزن على الزوجة الميتة حتى الباب. (فرنسي/إيطالي/إسباني، الأرجنتين الأوروبية)
موت المرأة تجديد العرس. (عربي، مصر)
موت زوجتك، تجديد فرشك. (شيشاني)
مباركٌ هو الباب الذي تغادر عبره الزوجة الميتة. (برازيلي)
الحزن على الزوجة الميتة والضيف المزعج يدوم حتى عتبة البيت. (إنجليزي، الولايات المتحدة)
هل تكلم الأرامل الرجال عن وفاة زوجاتهم دون حياء بهذا الشكل؟ هل تَشارَك الرجال هذه الرسائل مع بعضهم البعض على سبيل المواساة، أم تراهم لاقوا نفس التشجيع عندما كانت النساء حاضرات أيضًا (أم ترى كان من المتوقع منهن أن يكتفين بالضحك معهم في أدب؟) لا أحد يعلم، لكن ثمة شيئًا واحدًا أكيدًا: لطالما كانت الأمثال المروجة لهذه السردية جزءًا من تقليد شفاهي شائع عبر العالم.
كانت التصورات عن النساء كأشياء قابلة للتبديل واسعة الانتشار. إذا لم تعد المرأة تُعتبر "ذات نفع"، فستحتاج إلى الحصول على واحدة جديدة، تمامًا كما كنت لتفعل بساعة مكسورة أو بندقية أو سكين أو سوط تالف. ما يمكننا أن نؤكده من ذلك أن الرجل لا يمكنه أن يستغني عن الزوجة أو لن يستغني عنها، لكن ما الحال عندما يتغير الوضع؟
في أقدم النصوص المكتوبة، جرى جمع الأرامل مع اليتامى، مع التأكيد على عجز الاثنين. لا بد أن الحاجة لتقديم النساء دون أزواج باعتبارهن تابعات ومفتقرات إلى الكفاءة كانت حاجة هائلة، مع صياغة النكات عن هذه الظاهرة قبل آلاف السنين؛ لا.. لا يمكن لأرملة أن تعيش بدون زوج وفقًا لأي احتمال، لكن في سعيها للبحث عن شريك جديد، ستجعل من نفسها أضحوكة بتوسلها المكشوف لنيل اهتمام الذكور. وفقًا لقول مأثور ساخر على لوح طيني عمره أربعة آلاف عام باللغة المسمارية السومرية: "تقدم الأتان الأرملة استعراضًا بالضراط."
تظل النساء الأرامل مصدرًا للسخرية في الرسومات الكاريكاتورية. في مثال منشور، تجلس امرأة هائلة الحجم على دكة إلى جوار رجل ضئيل زري الهيئة بعض الشيء. يقول النص المكتوب بالأسفل: "هل يمكنك أن تحفظ سرًا؟ إذن سأخبرك بما كان سببًا لوفاة زوجي." في لوحة أخرى، حيث نرى الموت بمنجله قادمًا ليقبض روح زوجها، تعلق المرأة: "مرحى، هذا أقل ما نقلق بشأنه."
لقد ارتبط الترمُّل تقليديًا بالخواء. باللغة السنسكريتية، تعني كلمة "ﭬيدهوا": المعدمة، وكلمة ﭬيدواتا اللاتينية (جعله معدمًا، أفرغه) هي جذر كلمة أرملة في لغات أوروبية عديدة، منها witwe (الألمانية) veuve (الفرنسية) weduwe (الهولندية). لكن وضع الأرمل على الجانب الآخر كان في العادي قصير العمر ومؤقتًا للغاية حتى أن بعض اللغات تفتقر إلى كلمة مكافئة له على الإطلاق.
السيرة الأدبية لـ مينيكه شيبر
مينيكه شيبر/ كاتبة وأكاديمية وروائية هولندية. درست اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة أمستردام الحرة، ودرست النظرية الأدبية والأدب المقارن في جامعة أولتريخت. بدأت حياتها العملية بتدريس اللغة الفرنسية والأدب الأفريقي وكانت أطروحتها التي تقدمت بها للحصول على درجة الدكتوراه عام 1973 أول رسالة دكتوراه في هولندا عن الآداب الأفريقية. وهي ما زالت تحتفظ بمنصبها كباحثة في مركز جامعة لايدن للآداب والفنون في المجتمع، لكنها متفرغة حاليًا بشكل أساسي لحياتها ككاتبة. صدر لها من قبل عن دار صفصافة: المكشوف والمحجوب.. من خيط بسيط إلى بدلة بثلاث قطع (2017)، ومن بعدنا الطوفان.. حكايات نهاية البشرية (2018)، تلال الفردوس.. تاريخ الجسد الأنثوي بين السلطة والعجز (2020).
السيرة الأدبية ل عبد الرحيم يوسف
عبد الرحيم يوسف / شاعر ومترجم مصري صدر له ثمانية دواوين بالعامية المصرية وواحد وأربعون كتابًا مترجمًا عن الإنجليزية.
فاز بجائزة الدولة التشجيعية للآداب فرع ترجمة الأعمال الفكرية لعام 2016 عن ترجمته لكتاب (ثلاث دراسات حول الأخلاق والفضيلة) للكاتب والفيلسوف الهولندي الإنجليزي برنارد ماندفيل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- نافذة على العالم
ثقافة : عاطف محمد عبد المجيد يكتب: صورة عالية الجودة للروائي إبراهيم عبد المجيد
الخميس 8 مايو 2025 03:45 مساءً نافذة على العالم - سأكتب.. لا شيء يثبت أني أحبك غير الكتابة، كتبها الشاعر الجميل محمود درويش يومًا لصديقه سميح القاسم، وأنا أحب إبراهيم عبد المجيد، لذا سأكتب فلا شيء يثبت محبتي سوى الكتابة. هذا ما يكتبه الكاتب والروائي مصطفى عبيد في محبة الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد في مقال يضمه كتاب "من قلب الإسكندرية إلى فضاء العالم..كتاب تذكاري عن الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد"، الصادر عن دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات، وقام بجمع مقالاته ومحتواه من صور ومعلومات الشاعر سعدني السلاموني قائلًا "إن هذا الكتاب يضم بعض ملامح الرحلة الرائعة للكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، وما به من مقالات أو صور فما هو إلا قليل جدا من فيض عظيم مما يستحقه، والحقيقة أن تأثير الكاتب وقيمته ومكانته أكبر بكثير مما يمكن أن تحتويه هذه الصفحات المحدودة. في مقاله يتساءل عبيد من الذي لا يحب إبراهيم عبد المجيد؟ وهو السابق لجيله، العابر لزمنه، الناظر دومًا إلى الأمام، مشيرًا إلى أن عبد المجيد متآلف مع تطور التكنولوجيا وعصر السماوات المفتوحة والسوشيال ميديا رافضًا الفكرة السطحية بأن لكل زمن مسلماته وحواجزه، ليكتب لنا، متواكبًا مع العالم الافتراضي الجديد، رواية "في كل أسبوع يوم جمعة" حاكيًا عن أحداث إنسانية شديدة القسوة تدور عبر جروب فيسبوك. روائي عظيم السلاموني الذي جمع هنا عددًا من مقالات كبار الكتاب التي كتبت على فترات عن أعمال الكاتب، واصفًا إياها بأنها تنبض بحب الكاتب الكبير، يفتتح الكتاب قائلًا: قالوا قديمًا إنه من علامات العمل الجيد أو البديع حجم الخسارة التي سنشعر بها حين نتخيل أن هذا العمل لم يظهر إلى حيز الوجود، مشيرًا إلى أن هذه العبارة قد تكون مفتاحًا للحديث عن روائي عظيم بحجم إبراهيم عبد المجيد، مشيرًا إلى أن أعمال عبد المجيد قدمت رصدًا ثريًّا للمجتمع المصري عبر عقود مختلفة، ففي "بيت الياسمين" عشنا مع بطله تحولات مصر في السبعينيات، وفي " لاأحد ينام في الإسكندرية" رأينا الإسكندرية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد غاص في أعماق المجتمع ورصد في أعماله قاهرة الثمانينيات والتسعينيات والألفية الثانية، وتأثر بثورة يناير المصرية وتناولها وما بعدها روائيًّا. قلم مطيع هناك شخصيات تفرض حضورها على الحياة، تصبح، ربما دون أن تقصد، كالشمس ترسل بخيوطها الذهبية إلى من حولها، تُحدث تأثيرا يحرك السكون، يلهم، يحفز، يُشيع حالة من البهجة، يغرينا بأمل غامض يلوح في الأفق. هكذا كتبت نوال مصطفى عن إبراهيم عبد المجيد في مقال لها في جريدة الأخبار مشيرة إلى أنه واحد من هؤلاء إذ استوقفها صدقه الفني ونفَسه الإنساني الواضح في أعماله، عبر كتاباته النابضة بالحياة، بينما يرى عمار علي حسن أن إبراهيم عبد المجيد لا يكف عن الهرولة وراء غير المألوف، وخلف ما يستحق التجريب بلا حدود، وما يمنحه فرصة كي يبدع على سجيته الروائية المتدفقة تخط على الورق ما شاء لها، تاركًا إياها تأخذه إلى أي مكان وأي زمان أرادته هي، وليس هو معها ولها سوى قلم مطيع، لا يملك حتى حق مراجعة ما جادت به السجية والقريحة والمشاعر للوهلة الأولى، لأنه يؤمن أن يفسد هذه الفطرة العفية، ويضع سدودا أمام هذا الخيال الجامح، فيغيب الذهن لصالح الوجدان ويشتعل الانفعال بما يحمله فلا يكون أمام الكاتب سوى أن يفرغ تلك الحمولة في أسرع وقت ممكن حتى لا تنفجر به أو فيه. عاطف محمد عبد المجيد حكاء من طراز فريد هنا مقالات كتبت عن أعمال إبراهيم عبد المجيد، ومقالات أخرى كُتبت في محبته، كتبها كتّاب كبار منهم من رحل ومنهم من لا يزال على قيد الكتابة. هنا نقرأ مقالات للدكاترة عبد الحميد إبراهيم، على الراعي، عمار على حسن، حامد أبو أحمد، محمد أبو السعود الخياري، إبراهيم منصور، ومقالات أخرى لمصطفى عبيد، منال رضوان، شهلا العجيلي، إيهاب الملاح، محمود عبد الشكور، نشوة أحمد، أحمد فضل شبلول. في حين تكتب الشاعرة الجزائرية حبيبة محمدي عنه قائلة إنه روائي كبير، وحكاء من طراز فريد، يكتب بعمق تغذيه التجارب الحياتية والخبرات الثقافية، عمق الفلسفة الحياتية الحقيقية وليس التصنع، عمق العارف بالحياة وآلامها، لكنه ينتقي الضحكة ويستبعد الآلام ليكتب عن الجوانب المضيئة في حياته فقط، يحمي ويحرس موهبته الأصيلة، بالتواضع الشديد، أما دفؤه الإنساني فلا يخطئه قلب صاف نقي. أما الدكتور علي الراعي في مقاله فيذكر أن إبراهيم عبد المجيد أرسل إليه روايته ليلة العشق والدم عبر البريد ولم تكن بها أية معلومات عن كاتبها الذي تركها تتحدث عن نفسها، وقد تحدثت الرواية بالفعل حديثًا قصيرا، لكنه مضغوط استطاع به أن يحتوي حياة بأكملها امتدت أكثر من عشرين عامًا، وشملت شخصيات كثيرة، وقصصًا رئيسية وجانبية، كل ذلك، يذكر الراعي، في حيز ثمان وسبعين صفحة من القطع المتوسط. البرزخ الرائع هنا أيضًا نقرأ حوارًا لعبد المجيد أجراه معه حسين عبد الرحيم بمناسبة صدور روايته قاهرة اليوم الضائع، وفيه يقول لعبد الرحيم: إن الحب هو الإبداع في أعظم درجاته، ظاهرة لا تتوقف عند الشباب لكن التجارب السابقة تظل نهرًا للكاتب، والتجارب ليست ما يمر بك فقط، لكن ما تراه أو تعرفه ممن حولك أو حتى تقرأ عنه. ولأن الحب هو البرزخ الرائع بين السماء والأرض فسحره لا ينتهي، ويزداد السحر كلما تقدم الزمن. ومهما رأيت أو سمعت من تجارب سيئة أو فاشلة يتسع الفن لها بالغفران. في الفن درجة عالية من الزهد تكاد تصل إلى الفناء في قلب المحبوب أو جسده أو خياله وذكراه. فيما يكتب د. محمد أبو السعود الخياري قائلًا: يمكنك أن ترى بوضوح صورة عالية الجودة للروائي إبراهيم عبد المجيد، يقف على رصيف محطة القطار، يترقب بشغف قطار الرواية وقت دخوله المحطة، وفي لحظة يغيب عن ناظريك وأنت الرقيب عليه..لقد قفز داخل القطار في فورة سرعته الأخيرة. وهكذا ومحبة منه لإبراهيم عبد المجيد قدم سعدني السلاموني هذا الكتاب التذكاري، الذي يضم مقالات هي في الأساس شهادات محبة لكاتب كبير يستحق كل هذا الاحتفاء، ليكون مرجعًا لمن أراد أن يتعرف، ولو قليلًا، على عالم وكتابات إبراهيم عبد المجيد.


الدستور
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- الدستور
مينيكه شيبر: الأرامل ضحايا التقاليد التراثية في الشرق والغرب سواء (خاص)
من قصص الأرامل، إلى رماد المصور الحربي، إلى الروح التي تؤكل بالسحر، تُشيد الكاتبة الباحثة والأكاديمية "مينيكه شيبر، عالمًا رمزيًا تتقاطع فيه الأسطورة مع الحقيقة، والذات مع الآخر، والجسد مع السلطة، وبعين الأنثروبولوجية التي لا تكتفي بالملاحظة، وبقلب الروائية، تدوّن سرديات غيبها التاريخ الرسمي، وتحاور الأسئلة الصامتة في ضمير الشعوب. في هذا الحوار، تفتح الكاتبة والباحثة الأكاديمية الهولندية دفاترها، وتتأمل مع قارئها العلاقة بين المعرفة والخيال، وبين الواقع والرمز، وبين المرأة والذاكرة. في الحوار التالي الذي بترجمة الباحثة والأكاديمية هايدي الجميزي تكشف مينيكه شيبر واقع حياة الأرامل عبر التاريخ: كيف ترين هذا التداخل بين البحثي والإبداعي في مسيرتك؟ هل لعب اشتغالك بالبحث الأكاديمي دور في أن ترتبط أعمالك الروائية بعالم الأساطير والخرافة؟ عملي الأكاديمي له بالطبع تأثير على كتاباتي الإبداعية، ففي تلك الفترة التي أقمت فيها في "الكونغو" لتدريس الأدب الإفريقي والفرانكفوني باللغة الفرنسية، كتبت أول أعمالي الروائية "نهر كونراد"، وكتبت كذلك الدكتوراة الخاصة بي في هذه الفترة في "الأدب الإفريقي"، وهناك روايات كُتبت من قِبل أفريقيين، يمكنك أن ترى من خلالها كيف لاحظوا تصرفات وتعاملات الغرب والأوروبيون عند تواجدهم في إفريقيا، وكنت أول من كتب عن ذلك، كان هناك الكثير من الصور النمطية عن الأفريقيين في أوروبا، ولكن الأوروبيون لم يفكروا إطلاقًا في كيف يتم رؤية تصرفاتهم من منظور الشخص الإفريقي، وهذا ما كنت أعمل عليه هناك. هل الأرامل ضحايا التقاليد التراثية والممارسات في أجزاء كثيرة من العالم، وهن الغرث غير الموجود في الحسبان من أوروبا إلى افغانستان؟ إن الزوجات حين يصبحن أرامل يعتقدن أنه لم يعد لهن قيمة بعد الآن، وأنه من الأفضل لهن أن يتبعن أزواجهن إلى الموت، وما وجدته كان مدهش إلى حد كبير، أكم من الزوجات اخترن ان يتبعن ازواجهن، وفي بعض الأحيان كان ذلك بالمعنى الحرفي؛ بأن يدفن أحياء معه. كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت عن قبيلة في إحدى الأماكن في أوروبا وقال: "يمكنك أن ترى رجلًا مهمًا يُدفن، ولكن زوجة واحدة فقط من زوجاته العديدات هي التي يسمح لها ان تذهب معه. وباختيار تلك الزوجة، فإن باقي الزوجات يشعرن بالإهانة لأنه لم يتم اختيارهن، يشعرن انه تم التقليل منهن ومن قيمتهن ويكن بالفعل غير سعداء لأنهن غير قادرات أن يكن معه". وهناك أشكال أخرى عديدة مرتبطة بممارسات الأرامل. بعض الأرامل يقمن بشنق أنفسهن لان في الحياة الأخرى (بعد الموت) يكون جسدهن غير جيد، جسد مشوه وعليه ستذهب معه. لك أن تعرف أن هناك الكثير من الشنق في أوقيانوسيا. وفي الهند على سبيل المثال كانت الزوجات تحرقن أحياء مع أزواجهن وكان يتم تشجيعهن على ذلك في الماضي. وفي عام 1892 تم سن قانون يحظر تلك الممارسات. وحتى بعد ذلك القانون، مازال يحدث ذلك من حينٍ إلى آخر. كان هناك نص ديني قديم يقول إنه في حال أن الزوج كان مجرمًا، فإذا أُحرقت الزوجة معه، فانه سيتم تطهيره من كل خطاياه وذلك من خلال تضحيتها وأن مكافأتها هي أنها لن ترجع ثانية في صورة امرأة. في دورة الحياة أنت ترجع مرة أخرى للحياة، ولكن في هيئة شخص آخر. وفي الحياة التالية لتلك الزوجة، ستكون مكافئتها أن ترجع في صورة رجل نتاج تضحيتها بنفسها. الأرامل هل يتمتعن الأرامل في الغرب بحياة أقل قسوة من أرامل الشرق ؟ أما بخصوص إن كانت الأرامل في الغرب يتمتعن بالحياة أكثر من الشرق، فالإجابة هي لا. عندما جاء أول مبشر إلى دولتي وإلى ألمانيا كان مبشر مشهور يُدعى بونيسيف قال: الزوجات يحببن أزواجهن كثيرًا لدرجة أنه حين يموت الزوج ويدفن، فان الزوجة تقوم بشنق نفسها ويتم دفن حبل المشنقة هذا معها في القبر كجزء من الطقوس. كان هذا المبشر من أيرلندا أو إنجلترا. وقيل أيضًا أن الزوجات يحببن أزواجهن كثيرًا لدرجة انهن لا يتحملن فكرة ان يستمررن في حياتهن دونهم. وجدت ذلك في أماكن مختلفة كثيرة. وهذا يعني أنك كزوجة بداخلك فكرة أنه لن تستطيعي البقاء على قيد الحياة وأن يتم قبولك لانه تم رفضك من قِبل المجتمع كشخص طبيعي، وهذا مثير للاهتمام. يذكر أن مينيكيه شيبر روائية وفنانة بدأت نشاطها في المسرح. درست اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة أمستردام الحرة، ودرست النظرية الأدبية والأدب المقارن في جامعة أولتريخت. بدأت حياتها العملية بتدريس اللغة الفرنسية والأدب الأفريقي، وكانت أطروحتها التي تقدمت بها للحصول على درجة الدكتوراه عام 1973 أول رسالة دكتوراه في هولندا عن الآداب الأفريقية. وهي لا تزال تحتفظ بمنصبها كباحثة في مركز جامعة لايدن للآداب والفنون، لكنها متفرغة حاليا للكتابة.


النهار المصرية
١٧-٠٤-٢٠٢٥
- النهار المصرية
في «بيت الست وسيلة».. الشعر يختتم فعاليات الدورة السابعة لملتقى القاهرة الأدبي
أسدل ملتقى القاهرة الأدبي الستار على دورته السابعة بأمسية شعرية مميزة، مساء الخميس 17 أبريل، في 'بيت الست وسيلة' بقلب القاهرة الفاطمية، حيث اجتمع عشاق الكلمة في احتفال أدبي خالص احتفاءً بالشعر وتكريمًا للقصيدة. استهل الأمسية الكاتب إبراهيم عبد المجيد، الرئيس الشرفي للملتقى، بكلمة رحّب فيها بالحضور، معبّرًا عن فخره بما ضمته هذه الدورة من تجارب أدبية متنوعة وأصوات شعرية من خلفيات ثقافية متعددة. أدار الأمسية الكاتب الدكتور أحمد حسن. شارك في الأمسية عدد من الشعراء من مصر وألمانيا ومالطا، بينهم الشاعرة حنان شافعي التي ألقت قصائد نثرية، والشاعر محمد عليوة بقصائد تأرجحت بين التأمل والتمرد، إلى جانب الشاعرة سارة حواس التي طرحت في نصوصها قضايا المرأة والهوية. كما أطلّ الشاعر محمد الكفراوي برؤية شعرية حديثة، وقدم محمد الكاشف قصائد ذات طابع واقعي ناقشت تحولات المجتمع، فيما اختتم الأمسية الكاتب الألماني وولفجانج مارتن روث، عضو نادي القلم الألماني والنمساوي، بقراءة نصوص مترجمة للعربية من أعمال الكاتبة السودانية إشراقة مصطفى. شهدت الأمسية حضورًا جماهيريًا لافتًا، حيث امتلأت قاعة 'بيت الست وسيلة' بأجواء ثقافية نابضة، لتختتم بذلك فعاليات الملتقى الذي نظمته دار صفصافة للثقافة والنشر، برعاية جريدة 'المصري اليوم'، في الفترة من 12 إلى 17 أبريل، جامعًا بين الأصوات والأوطان تحت مظلة واحدة: الشعر