
الرسام محمد عبلة يجوب ماضيه الشخصي ومدن الذاكرة
تبدو مفردة التفاصيل واحدة من أهم مفاتيح التعامل مع كتاب "مصر يا عبلة" للرسام محمد عبلة، الصادر حديثاً عن دار الشروق، وهي الكلمة التي تشكل السر الأهم في التعاطي مع مضمونه الشيق، وبفضل تنوعها يستطيع المتلقي التعامل مع مختلف طبقات الكتاب. فهناك طبقة تركز في محتواها على مشكلات تعلم الفنون في مصر، منتقدة علاقات التراتب داخل الوسط الأكاديمي، إذ يجري أحياناً تجفيف منابع المواهب الشابة لدوافع مختلفة، تعطل مسار تلك الموهبة وتقلص حضورها.
يبدو للقارىء منذ الصفحات الأولى حجم المغامرة في مسيرة الفنان الذي باشر بترك الدراسة في الكلية الحربية من دون علم والده، وذهب بملف أوراقه إلى الالتحاق بكلية الفنون التطبيقية التي غادرها بسرعة، بعد أن أدرك أنها لا تلائم شغفه بدراسة الفن التشكيلي. يعدد عبلة الصعوبات التي مر بها استجابة للهاجس الذي قاده ناحية هذا الاختيار، ويشير إلى استعداده لدفع الأثمان التي يستلزمها احتراف الفن في بيئة لم تكُن مستعدة لتقبل مثل هذا الاختيار، حين كانت تسود النظرة التقليدية التي تحكم تعامل بعض العائلات مع رغبات أبنائهم في تعلم الفن أو احترافه.
الأب الذي نتعرف إليه في الكتاب يكافح في أعمال التجارة وينجح فيها، لكنه يقاوم بدوافع سلطوية، رغبة الابن في دراسة الفن ساعياً الى تأمين حياته بالالتحاق بالكلية الحربية، ويقول للابن بعد الكشف عن حيلته "شهور وأنا أنتظر عودتك ببدلة الضابط لأتباهى بك أمام الناس، ألا تفكر في مستقبلك؟". وتعكس تلك العبارة المكانة الرمزية التي نالها الضباط في مصر عقب وصول الضباط الأحرار إلى السلطة عام 1952.
كتاب السيرة (دار الشروق)
يتحرك الكتاب وسع نسيج سردي متناغم يحفل بالتفاصيل الممتعة التي تربط صوت الذات القلقة للفنان مع التحولات التي مرت بها مصر خلال فترة قلقة أيضاً، أعقبت وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وبدايات حكم الرئيس السادات. وشهدت تلك الأعوام خيارات صعبة تمثلت في التوجه نحو الانفتاح الاقتصادي ومخالفة مسيرة عبدالناصر في التخطيط الاشتراكي أو ما يسمى "رأسمالية الدولة"، وفي التعامل مع إسرائيل والميل ناحية تسوية هذا الصراع وفق الشروط الأميركية بعد ما تحقق من نصر خلال حرب أكتوبر 1973.
التحولات الشاملة
وانطلاقاً من تجربته، يظهر عبلة كذلك صور التحولات المجتمعية التي أدت إلى نمو الحركات الأصولية المنتمية إلى جماعات الإسلام السياسي بعدما استدعاها نظام السادات بغرض الحد من أثر اليسار والحركات الناصرية داخل الجامعات. وكما هو معلوم، فإن تأثير تلك الجماعات امتد ليحكم مناهج التدريس داخل بعض الكليات، وبالذات كليات الفنون التي توقفت غالبيتها عن تدريس الموديل وفنون التجسيد، واقتصرت مناهجها على تدريس فنون التجريد والزخرفة لأعوام.
غير أن الصورة التي ينقلها عبلة لم تكُن قاتمة تماماً، فهناك كثير من الدروس استقرت في رأسه واحتفظ بكثير من تفاصيلها، لا سيما لمحاضرات التي حرص على تلقيها في قسم الفلسفة، في جامعة الإسكندرية مع الأكاديميين حسن ظاظا وأحمد أبو زيد أستاذ الأنثروبولوجيا المعروف، فضلاً عن دروس زكي إسكندر الذي علمه تكنولوجيا التصوير وعناصر السحر في خلط الألوان، وهو لا يزال يحتفظ بكراسات محاضراته إلى الآن و بصور أرشيفية تضمنها الكتاب عن تجارب تلك الأعوام.
لوحة لمحمد عبلة (صفحة فيسبوك)
ويبدو موفقاً جداً، اختيار عنوان الكتاب الذي يمثل عتبة نصية دالة في التعامل مع محتواه. فالعبارة التي نطق بها الممثل الراحل محمود ياسين في نهاية فيلم "الصعود إلى الهاوية" للمخرج كمال الشيخ، استعملها الفنان ليمزج اسمه مع المحتوى، مؤمناً بأن تجربته ما هي إلا انعكاس لما عاشته بلاده من تحولات. ويشير عبلة في أكثر من موضع إلى محاولاته التي لا تنتهي في التغلب على الظروف التي حاصرت طموحه، ودفعته إلى العمل خلال سنوات الدراسة في مهن عدة تقع على هامش ممارساته الفنية، لكنها أكسبته الخبرة الضرورية في التعايش مع المحيط العام. ومن بين تلك المهن كتابة اللافتات والعمل في مصلحة الموازين والعمل لفترة قصيرة رساماً صحافياً مع أنيس منصور.
تجارب وحكايات
ويستدعي الفنان صاحب التجارب المتنوعة بعض الحكايات التي عاشها، وتبدو ذات نزعة غرائبية، تركت أثراً في تجاربه مع السرد البصري، فلا يمكن للقارىء تخطي الجانب الفانتازي في علاقة عبلة مع "الشاعر الذي ينتحر كل يوم"، ومع فريق اليوغا وتجربة الذهاب إلى الموت والعودة منه، أو شرب "الكابتشينو" للمرة الأولى، ثم مقابلة فتحي البوسطجي...، وكلها تجارب تشكل كنزاً إنسانياً بالغ الثراء، فضلاً عما تقوم به من "تحفيز للعقل والخيال وتعزيز للتأمل"، وتشير إلى مقاومة الجانب البوهيمي الذي لم يقبله محمد عبلة كخيار في الفن أو الحيلة لأن "الفقر عدو الفن"، كما يقول.
يحفل الكتاب بكثير من التفاصيل التي تشير إلى الفضاءات الثقافية التي اكتشفها عبلة في القاهرة، ومنها "أتيلييه" القاهرة ومقهى زهرة البستان، وكانت غنية بأسماء في سبيلها إلى التحقق والانطلاق مثل القاص يحيي الطاهر عبدالله والشاعر أمل دنقل أو الفنان التشكيلي صلاح عناني. وهناك جانب يلح عليه الكتاب، يتعلق بشخصية عبلة وما تتميز به من دأب غلب عليها منذ الشباب. فقد "صب كل طاقته في القراءة والرسم والبحث عما يشغل وقته ويضيف إلى تجاربه"، وطوال حياته يقول عبلة "لم ينقطع قلقي الشخصي، ولم تتوقف شكوكي، وواصلت حيرتي في البحث عن أجوبة لأسئلة كثيرة في الفن والمعتقد". كذلك اهتم عبلة مبكراً بتعلم اللغات وثم اكتساب خبرات لم يملكها الآخرون، أتاحت له في ما بعد، مزيداً من الفرص للدراسة وعرض أعماله خارج مصر.
عبلة مع جورج البهجوري في باريس الثمانينيات (من الكتاب)
تبرز عبر صفحات الكتاب أسماء كبيرة في الحركة التشكيلية المصرية بداية من سيف وانلي، مروراً بمنير فهيم وكامل مصطفى وحسين بيكار وكمال الملاخ وحامد ندا، وكلهم ساندوا الفنان في بداياته وقدموا له مختلف صور الدعم والمساندة. وفي المقابل، هناك حالات من الصراع وجدها لدى فنانين آخرين، أبرزهم حامد عويس الذي حاول الوقوف أمام تعيين محمد عبلة معيداً في قسم التصوير في جامعة الإسكندرية، عقب تخرجه على رغم ارتفاع علاماته الدراسية وتقدير أساتذته.
لا يقتصر جهد عبلة على إشاراته المتكررة داخل الكتاب للأسماء المعروفة، وإنما يمتد ناحية إنصاف تجارب مهمة تراجع الاهتمام بأعمالها مثل المثال أحمد عثمان أو الفنان سعيد العدوي اللذين ماتا باكراً، أو الفنان منير فهيم والاكاديمي ماهر رائف الذي تولى رئاسة قسم الغرافيك وأجرى تغييرات في نظام التدريس وحمله بعضهم مسؤولية وقف تدريس الموديل استجابة لنزعات شاعت في السبعينيات وطالبت بتحريم الفن. لكن عبلة يؤكد أنه قاوم مطالب الطلاب المنتمين إلى الجماعات الدينية التي كانت تطالب بذلك. يكتب عبلة: "كان رائف ضد المنهج الغربي في تدريس الفن ويرغب في تأسيس منهج يقوم على معطيات الحضارة الشرقية". وبخلاف تقدير صور الضعف الإنساني، فإن تلك الإشارات انطوت على لمحات نقدية مبصرة، تتخطى فكرة التعاطف المجاني إلى التحليل النقدي لما تركه أمثال هؤلاء .
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبطريقة غير مباشرة، يمس الكتاب ما جرى في شأن الهوية البصرية للمدن التي تنقل بينها عبلة، ما بين بلقاس قرب المنصورة أو الإسكندرية التي درس فيها، والقاهرة التي استقر فيها أو بغداد ودمشق وبيروت التي زارها طالباً، وهي كانت كلها لا تزال حية وغنية، تفيض بالتألق والنضارة، مما تراجع إلى حد كبير بعد أن فقدت المدن التقليدية حضورها البهي بسبب موجات الترييف التي طاولتها وأدت إلى تدهور خدماتها وانحسار طابعها المدني.
يشير عبلة إلى أن جولاته في شوارع تلك المدن طوال أعوام التكوين، استهدفت القيام بعملية "تغذية" للعين، فهو اعتاد "المشي في طرق كانت تشع جمالاً، تدفعه كل يوم إلى البحث عن طريق مختلف عن الطريق الذي اتخذه في اليوم الذي سبقه، ليعطي نفسه فرصة لتأمل التفاصيل، وأشكال الأبواب والبيوت، وأسماء أصحابها التي كانت تكتب بخطوط عربية جميلة، لم يعُد لها وجود".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ 11 ساعات
- مجلة سيدتي
طارق الشناوي يعلق على أزمة انفصال أحمد السقا ومها الصغير
وجه الناقد الفني طارق الشناوي عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" رسالة عتاب إلى النجم أحمد السقا ، بعد التصريحات المنسوبة للأخير عن كواليس انفصاله عن زوجته مها الصغير ، وألمح الشناوي إلى أن خوف السقا على مكانته بين جمهوره دفعه لهدم المعبد على الجميع. طارق الشناوي ينتقد أحمد السقا كتب طارق الشناوي: "مع الأسف هذا النجم الكبير فقد توازنه النفسي والعقلي.. لا يدري ما الذي يُقال في الجلسة الخاصة بين زوج وزوجته أو طليقته وأم أولاده، وما الذي من الممكن أن يعرفه الناس ولا يخدش خصوصية العلاقة الأسرية". وتابع: "يبدو أنه استشعر الخوف على مكانته الأدبية بعد انتشار عدد من الأخبار تنال من صورته أمام جمهوره كابن بلد جدع وشهم لتصبح الصورة المتداولة في ( الميديا) أنه لا ينفق حتى على أقرب الناس إليه"، وأضاف: "فقرر أن ينتقم من الجميع متقمصا شخصية شمشون الجبار قائلا ( علي وعلى أعدائي)، ويهد المعبد عليه وعلى أسرته وأكاد استمع إلى ضحكته الهستيرية بينما الأحجار تتساقط فوق رأسه". انفصال السقا ومها الصغير يُشار الى أن أحمد السقا أعلن انفصاله عن مها الصغير في منشور عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، وأكد أن الانفصال تم منذ 6 أشهر تقريباً، لكن الطلاق وقع رسمياً منذ شهرين تقريباً. ولكن، بعد ساعات قليلة قام أحمد السقا بحذف المنشور، وذلك بعد توجيه اللوم له من قبل المتابعين والجمهور على السوشيال ميديا المختلفة، على طريقة صياغة بيان الانفصال، حيث رأى الكثيرون أن السقا كان عليه كتابة البيان بطريقة مناسبة أكثر، والابتعاد عن التلميحات التي وجهها لطليقته خاصةً مع وجود أبناء بينهما وعشرة سنوات طويلة، وهو ما استجاب له السقا وقام بحذف المنشور. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».


صدى الالكترونية
منذ يوم واحد
- صدى الالكترونية
محمد رمضان يسدد 35 مليون جنيه وينهي نزاعًا قضائيًا طويلًا
أعلن الفنان المصري محمد رمضان تنفيذه حكم قضائي نهائي يلزمه بسداد مبلغ 26 مليون جنيه لمصلحة شبكة قنوات MBC. وقال رمضان في منشوره عبر حسابيه بـ 'إنستغرام' و 'فيسبوك' : 'تم تنفيذ حكم القضاء المصري النهارده بسدادي 26 مليون جنيه إلى MBC، و9 ملايين جنيه رسوم قضائية، مستغرب غياب التغطية الإعلامية لهذا الحدث، وتساءل: ليه مفيش خبر واحد نزل في المواقع العامة والخاصة والحكومية؟ هل لأن ده خبر إيجابي؟'. وتعود القضية إلى عام 2022، حين قضت محكمة الجيزة الابتدائية بإلزام رمضان برد مبلغ 13 مليون جنيه لصالح إحدى القنوات الفضائية، بعد اتهامه بخرق شروط العقد الذي أبرمه مع شبكة MBC عام 2015، والذي كان ينص على تقديم 3 مسلسلات حصرية تُعرض فقط على قنوات المجموعة خلال رمضان في 2017 و2019 و2020. وأشارت المحكمة إلى أن رمضان تعاون مع جهات منافسة خلال 2018 و2019، ما اعتُبر إخلالًا ببنود العقد، وألزمه الحكم الابتدائي برد 12.3 مليون جنيه مع ضرائب وفوائد قانونية. وفي الاستئناف، طالبت MBC بزيادة التعويض، فيما حاول رمضان تبرير تأخره بالخدمة العسكرية في 2017، إلا أن المحكمة رفضت دفاعه وأيدت الحكم مع زيادة مبلغ التعويض إلى 5 ملايين جنيه إضافية، معتبرة أن الشركة تكبدت خسائر مادية بسبب تصرفات رمضان. اقرأ أيضاً


الوئام
منذ 2 أيام
- الوئام
بعد 26 عامًا ورحلة شائعات.. انفصال أحمد السقا ومها الصغير
أعلن الفنان المصري أحمد السقا انفصاله عن زوجته الإعلامية مها الصغير بعد زواج استمر 26 عامًا، عبر بيان نشره على حسابه الرسمي بمنصة 'فيسبوك'. أوضح السقا أن الانفصال وقع فعليًا قبل ستة أشهر، بينما تم الطلاق الرسمي قبل شهرين. وعبّر عن تركيزه حاليًا على أسرته وأولاده وعمله، موجّهًا رسالة احترام إلى طليقته وتمنياته لها بالتوفيق والستر. ردود فعل واسعة عقب حذف البيان الأول إعلان الطلاق جاء بعد سنوات من الشائعات التي أحاطت بعلاقتهما الزوجية، والتي ظل الطرفان ينفيانها مرارًا. وقد أثار البيان الأول للسقا تفاعلًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض صياغته مثيرة للجدل، ما دفعه لاحقًا إلى حذفه. كما سارعت مها الصغير إلى حذف منشور ردّت فيه على الإعلان، في خطوة عكست توافقًا ضمنيًا بين الطرفين على عدم إثارة المزيد من الجدل. رسائل متبادلة تؤكد الاحترام المتبادل في منشوره الأخير، ناشد أحمد السقا وسائل الإعلام والجمهور بعدم الخوض في تفاصيل الانفصال، معتبرًا أن مها الصغير تعاملت مع الموقف برُقيّ واحترام، إذ فضّلت تأخير الإعلان احترامًا لتاريخ العلاقة. أما مها الصغير، فاكتفت بتعليق روحاني عبر 'فيسبوك' جاء فيه: 'مفيش حاجة مبهرة في الدنيا قد وقفة ربنا جنبك كل مرة بتحتاجه فيها'. قصة حب دامت 26 عامًا وأثمرت ثلاثة أبناء تزوج أحمد السقا من مها الصغير عام 1999 بعد قصة حب استمرت عدة أشهر. وكان قد سرد تفاصيلها في لقاء تلفزيوني جمعه بزوجته السابقة في برنامج للإعلامية هالة سرحان، حيث تحدث عن لقائه الأول بها، وطلبه الزواج بطريقة غير تقليدية نالت قبول والدها. وأثمر زواجهما عن ثلاثة أبناء: ياسين، نادية، وحمزة. الشائعات تتحول إلى حقيقة بعد سنوات من النفي على مدار السنوات الماضية، انتشرت عدة شائعات حول انفصال السقا ومها الصغير، إلا أن الطرفين كانا حريصين على نفيها باستمرار. ومع إعلان الطلاق الرسمي، طُويت صفحة طويلة من حياتهما الشخصية وسط احترام متبادل ورسائل إنسانية من الطرفين.