صداع جديد في رأس النظام المخزني

الشروق

٢٩-١٢-٢٠٢٤

كلما بادرت الجزائر إلى إبراز موروثها الفني والثقافي الذي يشكل عاملا مهما في الهوية الجزائرية، وجزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للجزائريين، إلا وأخذت أعراض 'الصداع' تتفاقم في رأس المخزن المغربي، الذي تجده يعيش حالة من 'الهوس' تنتظره للبحث عن أي مهدئ من شأنه تخفيف تلك الأوجاع المزمنة التي يخلفها 'التراث الجزائري'.
كلما سلطت الجزائر الضوء على أحد مكونات هويتها الثقافية، ولأن من أسباب تفاقم الصداع المتعارف عليها، هي نسبة الضوء الذي يتعرض له رأس المريض، وهي النسبة التي من شأنها أن تستثير الأعصاب الدماغية ومن ثم الشعور بآلام قد تصبح مع مرور الوقت آلاما مزمنة، لا تنفع معها لا المهدئات ولا غلق الشبابيك ولا منع الضوء من التسلل عبر النوافذ، فما بالك إن كانت تلك النوافذ التي يتسرب منها الضوء المنبعث من عشرات التظاهرات الثقافية والفنية التي تسلطها السلطات الجزائرية ممثلة في وزارة الثقافة والفنون من أجل إبراز تراثها المتنوع والمتعدد، هي نوافذ السوشيل ميديا التي أوجدتها التكنولوجيات الحديثة، كما هو الشأن مع ما حدث خلال المهرجان الوطني لموسيقى الحوزي في طبعته 13 التي احتضنت فعالياته قاعة الحفلات بقصر الثقافة عبد الكريم دالي بعاصمة الزيانيين، إذ بمجرد الإعلان الرسمي من قبل ممثلة وزير الثقافة والفنون السيدة مباركة قدوري، حتى أخذت بعض الصفحات المخزنية في الترويج لمنشورات حاولت من خلالها إيهام رواد منصات التواصل الاجتماعي، كما هو الشأن مع منصة الفايسبوك على أن موسيقى الحوزي، هي موسيقى مغربية، ولم تتوقف المضامين التضليلية على منشورات وفقط، بل أرفقت أيضا، بصور مسروقة في وضح النهار من فعاليات المهرجان الوطني لموسيقى الحوزي، وهي صور لبعض الأجواق الموسيقية التي أمتعت الجمهور الحاضر بالمئات بأجمل الوصلات الغنائية من هذا الفن الأصيل، الذي يعود تاريخ نشأته إلى القرن الخامس عشر، وهو تاريخ كفيل بإثبات أن الحوزي هو صناعة فنية جزائرية بامتياز، مشتق من الموسيقى الأندلسية، من أشهر شعرائه بن تريكي وبن مسايب وبن سهلة، وغيرهم كثير من شعراء تلمسان.
غير أنه يبدو أن كلمة زهير بللو وزير الثقافة والفنون التي ألقتها نيابة عنه السيدة مباركة قدوري والتي تناقلتها مختلف الوسائل الإعلام الجزائرية، كان لها وقع الصدمة التي يبدو أنها تسبب ارتجاجا دماغيا كانت من أعراضه تعرض النظام المخزني لحالة من الصداع جعلت وكما جرت العادة دوما يخطئ أهدافه، حينما أعطى أوامره لدماه الافتراضية بالتحرك سريعا عبر صفحات فايسبوكية يديرها ويشرف عليها الذباب المخزني، فحديث وزير الثقافة والفنون على وجود 200 مهرجان. من بينهم 6 مهرجانات. مخصصة للموسيقى الكلاسيكية الجزائرية، لن يمر مرور الكرام، دون أن يحدث 'نوبة' قلبية تحدث تشنجا عضليا لدى هذا النظام المخزني الذي لا يجد حرجا في نسب أي شيء يتعلق بالتراث إليه ولو تعلق الأمر بصيحة راع على غنمه، سيقول إن تلك الصيحة صيحته، فما بالك إن كان الأمر يتعلق بـ'نوبة' موسيقية من فن الحوزي لا تحدث أي تشنج عضلي، بل يكمن إثر هذا الفن الأصيل في 'ترقية الذوق العام المرهف' كما جاء ذلك على لسان وزير الثقافة والفنون، الذي قال أيضا بشأن المهرجان إنه 'فرصتنا لتدوين هذا التراث والحفاظ عليه وتحيينه'، فهل تكون هذه العبارة 'الضاربة' في عمق اليقينيات الثقافية، قد أصابت النظام المخزني في عمق أوهامه، وأخلطت جميع أوراقه؟، إذ لا يوجد أي تفسير عن 'رد فعل' لفعل ثقافي جزائري، لا يعني المغرب في شيء، إلا إذا كان اعتبروا مهرجان 'الحوزي' قذيفة 'ثقافية'، أطلقتها الجزائر مع نهاية السنة، وإن كان المخزن قد اعتقد ذلك فعلا وأعطى الأوامر لذبابه الإلكتروني لمهاجمة المهرجان واعتبار أن موسيقى الحوزي، موسيقى مغربية، من منطلق حروبه الدائمة والمستمرة ضد كل ما هو إرث ثقافي جزائري، فهو لزام إذن أن نخبره بكثير من الهدوء، أن موعد المهرجان يقام سنويا في نفس الفترة الزمنية من كل سنة، وهو الآن قد يلغ 13 السنة من عمره الفني وسيكبر، إذ لا تزال تنتظره سنوات وسنوات من شأنها أن تجعل منه فنا خالدا في الذاكرة الثقافية العالمية، وهو ما تعمل محافظة المهرجان على الاشتغال عليه عبر إبراز جميع مدارسه الموسيقية واستعراض تاريخه شعرائه. وتذكر من رحلوا من الأسماء التي ساهمت في الحفاظ على هذا الإرث، وستبقى رحلة الحوزي.. رحلة ميراث وتراث، وإلى الطبعة 14 من السنة القادمة، سيبقى هذا الفن الأصيل عنصرا مهما من عناصر الهوية الثقافية الجزائرية.