#أحدث الأخبار مع #BATNABestAlternativeدفاع العرب٢٦-٠٤-٢٠٢٥سياسةدفاع العربالمفاوضات الأميركية-الإيرانية: ماذا يريد المفاوض الإيراني من روسيا والصين؟العقيد الركن م. ظافر مراد لم تبدأ فعليا لغاية الآن المفاوضات الأميركية-الإيرانية المتعلقة بالملف النووي الإيراني وقضايا أخرى تم تأجيلها إلى مرحلة لاحقة، فبعكس ما يعتقد البعض، كل ما جرى حالياً هو عملية لتجميل 'الإنطباع الأول'، ولم يدخل الطرفان في مناقشة التفاصيل الهامة، فإيران تسعى لإبداء مرونة وحسن نية في التوصل إلى إتفاق، مع إبقاء موقفها وشروطها غامضة، والأميركيون يستكشفون نوايا المفاوض الإيراني والظهور بموقف إيجابي تجاه التوصل إلى حل ديبلوماسي بعيداً عن الحل العسكري. في الحديث عن هذه المفاوضات، يجب أن يكون المفاوض خبيراً ومحترفاً في إستراتيجيات التفاوض، إضافةً إلى إلمامه جيداً بالموضوع الذي يجري التفاوض عليه، وهذا ينطبق تماماً على شخصية رئيس فريق التفاوض الإيراني، فعباس عرقجي هو وزير الخارجية الحالي ومهندس الإتفاق النووي السابق عام 2015، ولديه معرفة كاملة بحيثيات المشروع النووي الإيراني، وبأهدافه الحقيقية، سواء ما هو مُعلن بأن المشروع مدني 100%، أو ما هو سري ومخفي وربما بهدف الحصول على القنبلة النووية، ولدى عرقجي خبرة كبيرة وتجربة ناجحة في فن التفاوض. أما بالنسبة للمفاوض الأميركي 'ستيف ويتكوف' المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، فتجربته التفاوضية تقتصر على لعبه دورًا رئيسيًا في التفاوض على وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس في كانون الثاني 2025، وويتكوف هو ملياردير يهودي من أصل بلغاري، بدأ حياته كمحامٍ عقاري، ثم بالإستثمار في قطاع العقارات الذي اكتسب من خلاله ثروات طائلة. بعد إنتهاء المرحلة الأولى من 'إعلان النوايا الحسنة' بين الطرفين، والذي لا يعوَّل عليه حقيقةً، بدأت مرحلة جديدة وهامة ترافقت مع تصريحات متبادلة تؤشِّر للنوايا عند الطرفين، فوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أعلن منذ يومين أن إيران لن يسمح لها بتخصيب اليورانيوم، وعليها أن تستورده لبرنامج مدني، بينما قبل ذلك بعدة أيام كان عرقجي قد صرَّح بأن مسالة تخصيب اليورانيوم في إيران غير قابلة للتفاوض. بين هذين التصريحين تظهر الفجوة الكبيرة في مسار التفاوض والتوصل إلى ما يسمى 'BATNA-Best Alternative To a Negotiation Agreement'، أي أفضل إتفاق يمكن التوصل إليه بالنسبة لكل طرف، وترتبط 'BATNA' بقوة موقف كل طرف مفاوض. وعلى كل طرف من فريقي التفاوض أن يجيب بشكلٍ حاسم على أسئلة لتحديد موقفه وموقعه التفاوضي، ولكي يرسم طريقه ويحدد خياراته الواضحة في التفاوض، وهذه الأسئلة هي التالية: ما هو الهدف الشامل من عملية التفاوض؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية منع إيران وبشكل نهائي من إمتلاك قنبلة نووية، وبالنسبة لإيران إبعاد الضربة العسكرية ضد منشآتها النووية). ما هي المسألة الأكثر أهمية في هذه الأهداف؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية مسألة تخصيب اليورانيوم، بالنسبة لإيران المحافظة على منشآتها النووية). ماهو أفضل 'BATNA' ؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية إتفاق يوقف التخصيب بشكل نهائي ويسمح بالتفتيش الصارم على المنشآت النووية الإيرانية، وبالنسبة لإيران إتفاق يحافظ على حق إيران بالتخصيب مع القبول ببعض التقييدات وبآلية تفتيش محدودة الصلاحيات، ورفع العقوبات عنها). ما هو الحد الأدني المقبول 'Reservation Price' في هذه المفاوضات؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية ووفقاً للتصريحات الصارمة الناتجة عن موقعها القوي في التفاوض، فإن الحد الأدنى المقبول هو وقف التخصيب بشكلٍ نهائي ووضع آلية تفتيش صارمة على كامل المنشآت النووية، أما بالنسبة لإيران، وبسبب موقعها التفاوضي الضعيف، فقد تقدم تنازلات بحيث تسمح حالياً بوقف التخصيب وتقبل بإستيراد حاجاتها من الخارج). ما هو الإتفاق الأكثر إحتمالاً ؟ ( بالنسبة للولايات المتحدة فهي تعتقد أن إيران لا تمتلك أوراق قوة، خاصة أنها خسرت قدرات حلفائها في سوريا ولبنان، وهي على طريق الخسارة في اليمن، وبالتالي فهي ستخضع للإرادة الأميركية وتقبل بإتفاق يوقف تخصيب اليورانيوم بشكلٍ نهائي، ويفرض رقابة شاملة وصارمة على جميع منشآتها النووية، أما بالنسبة لإيران، فهي تعتقد أنها قادرة على إقناع الطرف الأميركي بسلمية برنامجها النووي، وأن خيار الحرب معها لن يكون سهلاً على الرغم من الخسارات التي طالتها، وبالتالي فإن تقديم بعض ما يحفظ هيبة النظام هو مسألة يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستوافق على إتفاق يسمح بتخصيب اليورانيوم بدرجات منخفضة، مع السماح بآليات تفتيش غير صارمة تشارك بها الصين وروسيا). من خلال تحليل حيثيات وظروف التفاوض، يبدو جلياً قوة الموقف الأميركي مقابل الموقف الإيراني، مع ذلك، لن تستسلم إيران لهذا الواقع، وهي ستحاول تمديد مهل التفاوض والهروب إلى الأمام بإنتظار ظروف دولية معينة قد تحسِّن من موقعها التفاوضي، فهي حالياً بأسوأ ظروفٍ سياسية وعسكرية، أما ماذا تريد إيران من روسيا والصين، ولماذا هناك إتصالات وزيارات دورية لإطلاع هذين البلدين على مجريات التفاوض ونتائجه، فذلك يعود إلى أن إيران تحتاج روسيا والصين في كلا الحالتين، سواء توصَّلت إلى إتفاق نهائي مع الولايات المتحدة أو فشل الإتفاق، وفي الحالة الأولى والتي سيتوقف فيها تخصيب اليورانيوم في إيران، ستحتاج إلى إستيراد اليورانيوم المخضب بدرجاتٍ منخفضة لإستخدامات مدنية من روسيا ومن الصين، فلا يعتقد الإيرانيون أن الدول الغربية ستساعدها وستقدم لها ما تحتاجه، إضافةً إلى أن إيران لا تريد أن تظهر بموقف المتخلي عن التحالف والتعاون مع هذين البلدين، وهي توجِّه المفاوضات وكأن روسيا والصين شريكين بشكلٍ غير مباشر فيهذا التفاوض الخطير، كما أنها تستطلع رأي القيادات الروسية والصينية في أي قرار يمكن إتخاذه، لا سيما في موضوع الخطوط الحمراء والتي لغايته لم تحدد فعلياً، بل تم التلميح لها دون التورط في موقف صارم لا تراجع عنه. أما في حالة فشل المفاوضات وإحتمالات الحرب، فلا شك أن إيران ستحتاج الدعم السياسي والعسكري من روسيا ومن الصين، لا سيما بعد تلقي الضربة على منشآتها النووية وبنيتها العسكرية إن حصلت، وفي الحقيقة من المستبعد أن تتدخل روسيا والصين من خلال مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، بل سيقتصر الدعم لإيران على بعض النشاطات السرية والدعم السياسي، خاصة في ظل التقارب الروسي مع الإدارة الأميركية الجديدة. وصل منذ عدة أيام قائد المنطقة الوسطى مايكل كوريللا إلى إسرائيل للتباحث في إحتمالات فشل التفاوض مع إيران واللجوء إلى حملة عسكرية على منشآتها النووية، والتي وعلى الارجح إن حصلت، ستطال أيضاً قواعد عسكرية استراتيجية ومنشآت مدنية هامة، وهنا تجدر الإشارة إلى الحملة الكبيرة التي تشنها القوات الأميركية على الحوثيين في اليمن، والتي تؤشر إلى هدفين هامين، الأول ضرب القدرات الحوثية التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر، والثاني تحييد هذه القدرات وجعلها غير فاعلة في أي حرب محتملة مع إيران في حال فشل المفاوضات. يتساءل كثيرون عن الكلفة الهائلة التي تتكبَّدها الولايات المتحدة الأميركية في حربها على الحوثيين، وفي قبولها مخاطر حرب محتملة مع إيران، إضافةً إلى شحن مزيد من الذخائر والاسلحة إلى إسرائيل، وخاصة القنابل العملاقة وبكميات كبيرة جداً، ولماذا التفريط بهذه المقدرات العسكرية واستهلاكها في منطقة الشرق الأوسط، والإجابة على هذه التساؤلات تكمن في حقيقة أن الولايات المتحدة الاميركية تصرف مئات مليارات الدولارات لتؤمن إحتياطياتها من الصواريخ والذخائر بمختلف أنواعها، وهذه الصواريخ والذخائر تخضع لما يسمى برنامج التحقق من الصلاحية، والتي تكون عادة بالنسبة لعمرها في حال تخزينها في ظروف مثالية، لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن عشرين سنة. وبالتالي فإن إستخدامها أو 'الإستثمار بإستخدامها' يكون مفيداً وعملياً أكثر من التخلص منها عبر التفجير أو التفكيك، لذا لا مشكلة حقيقة في هذا المجال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وهذا لا يحدث فقط عند الأميركيين، بل قامت بذلك أيضاً معظم الدول الأوروبية التي تخلصت من اسلحتها وذخائرها القديمة بإرسالها إلى أوكرانيا على شكل مساعدات مدفوعة الثمن لاحقاً. صرح عباس عرقجي أنه يستبعد التوصل إلى إتفاق نهائي في غضون 60 يوماً وهي المهلة التي طرحها الرئيس ترامب، كما أن القيادة الإيرانية أعلنت عن رفضها التفاوض حول أي ملف آخر غير النووي، وبالتالي فإن موضوع برامج الصواريخ والمسيرات ودعم الحلفاء في المنطقة غير مطروح للنقاش. من جهتها رفضت الولايات المتحدة الأميركية مسألة التوصل إلى إتفاق مؤقت لا يحسم النقاط الأساسية والهامة التي تعتبر الدافع الأساسي للبدء بعملية التفاوض، ومسألة 'الوقت' هي استراتيجية تفاوضية ضاغطة تعتمدها إدارة ترامب، ولا يُعتقد أن الإيرانيون سينجحون في تمديد وقت التفاوض لفترة طويلة، على الرغم من إحترافهم وخبرتهم في ذلك. ستبدأ جولة التفاوض الثالثة اليوم في مسقط، والتي ستشمل الجانب الفني الذي سيخوض في التفاصيل الفنية المعقدة، والتي ستكون وسيلة للفريق الإيراني لتمديد الوقت، ولكن نستطيع القول أن الكلام الجدي قد بدأ اليوم، وأن هذه الجولة ستكشف حقيقة النوايا والإتجاهات التي ستؤول إليها هذه المفاوضات، وتكشف أيضاً درجة المخاطر التي ستقبلها إيران في حال التمسك بموقفها المعلن سابقاً، وفي نفس الوقت ستكشف مدى الصبر الأميركي ودرجة المرونة التي ستعتمدها مع الإيرانيين، وعلى الارجح ستترافق المرحلة الجديدة من المفاوضات مع ضغوطات عسكرية وسياسية في الجبهات المؤثرة. وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة هامة، وهي أن المواقف الحاسمة والقرارات النهائية في عملية التفاوض لا تعود لفريقي التفاوض المعينين، بل هي عند الرئيس الأميركي 'دونالد ترامب' وعند المرشد الأعلى 'علي خامنئي'.
دفاع العرب٢٦-٠٤-٢٠٢٥سياسةدفاع العربالمفاوضات الأميركية-الإيرانية: ماذا يريد المفاوض الإيراني من روسيا والصين؟العقيد الركن م. ظافر مراد لم تبدأ فعليا لغاية الآن المفاوضات الأميركية-الإيرانية المتعلقة بالملف النووي الإيراني وقضايا أخرى تم تأجيلها إلى مرحلة لاحقة، فبعكس ما يعتقد البعض، كل ما جرى حالياً هو عملية لتجميل 'الإنطباع الأول'، ولم يدخل الطرفان في مناقشة التفاصيل الهامة، فإيران تسعى لإبداء مرونة وحسن نية في التوصل إلى إتفاق، مع إبقاء موقفها وشروطها غامضة، والأميركيون يستكشفون نوايا المفاوض الإيراني والظهور بموقف إيجابي تجاه التوصل إلى حل ديبلوماسي بعيداً عن الحل العسكري. في الحديث عن هذه المفاوضات، يجب أن يكون المفاوض خبيراً ومحترفاً في إستراتيجيات التفاوض، إضافةً إلى إلمامه جيداً بالموضوع الذي يجري التفاوض عليه، وهذا ينطبق تماماً على شخصية رئيس فريق التفاوض الإيراني، فعباس عرقجي هو وزير الخارجية الحالي ومهندس الإتفاق النووي السابق عام 2015، ولديه معرفة كاملة بحيثيات المشروع النووي الإيراني، وبأهدافه الحقيقية، سواء ما هو مُعلن بأن المشروع مدني 100%، أو ما هو سري ومخفي وربما بهدف الحصول على القنبلة النووية، ولدى عرقجي خبرة كبيرة وتجربة ناجحة في فن التفاوض. أما بالنسبة للمفاوض الأميركي 'ستيف ويتكوف' المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، فتجربته التفاوضية تقتصر على لعبه دورًا رئيسيًا في التفاوض على وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس في كانون الثاني 2025، وويتكوف هو ملياردير يهودي من أصل بلغاري، بدأ حياته كمحامٍ عقاري، ثم بالإستثمار في قطاع العقارات الذي اكتسب من خلاله ثروات طائلة. بعد إنتهاء المرحلة الأولى من 'إعلان النوايا الحسنة' بين الطرفين، والذي لا يعوَّل عليه حقيقةً، بدأت مرحلة جديدة وهامة ترافقت مع تصريحات متبادلة تؤشِّر للنوايا عند الطرفين، فوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أعلن منذ يومين أن إيران لن يسمح لها بتخصيب اليورانيوم، وعليها أن تستورده لبرنامج مدني، بينما قبل ذلك بعدة أيام كان عرقجي قد صرَّح بأن مسالة تخصيب اليورانيوم في إيران غير قابلة للتفاوض. بين هذين التصريحين تظهر الفجوة الكبيرة في مسار التفاوض والتوصل إلى ما يسمى 'BATNA-Best Alternative To a Negotiation Agreement'، أي أفضل إتفاق يمكن التوصل إليه بالنسبة لكل طرف، وترتبط 'BATNA' بقوة موقف كل طرف مفاوض. وعلى كل طرف من فريقي التفاوض أن يجيب بشكلٍ حاسم على أسئلة لتحديد موقفه وموقعه التفاوضي، ولكي يرسم طريقه ويحدد خياراته الواضحة في التفاوض، وهذه الأسئلة هي التالية: ما هو الهدف الشامل من عملية التفاوض؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية منع إيران وبشكل نهائي من إمتلاك قنبلة نووية، وبالنسبة لإيران إبعاد الضربة العسكرية ضد منشآتها النووية). ما هي المسألة الأكثر أهمية في هذه الأهداف؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية مسألة تخصيب اليورانيوم، بالنسبة لإيران المحافظة على منشآتها النووية). ماهو أفضل 'BATNA' ؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية إتفاق يوقف التخصيب بشكل نهائي ويسمح بالتفتيش الصارم على المنشآت النووية الإيرانية، وبالنسبة لإيران إتفاق يحافظ على حق إيران بالتخصيب مع القبول ببعض التقييدات وبآلية تفتيش محدودة الصلاحيات، ورفع العقوبات عنها). ما هو الحد الأدني المقبول 'Reservation Price' في هذه المفاوضات؟ (بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية ووفقاً للتصريحات الصارمة الناتجة عن موقعها القوي في التفاوض، فإن الحد الأدنى المقبول هو وقف التخصيب بشكلٍ نهائي ووضع آلية تفتيش صارمة على كامل المنشآت النووية، أما بالنسبة لإيران، وبسبب موقعها التفاوضي الضعيف، فقد تقدم تنازلات بحيث تسمح حالياً بوقف التخصيب وتقبل بإستيراد حاجاتها من الخارج). ما هو الإتفاق الأكثر إحتمالاً ؟ ( بالنسبة للولايات المتحدة فهي تعتقد أن إيران لا تمتلك أوراق قوة، خاصة أنها خسرت قدرات حلفائها في سوريا ولبنان، وهي على طريق الخسارة في اليمن، وبالتالي فهي ستخضع للإرادة الأميركية وتقبل بإتفاق يوقف تخصيب اليورانيوم بشكلٍ نهائي، ويفرض رقابة شاملة وصارمة على جميع منشآتها النووية، أما بالنسبة لإيران، فهي تعتقد أنها قادرة على إقناع الطرف الأميركي بسلمية برنامجها النووي، وأن خيار الحرب معها لن يكون سهلاً على الرغم من الخسارات التي طالتها، وبالتالي فإن تقديم بعض ما يحفظ هيبة النظام هو مسألة يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستوافق على إتفاق يسمح بتخصيب اليورانيوم بدرجات منخفضة، مع السماح بآليات تفتيش غير صارمة تشارك بها الصين وروسيا). من خلال تحليل حيثيات وظروف التفاوض، يبدو جلياً قوة الموقف الأميركي مقابل الموقف الإيراني، مع ذلك، لن تستسلم إيران لهذا الواقع، وهي ستحاول تمديد مهل التفاوض والهروب إلى الأمام بإنتظار ظروف دولية معينة قد تحسِّن من موقعها التفاوضي، فهي حالياً بأسوأ ظروفٍ سياسية وعسكرية، أما ماذا تريد إيران من روسيا والصين، ولماذا هناك إتصالات وزيارات دورية لإطلاع هذين البلدين على مجريات التفاوض ونتائجه، فذلك يعود إلى أن إيران تحتاج روسيا والصين في كلا الحالتين، سواء توصَّلت إلى إتفاق نهائي مع الولايات المتحدة أو فشل الإتفاق، وفي الحالة الأولى والتي سيتوقف فيها تخصيب اليورانيوم في إيران، ستحتاج إلى إستيراد اليورانيوم المخضب بدرجاتٍ منخفضة لإستخدامات مدنية من روسيا ومن الصين، فلا يعتقد الإيرانيون أن الدول الغربية ستساعدها وستقدم لها ما تحتاجه، إضافةً إلى أن إيران لا تريد أن تظهر بموقف المتخلي عن التحالف والتعاون مع هذين البلدين، وهي توجِّه المفاوضات وكأن روسيا والصين شريكين بشكلٍ غير مباشر فيهذا التفاوض الخطير، كما أنها تستطلع رأي القيادات الروسية والصينية في أي قرار يمكن إتخاذه، لا سيما في موضوع الخطوط الحمراء والتي لغايته لم تحدد فعلياً، بل تم التلميح لها دون التورط في موقف صارم لا تراجع عنه. أما في حالة فشل المفاوضات وإحتمالات الحرب، فلا شك أن إيران ستحتاج الدعم السياسي والعسكري من روسيا ومن الصين، لا سيما بعد تلقي الضربة على منشآتها النووية وبنيتها العسكرية إن حصلت، وفي الحقيقة من المستبعد أن تتدخل روسيا والصين من خلال مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، بل سيقتصر الدعم لإيران على بعض النشاطات السرية والدعم السياسي، خاصة في ظل التقارب الروسي مع الإدارة الأميركية الجديدة. وصل منذ عدة أيام قائد المنطقة الوسطى مايكل كوريللا إلى إسرائيل للتباحث في إحتمالات فشل التفاوض مع إيران واللجوء إلى حملة عسكرية على منشآتها النووية، والتي وعلى الارجح إن حصلت، ستطال أيضاً قواعد عسكرية استراتيجية ومنشآت مدنية هامة، وهنا تجدر الإشارة إلى الحملة الكبيرة التي تشنها القوات الأميركية على الحوثيين في اليمن، والتي تؤشر إلى هدفين هامين، الأول ضرب القدرات الحوثية التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر، والثاني تحييد هذه القدرات وجعلها غير فاعلة في أي حرب محتملة مع إيران في حال فشل المفاوضات. يتساءل كثيرون عن الكلفة الهائلة التي تتكبَّدها الولايات المتحدة الأميركية في حربها على الحوثيين، وفي قبولها مخاطر حرب محتملة مع إيران، إضافةً إلى شحن مزيد من الذخائر والاسلحة إلى إسرائيل، وخاصة القنابل العملاقة وبكميات كبيرة جداً، ولماذا التفريط بهذه المقدرات العسكرية واستهلاكها في منطقة الشرق الأوسط، والإجابة على هذه التساؤلات تكمن في حقيقة أن الولايات المتحدة الاميركية تصرف مئات مليارات الدولارات لتؤمن إحتياطياتها من الصواريخ والذخائر بمختلف أنواعها، وهذه الصواريخ والذخائر تخضع لما يسمى برنامج التحقق من الصلاحية، والتي تكون عادة بالنسبة لعمرها في حال تخزينها في ظروف مثالية، لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن عشرين سنة. وبالتالي فإن إستخدامها أو 'الإستثمار بإستخدامها' يكون مفيداً وعملياً أكثر من التخلص منها عبر التفجير أو التفكيك، لذا لا مشكلة حقيقة في هذا المجال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وهذا لا يحدث فقط عند الأميركيين، بل قامت بذلك أيضاً معظم الدول الأوروبية التي تخلصت من اسلحتها وذخائرها القديمة بإرسالها إلى أوكرانيا على شكل مساعدات مدفوعة الثمن لاحقاً. صرح عباس عرقجي أنه يستبعد التوصل إلى إتفاق نهائي في غضون 60 يوماً وهي المهلة التي طرحها الرئيس ترامب، كما أن القيادة الإيرانية أعلنت عن رفضها التفاوض حول أي ملف آخر غير النووي، وبالتالي فإن موضوع برامج الصواريخ والمسيرات ودعم الحلفاء في المنطقة غير مطروح للنقاش. من جهتها رفضت الولايات المتحدة الأميركية مسألة التوصل إلى إتفاق مؤقت لا يحسم النقاط الأساسية والهامة التي تعتبر الدافع الأساسي للبدء بعملية التفاوض، ومسألة 'الوقت' هي استراتيجية تفاوضية ضاغطة تعتمدها إدارة ترامب، ولا يُعتقد أن الإيرانيون سينجحون في تمديد وقت التفاوض لفترة طويلة، على الرغم من إحترافهم وخبرتهم في ذلك. ستبدأ جولة التفاوض الثالثة اليوم في مسقط، والتي ستشمل الجانب الفني الذي سيخوض في التفاصيل الفنية المعقدة، والتي ستكون وسيلة للفريق الإيراني لتمديد الوقت، ولكن نستطيع القول أن الكلام الجدي قد بدأ اليوم، وأن هذه الجولة ستكشف حقيقة النوايا والإتجاهات التي ستؤول إليها هذه المفاوضات، وتكشف أيضاً درجة المخاطر التي ستقبلها إيران في حال التمسك بموقفها المعلن سابقاً، وفي نفس الوقت ستكشف مدى الصبر الأميركي ودرجة المرونة التي ستعتمدها مع الإيرانيين، وعلى الارجح ستترافق المرحلة الجديدة من المفاوضات مع ضغوطات عسكرية وسياسية في الجبهات المؤثرة. وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة هامة، وهي أن المواقف الحاسمة والقرارات النهائية في عملية التفاوض لا تعود لفريقي التفاوض المعينين، بل هي عند الرئيس الأميركي 'دونالد ترامب' وعند المرشد الأعلى 'علي خامنئي'.