أحدث الأخبار مع #Dedollarization


جفرا نيوز
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- جفرا نيوز
الدولرة
جفرا نيوز - إسماعيل الشريف الانهيار لا يأتي دفعة واحدة، بل يحدث مثلما تتصدع الجدران؛ شق صغير، فآخر، ثم ينهار كل شيء دفعة واحدة-إلياس خوري، عن رواية باب الشمس. يشهد الدولار تراجعًا ملحوظًا، ويُتداول على نطاق واسع مصطلح Dedollarization، أي الدولرة بمعنى تقليل الاعتماد على الدولار. لا أقول إن الدولار ينهار، لكننا قد نكون بالفعل أمام بداية مرحلة تراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي. تراجع الدولار بنحو 9% من قيمته وفق مؤشر قوته أمام سلة العملات (اليورو، الين الياباني، الكرونا السويدية، الجنيه الإسترليني، والدولار الكندي)، وذلك في أعقاب إعلان الرئيس ترامب عن رفع الرسوم الجمركية على العديد من دول العالم، وإطلاقه شرارة الحرب الاقتصادية مع الصين. ورغم أن هذا القرار لم ينعكس فورًا على أسعار السلع، إلا أنه أحدث اضطرابات حادة في الأسواق والمؤشرات المالية. إلا أن الأثر الأعمق تمثّل في تآكل ثقة المجتمع الدولي بالدولار كعملة مرجعية مستقرة، وهو تطور استراتيجي قد يحمل تداعيات خطيرة على المدى الطويل. لا يزال الدولار يتربع على عرش العملات العالمية، لكنه يشهد تراجعًا تدريجيًا. فعلى سبيل المثال، شكّل الدولار في عام 2001 نحو 72% من الاحتياطيات العالمية من العملات الأجنبية، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى حوالي 58% حاليًا، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي. قد يشكّل قرار رفع الرسوم الجمركية نقطة انطلاق لسلسلة من الانهيارات المحتملة، إذ يُنظر إليه كعامل محفز لاضطرابات اقتصادية أوسع. وفي هذا السياق، قد يكون تراجع قيمة الدولار هو الحجر الأول في سلسلة الدومينو التي قد تُفضي إلى ضربات متتالية للاقتصاد الأمريكي، خاصة في ظل تصاعد مساعي العديد من الدول لتقليل اعتمادها على العملة الأمريكية في التبادل التجاري والاحتياطيات النقدية. تعتمد الولايات المتحدة في تمويل عجزها على الاقتراض من خلال بيع سندات الخزينة، التي تشتريها دول ومؤسسات مالية عالمية تثق بقدرة الحكومة الأمريكية على سدادها في موعدها، مقابل عوائد (فوائد). وبهذا، تحصل الولايات المتحدة على قروض بتكاليف منخفضة نسبيًا. لكن تراجع قيمة الدولار وضعف الثقة في استقراره المالي يُقللان من جاذبية هذه السندات، ما يدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى لتعويض المخاطر، فترتفع معدلات الفائدة، وتزداد كلفة الاقتراض على الحكومة الأمريكية. وقد تجلّت هذه الظاهرة بوضوح عند فرض الرئيس ترامب الرسوم الجمركية؛ إذ شهدت الأسواق تقلبات حادة، وتراجع الدولار، وصاحب ذلك ارتفاع في عوائد سندات الخزينة الأمريكية. أدرك الرئيس ترامب خطورة تداعيات قراره، فتراجع مؤقتًا وأعلن تأجيل تنفيذ الرسوم الجمركية لمدة تسعين يومًا، بانتظار تدفّق قادة الدول إلى البيت الأبيض للتفاوض حول نسب الرسوم. وقد برّر هذا التراجع بالقول إن التأجيل كان جزءًا من خطته الأصلية، مؤكدًا أن الهدف الرئيسي من الإجراءات هو الضغط على الصين. قرار ترامب، كما يُقال في التعبير الأمريكي، كان أشبه بـ»إطلاق النار على القدم»، إذ ارتدت تداعياته سلبًا على الاقتصاد الأمريكي ذاته. فتقييد التجارة يقلّل الطلب على الدولار، ويحفّز بعض الدول على التخلّص من احتياطاتها الدولارية، مما يؤدي إلى تراجع قيمته. وهذا بدوره يُضعف الثقة بسندات الخزينة، لأن استردادها بالعملات الوطنية عند موعد الاستحقاق سينتج عنه تحويل أقل من المتوقع. ولتعويض هذا الفرق، تُرفع العوائد على السندات لجذب المستثمرين، ما يرفع كلفة الاقتراض على الحكومة الأمريكية، ويؤدي لاحقًا إلى زيادة العجز المالي، وارتفاع معدلات التضخم، وبالتالي ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة نفسها. من المسلم به أن الولايات المتحدة تستهلك أكثر مما تُنتج، وتعتمد على طباعة النقود دون غطاء مالي فعلي. ومع ذلك، فإن قوة الدولار لا تنبع فقط من مؤشرات الاقتصاد الكلي، بل من عوامل أخرى أهمها الهيمنة العسكرية الأمريكية، وثقة الدول في العملة الأمريكية، إضافة إلى ارتباط تسعير النفط عالميًا بالدولار فيما يُعرف بـ»البترودولار». هذه العوامل مجتمعة تُعزّز من مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية، وتمنح الولايات المتحدة قدرة فريدة على استخدام عملتها كأداة لمكافأة الحلفاء ومعاقبة الخصوم، وهو من الأسباب الرئيسية التي تضمن استمرار قيادتها للنظام العالمي. من المسلم به أيضًا أن الدينار الأردني مرتبط بالدولار الأمريكي، ما يعني أن أي تراجع في قيمة الدولار قد ينعكس سلبًا على الدينار. وعلى الرغم من أن التقارير الاقتصادية ومؤسسات التصنيف الائتماني تجمع على متانة الاقتصاد الأردني واستقراره، إلا أن هذا الارتباط يستوجب منا اتخاذ خطوات تحوطية، من بينها تنويع احتياطيات البنك المركزي لتشمل سلة أوسع من العملات، إضافة إلى الذهب والفضة، لتقليل أثر تقلبات الدولار. أما بالنسبة لرجال الأعمال، فالنصيحة الأهم هي الاستثمار في الاقتصاد الوطني، من خلال شراء السلع وضخ الأموال في المشاريع الإنتاجية، بدلًا من اكتناز السيولة. وأما أنا وأنت، عزيزي القارئ، فلا نملك سوى مراقبة ما يحدث، ورفع أكفّنا إلى السماء، سائلين الله اللطف في ما هو قادم. الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار التصعيد الاقتصادي مع الصين، خاصة في ظل تهديدات ترامب بإقالة رئيس الاحتياطي الفدرالي. نحن أمام مفترق طرق: إما المضي قدمًا في مسار إزالة الدولرة، بما يحمله من مخاطر على الاقتصادين الأمريكي والعالمي، أو التوصل إلى تسوية تُعيد بعض الهدوء والاستقرار إلى النظام المالي الدولي.


أخبارنا
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- أخبارنا
اسماعيل الشريف يكتب : الدولرة
أخبارنا : الانهيار لا يأتي دفعة واحدة، بل يحدث مثلما تتصدع الجدران؛ شق صغير، فآخر، ثم ينهار كل شيء دفعة واحدة-إلياس خوري، عن رواية باب الشمس. يشهد الدولار تراجعًا ملحوظًا، ويُتداول على نطاق واسع مصطلح Dedollarization، أي الدولرة بمعنى تقليل الاعتماد على الدولار. لا أقول إن الدولار ينهار، لكننا قد نكون بالفعل أمام بداية مرحلة تراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي. تراجع الدولار بنحو 9% من قيمته وفق مؤشر قوته أمام سلة العملات (اليورو، الين الياباني، الكرونا السويدية، الجنيه الإسترليني، والدولار الكندي)، وذلك في أعقاب إعلان الرئيس ترامب عن رفع الرسوم الجمركية على العديد من دول العالم، وإطلاقه شرارة الحرب الاقتصادية مع الصين. ورغم أن هذا القرار لم ينعكس فورًا على أسعار السلع، إلا أنه أحدث اضطرابات حادة في الأسواق والمؤشرات المالية. إلا أن الأثر الأعمق تمثّل في تآكل ثقة المجتمع الدولي بالدولار كعملة مرجعية مستقرة، وهو تطور استراتيجي قد يحمل تداعيات خطيرة على المدى الطويل. لا يزال الدولار يتربع على عرش العملات العالمية، لكنه يشهد تراجعًا تدريجيًا. فعلى سبيل المثال، شكّل الدولار في عام 2001 نحو 72% من الاحتياطيات العالمية من العملات الأجنبية، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى حوالي 58% حاليًا، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي. قد يشكّل قرار رفع الرسوم الجمركية نقطة انطلاق لسلسلة من الانهيارات المحتملة، إذ يُنظر إليه كعامل محفز لاضطرابات اقتصادية أوسع. وفي هذا السياق، قد يكون تراجع قيمة الدولار هو الحجر الأول في سلسلة الدومينو التي قد تُفضي إلى ضربات متتالية للاقتصاد الأمريكي، خاصة في ظل تصاعد مساعي العديد من الدول لتقليل اعتمادها على العملة الأمريكية في التبادل التجاري والاحتياطيات النقدية. تعتمد الولايات المتحدة في تمويل عجزها على الاقتراض من خلال بيع سندات الخزينة، التي تشتريها دول ومؤسسات مالية عالمية تثق بقدرة الحكومة الأمريكية على سدادها في موعدها، مقابل عوائد (فوائد). وبهذا، تحصل الولايات المتحدة على قروض بتكاليف منخفضة نسبيًا. لكن تراجع قيمة الدولار وضعف الثقة في استقراره المالي يُقللان من جاذبية هذه السندات، ما يدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى لتعويض المخاطر، فترتفع معدلات الفائدة، وتزداد كلفة الاقتراض على الحكومة الأمريكية. وقد تجلّت هذه الظاهرة بوضوح عند فرض الرئيس ترامب الرسوم الجمركية؛ إذ شهدت الأسواق تقلبات حادة، وتراجع الدولار، وصاحب ذلك ارتفاع في عوائد سندات الخزينة الأمريكية. أدرك الرئيس ترامب خطورة تداعيات قراره، فتراجع مؤقتًا وأعلن تأجيل تنفيذ الرسوم الجمركية لمدة تسعين يومًا، بانتظار تدفّق قادة الدول إلى البيت الأبيض للتفاوض حول نسب الرسوم. وقد برّر هذا التراجع بالقول إن التأجيل كان جزءًا من خطته الأصلية، مؤكدًا أن الهدف الرئيسي من الإجراءات هو الضغط على الصين. قرار ترامب، كما يُقال في التعبير الأمريكي، كان أشبه بـ»إطلاق النار على القدم»، إذ ارتدت تداعياته سلبًا على الاقتصاد الأمريكي ذاته. فتقييد التجارة يقلّل الطلب على الدولار، ويحفّز بعض الدول على التخلّص من احتياطاتها الدولارية، مما يؤدي إلى تراجع قيمته. وهذا بدوره يُضعف الثقة بسندات الخزينة، لأن استردادها بالعملات الوطنية عند موعد الاستحقاق سينتج عنه تحويل أقل من المتوقع. ولتعويض هذا الفرق، تُرفع العوائد على السندات لجذب المستثمرين، ما يرفع كلفة الاقتراض على الحكومة الأمريكية، ويؤدي لاحقًا إلى زيادة العجز المالي، وارتفاع معدلات التضخم، وبالتالي ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة نفسها. من المسلم به أن الولايات المتحدة تستهلك أكثر مما تُنتج، وتعتمد على طباعة النقود دون غطاء مالي فعلي. ومع ذلك، فإن قوة الدولار لا تنبع فقط من مؤشرات الاقتصاد الكلي، بل من عوامل أخرى أهمها الهيمنة العسكرية الأمريكية، وثقة الدول في العملة الأمريكية، إضافة إلى ارتباط تسعير النفط عالميًا بالدولار فيما يُعرف بـ»البترودولار». هذه العوامل مجتمعة تُعزّز من مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية، وتمنح الولايات المتحدة قدرة فريدة على استخدام عملتها كأداة لمكافأة الحلفاء ومعاقبة الخصوم، وهو من الأسباب الرئيسية التي تضمن استمرار قيادتها للنظام العالمي. من المسلم به أيضًا أن الدينار الأردني مرتبط بالدولار الأمريكي، ما يعني أن أي تراجع في قيمة الدولار قد ينعكس سلبًا على الدينار. وعلى الرغم من أن التقارير الاقتصادية ومؤسسات التصنيف الائتماني تجمع على متانة الاقتصاد الأردني واستقراره، إلا أن هذا الارتباط يستوجب منا اتخاذ خطوات تحوطية، من بينها تنويع احتياطيات البنك المركزي لتشمل سلة أوسع من العملات، إضافة إلى الذهب والفضة، لتقليل أثر تقلبات الدولار. أما بالنسبة لرجال الأعمال، فالنصيحة الأهم هي الاستثمار في الاقتصاد الوطني، من خلال شراء السلع وضخ الأموال في المشاريع الإنتاجية، بدلًا من اكتناز السيولة. وأما أنا وأنت، عزيزي القارئ، فلا نملك سوى مراقبة ما يحدث، ورفع أكفّنا إلى السماء، سائلين الله اللطف في ما هو قادم. الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار التصعيد الاقتصادي مع الصين، خاصة في ظل تهديدات ترامب بإقالة رئيس الاحتياطي الفدرالي. نحن أمام مفترق طرق: إما المضي قدمًا في مسار إزالة الدولرة، بما يحمله من مخاطر على الاقتصادين الأمريكي والعالمي، أو التوصل إلى تسوية تُعيد بعض الهدوء والاستقرار إلى النظام المالي الدولي. ــ الدستور

الدستور
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- الدستور
الدولرة
الانهيار لا يأتي دفعة واحدة، بل يحدث مثلما تتصدع الجدران؛ شق صغير، فآخر، ثم ينهار كل شيء دفعة واحدة-إلياس خوري، عن رواية باب الشمس.يشهد الدولار تراجعًا ملحوظًا، ويُتداول على نطاق واسع مصطلح Dedollarization، أي الدولرة بمعنى تقليل الاعتماد على الدولار. لا أقول إن الدولار ينهار، لكننا قد نكون بالفعل أمام بداية مرحلة تراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.تراجع الدولار بنحو 9% من قيمته وفق مؤشر قوته أمام سلة العملات (اليورو، الين الياباني، الكرونا السويدية، الجنيه الإسترليني، والدولار الكندي)، وذلك في أعقاب إعلان الرئيس ترامب عن رفع الرسوم الجمركية على العديد من دول العالم، وإطلاقه شرارة الحرب الاقتصادية مع الصين. ورغم أن هذا القرار لم ينعكس فورًا على أسعار السلع، إلا أنه أحدث اضطرابات حادة في الأسواق والمؤشرات المالية. إلا أن الأثر الأعمق تمثّل في تآكل ثقة المجتمع الدولي بالدولار كعملة مرجعية مستقرة، وهو تطور استراتيجي قد يحمل تداعيات خطيرة على المدى الطويل.لا يزال الدولار يتربع على عرش العملات العالمية، لكنه يشهد تراجعًا تدريجيًا. فعلى سبيل المثال، شكّل الدولار في عام 2001 نحو 72% من الاحتياطيات العالمية من العملات الأجنبية، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى حوالي 58% حاليًا، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.قد يشكّل قرار رفع الرسوم الجمركية نقطة انطلاق لسلسلة من الانهيارات المحتملة، إذ يُنظر إليه كعامل محفز لاضطرابات اقتصادية أوسع. وفي هذا السياق، قد يكون تراجع قيمة الدولار هو الحجر الأول في سلسلة الدومينو التي قد تُفضي إلى ضربات متتالية للاقتصاد الأمريكي، خاصة في ظل تصاعد مساعي العديد من الدول لتقليل اعتمادها على العملة الأمريكية في التبادل التجاري والاحتياطيات النقدية.تعتمد الولايات المتحدة في تمويل عجزها على الاقتراض من خلال بيع سندات الخزينة، التي تشتريها دول ومؤسسات مالية عالمية تثق بقدرة الحكومة الأمريكية على سدادها في موعدها، مقابل عوائد (فوائد). وبهذا، تحصل الولايات المتحدة على قروض بتكاليف منخفضة نسبيًا. لكن تراجع قيمة الدولار وضعف الثقة في استقراره المالي يُقللان من جاذبية هذه السندات، ما يدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى لتعويض المخاطر، فترتفع معدلات الفائدة، وتزداد كلفة الاقتراض على الحكومة الأمريكية. وقد تجلّت هذه الظاهرة بوضوح عند فرض الرئيس ترامب الرسوم الجمركية؛ إذ شهدت الأسواق تقلبات حادة، وتراجع الدولار، وصاحب ذلك ارتفاع في عوائد سندات الخزينة الأمريكية.أدرك الرئيس ترامب خطورة تداعيات قراره، فتراجع مؤقتًا وأعلن تأجيل تنفيذ الرسوم الجمركية لمدة تسعين يومًا، بانتظار تدفّق قادة الدول إلى البيت الأبيض للتفاوض حول نسب الرسوم. وقد برّر هذا التراجع بالقول إن التأجيل كان جزءًا من خطته الأصلية، مؤكدًا أن الهدف الرئيسي من الإجراءات هو الضغط على الصين.قرار ترامب، كما يُقال في التعبير الأمريكي، كان أشبه بـ»إطلاق النار على القدم»، إذ ارتدت تداعياته سلبًا على الاقتصاد الأمريكي ذاته. فتقييد التجارة يقلّل الطلب على الدولار، ويحفّز بعض الدول على التخلّص من احتياطاتها الدولارية، مما يؤدي إلى تراجع قيمته. وهذا بدوره يُضعف الثقة بسندات الخزينة، لأن استردادها بالعملات الوطنية عند موعد الاستحقاق سينتج عنه تحويل أقل من المتوقع. ولتعويض هذا الفرق، تُرفع العوائد على السندات لجذب المستثمرين، ما يرفع كلفة الاقتراض على الحكومة الأمريكية، ويؤدي لاحقًا إلى زيادة العجز المالي، وارتفاع معدلات التضخم، وبالتالي ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة نفسها.من المسلم به أن الولايات المتحدة تستهلك أكثر مما تُنتج، وتعتمد على طباعة النقود دون غطاء مالي فعلي. ومع ذلك، فإن قوة الدولار لا تنبع فقط من مؤشرات الاقتصاد الكلي، بل من عوامل أخرى أهمها الهيمنة العسكرية الأمريكية، وثقة الدول في العملة الأمريكية، إضافة إلى ارتباط تسعير النفط عالميًا بالدولار فيما يُعرف بـ»البترودولار». هذه العوامل مجتمعة تُعزّز من مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية، وتمنح الولايات المتحدة قدرة فريدة على استخدام عملتها كأداة لمكافأة الحلفاء ومعاقبة الخصوم، وهو من الأسباب الرئيسية التي تضمن استمرار قيادتها للنظام العالمي.من المسلم به أيضًا أن الدينار الأردني مرتبط بالدولار الأمريكي، ما يعني أن أي تراجع في قيمة الدولار قد ينعكس سلبًا على الدينار. وعلى الرغم من أن التقارير الاقتصادية ومؤسسات التصنيف الائتماني تجمع على متانة الاقتصاد الأردني واستقراره، إلا أن هذا الارتباط يستوجب منا اتخاذ خطوات تحوطية، من بينها تنويع احتياطيات البنك المركزي لتشمل سلة أوسع من العملات، إضافة إلى الذهب والفضة، لتقليل أثر تقلبات الدولار.أما بالنسبة لرجال الأعمال، فالنصيحة الأهم هي الاستثمار في الاقتصاد الوطني، من خلال شراء السلع وضخ الأموال في المشاريع الإنتاجية، بدلًا من اكتناز السيولة. وأما أنا وأنت، عزيزي القارئ، فلا نملك سوى مراقبة ما يحدث، ورفع أكفّنا إلى السماء، سائلين الله اللطف في ما هو قادم.الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار التصعيد الاقتصادي مع الصين، خاصة في ظل تهديدات ترامب بإقالة رئيس الاحتياطي الفدرالي. نحن أمام مفترق طرق: إما المضي قدمًا في مسار إزالة الدولرة، بما يحمله من مخاطر على الاقتصادين الأمريكي والعالمي، أو التوصل إلى تسوية تُعيد بعض الهدوء والاستقرار إلى النظام المالي الدولي.


الدستور
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- الدستور
الدولار في مهب رياح ترامب.. هل تنتهي الهيمنة؟
لا تسقط الإمبراطوريات بضربة واحدة، لكنها تترنح أولًا ثم تتداعى. من يتابع ما جرى في الساعات الأخيرة داخل أسواق المال العالمية، لن يحتاج إلى كثير من التأمل ليدرك أن الدولار الأمريكي لم يعد كما كان، وأن الثقة في "العملة الأقوى في العالم" بدأت تتآكل على نحو غير مسبوق. في غضون أيام قليلة، تهاوى مؤشر الدولار إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات. الأسواق مرتبكة في حالة ترقب. الأسهم والسندات الأمريكية، تتهاوى في نفس الوقت، في مشهد قلّما عرفته بورصة نيويورك منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. بعض التقارير – مثل ما نشرته وكالة رويترز – تشير إلى أن الدولار خسر 1.7% من قيمته في جلسة واحدة، وهي أكبر خسارة يومية له منذ عام 2022، بينما قفز الفرنك السويسري أمامه بنسبة 3.6%، وارتفع اليورو والين الياباني في وقتٍ بدا فيه أن الجميع يتخلص من العملة الخضراء. المسألة هنا تتجاوز الأسواق وأرقامها، إنها أزمة في "سمعة أمريكا" نفسها. بحسب تعبير المحلل المالي مارك تشاندلر لموقع Market Watchالأمريكي، يبدو أن الولايات المتحدة لن تكون "الملاذ الآمن" لرؤوس الأموال العالمية خلال الفترة المقبلة. بسبب قرارات ترامب الصادمة، هناك حالة يمكن وصفها بـ "إضراب رؤوس الأموال" عن الاستثمار في الأصول المالية الأمريكية، رغم أنها كانت تُعتبر أكثر أدوات الاستثمار أمانًا في العالم قبل وصول ترامب. من المبكر معرفة ما إذا كان هذا الإضراب لأسباب احتجاجية على قرارات ترامب، أم لأسباب فنية تتعلق بالنظرة التشاؤمية لمستقبل الاقتصاد الأمريكي. ما يحدث الآن يحمل ملامح أزمة ممتدة، لا أزمة طارئة. إذ إن قرارات السياسة الاقتصادية الصادمة لإدارة ترامب تعكس اضطرابا خطيرا في المركز العصبي لصانع القرار الأمريكي. فرض تعريفات جمركية على واردات غالبية دول العالم، ثم تعليق بعضها، ثم التهديد بفرض تعريفات جديدة على الإليكترونيات وأجهزة المحمول، كلها قرارات ترسم صورة عشوائية لبيئة استثمار غير مستقرة. سجل التاريخ فك الارتباط بين الدولار والذهب 1971 أو ما يعرف بـ"صدمة نيكسون"، نقطة مفصلية في مسار الاقتصاد العالمي، فإن ما تعيشه الولايات المتحدة الآن هو الأكثر صعوبة، حيث انهيار الثقة هو أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة تقود اقتصاد العالم منذ 80 عاما. رغم صدمة نيكسون استمرت حقبة "الهيمنة الدولارية" بقوة الدفع الاستراتيجية والعسكرية والسياسية الأمريكية، وبهيمنة مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وباستخدام الدولار كأداة قهر ناعمة تُفرض بها العقوبات وتُحدد بها أسعار النفط عالميا، وتُدار بها التبادلات التجارية الكبرى. أما حاليا وبسبب التحولات الكبرى التي شهدها العالم أبرزها التكنولوجية، هناك توجه صاعد بقوة في العقد الأخير نحو "التخلص من الدولار" أو ما يعرف بـ De-dollarization. لن يكون الدولار هو العملة الوحيدة أو المفضلة في التسويات الدولية. الصين، أوروبا، ودول الخليج بدأت تتجه - بدرجات متفاوتة - للتعامل فيما بينها بعملاتها المحلية، في إشارة لا يمكن تجاهلها إلى أن العالم يتحرر تدريجيا من قبضة الدولار. في هذا السياق، يعود الذهب إلى الواجهة، ويحقق ارتفاعات قياسية في أسعاره، إلى جانب ظهور بدائل أكثر ثورية مثل العملات الرقمية، كـ"بيتكوين"، التي اعتبرتها بعض المؤسسات الاستثمارية مثل Grayscale أصل حقيقي، قد ينافس الذهب ذاته في مكانته التاريخية كـ"مخزن للقيمة". كل هذا لا يعني أن الاقتصاد الأمريكي سينهار غدًا، أو أن النظام المالي العالمي سيتغير بين ليلة وضحاها، لكنه يعني – وبوضوح – أننا أمام لحظة مفصلية أخرى. لحظة انتقال، تتشكل فيها ملامح نظام اقتصادي جديد، متعدد الأقطاب، لا تحتكر فيه واشنطن وحدها مفاتيح الثروة، ولا تهيمن بأدواتها المالية على مصير الشعوب. منذ اتفاقية "بريتون وودز"، تتزعم الولايات المتحدة إدارة دفة اقتصاد العالم، بفرض القرار الأمريكي بالقوة أو بالحيلة. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات رفعت واشنطن لافتة بطول الكرة الأرضية إيذانا ببدء القرن الأمريكي مع دخول الألفية الجديدة. اعتمدت واشنطن في توجهها الإمبراطوري على ركيزتين أساسيتين، الأولى قوتها العسكرية الجبارة، والثانية اقتصادها الأقوى عالميا. بسبب هاتين الركيزتين، امتد الوجود الأمريكي إلى كل شبر في العالم، ما حقق لها مكانة دولية لم تتحقق لغيرها في التاريخ الحديث. لم تستطع قوة في العالم زحزحة الولايات المتحدة عن عرش الزعامة في عصر العولمة، بقدر ما قد تفعله الآن واشنطن بنفسها من الداخل. ترامب وفريقه من ذوي النزعات القومية وأنصار السياسات الحمائية، يدفعون بقوة في اتجاه لملمة الأوراق والانكفاء على الداخل وسحب الأذرع الأمريكية من مساحات النفوذ، بعد إعلان الخصومة مع العالم بهذه السياسات المتهورة. رغم أن انتهاء الهيمنة الاقتصادية الأمريكية غاية المُنى لكثيرين حول العالم، يبقى الأمر محفوف بالمخاطر الكبرى إن حدث بشكل دراماتيكي. النظام المالي العالمي مترابط بشكل عميق، وانهيار سريع في الثقة بالدولار، قد يتسبب في اضطراب واسع النطاق، وتدافع نحو أصول غير مستقرة، ما قد يُدخل الأسواق في دوامة هلع مالي شبيه بما حدث في "الكساد العظيم"، أو في أزمة 2008، لكن بأبعاد أكثر شمولا. نحن أمام مرحلة "إعادة تقييم للمخاطر السيادية". بمعنى أكثر تفصيلا، ستعيد الدول التي ظلت تعتمد على الدولار كملاذ آمن، حساباتها، ليس فقط فيما يخص الدولار، ولكن في شأن النموذج الاقتصادي الأمريكي كله، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة - التي كانت تُقرض العالم من خلال سنداتها - مطالبة الآن بدفع فائدة أعلى، لإقناع المستثمرين بالاحتفاظ بتلك السندات. هذا يعني عجزا ماليا أكبر، وديونا أكثر تكلفة، وضغطا إضافيا على الميزانية الأمريكية، في وقت تشهد فيه البلاد انقسامات سياسية حادة واقتصادا يتأرجح بين الركود والتضخم. السيناريو الأخطر، فهو ما يُعرف بـ"التراجع الهيكلي" للقوة الإمبراطورية. حينما تفقد أي قوة كبرى قدرتها على ضبط أدوات سيطرتها الناعمة، تبدأ في استخدام أدواتها الخشنة، وهو ما قد يفسر تصاعد النزعات العدوانية في السياسة الأمريكية الخارجية مؤخرا، ومحاولات إحياء خطاب "الخطر الصيني"، أو التوترات في بحر الصين، أو حتى دعم مسارات التوتر في الشرق الأوسط كوسيلة لإعادة تدوير الأزمات على نحو يخدم المصالح الأمريكية. الأسئلة الآن مفتوحة على كل الاحتمالات: هل ينتهي القرن الأمريكي بعد ربع المسافة فقط أم تنجح مؤسسات الدولة العميقة في تجديد نفسها واحتواء آثار سياسات ترامب الكارثية؟ هل يمكن بناء نظام بديل؟ أم أن العالم على اعتاب فوضى الانتقال من قيادة لأخرى؟ ثم ما هي القوة البديلة أصلا التي ستحكم اقتصاد العالم في العقد القادم؟ هل هي الصين؟ أوروبا؟ أم أنماط جديدة من التحالفات كـ"بريكس" ومنظمة شنغهاي وما يُستجد من كيانات؟ هل نحن إذًا أمام لحظة سقوط الإمبراطورية الأمريكية؟ ربما ليس بالمعنى الدرامي الذي يتخيله البعض، ولكن بالتأكيد، نحن نعيش "بداية التراجع". اللحظة التي يبدأ فيها نظام جديد في التشكل، وسط ارتباك النظم القديمة، وتغير التوازنات الدولية. العالم يتغير، سواء بسبب رعونة ترامب وإدارته أو بغيرها. المؤكد أننا على أعتاب مرحلة لن يكون الدولار فيها سيد العملات كما كان، حتى لو نجحت الولايات المتحدة في احتواء هذا التراجع واستعادة الثقة. فعقارب الساعة لا تعود للوراء أبدا