logo
#

أحدث الأخبار مع #GeoTech

من الجغرافيا إلى الخوارزم: عصر الـGeo Tech وصياغة النفوذ الجديد
من الجغرافيا إلى الخوارزم: عصر الـGeo Tech وصياغة النفوذ الجديد

البلاد البحرينية

timeمنذ 6 أيام

  • سياسة
  • البلاد البحرينية

من الجغرافيا إلى الخوارزم: عصر الـGeo Tech وصياغة النفوذ الجديد

في وقتٍ كانت الخرائط تُرسم فيها بالبوصلة والدم، وُلد مصطلح 'الجغرافيا السياسية' Geo Political كإطار لفهم كيف تؤثر الجغرافيا في رسم النفوذ، وتحديد التحالفات، وإشعال الحروب. لكننا اليوم نعيش انزياحًا زلزاليًّا في منطق القوة؛ لم تعد الجغرافيا وحدها كافية لفهم المعادلة، بل بات علينا أن نقرأ المشهد بعينٍ جديدة: عين تلتقط إشارات الضوء من كابلات الألياف البصرية، لا من تضاريس الجبال. إننا ندخل عصر 'الجغرافيا التكنولوجية' Geo Tech — زمنٌ لا تُقاس فيه الدول بما تختزنه من براميل نفط، بل بما تضخه من مليارات في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، ومراكز البيانات العابرة للقارات. من حقول النفط إلى أودية السيليكون حين زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب — مؤخرًا — الرياض وأبوظبي، قرأ كثيرون الزيارة على الطريقة الكلاسيكية: علاقة قديمة بذهبٍ أسود ما زال يسيل. لكن القراءة العميقة تفضح سطحية هذا التفسير؛ فالزيارة ليست جولة في متحف الطاقة، بل إقرار رسمي من واشنطن بأن خريطة النفوذ تعاد صياغتها الآن بلغة الخوارزميات. هذه العواصم لم تعد فقط 'دول نفط'، بل تحوّلت إلى رعاة رسميين للطفرات التكنولوجية الكبرى في وادي السيليكون، مستثمرين عمالقة في مستقبل الذكاء الاصطناعي الأمريكي نفسه. الرسالة واضحة: من يملك أدوات المستقبل، لا يُعامَل كمجرد تابع في الجغرافيا القديمة، بل كشريك في صياغة المعادلة القادمة. الـGeo Tech تفكيك المفهوم الجديد للهيمنة مصطلح Geo Tech لا يعني فقط توظيف التكنولوجيا في العلاقات الدولية، بل يعني إعادة تعريفها بالكامل. إنه يدور حول 'المقدرات المستقبلية' — أي تلك الأصول غير الملموسة التي ستحدد من يملك القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي، ومن يستطيع أن يُملي شروط اللعبة الجيوسياسية القادمة. هذه المقدرات تشمل، من بين أمور أخرى: * الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة: من يتحكم في برمجيات التفكير، يوجّه مصائر الأسواق والمؤسسات. * البنية التحتية الرقمية: مراكز بيانات، شبكات ألياف، بوابات سحابية — هي الموانئ الجديدة على طريق الحرير السيبراني. * الحوسبة الكمية: سلاح التشفير وفك الشيفرات في عالم ما بعد الأمن التقليدي. في هذا السياق، الدول التي تستثمر في هذه المجالات لا تسعى فقط للنمو، بل لامتلاك مفاتيح التفوّق. فليست مصادفة أن تكون دول الخليج — وعلى رأسها السعودية — محور هذه الزيارة الجيو-تكنولوجية. فهذه الدول لم تعد تعتمد على الطاقة فقط كمصدر للقوة، بل أصبحت تستخدم فوائضها المالية لتأمين موقع متقدم في السباق نحو المستقبل. السعودية على سبيل المثال، تضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية، وتحوّل مدنها إلى 'عواصم ذكية'، وترسم مشروع 'نيوم' كأول كيان جغرافي يولد داخل الفضاء الـGeo Tech قبل أن يثبت أقدامه على الأرض. الإمارات، بدورها، باتت شريكًا استراتيجيًّا في تمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة، وتحتضن الآن شركات ناشئة ذات ثقل عالمي. وفي البحرين ثمة استراتيجية واعدة ومتكاملة وشاملة للاستثمار في التقنية، وخصوصا الذكاء الاصطناعي. بعبارة أخرى، هذه الدول تنتقل من استثمارها في الجغرافيا (المكان)، إلى استثمارها في الزمن (المستقبل). صعود الذكاء الاصطناعي كعملة جيوسياسية لا يمكن فهم زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة دون إدراك أن الذكاء الاصطناعي هو العملة السياسية الجديدة. النفوذ هنا لا يُقاس بحاملات الطائرات، بل بالرموز البرمجية. انظر إلى الخريطة من زاوية Google وAmazon وAzure، وستكتشف أن الدول التي تستضيف البنية التحتية السحابية أصبحت عقدًا جيواستراتيجية لا تقل أهمية عن قناة السويس أو مضيق هرمز. ولهذا، تسعى دول الخليج لامتلاك هذه البنى على أرضها، كي لا تكون مجرد مستهلك للبيانات، بل بوابة عبور لها. التحالفات الجديدة على أساس الأكواد في هذا التحول، تتغير أيضًا طبيعة التحالفات. لم تعد المعاهدات تُبنى على حدود أو تهديدات مشتركة، بل على مشاريع مشتركة في الذكاء الاصطناعي، على أبحاث في الحوسبة، على بنى تحتية رقمية تُدار عبر قارات. ما نشهده اليوم هو تشكُّل محور Geo Tech عالمي، قوامه الدول القادرة على تمويل التكنولوجيا وتوطينها. قد لا تجمعها اللغة أو الأيديولوجيا، لكن يجمعها الاعتقاد بأن المستقبل يُصنع بالكود لا بالبندقية. إذا أردت أن تفهم شكل العالم القادم، لا تقرأ فقط عناوين السياسة التقليدية؛ بل اقرأ تقارير الاستثمارات في النماذج اللغوية، صفقات شركات الرقائق، خطط التوسع لمراكز البيانات. ففي زمن Geo Tech، التكنولوجيا أصبحت مرآة السياسة، بل باتت هي السياسة نفسها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store