#أحدث الأخبار مع #LaMatanzadelCerdoالبلاد البحرينية١٨-٠٥-٢٠٢٥ترفيهالبلاد البحرينيةالموريسكيون.. آخر حماة الأندلسالثاني من يناير عام 1492، الساعة الثالثة مساءً، غرناطة. لوحة تسليم غرناطة: مشهد النكبة: تُعدّ أبلغ تصوير لهذا اليوم الكئيب تلك التي رسمها الإسباني فرانثيسكو براديّا أورتيث؛ يظهر في الجانب الأيسر الملك أبو عبد الله الصغير متشحًا بجبة باللون الأسود يوحي بالحزن والانكسار، راكبًا حصانًا أسود، يمد يده بمفاتيح غرناطة، ويتبعه حاشيته بين راكع ومطأطئ الرأس. يقابله في الجانب الأيمن من اللوحة الملكان الكاثوليكيان: إيزابيلا بثوب أخضر مزخرف ومعطف أزرق فاتح، ألوان الزهو بالنصر، تركب حصانًا أبيض، وإلى جانبها فرناندو بملابس حمراء بالكامل، يمد يده لاستلام المفاتيح. بينهما، يظهر ابنهما الأمير خوان بتاج ملكي، وابنتهما الأميرة إيزابيلا بملابس حداد سوداء على زوجها الراحل، وحاشية واقفة باستعلاء. وفي الخلفية، تتجلى أسوار غرناطة البيضاء وقصر الحمراء شامخًا على الجبل، شاهدًا صامتًا على سقوط المجد. معاهدة حبر على ورق: لقد أبرم الملك أبو عبد الله معاهدة تسليم تضمنت خمسة وخمسين بندًا، طالب فيها بضمان حقوق الشعب الأندلسي في ممارسة شعائرهم، والاحتفاظ بمساجدهم، ولغتهم، وأملاكهم وأحلامهم! لكن ما إن سلّم المفاتيح وزفر زفرته الأخيرة وهو يلقي نظرة الوداع على غرناطة، والتي خلدها ذات الرسام في لوحة «زفرة العربي»، حتى عاثت محاكم التفتيش فسادًا في مصير هذا الشعب. تحوّلت المآذن إلى أجراس، وبدأ التغيير الممنهج لهوية المسلم العربي. ومن هنا، ظهر مصطلح «موريسكي» الذي أطلقه الإسبان للتقليل من شأن المسلمين الذين بقوا وتنصّروا في الظاهر، ولكنهم أخفوا إسلامهم. التنصير الإجباري: مُنعت الصلاة والصوم، وتحولت الجوامع إلى كنائس. وقد أصدر الملك كارلوس، وبضغط من الكنيسة، أمرًا بعدم غلق منازل الموريسكيين، وأن تظل مفتوحة طوال اليوم، وخاصة في الأعياد والعطلات وأيام الجمعة والسبت، ولتسهيل مداهمات محاكم التفتيش، أُجبروا على استبدال الأبواب بستائر قماشية؛ نعم، سُلبت حرمة البيت وأمانه. ناهيك عن إجبارهم على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير — رمز المحرَّم الإسلامي — واستُخدم ذلك كوسيلة رمزية لإثبات «الولاء للمسيحية». ولم يكن هذا الفرض الرمزي مؤقتًا، بل خلّف أثرًا ثقافيًا طويل المدى، إذ أصبح لحم الخنزير عنصرًا مركزيًا في المطبخ الإسباني المعاصر. ووفق الإحصائيات، بلغ متوسط استهلاك الفرد الإسباني من لحم الخنزير نحو 40 كغ سنويًا، من الأعلى عالميًا. وأصبحت «La Matanza del Cerdo» عادة شعبية لذبح الخنازير علنًا، تُقطع وتجفف لتجهيز أطباق مثل «جامون إيبيريكو» و«تشوريثو». وقد يرى بعض المؤرخين في هذا الاستهلاك المرتفع واستعراض هذه الطقوس استمرارًا لا واعيًا لذلك التاريخ القسري في تطبيع المحرمات الإسلامية. رُهاب العربية (Arabophobia): صدر أمر بحظر استخدام اللغة العربية كتابة أو قراءة، علنًا أو سرًا، وإلزام الموريسكيين باستخدام اللغة القشتالية. وبلغ رُهاب العربية أقصاه حين أمر الكاردينال خيمينيث، كبير محققي محاكم التفتيش، بحرق ما بين 80,000 إلى مليون مخطوط في ساحة باب الرملة في يوم واحد! كتب المؤرخ الأمريكي ستانلي لين بول: «في يوم مشؤوم، تحوّل كنز علمي وثقافي لا يُقدّر بثمن إلى رماد تحت أقدام الجهل والتعصب. رغم ما شكّله الحفاظ على اللغة العربية من خطر داهم على حياتهم، لم يتخلَّ الموريسكيون عنها، بل ابتكروا حيلة ذكية تُعرف بـ«لغة الخميادو» وهي كتابة الإسبانية بحروف عربية، ليؤسسوا ما يُعرف اليوم بـ«الأدب الموريسكي». يقول مصطفى السباعي في كتابه "من روائع حضارتنا": «لقد ضربوا أروع الأمثلة في المثابرة والجهاد، وكانوا نموذجًا مشرفًا لانتصار حضارة الإسلام » . الأندلسي المتأنق: يقول المقري: «وأهل الأندلس أشد خلق الله عناية بنظافة ما يلبسون وما يفرشون... وفيهم من لا يملك إلا قوت يومه فيصوم ليشتري صابونًا يغسل به ثيابه، ولا يظهر في ساعة يَكره فيها منظره» . سُلب من الموريكسي تأنقه ونظافته؛ التي كان من ضمن نمط حياته اليومي بدأت بهدم الحمامات العامة، وانتهت بفرض ارتداء الأزياء المسيحية. فحُظر الجبة والعمامة والقفطان. وكان للموريسكييات نصيب من القوانين الملكية التي تقضي بقص الضفائر وعدم استخدام الحناء والتزين بها ، وخلع الحجاب والقندرة ALCONDRA والملحفة ALMALAFA، عبارة عن قماش ابيض يغطي الوجه، وأمرت الأميرة خوانا (التي مرت فيما بعد بتعثرات في حياتها انتهت بالجنون ) بتحريم لبس أو اقتناء الثياب العربية الاسلامية حتى لايذكرهم بأصولهم. من أنا؟ اسمي لا يُشبهني!: ضمن سياسة «التعميد الإجباري»، حُوِّلت الأسماء الإسلامية إلى أسماء مسيحية: محمد صار خوان أو ميغيل، علي إلى أنطونيو أو خوسيه، فاطمة إلى إيزابيل أو ماريا، خديجة إلى كاتالينا. ممارسة فقدان ذاكرة قسري! فهل من محو أعنف من إجبار شعب على نسيان اسمه؟ تكشبيلة توليولا... مرثية موريسكية: «تكشبيلة توليولا.. ما قتلوني ما أحيوني.. غير ذاك الكاس اللي عطاوني»، قد يذكر القارئ هذه الأنشودة من أحد مشاهد مسرحية «باي باي لندن» حيث ضحك الجمهور، غير مدركين أن ما ظنّوه طرافة، لم يكن إلا مرثية أندلسية دامعة: «• تكشبيلة»: إشبيلية، المدينة التي أُجبر على مغادرته، «• توليولا»: سنعود إليها، «• ما قتلوني ما حياوني»: حال المعلّق بين الحياة والموت، «• ذاك الكاس»: كأس الخمر الذي أُجبر على شربه، «• الحرامي ما يموتشي»: الغاصب الإسباني لا يُهزم. «• جات خبارو في الكوتشي»: عربة البريد التي تحمل أخبار القمع.
البلاد البحرينية١٨-٠٥-٢٠٢٥ترفيهالبلاد البحرينيةالموريسكيون.. آخر حماة الأندلسالثاني من يناير عام 1492، الساعة الثالثة مساءً، غرناطة. لوحة تسليم غرناطة: مشهد النكبة: تُعدّ أبلغ تصوير لهذا اليوم الكئيب تلك التي رسمها الإسباني فرانثيسكو براديّا أورتيث؛ يظهر في الجانب الأيسر الملك أبو عبد الله الصغير متشحًا بجبة باللون الأسود يوحي بالحزن والانكسار، راكبًا حصانًا أسود، يمد يده بمفاتيح غرناطة، ويتبعه حاشيته بين راكع ومطأطئ الرأس. يقابله في الجانب الأيمن من اللوحة الملكان الكاثوليكيان: إيزابيلا بثوب أخضر مزخرف ومعطف أزرق فاتح، ألوان الزهو بالنصر، تركب حصانًا أبيض، وإلى جانبها فرناندو بملابس حمراء بالكامل، يمد يده لاستلام المفاتيح. بينهما، يظهر ابنهما الأمير خوان بتاج ملكي، وابنتهما الأميرة إيزابيلا بملابس حداد سوداء على زوجها الراحل، وحاشية واقفة باستعلاء. وفي الخلفية، تتجلى أسوار غرناطة البيضاء وقصر الحمراء شامخًا على الجبل، شاهدًا صامتًا على سقوط المجد. معاهدة حبر على ورق: لقد أبرم الملك أبو عبد الله معاهدة تسليم تضمنت خمسة وخمسين بندًا، طالب فيها بضمان حقوق الشعب الأندلسي في ممارسة شعائرهم، والاحتفاظ بمساجدهم، ولغتهم، وأملاكهم وأحلامهم! لكن ما إن سلّم المفاتيح وزفر زفرته الأخيرة وهو يلقي نظرة الوداع على غرناطة، والتي خلدها ذات الرسام في لوحة «زفرة العربي»، حتى عاثت محاكم التفتيش فسادًا في مصير هذا الشعب. تحوّلت المآذن إلى أجراس، وبدأ التغيير الممنهج لهوية المسلم العربي. ومن هنا، ظهر مصطلح «موريسكي» الذي أطلقه الإسبان للتقليل من شأن المسلمين الذين بقوا وتنصّروا في الظاهر، ولكنهم أخفوا إسلامهم. التنصير الإجباري: مُنعت الصلاة والصوم، وتحولت الجوامع إلى كنائس. وقد أصدر الملك كارلوس، وبضغط من الكنيسة، أمرًا بعدم غلق منازل الموريسكيين، وأن تظل مفتوحة طوال اليوم، وخاصة في الأعياد والعطلات وأيام الجمعة والسبت، ولتسهيل مداهمات محاكم التفتيش، أُجبروا على استبدال الأبواب بستائر قماشية؛ نعم، سُلبت حرمة البيت وأمانه. ناهيك عن إجبارهم على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير — رمز المحرَّم الإسلامي — واستُخدم ذلك كوسيلة رمزية لإثبات «الولاء للمسيحية». ولم يكن هذا الفرض الرمزي مؤقتًا، بل خلّف أثرًا ثقافيًا طويل المدى، إذ أصبح لحم الخنزير عنصرًا مركزيًا في المطبخ الإسباني المعاصر. ووفق الإحصائيات، بلغ متوسط استهلاك الفرد الإسباني من لحم الخنزير نحو 40 كغ سنويًا، من الأعلى عالميًا. وأصبحت «La Matanza del Cerdo» عادة شعبية لذبح الخنازير علنًا، تُقطع وتجفف لتجهيز أطباق مثل «جامون إيبيريكو» و«تشوريثو». وقد يرى بعض المؤرخين في هذا الاستهلاك المرتفع واستعراض هذه الطقوس استمرارًا لا واعيًا لذلك التاريخ القسري في تطبيع المحرمات الإسلامية. رُهاب العربية (Arabophobia): صدر أمر بحظر استخدام اللغة العربية كتابة أو قراءة، علنًا أو سرًا، وإلزام الموريسكيين باستخدام اللغة القشتالية. وبلغ رُهاب العربية أقصاه حين أمر الكاردينال خيمينيث، كبير محققي محاكم التفتيش، بحرق ما بين 80,000 إلى مليون مخطوط في ساحة باب الرملة في يوم واحد! كتب المؤرخ الأمريكي ستانلي لين بول: «في يوم مشؤوم، تحوّل كنز علمي وثقافي لا يُقدّر بثمن إلى رماد تحت أقدام الجهل والتعصب. رغم ما شكّله الحفاظ على اللغة العربية من خطر داهم على حياتهم، لم يتخلَّ الموريسكيون عنها، بل ابتكروا حيلة ذكية تُعرف بـ«لغة الخميادو» وهي كتابة الإسبانية بحروف عربية، ليؤسسوا ما يُعرف اليوم بـ«الأدب الموريسكي». يقول مصطفى السباعي في كتابه "من روائع حضارتنا": «لقد ضربوا أروع الأمثلة في المثابرة والجهاد، وكانوا نموذجًا مشرفًا لانتصار حضارة الإسلام » . الأندلسي المتأنق: يقول المقري: «وأهل الأندلس أشد خلق الله عناية بنظافة ما يلبسون وما يفرشون... وفيهم من لا يملك إلا قوت يومه فيصوم ليشتري صابونًا يغسل به ثيابه، ولا يظهر في ساعة يَكره فيها منظره» . سُلب من الموريكسي تأنقه ونظافته؛ التي كان من ضمن نمط حياته اليومي بدأت بهدم الحمامات العامة، وانتهت بفرض ارتداء الأزياء المسيحية. فحُظر الجبة والعمامة والقفطان. وكان للموريسكييات نصيب من القوانين الملكية التي تقضي بقص الضفائر وعدم استخدام الحناء والتزين بها ، وخلع الحجاب والقندرة ALCONDRA والملحفة ALMALAFA، عبارة عن قماش ابيض يغطي الوجه، وأمرت الأميرة خوانا (التي مرت فيما بعد بتعثرات في حياتها انتهت بالجنون ) بتحريم لبس أو اقتناء الثياب العربية الاسلامية حتى لايذكرهم بأصولهم. من أنا؟ اسمي لا يُشبهني!: ضمن سياسة «التعميد الإجباري»، حُوِّلت الأسماء الإسلامية إلى أسماء مسيحية: محمد صار خوان أو ميغيل، علي إلى أنطونيو أو خوسيه، فاطمة إلى إيزابيل أو ماريا، خديجة إلى كاتالينا. ممارسة فقدان ذاكرة قسري! فهل من محو أعنف من إجبار شعب على نسيان اسمه؟ تكشبيلة توليولا... مرثية موريسكية: «تكشبيلة توليولا.. ما قتلوني ما أحيوني.. غير ذاك الكاس اللي عطاوني»، قد يذكر القارئ هذه الأنشودة من أحد مشاهد مسرحية «باي باي لندن» حيث ضحك الجمهور، غير مدركين أن ما ظنّوه طرافة، لم يكن إلا مرثية أندلسية دامعة: «• تكشبيلة»: إشبيلية، المدينة التي أُجبر على مغادرته، «• توليولا»: سنعود إليها، «• ما قتلوني ما حياوني»: حال المعلّق بين الحياة والموت، «• ذاك الكاس»: كأس الخمر الذي أُجبر على شربه، «• الحرامي ما يموتشي»: الغاصب الإسباني لا يُهزم. «• جات خبارو في الكوتشي»: عربة البريد التي تحمل أخبار القمع.