أحدث الأخبار مع #LafferCurve

عمون
٠٣-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- عمون
الوزني يكتب: العالم بين الحكومات الرعائية والجبائية
جائزة نوبل في الاقتصاد للعام 2024 ذهبت إلى دارون أسيموغلو، وسايمون جونسون، وجيمس روبنسون، تقديرًا لأبحاثهم حول تأثير المؤسسات العامة في الوصول إلى التنمية الاقتصادية، وذلك باستخدام الأدوات السياسية والاقتصادية وصولاً إلى الازدهار. ولعل كتاب أسيموغو، وروبنسون، الموسوم'Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty' -(لماذا تفشل الأمم: أصول السلطة والرخاء والفقر)- يُلخص أفكار العلماء الثلاثة حول دور مؤسسات الدولة في تحقيق الازدهار، وفي مكافحة الفقر وتحقيق الرخاء الاقتصادي للمجتمع. ما قدمه العلماء الثلاثة في هذا المجال هو تقسيم دور الحكومات في إدارة شأن الاقتصاد إلى نوعين: دور الراعية، أو الرعائية، أو سمّها الرعوية، مستخدمين مصطلح الحكومات الدامجة أو الشمولية Inclusive Government، مقابل دور الجابية، أو الجبائية، أو حكومة الخراج والجباية، Extractive Government. ولعل الاستنتاج العام من أعمال العلماء الثلاثة يتمثل في إنّ التدخل الحكومي الرعائي، أو الرعوي، الفعّال يتطلب أربعة ممكنات: الأول تشريعات واضحة وعادلة، والثاني رقابلة مستقلة شفافة تحقق تنافسية استثمارية عادلة بين أطراف الاقتصاد، والثالث سياسات اقتصادية مرنة، تدعم النمو وتعزز الاستقرار التشريعي، والاستباقية الابتكارية الريادية، والممكن الرابع، والأهم، تحفيز الابتكار وريادة الأعمال بما يعزز تنشيط الاقتصاد الانتاجي على حساب الاعتماد على الاقتصاد الريعي الجبائي. المُمكنات الأربعة السابقة تشكل الوصفة الحقيقية لتنيظم الاقتصاد بفعّالية وكفاءة عالية، دون أن تشكل البيروقراطية الحكومية أي إعاقة لديناميكية السوق، ما يعني الوصول إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وعادلة. الحكومات الدامجة، أو الراعية، أو الرعائية موجودة اليوم في كثير من دول العالم، وحققت نجاحات نوعية كبيرة على مستوى الاقتصاد العالمي، وقد ظهر منها بشكل ملحوظ سينغافورة، وكندا، والسويد، واليابان، وحتى ألمانيا، وتُمثل دولة الإمارات العربية نموذج نوعي لمثل هذه الاقتصادات، بما تسعى إليه من تصفير البيروقراطية، ومن استرايتجية وطنية للذكاء الاصطناعي، ومن تحفيز كبير للابتكار والريادة، واستشراف المستقبل. في حين تشكل دول مثل كوريا الشمالية، وفنزويلا، وزيمبابوي، نماذج للدول القائمة على الجبائية، والخراج المالي، وعدم الشمول. الشاهد إنّ الاقتصادات اليوم تتجه نحو شراكة حقيقية مع القطاع الخاص للوصول إلى تحقيق تنمية لا مركزية حقيقية، تخدم أهداف الطرفين، في تحسين جودة الحياة بالنسبة للحكومات، وفي تحقيق العوائد المُجزية بالنسبة للقطاع الخاص. وبالرغم من ذلك تعمل كثير من الدول على زيادة الجبائية والخراج، على حساب الرعائية والشمولية، متناسية النظريات الاقتصادية الحديثة المُمثلة في منحنى لافر Laffer Curve، حيث تناقص غلة التحصيل بعد مستوى معين من العبء الضريبي، أو المقولات الاقتصادية التاريخية والتي جاءت على لسان إبن خلدون التي تعني "نهاية الحكومات في زيادة الجبايات". مع ملاحظة أن الجبائية الحديثة في الحكومات تمثلت ليس فقط في زيادة نسب الضرائب وعبئها، بل في مزاحمة القطاع الخاص على ما يتوفر من موارد تمويل محلية أو خارجية، حتى باتت الحكومات أكثر شراهة في التهام الدين، من الداخل والخارج، من أي قطاع خاص مهما كانت طبيعة عمله، أو شكل حاجته للتمويل.

عمون
١٥-٠٢-٢٠٢٥
- أعمال
- عمون
اعطيني "التعريفة" .. وأعطيك القرش ونص
هكذا كانت عقليته.. لا يهمه إلا أن يحصل على حقه البسيط.. قبل أن يعطي ما عليه.. لم ينظر إلى الصورة الأكبر.. لم يفكر في أن المسألة يمكن أن تكون أكثر ربحاً.. او أيسر تعاملاً.. لو غير زاوية النظر.. كان همه فقط أن يدخل جيبه ما يظنه ملكاً له.. دون أن يحسب ما سيخسره في المقابل.. ربما لم يكن يدرك ذلك وقتها.. ولكن لو عاد به الزمن.. لرأى أن فلسفة الإدارة المالية.. لا تقوم على الحسابات الضيقة والآنية.. بل على رؤية تتجاوز اللحظة الراهنة.. إلى المستقبل البعيد.. وهكذا هي حكوماتنا.. تتعامل مع المال.. بعقلية المقاول.. الذي يريد استرداد "التعريفة".. قبل أن يدفع القرش ونصف.. فكل سياساتها المالية.. تنحصر في كيفية تحصيل الأموال المباشرة.. في فرض الضرائب والرسوم والغرامات والتراخيص المتجددة.. في إلقاء الأعباء على كاهل المستثمر والمنشأة التجارية والصناعية.. وكأنها لا تدرك.. أن هذه الأعباء.. قد تعجّل من انهيار تلك المنشآت وإغلاقها.. او تقليص نشاطها.. فتكون النتيجة.. خسارة أكبر مما كانت تسعى إلى تحصيله.. تماما كما أن ذلك المقاول.. لو منح العامل قرشاً وهو الفارق بين المطالبتين.. لكان اسهل واسرع.. فما بالك لو أعطاه قرشه ونصف.. دون أن يطالبه بالتعريفة.. فربما كسب ولاءه وإخلاصه وعمله الدؤوب.. ليحقق ربحاً مضاعفاً لاحقاً.. ولكن كيف لعقله أن يعطيه قرشاً ونصف.. وهو يريد استرداد تعريفته؟!.. ما الذي يمنع الحكومة من تغيير هذه العقلية المحاسبية الضيقة.. والنظر إلى الاقتصاد بعين استثمارية.. لا بعين الجابي والمحصّل؟!.. ما الذي يمنعها من أن تدرك أن التسهيلات الحقيقية.. لا الوعود الإعلامية.. هي ما يبني اقتصاداً قوياً ومستداماً؟!.. أن دعم المنشآت.. وتخفيف الأعباء عنها.. سيؤدي بلا شك.. إلى نموها وتوسعها.. مما يخلق فرص عمل أكثر.. ويزيد من القوة الشرائية لدى الأفراد.. فينتعش السوق.. وتدور العجلة الاقتصادية بشكل صحي.. ليعود على الخزينة أضعاف ما كانت تسعى لتحصيله.. من الضرائب والرسوم المباشرة.. ولو أن القائمين على إدارة المال في الدولة.. فكروا بعقلية اقتصادية أوسع.. لوجدوا أن الحل ليس في فرض المزيد من الضرائب والرسوم.. بل في تحفيز الاقتصاد نفسه.. ليولد العائدات بشكل طبيعي ومستدام.. وهذا ما أثبته منحنى لافر (Laffer Curve).. الذي يوضح.. أن الضرائب عندما تكون مرتفعة جداً.. فإن العائد الفعلي للحكومة لا يزيد.. بل ينخفض.. لأن أصحاب الأعمال.. إما يلجؤون إلى التهرب الضريبي.. أو يغلقون منشآتهم بالكامل.. أو يقلصون استثماراتهم.. مما يؤدي في النهاية.. إلى إيرادات أقل.. وليس أكثر.. ومنحنى لافر ليس مجرد نظرية أكاديمية.. بل واقع أثبتته تجارب عالمية عديدة.. فالدول التي خفضت الضرائب.. وجعلتها معقولة.. شهدت انتعاشاً اقتصادياً.. أدى إلى زيادة إيرادات الدولة بطرق غير مباشرة.. بينما الدول التي بالغت في الضرائب.. انتهى بها الحال.. إلى تراجع الاستثمار.. وهروب رؤوس الأموال.. وزيادة البطالة.. تماما كما يحدث عندنا الآن.. وإذا نظرنا إلى نظرية "كينز في الطلب الفعّال".. نجد أن أحد أسس النمو الاقتصادي.. هو زيادة القوة الشرائية للأفراد.. فعندما تثقل الحكومة كاهل الشركات والأفراد.. بالضرائب والرسوم المرتفعة.. فإنها تقلل من قدرتهم على الإنفاق.. مما يؤدي إلى ركود الأسواق.. وانخفاض الإنتاج.. وضعف الاستثمارات الجديدة.. وهذا يعني في النهاية.. أن الحكومة تخسر أكثر مما تعتقد أنها تربحه.. بينما لو خففت من تلك الأعباء.. فإن الدورة الاقتصادية ستنشط.. وستتولد الضرائب من زيادة الحركة التجارية والاستثمارية.. وليس من استنزاف المنشآت حتى تنهار.. ولكن للأسف.. من يدير المال في هذه الدولة.. يفكر بعقلية المحاسب.. لا بعقلية رجل الأعمال.. أو المسؤول الاستراتيجي.. يرى الأرقام التي يجب تحصيلها اليوم.. ولا يفكر في الأرقام التي يمكن أن تتضاعف غداً.. إن أحسن التخطيط.. يرى الإيرادات المباشرة.. ولا يفكر في العوائد غير المباشرة.. يريد أن يمسك "التعريفة" قبل أن يعطي "القرش ونصف".. لكنه لا يدرك أنه بهذه العقلية.. يخسر الدينار.. علينا أن نضع نصب أعيننا.. من أراد أن يبني اقتصاداً حقيقياً.. فليتعلم كيف ينظر إلى المستقبل.. بعقلية من يريد أن يكسب أكثر.. لا بعقلية من يخشى أن يخسر الآن.. فليس كل ما يدخل الجيب اليوم.. يبقى فيه غداً.. بل قد يكون ثقباً يتسع.. حتى لا يبقى فيه شيء على الإطلاق..