logo
#

أحدث الأخبار مع #MotionPicturePatents

«السينما المستقلة».. ليه؟ (1-2)
«السينما المستقلة».. ليه؟ (1-2)

مدى

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • مدى

«السينما المستقلة».. ليه؟ (1-2)

رغم الاختلاف على تعريفها، وما تعنيه وما تشير إليه، فإن الظروف والسياقات الاجتماعية والسياسية الحاكمة لظهور ونشأة «السينما المستقلة» في مصر، لا تجعلها مجرد خيار فني، بل فعل مقاومة يومي، يصارع صانعوها طيفًا واسعًا من التحديات؛ تبدأ بندرة التمويل، ولا تنتهي عند سطوة الرقابة بأشكالها المختلفة، التي تهدد كل مشروع فني خارج الإطار المألوف. في هذا التحقيق الصحفي، الذي ننشره على جزئين، يحاول الكاتب، تفكيك هذه المنظومة المعقدة، عبر شهادات حية من مخرجات ومخرجين خاضوا المغامرة كاملة، مدفوعين بشغف السينما وقلق الحرية. هذا التحقيق ليس فقط توثيقًا للمعركة، بل هو دعوة للتفكير في معنى «الاستقلالية» في السياق المصري، فالصراع كاشف للحظة الحالية في مصر، في علاقتها بسؤالي الحرية والفن، بالمعنى الأوسع. يعني الجزء الأول بمناقشة المسائل الخاصة بالإنتاج وما قبله، كالهوية التأسيسية للسينما المستقلة، وسؤال «الأجندة» والتمويل، وبالطبع الرقابة وتصاريح التصوير. أما الجزء الثاني فنخصصه لمناقشة ما بعد الإنتاج، وهي أسئلة التوزيع والإتاحة والعلاقة مع الجمهور العام. نشكر المخرجات والمخرجين الذين تحدثوا معنا بانفتاح وكرم: هالة لطفي، وآيتن أمين، وتامر السعيد، ومروان عمارة، ومراد مصطفى، وأمجد أبو العلا. رغم مساحتها التسويقية المتواضعة، وإيراداتها الضئيلة، تشكل السينما المستقلة جزءًا مهمًا من تاريخ السينما العالمية، ترسخ وجودها كدعامة أساسية وخط موازٍ للسينما التجارية -إذا قسّمنا السينما إلى قسمين- خطان لا يتقاطعان، يخدم كل منهما غايات مُعينة ورغبات مختلفة عن الآخر تحدد شكله وتمنحه هوية خاصة. قبل أن نتحدث عن إشكاليات السينما المستقلة، يجب علينا تعريف المصطلح، والحقيقة أن السعي وراء المعنى وتقصّيه تاريخيًّا، حتى لو بشكل أولي، يمنحنا مدخلًا، مع العلم أنه لا يوفر استيعابًا مطلقًا للظاهرة، أو إدراكًا كليًا لتنويعات التجربة داخل السياق، لذا وجب التنويه إلى أن أي فهم للفظة «مستقل» لا يعني بالضرورة أنه التصور الأمثل أو النموذجي. المصطلح نفسه مُمتد، ويستمد قيمته من مئات التجارب المُختلفة، وهذه معضلة أُخرى. لذا بدلًا من الانخراط في تعريف المصطلح، يمكننا حصره في سمات معينة تسهّل علينا رصده. السينما المستقلة ببساطة هي محاولة للتحرُّر، سواء كان هذا التحرر داخليًّا؛ ينزع إلى المستوى الشكلي، أو خارجيًّا يهدف إلى تغيير نمط الصناعة ذاتها، وتحريكها باستراتيجية مختلفة. فمنذ البزوغ الأول لأفلام تحمل خصوصية فنية، بداية من القرن العشرين، نشأ صراع غير متكافئ بين احتكار الاستوديوهات والشركات الفنيّة، وبين فئة أخرى، ربما، في البداية، لم تجد مصلحتها في نمط إنتاجي لا يسمح بفرص خارج دوائره المغلقة. فنموذج الاستوديوهات لم يكن كما هو الآن في مستهل السينما الأمريكية، انطلاقًا من شركة «Motion Picture Patents»؛ التي اؤتمِنت على معظم شركات صناعة وإنتاج الأفلام في الولايات المتحدة منذ عام 1908 حتى 1915، هذه الوصاية الائتمانية جعلت منتِجين حديثي التجربة يفرّون شرقًا لتلافي الضرائب والمصروفات الباهظة التي تفرضها الشركة المحتكرة. بعد فترة قصيرة سيدشن هؤلاء الرجال الطموحين نظام الاستوديوهات، ليبدأ عصر سينمائي جديد تمامًا، كان أساسه الهروب من القيود. ورغم الحرية التي أطلقها نظام الاستوديوهات مقارنة بشركة الاحتكار، بيد أنها فرضت قيودًا جديدة، شكلانية في المقام الأول. فالنظام الأمريكي وأي نظام إنتاجي يضخ الأموال ليحصد ضعفها، هكذا تدار الصناعة، في دائرة مغلقة تتعاطى بشكل أساسي مع قيمة المدفوع والوارد، ما حصر السينما تقنيًا وإبداعيًا داخل مساحة معينة، مساحة آمنة؛ لا تحترم ذكاء المشاهد، ولكنها تضمن للمنتج الربح المادي. ربما لأنها تفرض ذاتها على الجماهير لعدم وجود منافس حقيقي لديه الشجاعة الكافية للتجريب. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهرت السينما الأوروبية بوجه جديد، عن طريق خلق منتج إبداعي جديد كليًا، لتخرج لنا الواقعية الإيطالية الجديدة، موجة سينمائية تستلهم أسلوبها الحكائي من الواقع الإيطالي المذري آنذاك، تتحدى النظام الأمريكي بخلق سينمائي فريد، صَورت في مواقع حقيقية، واستخدَمت ممثلين غير محترفين. صنع الإيطاليون أفلامًا تحمل قدرًا هائلًا من الهموم، بلغة سينمائية ثورية ومتفردة؛ كاميرا لا تكذب، وقصص لا تقحم النهايات السعيدة لترضي المنتِج أو المشاهد، وميزانية ضئيلة جدًا مقارنة بالأفلام الأمريكية. لتنبثق بعدها بسنوات الموجة الفرنسية الجديدة، ثائرة ومتوهجة، بنزعة تجريبية أثارت الجو العام النقدي والسينمائي. مجموعة من النقاد الشباب يسبون السينما السائدة ونظام الاستوديوهات الرتيب، ويطلقون أفلامهم بميزانية ضئيلة، ولغة بصرية غير مفهومة وثورية مقارنة بالنمط السائد، ليغيروا العالم بعد ذلك. كل هذه الموجات وموجات أخرى لاحقة؛ وليدة نزعة تحرّرية، تحرير النص والصورة من الركود والجمود الفني هو أساس السينما المستقلة، ومنها تستمد أفلامها الشكل والمضمون، ولكن ماذا عن السينما المستقلة في النطاق العربي؟ بالنظر للنموذج المصري، وهو ما سنتعرض له خلال هذا التحقيق، فقد بدأ مصطلح السينما المستقلة بالتبلور في نهاية القرن المنصرم، تحديدًا مع استخدام المخرج الكبير يسري نصر الله كاميرا الديجيتال في فيلمه «المدينة» عام 1999. نقل نصر الله السينما المصرية إلى حيز مختلف من الناحية الإنتاجية، وفتح مجالًا للاشتباك مع الممارسات السينمائية المختلفة من خلال نقلة نوعية في الأداة. فالتخلي عن كاميرا الخام الثقيلة والمكلفة طوّر انفتاحًا على أشكال جديدة، كان من المستحيل التعاطي معها بكاميرا الخام، لينتج ما يشبه انفراجة سينمائية تمتلك الجسارة الكافية للخوض في مساحات ملتبسة وغامضة آنذاك. عزّزت الميزانية الضئيلة روح المغامرة، لتخرج بعدها مشاريع، منحت شكلًا للسينما المستقلة في مصر، بداية من تجربة «كليفتي» عام 2004 للمخرج الكبير محمد خان، التي صُوّرت باستخدام كاميرا ديجيتال، لتُرسي ــدون نية واضحة إلا التجريب- مبادئ وسمات السينما المستقلة في مصر، ستُطورها فيما بعد أصوات مختلفة، أشهرها فيلم «بصرة» للمخرج أحمد رشوان، وفيلم «عين شمس» للمخرج إبراهيم البطوط، اللذان يحملان السمات الأساسية للفيلم المستقل، من توظيف ممثلين غير محترفين، للتصوير في الشارع، مرورًا بمشاكل الميزانية الضئيلة وسوء التوزيع. ومن هنا نستنبط الإشكاليات التي ستشكل متن تحقيقنا هذا، فنماذج مثل المخرج أحمد عبدالله السيد وتامر السعيد وآيتن أمين وهالة لطفي، مقرونة بجيل أحدث من المخرجين مثل مروان عمارة وسامح علاء ومراد مصطفى وماجد نادر، وحتى النماذج خارج مصر مثل أمجد أبو العلا؛ يخلقون تصورًا عن حال هذا النموذج الذي لا يمكن فصله بشكل كلي عن الفن السينمائي، ويمنحون فهمًا لطبيعة سينما يرفض بعضهم فصلها وعزلها بكلمة «مستقل» عن المنتجات السينمائية الأخرى، بعضهم لا يعترف بالمصطلح أصلًا، لهذا حاولنا من خلال مقابلة ست من المخرجات والمخرجين، لهم رحلتهم الخاصة في مسار السينما المستقلة المصرية، أن نرصد الإشكاليات في محاولة لتقصي العقبات من منظور الصناع أنفسهم، وربما الخروج بنتيجة تساهم فيما بعد في تكوين فهم عن حال السينما المصرية والعربية عمومًا. الحق أن مفهوم السينما المصرية المستقلة مفهوم ملتبس، لا يحده إطار متفق عليه من قبل جماعة أو موجة بعينها، بحيث يمكن التعرض له بطريقة ممنهجة، فمتلازمة اللفظ «مستقل» مقارنة بالمعنى الإجمالي التي تتناوله؛ ينطوي على اختزال مخل، لذا علينا تتبع السياقات المتاحة، التي تأخذ أشكالًا مختلفة؛ في محاولة لتأطير المعنى داخل مجموعة الظروف التي ترافق الحدث الإبداعي. سنجد أن السينما بالنسبة للمخرجين المصريين على الأقل، هي السينما بمفهومها الأعم، لا تستقل عن شيء، ربما نمتلك نظام استوديوهات بقياس معين، بيد أننا لا نملك نظام الاستوديوهات الأمريكي مثلًا، وعلى الرغم من ذلك؛ نعاني من المشكلات نفسها، وعلى أي حال لا يمكننا قياس أنفسنا على النموذج الأمريكي الأكثر ضخامة، لأن السوق نفسه يختلف. ولكن بالفعل كان هناك ما تستقل السينما المصرية عنه، يتبدى ذلك بوضوح في نموذج «جماعة السينما الجديدة» التي تأسست عام 1968 على يد مجموعة من الشباب، منهم محمد راضي وعلي عبد الخالق، والتي لا تُمثّل تكتّلًا سينمائيًا اقتصاديًا مستقلًا فحسب، بل إنها تيار فكري مناهض للزيف، يعي تمامًا موقفه الاجتماعي والسياسي، ما أسفر عن حل الجماعة بعد إنتاج فيلمين منعتهما الرقابة. الحركة السينمائية، في العقد الأخير، هي ما تدفعنا أكثر إلى بلورة هذا المفهوم، الذي يتشكل تراكميًا على جسد السينما، كنموذج بديل، ومتنفس يُتيح للصناع اختيارات إبداعية أكثر انفتاحًا، في سوق خانق وملبد لعدة أسباب سنناقشها. هذه المحاولات التي لا يمكن رصدها في سياق جماعي، هي محاولات لصناعة سينما مختلفة، ولكنها ليست بديلة للتجارية. سينما ذات نمط مختلف، ولكنها لا تلغي التجاري، وتتلامس معه في بعض الأحيان، لدرجة أن بعض الصناع الواعدين، منهم مجد أبو العلا، لا يرون الحد الفاصل بين التجاري والمستقل. لماذا السينما «المستقلة»؟ قبل أن نخوض في الإشكاليات، يجب أن نطرح سؤالًا مهمًا: لماذا السينما «المستقلة»؟ لماذا الاتجاه لهذا النمط بالذات؟ أهي غاية في ذاتها أم وسيلة تؤهل المنخرطين فيها لبلوغ الطريق التُجاري أم كلاهما؟ من خلال الأحاديث مع المخرجين المذكورين سابقًا، يتضح لنا أن صناعة فيلم جيد هي الغرض الأساسي من العملية الإبداعية، سواء كان يقع في حيز المستقل أو الاستهلاكي، لا يهم، جودة المُنتج أولًا ثم التصنيف أو التقسيم إذا جرى الأمر. لذا يمكن أن تكون لفظة «مستقلة» هي غاية أو وسيلة أو كلاهما معًا، حسب رؤية الفرد لذاته ولظروفه ولنظام وشكل الصناعة ولموقعه داخلها. ولكن ما شدّدت عليه الأصوات هو التعبير عن الذات، الخروج عن السائد، وهذا ينقلنا لمنطقة أكثر تعقيدًا؛ فهؤلاء السينمائيون لا يُهمّهم التصنيف، إنما السوق نفسه لا يقبل بهذا النمط من الأفكار، ليس الأفكار فقط، إنما منهجية الصناعة نفسها، كما ذكرت المخرِجة آيتن أمين: «لقد استغرقت بروفات فيلم سعاد حوالي خمسة أشهر، لا أحد داخل السوق سيفهم لماذا أفعل هذا، هذا جُزء من صناعة الفيلم». فالمشكلة في نظام السوق ذاته، سواء في تعاطيه مع الأفلام ككيانات مستقلة، أو طريقة إدارته للأفكار وتحويل الفكرة إلى فيلم، النظام ذاته طارد لنماذج معينة من الأفلام، وهذا طبيعي، ويحدث في كل العالم. وحتى فكرة الاختيار نفسها تتحول إلى موضع شك في تصور بعض الفنانين، فهم يصنعون الأفلام كما يأملون لها أن تكون، وبعد ذلك يتركونها تُصنّف أو تخلق سياقها مع منتجات إبداعية وتصنيفات أخرى، كما يوضح المخرج تامر السعيد: «أنا لا أعرف إذا كنت قد اخترت، ولكن السينما من اختارتني. أنا لا أملك تصورًا مُسبقًا حول نوعية السينما التي أود صناعتها، سواء مستقلة أو تجارية، أنا لست معنيًّا بتلك التصنيفات، أنا معنيّ بصناعة نوع سينما يحقق لي ما أريده من امتهان السينما؛ لماذا أريد أن أكون صانع أفلام؟ لأنها بالنسبة لي طريقة لفهم العالم، طريقة لطرح أسئلة تخصني وتخص علاقتي بالسياق الذي أعيش فيه. لذا ما أنا مهموم به ليس المصطلحات أو المسميات، إنما العملية الإبداعية التي تساعدني على فهم نفسي وفهم العالم أكثر. فالسينما بالنسبة لي طريقة للاكتشاف.. لقد اخترت عملية تناسبني؛ صودف أن يسميها البعض سينما مستقلة، ولكنني لست مهمومًا بذلك». يمكن تناول السينما المستقلة كغاية وكوسيلة، الأكيد أنها متنفس للأجيال من أجل التعبير عن ذواتهم حتى لو بشكل مؤقت. بدأ أغلب السينمائيين بصناعة أفلام قصيرة مستقلة، بإنتاج وجهود ذاتيين، بيد أن ما يحتاج إلى تفكيك؛ هو الشكل ذاته، لماذا هذا النمط المختلف؟ والحقيقة أن الانفتاح الثقافي والوعي بالسينما العالمية والحرص على مشاهدة أفلام من خلفيات مختلفة، هو ما خلق الحاجة لخلق نمط سينمائي مختلف، كما قال المخرج مروان عمارة. تجربة المشاهدات الكثيفة والمختلفة عن السائد، تمنح السينما المستقلة مبررًا للوجود، بالإضافة لحاجة هذه الأجيال لصنع سينماهم الخاصة، التعبير والإفصاح دون رقابة، بميزانية هامشية، كمغامرة غير محسوبة، في محاولة للاندماج مع السياق السينمائي العام. ومن هنا يبدأ الصانع بخلق صوته الخاص يمكّنه من اختيار التجاري أو المستقل. ويمكننا تسليط الضوء على تجربة المخرج مراد مصطفى كمثال. عمل مراد لمدة عشر سنوات كمساعد مخرج، تدرج من كلاكيت إلى مساعد أول، ثم إلى مخرج له أفلامه الخاصة. عمل في تجارب تجارية عديدة، تعلم منها الكثير، خصوصًا على مستوى الإدارة، لكنه ظل يتتبع شغفه فنيًا في خط موازٍ من التعليم الذاتي، طوّر ذاته بالمشاهدة المكثفة، وحضور الورش المختلفة، بجانب الانخراط في المجتمع السينمائي. بيد أنه، من البداية، كان يعرف أن نمط الأفلام التجارية لا يناسبه ولا يعبر عنه، وهذا يظهر في نماذج أفلامه القصيرة. تحمل تجربة أمجد أبو العلا، وأغلب السينمائيين، بعضًا من هذا، فهو يحب نمطًا معينًا من الأفلام، شكّل وعيه بصورة مختلفة عن السائد، ما جعله يقترب أكثر من السينما المستقلة: «في الوقت الذي كان أصدقائي يذهبون لمشاهدة جاكي شان، كنتُ أجلس في البيت لمتابعة نادي السينما الذي يعرض أفلامًا فرنسية وعالمية». الصوت الداخلي الذي شكّل وجدانه هو ما يخلق الشخصية السينمائية، لكنه لا يتعارض بالضرورة مع الأفلام التجارية أبدًا كسينما. في إجابة هذا السؤال: لماذا السينما المستقلة؟ تنطلق المنتجة والمخرجة، هالة لطفي، من فكرة السينما كوسيط يمكن تحويره على حسب رغبة كل شخص، وهمومه، وموقعه، والشكل السينمائي الذي يريحه. وتُنبّه إلى ضرورة معرفة المخرج والمنتج للجمهور الذي يستهدفه ويُخاطبه: «المخرج يختار جمهوره مسبقًا، يعني وأنا أصنع فيلمي (الخروج للنهار) كمخرجة ــ ليس كمنتجة نهائيًّا لأنني أنتجته بدافع الضرورةــ أنا أعرف جمهوري جيدًا، وأعلم أنهم عدد قليل، ولكنني أريدهم، وأريد أن أحتفظ بحقي في صنع فيلم غير جماهيري، هذا حقي، لأنني أرى السينما كوسيط مثل الفن التشكيلي والشِّعر والموسيقى؛ هي فن، وقد علّمونا في المعهد أنها فن وصناعة وتجارة. فبالطبع، عندما يقف معك في اللوكيشن 150 فردًا، يتحوّل الفيلم إلى ذراع تجاري، ولكن خلطتي هي أن أقلل تكلفة الإنتاج قدر الإمكان، ليطغى مُكوّن الفن على مُكوّن التجارة، وبهذا أشعر بمزيد من الحرية الفكرية، وهي في الأول والآخر اختيارات خاصة بالصناع». أين المانيفستو؟ ظهرت الموجات السينمائية كردّة فعل صدامية على أنماط آمنة ومحافظة، استجابة فورية تهتم بطرح الأسئلة، وثورة على بنية النموذج التقليدي؛ لا تتعرّض للشكل والأسلوب فقط، إنما للمضمون أيضًا، ليتحوّل بعضها مع الوقت إلى عامل سياسي يضفي تأثيرًا حقيقيًّا. فمثلًا، الواقعية الإيطالية الجديدة كانت محاولة للإفصاح وتعرية الواقع؛ حين دُمّرت أغلب الأستوديوهات خلال الحرب، وأُصيب أستوديو «تشينتشيتا (Cinecittà)» -أحد أهم الأستوديوهات- بأضرار جسيمة؛ لم يجد الصناع بُدًّا من الخروج واستكشاف الشوارع. لقد أضاف الواقع السياسي في فترة ما بعد الحرب العالمية محفزًا بيئيًّا واجتماعيًّا لتحرير الطاقة الإبداعية، وأنتج ظروفًا أحاطت بالفنان بحيث لا يمكن فصلها إطلاقًا عن الهوية الشكلانية. ربما كانت ظروف الموجة الفرنسية مختلفة، فهي تتعاطى مع المساحة الشكلية والتقنية أكثر من أي شيء آخر، ولكن هذا لا ينفي موقفهم السياسي الواضح. حتى موجة سينما نوفو (Cinema Novo) وُلدت كردّة فعل على السياسي والاجتماعي، مرورًا بالموجة الألمانية الجديدة، والموجة اليابانية، وطبعًا دوجما 95. والشيء المثير للاهتمام حقًّا أن جميع هذه الموجات أصدرت بيانًا أو منشورًا (Manifesto) يتضمّن ملامحها الشكلانية أو الفكرية ودوافع وجودها كتيار فني، ومن خلاله يمكن خلق تكتّلات فنية حقيقية، كمجموعة يربطهم عقد صوري، وتوحّدهم الأفكار والنوايا. وهذا ما نفتقده في السينما المُستقلة العربية. ولا أقول نفتقده بطريقة سلبيّة أو إيجابية، إنما أحاول رصد الواقع. فالمُنتَج السينمائي المستقل في مصر والوطن العربي هو منتَج فردي، لا أقصد فرديًّا على المستوى الإنتاجي فقط، ولكن على المستوى الشكلي والفكري. ترى هالة لطفي أن المشكلة تكمن في قلّة عدد الأفلام، وأن السينما المستقلة/البديلة لم تتجاوز كونها ظاهرة بلا تأثير أو شكل: «المانيفيستو يُكتب بعد صناعة الأفلام، عندما يجلس المخرجون مع بعضهم. خُلقت الدوجما مثلًا بعدما صنع فنتربيرج ولارس فون تراير أفلامًا بالفعل، ووجدوا أن هناك حساسيات مشتركة. لذلك، لم يُنتَج البيان/المانيفيستو الخاص بهم عن تنظير، والمفترض ألا يخرج المانيفيستو من تنظير، إنما من الشُغل.. المشكلة شعوري بأن المقالات الصحفية والنقدية، والمقابلات التليفزيونية، وحتى الحلقات البحثية التي انشغلت بالسينما المستقلة، أكثر بكثير من الأفلام التي صدرت. وهذه مفارقة مُضحكة جدًا بالنسبة لي ؛ الاهتمام بالتنظير لشيء غير موجود، ولحركة لا يأخذها أحد بجدية، حتى العاملين داخلها». ليس غريبًا أن تتبدّى السينما المستقلة في شكل عشوائي؛ ففي ظل الانفتاح الحداثي، أصبح من الصعب الاتفاق على معايير معيّنة، أو الخروج ببيان محدد يمثّل جماعة بعينها. الأسباب تبدأ من اختفاء سينما النوع بشكلها السائد، وانفتاح النوعيات ــ الجنراــ على بعضها البعض بشكل يستدعي وجود أكثر من نوعية في فيلم واحد، مرورًا باختلاف الظرف السياسي الذي كان حاضرًا ومحفزًا لأغلب الموجات (على الرغم من وجود أحداث كان لها تأثير في تكوين الجيل السينمائي أو تغيير بوصلته مثل ثورة 25 يناير)، وصولًا إلى اختلاف المناخ الثقافي والفني ــ خصوصًا في مصرــ وبالتالي اختلاف آلية الإنتاج ذاتها. أضف إلى ذلك غياب نموذج الفنان المُنتِج مثل نور الشريف، إلى جانب اطّلاع المخرجين على ثقافات فنية وسينمائية مختلفة، ما يمنح كل مُخرج الفُرصة لإيجاد شكله الخاص، ويُبرّر وجود محاولات فردية مُبعثرة. لكن، رغم ذلك، هناك ما يُوحِّد هذه المحاولات بعيدًا عن آلية صندوق التمويل والمهرجان؛ كالرغبة في التعبير الحُر عن الذات، وكسر التابوهات، والاتجاه للشارع والتصوير الخارجي، والميزانيات الضئيلة، إلى جانب تخلي معظم هذه الأفلام عن استخدام الممثلين المحترفين ونجوم الصف الأول، واستبدالهم بهواة أو ممثلين غير مشهورين لإضفاء المزيد من الواقعية. كما تستغرق عملية صناعة الفيلم المستقل شهورًا، بل أحيانًا أعوامًا، لتحقيقه بالشكل المطلوب، فضلًا عن النزعة التجريبية التي تظهر مؤخرًا بوضوح في مثالين مهمّين: «سعاد» لآيتن أمين، و«ريش» لعمر الزهيري. كل هذه الملامح تؤثر على الشكل، كما فعلت سابقًا في أغلب موجات السينما العالمية. والتعاطي معها يجعل من مهمة توفيق جبهة إبداعية أو رصد حركة مستقلة أمرًا ممكنًا، رغم استبعاد تكوين تكتّل أو موجة حقيقية أو حتى تطوير طرح جماعي. إنما السمات التي تتحلى بها بعض الأفلام يمكنها خلق سياق ملفت، كما يوضح تامر السعيد: «لا يمكننا القول إن هناك حركة سينمائية موحّدة، والأمثلة التي ذكرتَها مثل الدوجما والموجة الفرنسية، ارتبطت بمجموعة من المخرجين دارت بينهم نقاشات كثيرة حول الشكل الفني والأسلوب وكيفية صناعة الفيلم وغيرها من المسائل. ولكن هذه الحالة ليست موجودة في مصر، أو يمكن القول إنها وُجدت لفترة معينة ولم تكتمل، الفترة بين 2005 و2012، كانت هناك نقاشات أكثر، وأنا كنت جزءًا منها على الأقل. ويمكن أن تكون قد استمرت ولكني لم أعد جزءًا منها. دارت تلك النقاشات حول الشكل الفني والأسلوب وغيرها من الهموم الفنية، ولا أعتقد أننا نجحنا ــبشكل جماعي- في تطوير طرح جماعي لما يمكن أن نطلق عليه حركة سينمائية ، ولكن ما حدث هو تراكم نتيجة محاولات فردية خلقت سياقًا يمكن تحليله، وعلى الناحية الأخرى، أتاح لنا فرصة للتعلُّم». لذلك من الضروري الإشارة أن الأزمات والإشكاليات ــ بطريقةٍ ماــ تقع في منزلة المُرادف والنظير لملامح السينما المستقلة، وتخلق سبيلًا لتوحيدها وتوليفها، ربما أكثر من المُنتجات الإبداعية النهائية والتيارات الفنيّة، بيد أن لكل تجربة خصوصيتها في التعاطي مع المشاكل ومجاوزة العوائق؛ لعدم وجود مؤسسة واحدة ترعى السينما وتحاول حل مشاكلها، ما يضفي صورة عشوائية إذا حاولنا توحيد هذه التجارب في سياق واحد كما نفعل الآن؛ لذا لا يوجد أفضل من التعرّض لإشكاليات السينما كخواص لتحديد الهويّة الشكلانية، لأن امتداد هذه الإشكاليات لا يتوقف عند الجانب النظري، بل يتمادى ليُمارس ــبشكل غير مُباشرــ صنعة الخلق والتشكيل. سؤال «الأجندة»: الميزانية والإنتاج الإشكالية الأولى في كل مشاريع السينما المستقلة هي الحصول على تمويل يغطي تكاليف الإنتاج، ولكن قبل أن نتطرق إلى هذه الإشكالية يجب علينا أن نضع النقاط على الحروف. بالنسبة للسينما المصرية؛ فنماذج مثل نور الشريف، وأحمد زكي، ويحيى الفخراني، وليلى علوي، وفاروق الفيشاوي، وغيرهم؛ نموذج النجم الذي يشارك في إنتاج الأفلام، ومن الممكن أن يُخفّض من أجره أو يتخلّى عنه تمامًا في سبيل تحقيق الفيلم، قد تلاشى تقريبًا، ولا يُمكن التعويل عليه إطلاقًا، اللهم إلا بعض النماذج الاستثنائيّة، وقد ذكر منها المخرِج أمجد أبو العلا بعض النجوم مثل آسر ياسين مثلًا. والحقيقة أن المنهجية نفسها اختلفت باختلاف الزمن، نموذج المخرج محمد خان وبشير الديك وسعيد الشيمي وعاطف الطيب، هؤلاء الفنانون المنخرطون بشكل جدي في صناعة أفلام لبعضهم البعض من دون أجر يذكر إلا الولاء الفني والسينمائي اختفت من على الساحة الفنية. وعليه فجيل الألفية الثالثة، يتجه مباشرة لصناديق الدعم ومنح المهرجانات، لقلّة شركات الإنتاج المصرية التي من الممكن أن تهتم بنمط السينما المستقلة مثل نموذج محمد حفظي وشركة «فيلم كلينك»، أو صفي الدين محمود وشركة «ريد ستار». والإشكالية هنا ليست على مستوى التمويل فقط، ولكن على مستوى التنازلات والقيود التي من الممكن أن تُفرَض على الفنان لأخذ المبلغ المالي، ما يُحيلنا إلى سؤال مهم: السينما المستقلة تسعى للتحرر من القيود، ولكنها ــحسب رؤية البعض- تمرر قيودًا أخرى من الباب الخلفي، قيود إبداعية تندرج تحت ما نُسميه «الأجندة»، مع التحفظ في اللفظ لأن للمخرجين آراء متباينة بشأن هذه اللفظة بالذات. فالمخرجين الأربعة يعترفون بوجود «أجندة» لكل مهرجان، ولكن مخرجَين اثنين، هما مروان عمارة وأمجد أبو العلا، ليس لديهما مشكلة مع فكرة الأجندة ذاتها. يقول مروان: «كل شخص يتحرك من خلال أجندة، أنت لديك أجندة، وأنا لدي أجندة، والمنتجون لديهم أجندة، والمنصات لديها أجندة، والمهرجانات أيضًا لديها أجندة» ، ويُشدد عمارة أن المهرجانات تُدار من خلال الذائقة، أي لجنة المحكمين التي تتغير من سنة إلى أخرى، وهذا يُبرر رفض بعض السيناريوهات من قِبل مهرجان معين في سنة ما، وقبول المهرجان ذاته لنفس السيناريوهات في السنة التي تليها. يتشارك أمجد نفس الفكر تقريبًا: «نحن أحرار، وهناك من يُنكر علينا تلك الحرية، ويقول إننا تخلصنا من سلطة المنتج فوقعنا في سلطة المنح، وهذا فكر مغلوط، لأن سلطة المنح في يدك، أنا أختار من أعمل معه وأغيّره، وبالتالي أنا حر في ما أقول.. أنا أسير بأجندة، وجميعنا نتحرك بأجندات خاصة تمثل فكرنا الشخصي وتصنع تفردنا الفني، خُلقت من تجاربنا الشخصية». يُشدد أمجد على فكرة أن النص والسيناريو الجيد سيجد له مكانًا وتمويلاً، ويؤكد من خلال تجربته الخاصة كمحكّم في مهرجانات، عدم تدخل أي من القائمين على المهرجانات في قرارات المحكمين، ويذكر عدم تدخل الجهات المانحة لتمويل فيلمه كمخرج في صناعة الفيلم: «ولكن بعض المخرجين يستسهلون عندما يُرفَض الفيلم ويتحججون بالأجندة، ولكن ماذا لو كانت أفلامهم ليست جيدة كفاية لتأخذ المنحة، يجب أن نضع في اعتبارنا هذا الافتراض أيضًا». الجدير بالذكر أن أمجد ومروان يعتبران الأجندات سياقات فردية ضرورية لتكوين شخصية المحكم أو الفنان، ومنحه الرؤية التي تؤهله لتشكيل رأي واضح فيما يراه. ويجب توضيح أن الأجندة بالنسبة لهما شيء شخصي، يُمثّل أفكارًا وتصوّرات ومفاهيم ذاتية تناسب حاملها، ليست بالضرورة مناسبة لشخص آخر من قريب أو من بعيد. إنها شيء ذو خصوصية يلتصق بالشخص ويصنع فرادته في اختياراته، وبما أن المخرج هو صانع وخالق المنتج البصري؛ فهو يتحرك بناءً على أفكاره هو، ومفاهيمه هو، وليس مفاهيم الجمهور أو تصوراته، وهذا ما يخلق تفرده. إذًا، فهناك خلط واضح بين مفهوم الفنان للأجندة ومفهوم المؤسسات لها؛ فالجمهور يرى الأجندة كسياق سياسي بحت أو أيديولوجية فكرية عُليا توجه الفنان في سياق مختلف عمّا يريد، للترويج أو الدعاية لأفكار بعينها، وهذا مختلف تمامًا عن رؤية أمجد ومروان للأجندة بشكل عام. فأجندة الفنان هي ذائقته وشخصيته، وهو ما يدفعهما للدفاع عن محكّمي المهرجانات، لأنهم خاضوا تجارب خاصة كوّنوا من خلالها وجهات نظرهم. لذا، علينا الانتباه؛ فهناك فارق بين الأجندة الذاتية الخاصة ــوهذا ما يتحدث عنه المخرجانــ والأجندة العامة التي تحركها النخب السياسية والجماعات والمنظمات الناشطة. على الجانب الآخر، وعلى إثر تجربة خاصة؛ تعتقد آيتن أمين أن الأجندات تخلق عائقًا أمام رحلة سير الفيلم إنتاجيًا: «في رأيي، الأجندات ليست أجندات أفراد أو محكمين فقط، تجربتي مع «سعاد» كانت مريرة، استغرق الفيلم خمس سنوات، هناك مشكلة رئيسية حدثت حينما أصبح هناك الكثير من المنح Funds ومختبرات التطوير development labs، إذا شاهدت أفلام Art house في آخر خمس سنوات، ليس في مصر أو الوطن العربي بل بشكل عام، الأفلام التي تخرج من المختبرات ومنح المهرجانات، أغلبها متنبأ به ومعروف سياقه Predictable، لقد أصبحت تعلم كيف يسير الفيلم، حتى مع اختلاف الشخصيات في كل عمل فني، لقد أصبحت الأفلام المستقلة مثل التجارية، هناك خلطة معروفة». تُكمل آيتن كلامها بالتعليق على المهرجانات: «من الممكن أن يُطلب منك أشياء ستغير من الشكل الفني الذي تحاول تنفيذه، والفكرة ذاتها تقوم على التوقعات، توقع أن السيناريو الفني له شكل معين، وهذا شيء خانق ويحد من الإبداع، التوقع يجعل الأمر أشبه بفيلم تجاري، لأنه يضع نموذجًا مسبقًا وقالبًا جاهزًا للمنتج الإبداعي». وإلى جانب ذلك، تتفق هالة لطفي مع آيتن في ما يتعلق ببرامج التطوير، بيد أن لها رأيًا أكثر صدامية بشأن المنح، فهي تحاول بكل الطرق أن تتجنبها، وتحارب من أجل ذلك، فهي ترى أن المنح اختيار يحمل في داخله سلبيات تؤثر على الصانع ومُنتَجه الإبداعي، فتقول: «أنا لا أتمنّى أبدًا أن ألجأ للمنح، أتمنى يكون هناك بديل، وأنا مهمومة بهذا الأمر منذ أعوام؛ أن أجد بديلًا تمويليًّا غير المنح التي من الممكن أن تُهدِر عمر المخرِج والمنتِج، إنك تَقعُد خمس أو ست سنوات منتظرًا أن تجمع فلوسًا لفيلمك ويمكن ألا تستطيع في النهاية، ويتوقّف فيلمك.. المنح مشكلتها الأساسية بالنسبة لي؛ «الأجندة؟» لا، هذا كلام فارغ.. مشكلة المنح أنها تحرم المخرج من طزاجة التناول، فأنت تشتغل في الملف أكثر مما تشتغل على الفيلم ذاته ، وأغلب صناديق الدعم أصبح جزءٌ منها برامج لتطوير السيناريو، وهذا سيّئ جدًّا؛ أن يأتي خبير/mentor ليخبر المخرِج صاحب الفيلم ما يفعله أو ما هي الطريقة الصحيحة؛ هذا يجعل كلّ الأفلام تشبه بعضها البعض، وهذه ليست آفة مصر فقط إنما كل العالم، الأفلام أصبحت مستنسخة من بعض لأنها نَتَجَت عن نفس برامج التطوير.. أصبحت الأفلام أكثر حذرًا، لأنها مرّت على عشرين فلترًا قبل أن يقف المخرج في اللوكيشن ويبدأ التصوير.. بعد سنين من التجارب في برامج التطوير، وجدتُ أنها تقضي على صوتك الخاص». ما ينقلنا إلى وجهة نظر أخرى للمخرج مراد مصطفى الذي صنع كل أفلامه بجهود ذاتية أو من خلال منتج. خاض مراد تجارب عديدة مع المنح باءت بالفشل، ورغم ذلك لا يرى المهرجانات ككيانات تعمل بأجندات عمومية، إنما من خلال الذائقة الفردية: «أن تقدم مشروعًا لجهات أو صناديق دعم، الفكرة أنهم يجب أن يفهموا الفيلم بشكل جيد، هناك أشياء من الممكن أن تضعها في السيناريو، ليست فكرة تابوهات أو أجندات لتُرضي المانح، لا أقصد ذلك، أنا أتحدث عن منطقة أخرى. من الممكن أن يكون السيناريو Too Much Subtle على الشخص الذي يقرأه -أي الشخص من الممكن ألا يفهم السيناريوــ لا يستطيع تخيله كسكريبت؛ لذا فهناك بعض الأشياء التي تكون مضطرا أن تضعها، هي توضيحية فقط، ليس لها علاقة بما تقدمه من جودة فنية، ولكن ليفهم المكتوب، ممكن بعد ذلك أن تحذفها لأنها لا تناسب الفيلم وقت تحقيقه كمنتج بصري. غير هذا؛ أنا لا أشعر بموضوع الأجندات، لكل جهة ذوق خاص بها». لا تتوقف الإشكالية عند مساحة الأجندة الدولية والقيود الإبداعية التي أرى موقف الفنانين ملتبسًا اتجاهها، بل تصل إلى حد فرض نموذج سلطوي يمس الفنان ذاته، خصوصًا مع تأزم الوضع السياسي في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، ما دفع مهرجانًا مهمًا مثل مهرجان «كان» لمقاطعة الإنتاجات الروسية كردة فعل تندرج تحت مسمى المقاومة والاعتراض الفني، ليذكرنا بالأنظمة الديكتاتورية التي فرضت سياقًا ونموذجًا معينًا للأفلام بما يخدم غاياتها وأغراضها السياسية، إنه موقف مهين، يثبت أن الأجندة لا تخص الأشخاص المحكمين فقط، إنما للأنظمة السياسية والاجتماعية والفنية أجندتها الخاصة أيضًا، تعمل على فرض أفكار بعينها وكبح أخرى، لأنها ببساطة لا تناهض الاحتلال الصهيوني، وتتعامل مع ممارسات القهر وجرائم الحرب الصهيونية بطبيعة اعتيادية. تُعتبر الميزانية الضئيلة سمة من سمات الأفلام المستقلة، ولا يمكن رصدها كعقبة دون محاولة إبراز الجانب الآخر، فعلى المدى البعيد الذي تتطلبه الأفلام التي تجمع ميزانيتها من المنح وصناديق الدعم، يتعرض التصوير للتوقف لمدد زمنية تصل إلى السنة؛ تخلّف الفجوات الزمنية مساحة لإعادة بناء الفيلم، سواء على مستوى السيناريو وترتيبه، أو في غرفة المونتاج حيث يُخلق الفيلم بشكله النهائي، تقول آيتن: «المشاكل المادية التي واجهتنا في «سعاد» أفادتنا، لأنها كانت تجبرنا على التوقف عن التصوير لمرات كثيرة، فأنا عندما كنت أصوّر ثلاثة أيام وأقف شهرين، ثم أصوّر أسبوعًا وأتوقف خمسة شهور، هذا الوقت كان يتيح لي أن أشاهد في المونتاج وأجرب وأعيد كتابة وأعمل بروفات مرة أخرى مع الممثلين وأغير أشياء، لدرجة أني غيرت مشهد النهاية في الفيلم، صورت شيئًا ثم عدت وقمت بشيء آخر». رغم القيود الفنية والتقنية التي تفرضها الميزانيات المحدودة، فعلى النقيض تمامًا؛ كونها محدودة أو ضئيلة تمنح المخرج راحة إنتاجية أكبر في استغلال ميزانيته، أنا لا أقصد رفع القيود، إنما توفّر حرية أكبر في استغلال هذه الميزانية، زمانيًّا ومكانيًّا، ولا تفرض جدولًا صارمًا لتنفيذ الفيلم. فالمخرج غير مطالب بإعادة هذه الأموال مرةً أخرى. لذلك فالموارد الضئيلة، من ناحية معينة، تتحدّى الفنان إبداعيًّا ليخلق نمطه الخاص، ولكن على الجانب الآخر، فهي تحدّه تقنيًّا، خصوصًا إذا كان الفيلم يتطلب مؤثرات بصريّة، وربما تدفع طاقم الفيلم للعمل في ظروف لا آدمية وغير آمنة لتوفير النفقات، إنها معادلة مركّبة لها إيجابيات وسلبيات، وربما هذا ما يجعل منتجين كبارًا يترددون قبل الولوج في عملية إنتاج أفلام من هذا النوع، لأنها مغامرة غير محسوبة، تذهب أموالها بلا رجعة تقريبًا، وهذا ينافي مفردات الصناعة ذاتها. يُضيف تامر السعيد أنّ الأفلام المستقلّة ليست بالضرورة أفلامًا فقيرة، يمكن أن تتمتّع بميزانيّاتٍ ليست ضئيلة، ويُشير إلى أنّ هناك فرقًا بين الـ«guerilla filmmaking» أو الأفلام منخفضة التكلفة، والأفلام المستقلة». الرقابة وتصاريح التصوير تمثّل الرقابة يد الدولة، أصابع تمتد بالقص والحذف لما ينافي الواجهة السياسية والاجتماعية السائدة والمحددة مسبقًا من قِبل الدولة، إنها كُنية عن الوصاية، تتبلور كمصطلح في أكثر من طبقة، وتتطور كأنظمة سلطوية تحجب أفكارًا بعينها من خلال آلية رقابية تعكس الحالة العامة للثقافة، ومدى انفتاح المجتمع على تلقي النقد ومواجهته. يرى بعض الفنانين الرقابة كمؤسسة تعمل على تدجين المجتمع من خلال فرض أفكارها الخاصة كمساحة آمنة؛ فتمنح الفرد ما هو مألوف وتقليدي، وتمنع عنه أفكارًا صدامية ومثيرة، وبدلًا من تعرية المجتمع، تحاول الرقابة تكثيف الطبقات حوله وحجب عيوبه. لا تقع الرقابة كمفهوم داخل الحيز المؤسساتي فقط، إنما تمتد لتفرض ما يُسمى الرقابة الاجتماعية على الفن، وهي شكل ينتج عن تعاطي المواطن العادي مع الفن، فيخلق طبقة رقابية مختلفة ويعيّن ذاته الخاصة في المركز؛ كوصيٍّ على المجتمع والفن، ويحاول، هو الآخر من وجهة نظره، المحافظة على الشكل الاجتماعي والمفردات الإنسانية السائدة، والتي تميل إلى تسطيح الواجهة المثالية للعالم، فيرفض المكاشفة بدافع حماية مجتمع يتآكل من الداخل. والحقيقة أن الرقابة جزء مهم من العملية السينمائية ذاتها، بيد أن تشديدها المبالغ فيه دون سبب واضح يقيّد الفنان، ويخلق أعمالًا سينمائية ودرامية مجوّفة وفارغة، في تمظهرات فنية تبدو في سطحها كمحاولات للتعبير الفني الصادق، ولكنها في الحقيقة تسعى إلى التلقين أو الدعاية الفجّة. ومن خلال لقاءاتنا مع المخرجين، تتبدى إشكالية الرقابة كمُعضلة مهمة ومتناقضة في داخلها، لا يمكن فهمها بشكل واضح أو تجاوزها بمنهجية معيّنة، فالعشوائية هي السمة الأساسية للمؤسسة الرقابية. ولكن، على الجانب الآخر، فأفلام المخرجين المستقلة لا تُعرَض على نطاق كبير، لذا من المفترض تمرير بعضها دون تطبيق المحاذير المعروفة، خصوصًا القصير منها لأنه لا يُعرض بشكل تجاري. يقول مراد مصطفى: «أنا صنعت فيلمًا رُفِض من الرقابة، ولكن تمّت الموافقة عليه في مهرجان، واستطاع المهرجان أن يأخذ تصريحًا لعرض الفيلم لمدة يومين، وأنا لا أرى أزمة في هذه النقطة بالنسبة للأفلام القصيرة، ولكن المشكلة الحقيقية في الأفلام الطويلة، لأنها مُكلفة إنتاجيًّا، فتجد نفسك بدلًا من وضع الميزانية في أشياء فنية تُساعد في تحقيق الفيلم، تضعها في حفنة من الأوراق». فيما توضّح آيتن أمين أن المشكلة تقع في معايير الرقابة ذاتها: «المشكلة الرئيسية بالنسبة لي أن الموضوع Inconsistent، غير مضبوط بمعايير محددة، أنا لا أعرف ما الفيلم الذي سيُقبَل وما الذي سيُرفَض، أنا لا أعرف ما هو مرفوض تمامًا فأحاول التفكير فيه بمفهوم فني، لأضع نفسي في تحدٍّ فني مع الرقابة، وأحاول صُنع نفس الشيء لكن بطريقة مختلفة؛ لكن أنا لا أعرف، يمكن أن ترى فيلمًا فتتعجب كيف مرّ من الرقابة، وترى فيلمًا آخر تم إيقافه فتتعجب لماذا توقّف هذا الفيلم، ولا يوجد به شيء». إذًا فأحد المشاكل التي تُواجه الفنان بشكل مباشر، هو افتقاد المؤسسة الرقابية لمعايير واضحة وصريحة لما يجب مراعاته عند الكتابة، وبدلًا من ذلك تترك الباب مُنفرجًا، وتنوّه بمصطلحات عامة وغير محددة مثل «مراعاة الآداب والأخلاق العامة»، دون إجابة واضحة عمّا هو عام، وما هي الآداب، وإلى أي مرجعية يستندون في تحديد الأخلاق والآداب العامة. فيما يُشير مروان عمارة إلى أن الرقابة أصبحت أكثر نجاحًا في عملها ــمن وجهة نظرها الخاصةــ إذ أضحت أكثر تشددًا وتحكمًا: «إذا كانت الرقابة قد مرّرت بعض أفلام عاطف الطيب وداوود عبد السيد الجريئة في موضوعها، مع حذف بعض المشاهد.. الآن لم تعُد تمرر هذه النوعية». من المُرجّح أن ينفلت الفنان من المؤسسة الرقابية إذا حالفه الحظ، مُراوغًا الرقيب المُتعنّت بحيل فنيّة تنطلي في أغلب الأحيان، ليواجه نوعًا آخر من الرقابة، تندرج تحت المُسمّى الاجتماعي، تتعاطى مع الشارع والرأي العام بشكل مباشر، وتمثل الذراع الأكثر خطورة وتأثيرًا، لأنها من الممكن أن تمنع الفيلم بشكل كامل، حتى إذا تم تمريره رقابيًّا من الرقابة الحكومية. وأكبرُ مثالٍ هو فيلم «ريش» للمُخرِج عمر الزهيري، الذي مُنِع من العرض بسبب بروباجندا فنيّة وصمته اجتماعيًّا دون وجهة نظر حقيقية، مجرد مجموعة من الأقاويل المُبتذلة تناقلتها الصحافة والقنوات التلفزيونية دون تحقيق أو مُشاهدةٍ للعمل. وعليه، فالفيلم لم يُعرَض في السينمات، ولم يأخذ فرصة حقيقية ليتعاطى معه الشارع أو الجمهور غير المتخصّص، فقد حُظِر مباشرة بعد مهرجان الجونة السينمائي. ما يُحيلنا إلى مشكلةٍ أكبر، لن نخوض فيها الآن على الأقل، وهي وعي الفنان. سؤال يتلافاه الجميع دون تدقيق أو مكاشفة: لأي درجة يمكن للفنان ( الأداة الفنيّة التي تُخلق من خلالها الأعمال السينمائية) أن يستوعب التقنية واللغة السينمائية المُغايرة والمُجدّدة؟ ولأيّ مدى يتقبّل النقد؟ خصوصًا أن فيلمًا مثل «ريش» عُرِض في مهرجان خاص بالسينما، لجمهور من المفترض أنه متخصص، أو كما نقول: جمهور النُخبة. والحقيقة لا توجد إجابة على ذلك السؤال، فالمخرجون ذاتهم لا يهتمّون بالرقابة الاجتماعية، ولا يشغلون بالهم بهذه الجزئية، متمسّكين بقيمة العمل والمنتَج الفني، متفهّمين طبيعة العمل الفني ووقْعه على المُتلقي. يصف مراد مصطفى تجربته الخاصة في عرض فيلم «خديجة» في أحد المهرجانات، -ويجب التنويه أن جمهور المهرجانات العام لا يمكن تصنيفه جمهورًا عامًا مقارنة برجل الشارع المصري؛ فجمهور المهرجانات العام هو النخبة، أو الصناع والنُقّاد الشباب، بالإضافة إلى مُحبّي السينما. لذا، من الغريب أن تصدر عنه انفعالات غير مبرّرة تخرج عن السياق الفني والنقدي- يوضح مراد مصطفى: «نحن في أصعب وقت تمرّ به السينما المصرية في علاقتها بالمُتلقي. في أحد عروض فيلم «خديجة»، وكان فيلم افتتاحٍ في أحد مهرجانات الأفلام القصيرة، وأنا خارج من القاعة بعد عرض الفيلم، شعرت أن الناس عايزة تقتلني، من نظراتهم وطريقتهم. هناك حالة احتقان ليست طبيعية لدى الجمهور تجاه رؤية أي شيء لا يُشبههم، والمفروض أن هذا جمهور يأتي لمشاهدة أفلام غير تجارية». بالنسبة للمخرِج أمجد أبو العلا، كنموذج فني سوداني، يحكي تجربته في فيلم «ستموت في العشرين» الذي صُوّر وعُرِض في السودان خلال الثورة السودانية، ويصفها بالسلاسة لعدّة أسباب، أولها أن السودان يفتقر إلى المنظومة السينمائية ذاتها. لا توجد هيئة رقابة من الأساس، نحن أول صُنّاع يُوظَّف من أجلهم هيئة رقابة ليُشرفوا على الأفلام، لكن هناك وزارة ثقافة، وقد أرسلنا لهم النص، ومنحونا التصريح، وبعد الانتهاء، خرجت بعض الشائعات أن الفيلم يحتوي على بعض المشاهد غير المُناسبة، ولكن في ذلك الوقت كانت الثورة قد عيّنت حكومة علمانية، فوافقوا على عرض الفيلم دون قص. ويُكمِل: «عدم وجود صناعة سينمائية في السودان، جعل أحد الأشخاص يدخل ليسألني عن كيفية مشاهدة فيلم مثل هذا مع أمه وأخته، لأضطر للرد عليه وأخبره: لا تراه مع أمك وأختك، فهو ليس «ليالي الحلمية». يُبرّر أمجد هذا النوع من الأفعال ويُرجعه إلى عدم التعوّد والافتقاد للصناعة نفسها، ليُحيلنا إلى منطقة تكوين عادة المُشاهدة في السينما، التي انحدرت بشكل كبير بعد ظهور المنصات. ولكن المنصات ذاتها لا تُمثّل المشكلة، فهناك أسباب أخرى سنرصدها، بيد أن قدرة الفرد على استيعاب عادة المشاهدة، ربما هي الحل في الرقابة الاجتماعية؛ التعود على التفكير النقدي ومحاولة استكشاف آراء ووجهات نظر جديدة، كلّها عادات من الممكن أن يكتسبها المرء إذا توفّرت دور العرض السينمائية بشكل مناسب ودوري. فيما تقسم هالة لطفي مشكلة الرقابة إلى قسمين، أولهما مؤسسي، منوط بوجود مؤسسة الرقابة ذاتها، فتقول: «الرقابة شر، كما قال سمير فريد». بينما يرتهن الجزء الثاني بالفنان ذاته، وكلاهما متصل بالآخر. وتوضح لطفي: «عندما فكّرت في الشيء الجوهري بحركة الأفلام المصرية الجديدة بعد 2006، والذي أسّس له إبراهيم البطوط بالطبع، لأنه صاحب أول مغامرتين كبيرتين «إيثاكي» و«عين شمس»؛ فهو عدم رغبته الكاملة في التعاطي مع الرقابة. الفيلمان أُنجزا بدون تصاريح رقابية، وبدون موافقات نقابية، لم ينتظر إذنًا حتى يصنع الأفلام، وحتى بعد الانتهاء منهما لم يقدمهما للرقابة. وعندما حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان تاورمينا بإيطاليا، وطُرح الفيلم في السوق بشكل تجاري، طُلبت منه موافقات رسمية، فرفض، وعندها طُرح الفيلم كأنه فيلم مغربي في السوق المصرية، لأن البوستر الخاص به صُنع في المغرب. إلى جانب ذلك، فقد ضرب البطوط مثلًا شجاعًا فيما يتعلق بمواجهة الفنان للرقابة، حين فاز بمنحة دعم من وزارة الثقافة عن سيناريو فيلمه «عشرين سبتمبر»، وليحصل البطوط على أموال المنحة كان عليه أن يقدّم السيناريو للرقابة، فرفض الجائزة وتخلى عنها. بالنسبة لي، هذه هي المواجهة المفقودة لدى السينمائيين المصريين ؛ المواجهة الضرورية التي من دونها لسنا أحرارًا أو مستقلين، ونحن الخاسرون.. أنت ببساطة تدفع لهم أموالًا حتى يراقبونك، تدفع ثمن لجنة من الرقباء حتى يجلسوا ويقيّموا العمل؛ إنها مفارقة بائسة. الرقابة تتجاوز دورها، وبلغ جبروتها أن توقف عرض فيلم في مهرجان، رغم أن مهمتها من المفترض أن تقتصر على الأفلام المعروضة عرضًا عامًا». وعليه، تحاول لطفي أن تشير، من جهة أخرى، إلى أن للفنان دورًا كبيرًا جدًا في مقاومة الرقابة، وتقول: «نحن نحاول أن نحافظ على الفنانين كقيمة متحفية، نكرّمهم في المهرجانات، ولكنهم ممنوعون من العمل حاليًا… تحمُّل حرية العمل بدون إذن لدى الفنان؛ قيمة جوهرية». وتكمل لطفي حديثها بالتعاطي مع الجانب القانوني للفن: «قانون عمل النقابات سنة 1955، هو قانون ينظم العمل في خمس كيانات/نقابات: «المهن السينمائية»، «الممثلين»، «الموسيقيين»، «اتحاد الفنانين التشكيليين»، «اتحاد الكتّاب». قرر اتحاد الكتّاب والتشكيليين ألا يُلزِما أحدًا بالانضمام حتى يمارس مهنته أو فنه، أما النقابات الثلاث الأخرى فقالت: لا، لن يستطيع أحد العمل إلا عندما يكون عضوًا في إحدى النقابات. وهذا قرار غير دستوري، ويخالف كل الدساتير، نهايةً بدستور 2014؛ الذي يقول في المادة 67: إن حرية التعبير الفني والأدبي مكفولة لكل الناس، بعيدًا عن انتمائهم للنقابة من عدمه. كل الأشياء في النقابات المصرية غير قانونية. لماذا لا ينتفض السينمائيون؟». إذا قُدّر للفنان تجاوز الرقابة، سيسقط في هوة تصاريح التصوير. ثقل عملية التصوير ينعكس على إنجاز الفيلم، بالسلب أو الإيجاب، لكنه عامل يؤثّر على شكل الفيلم في النهاية. بيد أن بيروقراطية الورق تقتل مشاريع في مهدها، وتمحوها من الوجود الفني. يحاول الفنان تلافي هذه المشكلات بحلول وقتية تُناسب الظروف، لأن تصاريح التصوير، بجانب الأموال التي تمتصها، تستغرق وقتًا هائلًا ربما لا يسمح جدول الفيلم بهذه المسافات الزمنية الكبيرة. فيلجأ بعض الصنّاع إلى استخراج تصاريح تصوير برامج تلفزيونية كحلول وقتية يصوّرون بها في الشوارع، حتى لا يتوقف الفيلم لمدد زمنية طويلة. يلجأ الصناع لهذه الحيل لدفع عجلة العمل، حتى تخرج التصاريح الرسمية الخاصة بالفيلم. والحقيقة أن الأمر مثير للريبة؛ أن يلجأ السينمائيون لهذه الحيل من أجل تصوير فيلم، يؤكد أننا دولة مصابة برُهاب الكاميرا، عندما تأتي شركات عالمية من هوليوود مثل «مارفل»، ونُعلّق طلباتهم لتصوير بعض مشاهد أفلامهم في مصر لفترات طويلة بسبب البيروقراطية التي تحكم نظام الأوراق المصري. إذا، فنحن أمام مشكلة؛ لأننا أضعنا أموالًا طائلة وفرصة ترويج سياحي، دون مقابل، سوى منحهم بعض الأيام لتصوير فيلم سينمائي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store