logo
#

أحدث الأخبار مع #SigmundFreud

الكلمات بدل اللكمات
الكلمات بدل اللكمات

بديل

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • صحة
  • بديل

الكلمات بدل اللكمات

كان سيغموند فرويد Sigmund Freud يعتقد أن المؤشر الدال على ميلاد الحضارة البشرية هو استعمال الإنسان للكلمات بدل اللكمات، أي بصيغة أوضح حين تخلّى الإنسان عن استخدام العنف الجسدي والضرب بالحجر والعصا دفاعًا عن النفس، واستبدله بالكلام والحوار. بدأت الحضارة حين اعتمد الإنسان اللغة بدل العنف، أي العقل بدل الغريزة. لكن الأنثروبولوجية الأمريكية مارغاريت ميد Margaret Mead لها موقف مغاير تمامًا، إذ تعتبر أن العلامة الدالة على بدء الحضارة البشرية هو شفاء الإنسان من كسر فخذه واستمراره في العيش. لماذا؟ لأن ذلك يعني أن هناك من ضمّد جراحه واعتنى به ووفّر له الملجأ والأكل واهتم برعايته إلى أن تماثل للشفاء. فلو تُرك ذلك الإنسان لوحده لكان مصيره المحتوم هو الموت، لأنه سيكون فريسة سهلة للحيوانات التي تتربص باللحم النيء ويسيل لعابها للجرح. إذ لو ظل لوحده في الغابة أو في الحقل أو في الوادي بدون حركة، لصار لقمة سائغة للحيوانات المفترسة. أما الاستنتاج الذي وصلت إليه مارغاريت ميد، من خلال هذه الواقعة الدالة، فهو أن التعاون أساس الحضارة، إذ حين فكّر الإنسان البدائي في مدّ يد المساعدة لفرد مكسور الفخذ، فإنه كان يضع اللبنات الأولى للحضارة البشرية. إن التعاون بين الأفراد يعني أن هناك اهتمامًا بالآخرين وتضحية من أجلهم، وانشغالًا بوضعياتهم. الأمر الذي يدل على وجود مبدأ التضامن بين الناس، وهو شرط ضروري لبناء العيش المشترك. ولكي تسود القيم السالفة الذكر، كان لا بد من تراجع قيم أخرى مثل الأنانية والتجاهل والكراهية. فالإنسان البدائي حين تنازل عن مثل هذه الصفات المترسخة في الطبيعة البشرية، فتح الباب واسعًا أمام تجربة حياتية جديدة لا حدود لها، ستفضي إلى إنشاء مجتمع وأعراف وقوانين ودولة، وهي مقومات ضرورية لتدبير الشأن العام. وعليه، فالسلوك الحضاري الأول الذي صدر عن الإنسان هو الاهتمام بالغير والتضحية من أجله ومدّ يد المساعدة له. وهذا السلوك البسيط هو الفيصل بين التوحش والتمدن، وهو الذي سيرسخ لاحقًا قيم التضامن والإيثار والتعايش. قيم ما زالت سائدة إلى اليوم في المجتمعات البشرية، وهي التي تؤطر التشريعات والمؤسسات والسياسات العمومية، رغم كل التهديدات والإكراهات التي تترصدها والتي تريد أن تعود بنا إلى الوراء في كل مرة تخطو فيها الحضارة البشرية خطوات إلى الأمام. وهي تهديدات منشؤها المصالح المتناقضة، والأطماع الاقتصادية والسياسية، والغلو الديني، والعمى الإيديولوجي، وكذا الطبيعة البشرية الميّالة إلى الأنانية والعنف. ألم يقل 'طوماس هوبز' يومًا ما إن 'الإنسان شرير بطبعه' وهو 'ذئب لأخيه الإنسان'؟.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store