أحدث الأخبار مع #TheMansonMurders


العربي الجديد
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- العربي الجديد
"جرائم عائلة مانسون" وجنون المؤسسة الأمنية الأميركية
عاد المخرج إيرول موريس، أخيراً، بفيلم وثائقي جديد يحمل عنوان Chaos: The Manson Murders (فوضى: جرائم عائلة مانسون). موريس الذي صنع فيلم "الخط الأزرق الرفيع" عام 1988، يدخل مجدداً إلى منطقة رمادية في التاريخ الأميركي، وكعادة صاحب السرد الوثائقي السحري، لا يكتفي بإعادة سرد التفاصيل المعروفة، بل يحفر تحت سطح الرواية الرسميّة التي صاغها المدعي العام فينسينت بوغليوسي في كتابه الأكثر مبيعاً "هيلتر سكيلتر"، يتساءل موريس، الحائز جائزة أوسكار عام 2003 عن فيلم "ضباب الحرب": ماذا يوجد خلف الفوضى التي سببتها جرائم عائلة مانسون؟ جرائم عائلة مانسون التي هزت أميركا في 1969، وقُدّمت للجمهور بقوالب ترفيهية متنوعة. يقترحها موريس، هذه المرة، بعدسة جديدة، عدسة فلسفية تعيد تشكيل الواقع ضمن عوالم موازية، البحث في هذه الفوضى أو كما سماها الإعلام الأميركي حينها بمجزرة الهيبيز المجنون، هو تحدٍّ جديد يقدمه موريس للجمهور، يقلّب الحقائق المطلقة ويحول القصة إلى فنٍّ يبحث عن اللايقين، متحدياً بذلك حدود السينما الوثائقية. الفيلم من إنتاج " نتفليكس "، ويحمل بصمتها على إيقاعه السريع وبُنيته ثلاثية الفصول: الجريمة ثم التحقيق ثم الكشف، بلغة بصريةً توفيقيةً تهدف إلى جذب أكبر جمهور. ليواجه موريس رواية المدعي العام، استند إلى كتاب الصحافي توم أونيل، "الفوضى: تشارلز مانسون، وكالة المخابرات المركزية، والتاريخ السري للستينيات"، إذ لا تُروى قصة جرائم القتل بقدر ما يروي قصة السرديات المتنافسة حولها. القاتل المجنون مانسون يتحول هنا إلى لعبة في يد أطراف خفية، بعد أن اكتشف الكاتب أنه مجرد ضحية لمشروع MKUltra السري لوكالة المخابرات المركزية، الذي استهدف التحكم في العقول عبر المخدرات المهلوسة. الفيلم يبدأ بتحطيم التمثال الأيقوني لمانسون بوصفه المعلم الشيطاني الذي خطّط لحرب عرقية مستوحاة من أغنية لفرقة البيتلز. بدلاً من ذلك، يعيد موريس تركيب الصورة عبر مقابلات موسعة مع أونيل، الذي قضى عقوداً في تتبع خيوط المؤامرة. نتابع سرداً مُضاداً يشير إلى أن المدعي العام الطموح بوغليوسي، اختلق نظرية "هيلتر سكيلتر" لتبسيط القضية وبيع كتابه، متجاهلاً أدلة تربط مانسون ببرامج حكومية سرية. يكشف أونيل عن وجود لويس ويست، وهو طبيب نفسي مرتبط بـMKUltra، يعمل في عيادة هايت-أشبوري المجانية التي ارتادها مانسون وأتباعه. الفيلم يربط بين تقنيات غسل الدماغ التي استخدمها ويست في تجاربه، وتلك التي مارسها مانسون على عائلته المصطنعة، مُلمحاً إلى أن الأخير ربما كان جزءاً من تجربة أكبر، أو على الأقل مُستفيداً من مناخٍ سمح بوجود مثل هذه البرامج. يعتمد المخرج على أسلوب بصري مميز، فيستخدم اللون الأحمر رمزاً مركزياً في مشاهد إعادة تمثيل مسرح الجريمة، جميع اللقطات التي تخفي خلفها قصصاً أخرى يشوهها المخرج بدماء افتراضية، كمشهد مانسون وهو يبتسم كنبي هيبي، أو مشهد الصينية المليئة بمقل العيون البلاستيكية، استعارةً عن تهشم الرؤية وزيف الصورة العامة. المشاهد تُعيد سرد الجرائم بتفاصيلها المعروفة (مقتل شارون تيت، الكتابات بالدم... إلخ) بطريقة تقليدية تكاد تكون مملّة. يحدث التحول عندما ينتقل موريس إلى عوالم المؤامرة التي احترف التعامل معها. هنا، يصبح الإيقاع أشبه بتحقيق بوليسي، فكل دليل جديد يقلب الطاولة. يتردّد الفيلم في تقديم استنتاجات حاسمة، ويترك المشاهد في حيرة: هل مانسون دمية مخابرات؟ أم أن أونيل وقع في فخ نظرية المؤامرة؟ والجواب هو أن موريس يُفضّل اللعب في المنطقة الرمادية. إنه فيلم عن قوة السرديات، وعن كيف تُصنع الحقائق وتُشوَّه في خضمّ الأجندات السياسية والإعلامية. اتهامات أونيل بوجود صلة بين مانسون وبرنامج MKUltra تفتح ملفّاً عن جنون المؤسسة الأمنية في حقبة الستينيات، إذ حوّلت الحكومة مواطنيها إلى فئران تجارب في سعيها إلى التفوّق على الاتحاد السوفييتي. يفضح الوثائقي أيضاً دور الإعلام في تحويل مانسون إلى وحش استثنائي لتعمية الرأي العام عن فشل الدولة في حماية مواطنيها من تجاربها السرية، كما حوّل "هيلتر سكيلتر" الهيبيز إلى تهديد وجودي، بعد أن تحوّلت أحلام السلام إلى كوابيس بفضل مخدرات وكالة المخابرات. نجوم وفن التحديثات الحية انطلاق مسابقة يوروفيجن وسط احتجاجات على مشاركة إسرائيل في فيلموغرافيا موريس، سيكون لهذا العمل مكانةُ الوثائقي الانتقالي، هو الجسر بين عصر الأفلام السينمائية المُلتزمة وعصر المنصات التي تطلب المحتوى ذا الإيقاع السريع. لكن حتى في هذا الإطار، يظل موريس قادراً على طرح الأسئلة المحرجة عن دور الدولة في صناعة الوحوش، وعن سهولة تحويل الحقيقة إلى سلعة. يُصرّ المخرج على أن الجرائم نفسها، رغم فظاعتها، تصبح ثانوية أمام صراع السرديات في عصرنا المليء بنظريات المؤامرة والأخبار المزيفة. ينجح الفيلم بفضل جرأته في تشريح الأسطورة، وبصرياته المُقلقة التي تعلق في الذاكرة وعنوان الفوضى يدل على فوضى الحقائق والأخلاق والتاريخ.


الجزيرة
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
'جرائم مانسون'.. قائد طائفة جذاب مزج الجريمة بالموسيقى والغناء والحرية
'أنا رجل آلي ومن حولي عائلتي ثمة وقت للعيش فالزمن ملح ذائب يا له من عجب أن تعيش كل هذا الاضطراب والإحباط والشك هل تستطيع يوما أن تعيش بلا ألاعيب؟' من أغاني ألبوم 'مانسون' 1970 لا شك أن التعامل مع الجريمة بكل أشكالها في كثير من المجتمعات الرأسمالية، قد أدى إلى نوع من التعاطي المعتاد مع كون الجريمة تسير في موازاة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك التحولات الثقافية، واختلاف الوعي والمنظور الفكري، ونشأة عوامل متعددة مستحدثة، تتعلق بعلاقات وأخلاقيات، صارت تتشكل تباعا، وتشكل ملامح سلوك الجيل في كل حقبة زمنية. من هنا يمكننا النظر إلى هذا الوثائقي الجديد الذي يغوص فيه المخرج الكبير 'إيرول موريس'، وهو أحد أبرز أعلام السينما الوثائقية في العالم، ويتعمق هنا في جريمة الستينيات والسبعينيات التي هزّت المجتمع الأمريكي، وكان عنوانها الأبرز رجل يدعى 'تشارلز مانسون' (1934-2017)، جمع ما بين الغناء والتأليف الموسيقي والدعوة للتمرد والفوضى، وبين الجريمة والعنف والهوس الديني الممتزج بهوى طائفي وعرقي، اجتذب به كثيرا من الأتباع. كانت أمريكا تموج في حقبة استثنائية، تتعالى فيها موجات الحريات المدنية وحركات السود، ممثلة في حركة 'الفهود السود' الثورية الشهيرة، وخلال ذلك نمت الحركات الاجتماعية السلوكية الأكثر تطرفا، ممثلة في جماعات 'الهيبيز'، وكانت أمريكا الرسمية غارقة في وحل حرب فيتنام (1955-1975). كان دوي الرصاصات التي أُطلقت على الرئيس 'جون كينيدي' عام 1963 ما يزال يدوي عاصفا بالمجتمع بأسره، لتكتمل تلك الفوضى العارمة، التي كان المخرج 'إيرول موريس' محقا في جعلها عنوانا لهذا الفيلم الإشكالي، الذي يتعمق في كثير من الظواهر؛ ألا وهو 'الفوضى.. جرائم مانسون' (Chaos: The Manson Murders). ظواهر ضربت المجتمع الأمريكي خلال حقبة تتراوح ما بين مطلع الستينيات ومطلع السبعينيات، لا سيما أن المخرج مولع بتشريح القضايا الإشكالية المعقدة التي تضرب المجتمع الأمريكي، أو تلك التي تشكل ذاكرته ووعيه الجمعي. فاز 'موريس' بجائزة الأوسكار عن فيلمه 'ضباب الحرب' (The Fog of War) عام 2004، وعشرات الجوائز العالمية الأخرى، وكنا قد راجعنا في هذا الموقع فيلمه الشهير 'أس أو بي' (Standard Operating Procedure) تحت عنوان 'عذابات سجن أبو غريب'، وهو فيلم جدير بالأهمية، استخدم الصور الفوتوغرافية للغوص في التعذيب الذي مورس على السجناء العراقيين، إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. أجواء الستين الملتهبة في أمريكا يوظف المخرج 'إيرول موريس' نسقا تعبيريا وشكلا بصريا يرتكز في ركنيه على الحقيقة التاريخية الوثائقية، بموازاة ضخ التفاصيل في شكل تدفقات مقسمة على عدد من الفصول، ولهذا نجده يستهل الفيلم بمشهد افتتاحي وثائقي صادم، عن امرأة حامل في الشهر الثامن، تُقتل طعنا في جريمة تبعتها عدة جرائم، وهزّت ولاية لوس أنجلوس يومئذ. لكن الصدمة المضاعفة تمثلت في اكتشاف أن الضحية هي 'شارون بولانسكي' زوجة المخرج 'رومان بولانسكي'، وحين بدأت السلطات تحرياتها في المكان اكتشفت ضحايا آخرين من أصدقاء الضحية والمقربين منها. كانت جريمة طعن امرأة حامل وقتل الجنين في أحشائها عنوانا عريضا لحقبة مخيفة وغير مسبوقة، فيتوقف عنده السرد الوثائقي في استقصائه لتلك الحقبة المرعبة، التي صارت تجثم على صدور الأمريكان. كانت تلك الأجواء مشحونة وجدانيا، وفيها كثير من التأثر والمشاركة الصادقة لمحنة الضحايا وعائلاتهم، وكانت ترافقها حملة مسعورة، يتوقف الوثائقي عند أهم محطاتها، مبرزا كلمتي 'حرب' و'خنازير'، بوصفهما قاسمين مشتركين وكلمتين تكررتا وهما مكتوبتان بدم الضحايا على جدران مسرح الجريمة، وهو ما تكرر بعد ذلك على بعد أميال، وبعد وقت قصير من سلسلة الجرائم السابقة. هنا يمضي المخرج في توصيف طريقة ارتكاب الجريمة، مستعينا بما أتيح من وثائق، ومقابلة المدعي العام والشهود، في سرد استقصائي يتنقل بمرونة ورصانة بين كل تلك الوقائع، فيترك المشاهد في وسط دوامة لا نهاية لها من الدوافع الإجرامية، كما يقدم صورة مجتمع مطعون في وجدانه، وهو يعيش كل تلك الجرائم المتوالية. 'إنها الموسيقى والحركة والجاذبية التي لا أعرف سرها' أسست تلك الأرضية الإجرامية لتقديم شخصية استثنائية، ظهرت صورتها غلافا لمجلة 'لايف'، إنها صورة 'تشارلز مانسون' الذي سيصبح رمزا للعنف والجريمة، مصحوبا بولع شعبي في تتبع سيرته. وهذا ما يعزوه كاتب جرائمه وموثقها 'توم أونيل' إلى ولع شعبي بالغوص في عالم الخوف والمفاجآت، لا سيما مع شخصية استثنائية كـ'مانسون'، الذي صار يجمع بين قدرته الاستثنائية على استقطاب الأتباع من حوله، وكونه يعبر عن نفسه بالموسيقى والغناء، ثم ختم ذلك بنزعة إجرامية لها تخريج طوباوي مخادع، يربط الجريمة بالتطهير الديني والقدرات الخارقة. طبعت هذه المعطيات المثيرة الشكل البصري الذي اهتدى إليه المخرج في استخدام أسلوب التعليق الصوتي، الذي كان سائدا في تلك الحقبة، ناهيك عن شيوع الإطارات ذات الصبغة الحمراء، وانقسام الشاشة إلى قسمين وثلاثة أقسام وأكثر، وهي تحمل إنسانا يعلق أو يتحدث من جهة، ووثيقة رسمية أُفرج عنها من جهة أخرى. بعد ذلك يتتبع الفيلم بدقة مراحل تشكل فرقة من أتباع 'مانسون'، إنهم حشود من المريدين المطيعين لإرشاداته وقوانينه الصارمة، التي جعلته يتحكم بهم، وسوف يجيب هو عن سر جاذبيته وقدرته على استقطاب الناس، فيقول: إنها الموسيقى والحركة والجاذبية التي لا أعرف سرها، تلك التي تميزني. وهو ما يؤكده المدعي العام 'ستيفن كاي' بقوله إن ميزة 'مانسون' أنه ظهر في ظل موجة جارفة من التغيرات الاجتماعية والثقافية، وكان الغناء والموسيقى غطاء لتوليد حركة انتباه واقعية، ما لبث 'مانسون' أن مزجها بشعارات تقرب الناس من الخلاص الديني، فأدخل الأتباع والمريدين في نوع من الهوس الشخصي به، من خلال ذلك المزيج الغريب من هلوسات المخدرات، إلى إطلاق ألبومات الغناء والموسيقى، إلى محاضرات غسل الدماغ، إلى هجرة المجتمع والعيش في البرية، وهذه كلها استخدمها 'مانسون' لجلب أتباع جدد، ما لبثوا أن بدؤوا يتكاثرون من حوله تكاثرا ملحوظا. 'تشارلي وفتياته'.. نسوة خاضعات يتبعن صوت الإله وظّف المخرج تتابع الفصول في سرده الوثائقي، وكان جلّ ما أوردناه آنفا متضمَّنا في الفصل الأول 'إطلاق السراح'، وقد أوصلنا إلى أناس مستعدين للقتل بلا ندم ولا تردد، وبحسب ما يُطلب منهم، ثم وصولهم إلى نقطة أنهم لا يتذكرون كيف ولماذا قتلوا ضحاياهم، وإنما كانوا يعبرون عن طاعة مطلقة لمعلمهم الروحي، زعيم جماعة العبيد المطيعين المستعدين لتنفيذ الأوامر حرفيا. في قسم آخر من تلك السيرة، يُتتبع 'مانسون' وقد أمضى معظم عام 1967 في سان فرانسيسكو، في ذروة 'صيف الحب' والأزياء والترف واندفاع الشباب باتجاه عالم 'الهيبيين' الذين يتمركزون هناك، حيث يتكدس أكثر من 100 ألف إنسان لتقليدهم أو الإعجاب بهم، وخلال ذلك كانت 'عائلة مانسون' من أتباعه ومريدوه قد كبرت، وصار يُطلق عليهم 'تشارلي وفتياته'. كانت عنده فتيات محظيات ذوات طبيعة إجرامية، وكن يطعنه لدرجة أنهن لا ينطق إلا حين يخاطبهن، فقد كن خاضعات راضخات له ولإرادته، ويقلن إن صوته صوت الإله، وكان هو يردد: أنا لست إلا امرأ جاهلا خرج من الإصلاحية، لكن تلك الفتيات رأين فيّ شيئا لم أره في نفسي، فمثلا هنّ رأينني رجلا لطيفا، مع أنني لم أكن كذلك. يمتطي الوثائقي أداة مساعدة أخرى، كاشفا بُعدا آخر من أبعاد ذلك العالم المنغلق على نفسه، وذلك في شخصية الطبيب 'جولي ويست'، وهو خبير في التنويم المغناطيسي وغسل الدماغ، كان يستغل عيادته المجانية التي سماها 'عيادة الهيبيين'، لإجراء تجارب على المرضى. لم يكن ذلك إلا امتدادا لمشروع 'إم كيه ألترا' فائق السرية، الذي كانت تنفذه المخابرات الأمريكية بين 1953-1964، وهو مشروع استمر أكثر من 20 عاما، وكلف أكثر من 15 مليون دولار آنذاك، وكان يشتمل على التحكم بالعقول، وشمل تجارب في عدة جامعات ومراكز أبحاث. التجسيد الوثائقي لبرنامج الفوضى السرّي حدث تحول آخر واكب تلك المجموعة الاستثنائية، ألا وهو إقدامها –بأمر من 'تشارلي'– على قتل أحد المتأثرين بحركة 'الفهود السود'، ولهذا لم يكن هناك مناص من إعلان 'تشارلي' أن حركة النمور السود هم أعداء. تُظهر مشاهد وثائقية دهم الشرطة بأعداد هائلة عصابة 'مانسون'، وقد وجدت كوارث من سيارات مسروقة وأسلحة ومخدرات وفتيات قاصرات، واعتقلت الجميع، لكنها ما لبثت أن أخلت سبيلهم بعد 3 أيام. تزامن ذلك مع فوضى عارمة بعد اغتيال الرئيس الأمريكي 'جون كينيدي'، وهرب المشتبه به في الجريمة خلال نقله من السجن. في الفصل الرابع الذي حمل عنوان 'إلقاء القبض'، وبعد أربعة أشهر من التحري والتحقيقات، أُلقي القبض على المجموعة والرجل الذي يقدسونه، وكان التفسير السائد أنهم ليسوا إلا قبيلة 'هيبية'، أفسدتها موجة الحريات الصاخبة والاستثنائية لحركة الستينيات، حتى صاروا وحوشا بانضمامهم إلى مجموعات تعاونية، من نشاطاتها التظاهر ضد الحرب، ثم أصبحوا قتلة مسعورين لا يحترمون الحياة. وهنا، كانت 'سي آي أيه' قد أنشأت برنامج 'فوضى 1967″، وهدفه اختراق المجموعات اليسارية والحركات المناهضة للحرب، وحركة الفهود السود، والحركات والمنظمات اليسارية والاشتراكية والنسائية، باتجاه تعطيلهم وإبادتهم، حتى إن عام 1969 شهد توقعات اندلاع حرب أهلية. هل كانت الجرائم ذات غطاء حكومي؟ أثيرت نظرية المؤامرة بعد سلسلة الجرائم المروعة، والسلوك العدواني المختلط بالشعوذة والانحرافات السلوكية، وأثيرت أسئلة جدية يسلط الوثائقي الضوء عليها، وخلاصتها سؤال محدد هو: هل كل ما جرى كان من تدبير الحكومة الفيدرالية بإطلاق يد 'مانسون' وعصابته لترويع المجتمع؟ لقد كان من أهم الخلاصات التي توقف عندها الوثائقي، هو القول إن ذلك الزلزال الذي أحدثه 'مانسون' وعصابته في المجتمع لم يكن إلا تحذيرا جديا وصارخا موجّها إلى النخبة والمشاهير، من مغبة مساندة اليسار، أو جماعات الحريات المدنية، أو المناهضين للحرب، وكذلك تيارات مثل الفهود السود. 'لا أستطيع التخلص من أفكاره وصوته' يُستهل الفصل الخامس 'المحاكمة' بدخول 'مانسون' المحكمة، وعلى جبينه علامة الصليب، وكذلك تفعل نساؤه وتكررن ما يقول، وحتى النسوة اللاتي كنّ في الخارج كانت له سيطرة عجيبة عليهن، أذهلت المجتمع الأمريكي، كما أذهلت الرئيس 'جونسون' نفسه. وها هو ذا يردد: إن عالمي عالم حزين، وكل شيء فيه يفضي إلى الجنون. كان ذلك في يناير/ كانون الثاني 1971، وكانت مساحة واسعة من الرأي العام لا ترى 'مانسون' إلا دمية استغلته الدولة، وكانت وقائع غرفة المحاكمة تتحدث عن رجل كان يلقي خطابا أو موعظة عن الحروب العرقية بعد كل عشاء، وكان أتباعه المتزايدون معزولين يؤمنون بالهرج والمرج، وكان كل منهم يردد: لا أستطيع التخلص من أفكاره وصوته الذي يلاحقنا، ونسمعه بلا انتهاء. تقول إحدى تابعاته قبل إسدال الستار على قصته: لقد تجاوزت نقطة اللاعودة، ومهما حاولت الخروج من عالمه أجد نفسي عاجزة، لقد شل إرادتي تماما. هنالك أسرار غامضة تجعله يتحكم بعقلك، ويجعلك إنسانا آليا مطيعا طاعة عمياء مطلقة، ينفذ ما يريد.