#أحدث الأخبار مع #ThetwoPopesالنهار٢٣-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالنهارغاب الباحث عن السلام في لحظة العطش للرحمةرحيل البابا فرنسيس، الحبر الأعظم الرقم 266 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر ناهز 88 عاماً. ليس مجرد وفاة لرجل دين رفيع، بل نهاية فصلٍ استثنائي في مسيرة الكنيسة، ورحيل لرجل قرّر أن يحمل صليب التغيير، ويجعل من المحبّة سلاحاً، ومن التواضع درعاً، ومن الحوار جسراً إلى الآخر. في لحظة الإعلان عن وفاته، لم يستحضر العالم فقط سيرة بابا غير تقليدي، بل أيضاً صورة معبّرة من فيلم "الباباوان" (The two Popes)، حيث مشهدان متناقضان يتحاوران، بين بابا متمسك بالتقاليد، وآخر متمرّد بأناقة، يرقص التانغو، ويأكل البيتزا من كشك الشارع، ويضحك كطفل وهو يشاهد نهائي كأس العالم. لقد جسّد فرنسيس، كما في الفيلم، إنساناً لا يُرهبه الوقوف في وجه المؤسّسات، بل يحمل قلباً مفتوحاً لكل من طُرد، أُقصي، أو خُوِّن، سواء كان فقيراً، أو مهاجراً، أو منتمياً لدين آخر، أو حتى مثلياً. منذ لحظة اختياره في آذار/ مارس 2013، بعث البابا فرنسيس برسالة شديدة الوضوح: التغيير قادم، لكن بلغة المحبّة. اختار ألا يقيم في القصر الرسولي، بل في بيت الضيافة، وأبقى على صليبه الحديدي المتواضع بدلاً من الذهبي. ألغى مظاهر الفخامة، وركب الحافلات، وفضّل أن يكون وسط الناس، لا فوقهم. وعندما سُئل عن الإرهاب، رفض ربطه بالإسلام قائلاً: "لا أعتقد أن من الصواب الربط بين الإسلام والعنف"، كلماتٌ بسيطة، لكنها تحدّت خطاباً عالمياً مشحوناً بالخوف والانقسام. وفي الفاتيكان نفسه، حيث تسكن البيروقراطية العريقة والتراتبية الصارمة، حاول فرنسيس إدخال روح جديدة: كسر جمود المؤسسة، وفتح ملفات حساسة كقضايا الفساد والتحرّش، وإن كانت خطواته أبطأ مما أرادها كثيرون، لكنها كانت، على الدوام، واثقة ومؤمنة. فرنسيس لم يكن بابا إصلاح إداري فقط، بل حامل همّ أخلاقي. لقد فهم أن العالم يتغير، وأن الكنيسة لا يمكنها الاكتفاء بالصمت. دعا لحوار الأديان، وذهب إلى الأزهر، ثم إلى النجف، والتقى بالفقراء، وناشد الزعماء أن يتخلوا عن الجشع. رسم درباً جديداً للكاثوليكية، يجعلها أقل تجهماً وأكثر قرباً من الإنسان. وفي عام 2019، وقّع وثيقة 'الأخوة الإنسانية' مع شيخ الأزهر، داعياً إلى 'حضارة السلام'. في عالم يموج بالحروب والأحقاد الدينية، بدا فرنسيس كأنه يحاول أن يعيد تشكيل معنى الزعامة الروحية: ليست سلطة، بل شجاعة لقول الحقيقة، واحتضان المختلف. فرنسيس كان ابن بوينس آيرس، الحيّ الشعبي، راقص التانغو، مشجّع سان لورينزو، ابن المهاجرين الإيطاليين الهاربين من الفاشية. جذوره كانت من الهامش، ومن هذا الهامش صعد، ليكون أول بابا من أميركا الجنوبية، وأول يسوعي على كرسيّ بطرس. حين اعتلى سدة البابوية، كان قد بلغ السابعة والسبعين، لكنها كانت بداية جديدة للكنيسة، لا نهايتها. لقد جمع التناقضات، كما في الفيلم الذي جسّده بدقة: محافظ في الأخلاق، تقدّمي في الاجتماع. جادّ في الإيمان، لكنه يرقص التانغو. بسيط في المظهر، عميق في الفكر. كان يعرف أن الطريق مليء بالأشواك، وأن كنيسته لن تتغير بسهولة. لكنه اختار أن يزرع، لا أن يحصد. برحيل فرنسيس، تفقد الكنيسة رجلاً حاول بعناد إنساني أن يجدّد رسالتها، لكنه يترك خلفه أسئلة لم تُجب بعد: هل استوعبت المؤسسة الدينية الكبرى في العالم دروس تواضعه؟ هل تبنّت روح انفتاحه؟ هل سيكمل خلفه السير على ذات الطريق، أم تعود الكفة إلى الوراء؟ في واحد من أجمل مشاهد 'الباباوان'، يحاول فرنسيس تعليم بنديكتوس رقصة التانغو، يضحكان، يتعثران، ثم يسيران معاً وقد حمل أحدهما من الآخر شيئاً جديداً. مشهدٌ يمكن أن يلخّص جوهر فرنسيس: الحوار لا يفسد الاختلاف، والإنسانية أوسع من العقائد، والتغيير الحقيقي يبدأ حين نمدّ أيدينا لا لنحكم، بل لنصافح. .
النهار٢٣-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالنهارغاب الباحث عن السلام في لحظة العطش للرحمةرحيل البابا فرنسيس، الحبر الأعظم الرقم 266 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر ناهز 88 عاماً. ليس مجرد وفاة لرجل دين رفيع، بل نهاية فصلٍ استثنائي في مسيرة الكنيسة، ورحيل لرجل قرّر أن يحمل صليب التغيير، ويجعل من المحبّة سلاحاً، ومن التواضع درعاً، ومن الحوار جسراً إلى الآخر. في لحظة الإعلان عن وفاته، لم يستحضر العالم فقط سيرة بابا غير تقليدي، بل أيضاً صورة معبّرة من فيلم "الباباوان" (The two Popes)، حيث مشهدان متناقضان يتحاوران، بين بابا متمسك بالتقاليد، وآخر متمرّد بأناقة، يرقص التانغو، ويأكل البيتزا من كشك الشارع، ويضحك كطفل وهو يشاهد نهائي كأس العالم. لقد جسّد فرنسيس، كما في الفيلم، إنساناً لا يُرهبه الوقوف في وجه المؤسّسات، بل يحمل قلباً مفتوحاً لكل من طُرد، أُقصي، أو خُوِّن، سواء كان فقيراً، أو مهاجراً، أو منتمياً لدين آخر، أو حتى مثلياً. منذ لحظة اختياره في آذار/ مارس 2013، بعث البابا فرنسيس برسالة شديدة الوضوح: التغيير قادم، لكن بلغة المحبّة. اختار ألا يقيم في القصر الرسولي، بل في بيت الضيافة، وأبقى على صليبه الحديدي المتواضع بدلاً من الذهبي. ألغى مظاهر الفخامة، وركب الحافلات، وفضّل أن يكون وسط الناس، لا فوقهم. وعندما سُئل عن الإرهاب، رفض ربطه بالإسلام قائلاً: "لا أعتقد أن من الصواب الربط بين الإسلام والعنف"، كلماتٌ بسيطة، لكنها تحدّت خطاباً عالمياً مشحوناً بالخوف والانقسام. وفي الفاتيكان نفسه، حيث تسكن البيروقراطية العريقة والتراتبية الصارمة، حاول فرنسيس إدخال روح جديدة: كسر جمود المؤسسة، وفتح ملفات حساسة كقضايا الفساد والتحرّش، وإن كانت خطواته أبطأ مما أرادها كثيرون، لكنها كانت، على الدوام، واثقة ومؤمنة. فرنسيس لم يكن بابا إصلاح إداري فقط، بل حامل همّ أخلاقي. لقد فهم أن العالم يتغير، وأن الكنيسة لا يمكنها الاكتفاء بالصمت. دعا لحوار الأديان، وذهب إلى الأزهر، ثم إلى النجف، والتقى بالفقراء، وناشد الزعماء أن يتخلوا عن الجشع. رسم درباً جديداً للكاثوليكية، يجعلها أقل تجهماً وأكثر قرباً من الإنسان. وفي عام 2019، وقّع وثيقة 'الأخوة الإنسانية' مع شيخ الأزهر، داعياً إلى 'حضارة السلام'. في عالم يموج بالحروب والأحقاد الدينية، بدا فرنسيس كأنه يحاول أن يعيد تشكيل معنى الزعامة الروحية: ليست سلطة، بل شجاعة لقول الحقيقة، واحتضان المختلف. فرنسيس كان ابن بوينس آيرس، الحيّ الشعبي، راقص التانغو، مشجّع سان لورينزو، ابن المهاجرين الإيطاليين الهاربين من الفاشية. جذوره كانت من الهامش، ومن هذا الهامش صعد، ليكون أول بابا من أميركا الجنوبية، وأول يسوعي على كرسيّ بطرس. حين اعتلى سدة البابوية، كان قد بلغ السابعة والسبعين، لكنها كانت بداية جديدة للكنيسة، لا نهايتها. لقد جمع التناقضات، كما في الفيلم الذي جسّده بدقة: محافظ في الأخلاق، تقدّمي في الاجتماع. جادّ في الإيمان، لكنه يرقص التانغو. بسيط في المظهر، عميق في الفكر. كان يعرف أن الطريق مليء بالأشواك، وأن كنيسته لن تتغير بسهولة. لكنه اختار أن يزرع، لا أن يحصد. برحيل فرنسيس، تفقد الكنيسة رجلاً حاول بعناد إنساني أن يجدّد رسالتها، لكنه يترك خلفه أسئلة لم تُجب بعد: هل استوعبت المؤسسة الدينية الكبرى في العالم دروس تواضعه؟ هل تبنّت روح انفتاحه؟ هل سيكمل خلفه السير على ذات الطريق، أم تعود الكفة إلى الوراء؟ في واحد من أجمل مشاهد 'الباباوان'، يحاول فرنسيس تعليم بنديكتوس رقصة التانغو، يضحكان، يتعثران، ثم يسيران معاً وقد حمل أحدهما من الآخر شيئاً جديداً. مشهدٌ يمكن أن يلخّص جوهر فرنسيس: الحوار لا يفسد الاختلاف، والإنسانية أوسع من العقائد، والتغيير الحقيقي يبدأ حين نمدّ أيدينا لا لنحكم، بل لنصافح. .