#أحدث الأخبار مع #YemenDataProjectمدى٠٢-٠٥-٢٠٢٥أعمالمدىمصر ترفض التصورات المقترحة لموطئ قدم أمريكي في البحر الأحمرحملت الرسائل المسربة على مجموعة بتطبيق «سيجنال» التي تحمل اسم «Houthi PC small group»، والتي ناقش فيها مسؤولون بالإدارة الأمريكية هجومًا وشيكًا على مواقع الحوثيين في اليمن، منتصف مارس الماضي، في طياتها إشارات إلى ملامح سياسة أمريكية جديدة تجاه مصر: «سنجعل ما نتوقعه في المقابل واضحًا قريبًا لمصر وأوروبا». لم يُفصح المسؤولون الأمريكيون في المجموعة عن ماهية ما يتوقعونه تحديدًا مقابل استعادة الأمن في قناة السويس -وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم نبرتهم المتفائلة-، لكنهم عبروا عن يقينهم بأن تحقيقهم ذلك سيعود بالنفع على مصر وأوروبا، اللتين تكبدتا خسائر اقتصادية فادحة على مدى 18 شهرًا من الهجمات الحوثية على السفن التجارية المارة بالقناة، ردًا على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة. وبسبب تلك الهجمات، اضطرت شركات الشحن الكبرى إلى التوقف عن استخدام البحر الأحمر، الذي تمر عبره نحو 12% من حركة التجارة البحرية العالمية، واللجوء إلى مسار أطول بكثير يمر حول الطرف الجنوبي للقارة الإفريقية. تأثرت إيرادات قناة السويس نتيجة لذلك، لتبلغ خسائرها نحو 800 مليون دولار، بحسب تقديرات أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس الماضي. وبحسب مسؤولين أوروبيين ومصريين وإقليميين تحدثوا إلى «مدى مصر» خلال الأسابيع الأخيرة، فإن ما تريده الولايات المتحدة وتناقشه مع حلفائها الإقليميين هو تغيير جذري في منظومة الأمن بالبحر الأحمر، بما يضعها في طليعة القوى المراقبة لهذا الممر البحري. إلا أن مصر، بحسب المصادر، ما زالت تقاوم الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين للاستجابة لمطالب قد تتسبب في المزيد من التهميش لمكانتها بالمنطقة. وتبقى المسألة الأكثر إلحاحًا على أجندة الولايات المتحدة هي التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي في اليمن. فمنذ نوفمبر 2023 استهدفت الجماعة على الأقل 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق، ما أسفر عن غرق سفينتين، والاستيلاء على ثالثة، ومقتل أربعة من أفراد الطواقم. وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، شنّت، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، غارات على مواقع الحوثيين في اليمن، أما إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، فأطلقت، في 15 مارس الماضي، حملتها الخاصة على اليمن، تحت اسم عملية «راف رايدر». وتوعّد ترامب باستخدام «قوة فتّاكة ساحقة» حتى تتوقف الجماعة المتمردة المدعومة من إيران عن استهداف حركة الشحن في الممر البحري الحيوي. وقد نُفذت في اليوم الأول من الحملة ما لا يقل عن 40 غارة جوية في أنحاء متفرقة من اليمن، خاصة في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة. وبحلول نهاية مارس، وبعد 15 يومًا من بدء الحملة، تجاوز عدد الضربات الجوية أي شهر سابق منذ بدء الضربات الأمريكية في اليمن. أعلن الحوثيون أن الضربات الجوية الأمريكية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 31 شخصًا، فيما صرّح مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد الماضي، بأن الضربات نجحت في استهداف «عدد» من قادة الحوثيين. ونفذت الولايات المتحدة، منذ بدء الحملة في منتصف الشهر الماضي، ضربات شبه يومية على أهداف في اليمن، ووصفتها القيادة المركزية الأمريكية بأنها عملية متواصلة على مدار الساعة. وبحسب بيانات «Yemen Data Project»، وهي مبادرة مستقلة ترصد حملات القصف الأجنبية المتوالية على اليمن منذ 2015، قتلت الضربات الجوية الأمريكية حتى 22 أبريل الجاري ما لا يقل عن 500 شخص. وتكبد كثافة الضربات وتواترها، الولايات المتحدة تكاليف مالية باهظة. ووفقًا لشبكة CNN، بلغت التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية الأمريكية في اليمن، مع بداية أبريل الجاري، قرابة مليار دولار، رغم أن تأثيرها في تقويض قدرات الحوثيين ما زال محدودًا. ووفقًا لأحد المصادر، من المرجّح أن يلجأ البنتاجون إلى طلب تمويل إضافي من الكونجرس لمواصلة العملية، لكن الموافقة على هذا الطلب تبقى غير مؤكدة في ظل الانتقادات المتصاعدة للعملية داخل أروقة الكونجرس. هذه التكاليف المتزايدة أصبحت مصدر قلق واضح للإدارة الأمريكية، ويُمثل هذا أحد جوانب ما «تتوقعه في المقابل». وفي تصريح لدبلوماسي أوروبي يعمل في المنطقة خلال مقابلة مع «مدى مصر»، أوائل أبريل الجاري، قال إن «ترامب يريد انخراطًا عسكريًا وماليًا أكبر من مصر» في المعركة ضد الحوثيين. ووفقًا له، فإن أي دعم لوجيستي يمكن أن تقدمه مصر للهجمات الأمريكية في اليمن ليس كافيًا لواشنطن. من جانبها، رفضت مصر المشاركة عسكريًا، وأوضحت أنها لا تملك الموارد المالية اللازمة لتقديم دعم مادي. مصدران مصريان أكدا أن الولايات المتحدة طلبت من القاهرة تعاونًا عسكريًا وماليًا في البحر الأحمر. وبحسب المصدر الأول، عندما رفضت مصر تقديم دعم مالي للمهمة في مارس الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السفارة المصرية في واشنطن أنها ستعيد النظر فيما ستطلبه من القاهرة في المقابل. وبحسب المصدر، فإن الفهم السائد في القاهرة هو أن تصريح ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن على مصر السماح بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس «مجانًا»، هو نتيجة مباشرة لهذا الطلب السابق. إلا أن هذا الطلب وضع مصر في مأزق، بحسب المصدر، لأن الاستجابة له قد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة من دول أخرى، ما قد يقوّض أحد أهم مصادر الدخل القومي التي تعتمد عليها مصر، وهي إيرادات القناة. ورغم عدم صدور موقف رسمي من القاهرة، فإن مصر لم تعلن رفضها الطلب، وفقًا لمصدر في مركز أبحاث تابع للدولة، لكنها شكّلت لجنة لدراسة كيفية الرد على الطلب الأمريكي. تأتي هذه المطالب على خلفية الضغوط التي تواجهها مصر للمشاركة في العمليات ضد اليمن. ويقر مسؤول مصري ثانٍ بوجود ضغوط مستمرة سواء من الولايات المتحدة أو من حلفائها الخليجيين، وخاصة السعودية والإمارات، لدفع مصر للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين. «رغم أن مصر تتأثر بشكل مباشر من تعطل حركة الملاحة في البحر الأحمر، فإنها تدرك أن المطالب الأمريكية والخليجية تهدف بالأساس إلى حماية مصالح تلك الأطراف أكثر من كونها سعيًا لاستعادة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس»، يقول المسؤول، مضيفًا أن مصر «عرضت تقديم المشورة بشأن المخاطر الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر، لكنها لا تعتزم أن تكون طرفًا في صراع تتجاوز تكاليفه المكاسب المحتملة». يشير المسؤول إلى الورطة التي وقعت فيها مصر في ستينيات القرن الماضي عندما دعمت قوات الجمهورية العربية اليمنية الثورية. «هذه عملية لا نرغب في تكرارها بمصر، خصوصًا بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها مصر في الحرب السابقة باليمن»، يقول. «الحوثيون في اليمن ليسوا قوة يمكن هزيمتها بسهولة، بالنظر إلى طبيعة اليمن الجغرافية، وسيطرتهم على البلاد منذ 2015، وتحكمهم في إمكاناتها، وطردهم للحكومة الشرعية، إلى جانب الدعم الواسع الذي يتلقونه من إيران ودول أخرى مثل الصين». «الولايات المتحدة لا تريد أن تخوض المعركة بمفردها، رغم أنها هي من بدأتها دعمًا لإسرائيل ومحاربة للحوثيين. كان الأجدر بها، قبل أن تطلب الدعم من أصدقائها وحلفائها في المنطقة، أن تضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة وسوريا ولبنان. مصر أبلغت جميع شركائها وأصدقائها في المنطقة، بما فيهم الولايات المتحدة، بأنها لن تكون طرفًا في أي صراع يهدد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، يقول المسؤول. لكن حتى وإن كانت مصر غير راغبة في المشاركة المباشرة بالضربات الجوية على اليمن، إلا أنها تواجه ضغوطًا من جهة أخرى. فبحسب دبلوماسي إقليمي، تسعى تل أبيب وواشنطن إلى إقامة وجود عسكري دائم للولايات المتحدة في البحر الأحمر، شمال معسكر «ليمونييه»، القاعدة البحرية الأمريكية في جيبوتي. يقول المسؤول المصري الأخير ومسؤول مصري ثالث إن السعودية عرضت السماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة. وبحسب المسؤول الثالث، فإن الهدف من القاعدة هو أن يتولى الجيش الأمريكي تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن «مشبوهة» يُحتمل استخدامها في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة تلك القادمة من إيران. كانت مصر وافقت في 2016 على نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية، في خطوة رأت فيها القاهرة فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية وجذب الاستثمارات السعودية، لكنها أثارت موجة احتجاجات واسعة داخل البلاد ومعركة قانونية طويلة. ونُظمت التظاهرات يوم عيد تحرير سيناء، ذكرى انسحاب إسرائيل من شبه الجزيرة في 1982، ووصف بعض النشطاء الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«الخيانة العظمى». ورغم مصادقة البرلمان رسميًا على الاتفاقية وتوقيع الرئيس عليها، فإن عملية نقل السيادة لم تُستكمل، ما أدى إلى فتور في الدعم السعودي بعدما كان أكثر سخاءً فيما مضى. في عام 2023، كشف «مدى مصر» أن القاهرة لم تكن قد توصلت بعد إلى اتفاق مع الرياض وتل أبيب بشأن مضمون الرسائل الرسمية المتبادلة التي يفترض أن تُستكمل بها عملية نقل السيادة بشكل نهائي، كما أن تفاصيل الترتيبات الأمنية التي يجب أن تسبق صياغة هذه الرسائل لا تزال محل خلاف. يقول مصدران حكوميان إن الخلاف بين مصر والسعودية بشأن تيران وصنافير يتعلق بكاميرات المراقبة التي تريد السعودية وضعها على الجزيرتين بالتنسيق مع إسرائيل، حيث تُظهر بيانات الأمن القومي المصري أن مدى تغطية هذه الكاميرات يتجاوز النطاق الذي تسمح به مصر، ويكشف كامل شبه جزيرة سيناء، بحسب المصدرين. كان موقع «أكسيوس» ذكر في 2022 أن الولايات المتحدة حاولت التوسط بين مصر وتل أبيب والرياض لإتمام عملية النقل ضمن اتفاق تطبيع أوسع مقترح بين إسرائيل والسعودية، لكن مصر رفضت المشاركة، مما أدى إلى إفشال هذه المساعي. اليوم، يقول المسؤول المصري الأول إن التوتر لا يزال قائمًا بين السعودية ومصر بشأن الجزيرتين، وإن الرسائل اللازمة لاستكمال عملية النقل لم تُرسل بعد. وأوضح أن جزءًا من التباطؤ المصري يرجع إلى استمرار وجود خلافات داخل الإدارة المصرية نفسها بشأن نقل السيادة على الجزيرتين. كما تثير المقترحات الجديدة الخاصة بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة انقسامًا مماثلًا داخل دوائر صنع القرار في القاهرة، إذ عبّر بعض المسؤولين الذين تحدثوا إلى «مدى مصر» عن رفضهم التام، في حين أشار آخرون إلى أن مصر ليست في موقع يمكّنها من رفض الطلب السعودي بشكل قاطع، وأنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى البحث عن سبل تضمن تحقيق بعض التنازلات لصالحها. أما المسؤول المصري الثالث فيشير إلى وجود العديد من المخاوف لدى القاهرة بشأن وجود عسكري أمريكي محتمل. أولاً، تخشى القاهرة أن يؤدي تعزيز الوجود العسكري والأمني الأمريكي في المنطقة إلى التأثير على الاستثمارات الأجنبية في خليج السويس، لا سيما تلك التي مُنحت لشركات صينية وروسية، وهو ما قد يعرقل هذه الاستثمارات التي تعوّل عليها مصر لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية في محور قناة السويس، فضلًا عن انعكاسها السلبي على علاقاتها مع بكين وموسكو، بالنظر إلى حجم استثمارات البلدين في مصر خلال العقد الأخير ومصالحهما الاستراتيجية وعلاقاتهما بأطراف فاعلة في اليمن والسودان ومنطقة القرن الإفريقي. ثانيًا، تخشى مصر أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقويض الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء، والتي سمحت بموجبها إسرائيل للقاهرة بزيادة عدد القوات المصرية وبناء نقاط أمنية جديدة في إطار حربها ضد تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش. وبحسب المصدر، تسعى إسرائيل حاليًا إلى تقليص هذه الترتيبات. ثالثًا، من شأن إقامة قاعدة أمريكية على الجزيرتين أن تعزز العلاقات الأمنية المباشرة بين السعودية وإسرائيل، وهو ما يُتوقع أن تكون له تداعيات سلبية على الدور الإقليمي لمصر، وعلى علاقاتها مع القوى الغربية التي لا تزال تعتبر مصر ذات مكانة مهمة في ضوء اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل. في المقابل، لا يستبعد المسؤول المصري الثاني أن تدرس مصر المقترح السعودي، مشيرًا إلى أن مصر قد تطلب في المقابل السماح لها بتعزيز وجودها الأمني على الساحل الشرقي لجنوب سيناء. ويتوقع المسؤولان المصريان الثاني والثالث أن يكون المقترح السعودي بشأن تيران وصنافير على جدول أعمال زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية في منتصف مايو. وفي السياق ذاته، صرح مسؤول مصري رابع لـ«مدى مصر» بأن وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، ناقش خلال زيارته إلى السعودية، الأسبوع الماضي، مع المسؤولين في المملكة مسألة تفعيل «منتدى البحر الأحمر» المؤجل، وذلك قبل زيارة ترامب، حيث أعد الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الأمنية المتعلقة بالبحر الأحمر، يرغبان في توقيعها خلال الاجتماعات. ووفقًا للمسؤول، فإن أحد الأهداف الأساسية لهذه الاتفاقيات هو حصول السعودية على حماية أمريكية في حال تعرضها لأي هجوم.
مدى٠٢-٠٥-٢٠٢٥أعمالمدىمصر ترفض التصورات المقترحة لموطئ قدم أمريكي في البحر الأحمرحملت الرسائل المسربة على مجموعة بتطبيق «سيجنال» التي تحمل اسم «Houthi PC small group»، والتي ناقش فيها مسؤولون بالإدارة الأمريكية هجومًا وشيكًا على مواقع الحوثيين في اليمن، منتصف مارس الماضي، في طياتها إشارات إلى ملامح سياسة أمريكية جديدة تجاه مصر: «سنجعل ما نتوقعه في المقابل واضحًا قريبًا لمصر وأوروبا». لم يُفصح المسؤولون الأمريكيون في المجموعة عن ماهية ما يتوقعونه تحديدًا مقابل استعادة الأمن في قناة السويس -وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم نبرتهم المتفائلة-، لكنهم عبروا عن يقينهم بأن تحقيقهم ذلك سيعود بالنفع على مصر وأوروبا، اللتين تكبدتا خسائر اقتصادية فادحة على مدى 18 شهرًا من الهجمات الحوثية على السفن التجارية المارة بالقناة، ردًا على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة. وبسبب تلك الهجمات، اضطرت شركات الشحن الكبرى إلى التوقف عن استخدام البحر الأحمر، الذي تمر عبره نحو 12% من حركة التجارة البحرية العالمية، واللجوء إلى مسار أطول بكثير يمر حول الطرف الجنوبي للقارة الإفريقية. تأثرت إيرادات قناة السويس نتيجة لذلك، لتبلغ خسائرها نحو 800 مليون دولار، بحسب تقديرات أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس الماضي. وبحسب مسؤولين أوروبيين ومصريين وإقليميين تحدثوا إلى «مدى مصر» خلال الأسابيع الأخيرة، فإن ما تريده الولايات المتحدة وتناقشه مع حلفائها الإقليميين هو تغيير جذري في منظومة الأمن بالبحر الأحمر، بما يضعها في طليعة القوى المراقبة لهذا الممر البحري. إلا أن مصر، بحسب المصادر، ما زالت تقاوم الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين للاستجابة لمطالب قد تتسبب في المزيد من التهميش لمكانتها بالمنطقة. وتبقى المسألة الأكثر إلحاحًا على أجندة الولايات المتحدة هي التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي في اليمن. فمنذ نوفمبر 2023 استهدفت الجماعة على الأقل 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق، ما أسفر عن غرق سفينتين، والاستيلاء على ثالثة، ومقتل أربعة من أفراد الطواقم. وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، شنّت، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، غارات على مواقع الحوثيين في اليمن، أما إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، فأطلقت، في 15 مارس الماضي، حملتها الخاصة على اليمن، تحت اسم عملية «راف رايدر». وتوعّد ترامب باستخدام «قوة فتّاكة ساحقة» حتى تتوقف الجماعة المتمردة المدعومة من إيران عن استهداف حركة الشحن في الممر البحري الحيوي. وقد نُفذت في اليوم الأول من الحملة ما لا يقل عن 40 غارة جوية في أنحاء متفرقة من اليمن، خاصة في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة. وبحلول نهاية مارس، وبعد 15 يومًا من بدء الحملة، تجاوز عدد الضربات الجوية أي شهر سابق منذ بدء الضربات الأمريكية في اليمن. أعلن الحوثيون أن الضربات الجوية الأمريكية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 31 شخصًا، فيما صرّح مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد الماضي، بأن الضربات نجحت في استهداف «عدد» من قادة الحوثيين. ونفذت الولايات المتحدة، منذ بدء الحملة في منتصف الشهر الماضي، ضربات شبه يومية على أهداف في اليمن، ووصفتها القيادة المركزية الأمريكية بأنها عملية متواصلة على مدار الساعة. وبحسب بيانات «Yemen Data Project»، وهي مبادرة مستقلة ترصد حملات القصف الأجنبية المتوالية على اليمن منذ 2015، قتلت الضربات الجوية الأمريكية حتى 22 أبريل الجاري ما لا يقل عن 500 شخص. وتكبد كثافة الضربات وتواترها، الولايات المتحدة تكاليف مالية باهظة. ووفقًا لشبكة CNN، بلغت التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية الأمريكية في اليمن، مع بداية أبريل الجاري، قرابة مليار دولار، رغم أن تأثيرها في تقويض قدرات الحوثيين ما زال محدودًا. ووفقًا لأحد المصادر، من المرجّح أن يلجأ البنتاجون إلى طلب تمويل إضافي من الكونجرس لمواصلة العملية، لكن الموافقة على هذا الطلب تبقى غير مؤكدة في ظل الانتقادات المتصاعدة للعملية داخل أروقة الكونجرس. هذه التكاليف المتزايدة أصبحت مصدر قلق واضح للإدارة الأمريكية، ويُمثل هذا أحد جوانب ما «تتوقعه في المقابل». وفي تصريح لدبلوماسي أوروبي يعمل في المنطقة خلال مقابلة مع «مدى مصر»، أوائل أبريل الجاري، قال إن «ترامب يريد انخراطًا عسكريًا وماليًا أكبر من مصر» في المعركة ضد الحوثيين. ووفقًا له، فإن أي دعم لوجيستي يمكن أن تقدمه مصر للهجمات الأمريكية في اليمن ليس كافيًا لواشنطن. من جانبها، رفضت مصر المشاركة عسكريًا، وأوضحت أنها لا تملك الموارد المالية اللازمة لتقديم دعم مادي. مصدران مصريان أكدا أن الولايات المتحدة طلبت من القاهرة تعاونًا عسكريًا وماليًا في البحر الأحمر. وبحسب المصدر الأول، عندما رفضت مصر تقديم دعم مالي للمهمة في مارس الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السفارة المصرية في واشنطن أنها ستعيد النظر فيما ستطلبه من القاهرة في المقابل. وبحسب المصدر، فإن الفهم السائد في القاهرة هو أن تصريح ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن على مصر السماح بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس «مجانًا»، هو نتيجة مباشرة لهذا الطلب السابق. إلا أن هذا الطلب وضع مصر في مأزق، بحسب المصدر، لأن الاستجابة له قد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة من دول أخرى، ما قد يقوّض أحد أهم مصادر الدخل القومي التي تعتمد عليها مصر، وهي إيرادات القناة. ورغم عدم صدور موقف رسمي من القاهرة، فإن مصر لم تعلن رفضها الطلب، وفقًا لمصدر في مركز أبحاث تابع للدولة، لكنها شكّلت لجنة لدراسة كيفية الرد على الطلب الأمريكي. تأتي هذه المطالب على خلفية الضغوط التي تواجهها مصر للمشاركة في العمليات ضد اليمن. ويقر مسؤول مصري ثانٍ بوجود ضغوط مستمرة سواء من الولايات المتحدة أو من حلفائها الخليجيين، وخاصة السعودية والإمارات، لدفع مصر للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين. «رغم أن مصر تتأثر بشكل مباشر من تعطل حركة الملاحة في البحر الأحمر، فإنها تدرك أن المطالب الأمريكية والخليجية تهدف بالأساس إلى حماية مصالح تلك الأطراف أكثر من كونها سعيًا لاستعادة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس»، يقول المسؤول، مضيفًا أن مصر «عرضت تقديم المشورة بشأن المخاطر الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر، لكنها لا تعتزم أن تكون طرفًا في صراع تتجاوز تكاليفه المكاسب المحتملة». يشير المسؤول إلى الورطة التي وقعت فيها مصر في ستينيات القرن الماضي عندما دعمت قوات الجمهورية العربية اليمنية الثورية. «هذه عملية لا نرغب في تكرارها بمصر، خصوصًا بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها مصر في الحرب السابقة باليمن»، يقول. «الحوثيون في اليمن ليسوا قوة يمكن هزيمتها بسهولة، بالنظر إلى طبيعة اليمن الجغرافية، وسيطرتهم على البلاد منذ 2015، وتحكمهم في إمكاناتها، وطردهم للحكومة الشرعية، إلى جانب الدعم الواسع الذي يتلقونه من إيران ودول أخرى مثل الصين». «الولايات المتحدة لا تريد أن تخوض المعركة بمفردها، رغم أنها هي من بدأتها دعمًا لإسرائيل ومحاربة للحوثيين. كان الأجدر بها، قبل أن تطلب الدعم من أصدقائها وحلفائها في المنطقة، أن تضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة وسوريا ولبنان. مصر أبلغت جميع شركائها وأصدقائها في المنطقة، بما فيهم الولايات المتحدة، بأنها لن تكون طرفًا في أي صراع يهدد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، يقول المسؤول. لكن حتى وإن كانت مصر غير راغبة في المشاركة المباشرة بالضربات الجوية على اليمن، إلا أنها تواجه ضغوطًا من جهة أخرى. فبحسب دبلوماسي إقليمي، تسعى تل أبيب وواشنطن إلى إقامة وجود عسكري دائم للولايات المتحدة في البحر الأحمر، شمال معسكر «ليمونييه»، القاعدة البحرية الأمريكية في جيبوتي. يقول المسؤول المصري الأخير ومسؤول مصري ثالث إن السعودية عرضت السماح للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة. وبحسب المسؤول الثالث، فإن الهدف من القاعدة هو أن يتولى الجيش الأمريكي تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن «مشبوهة» يُحتمل استخدامها في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة تلك القادمة من إيران. كانت مصر وافقت في 2016 على نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية، في خطوة رأت فيها القاهرة فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية وجذب الاستثمارات السعودية، لكنها أثارت موجة احتجاجات واسعة داخل البلاد ومعركة قانونية طويلة. ونُظمت التظاهرات يوم عيد تحرير سيناء، ذكرى انسحاب إسرائيل من شبه الجزيرة في 1982، ووصف بعض النشطاء الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«الخيانة العظمى». ورغم مصادقة البرلمان رسميًا على الاتفاقية وتوقيع الرئيس عليها، فإن عملية نقل السيادة لم تُستكمل، ما أدى إلى فتور في الدعم السعودي بعدما كان أكثر سخاءً فيما مضى. في عام 2023، كشف «مدى مصر» أن القاهرة لم تكن قد توصلت بعد إلى اتفاق مع الرياض وتل أبيب بشأن مضمون الرسائل الرسمية المتبادلة التي يفترض أن تُستكمل بها عملية نقل السيادة بشكل نهائي، كما أن تفاصيل الترتيبات الأمنية التي يجب أن تسبق صياغة هذه الرسائل لا تزال محل خلاف. يقول مصدران حكوميان إن الخلاف بين مصر والسعودية بشأن تيران وصنافير يتعلق بكاميرات المراقبة التي تريد السعودية وضعها على الجزيرتين بالتنسيق مع إسرائيل، حيث تُظهر بيانات الأمن القومي المصري أن مدى تغطية هذه الكاميرات يتجاوز النطاق الذي تسمح به مصر، ويكشف كامل شبه جزيرة سيناء، بحسب المصدرين. كان موقع «أكسيوس» ذكر في 2022 أن الولايات المتحدة حاولت التوسط بين مصر وتل أبيب والرياض لإتمام عملية النقل ضمن اتفاق تطبيع أوسع مقترح بين إسرائيل والسعودية، لكن مصر رفضت المشاركة، مما أدى إلى إفشال هذه المساعي. اليوم، يقول المسؤول المصري الأول إن التوتر لا يزال قائمًا بين السعودية ومصر بشأن الجزيرتين، وإن الرسائل اللازمة لاستكمال عملية النقل لم تُرسل بعد. وأوضح أن جزءًا من التباطؤ المصري يرجع إلى استمرار وجود خلافات داخل الإدارة المصرية نفسها بشأن نقل السيادة على الجزيرتين. كما تثير المقترحات الجديدة الخاصة بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة انقسامًا مماثلًا داخل دوائر صنع القرار في القاهرة، إذ عبّر بعض المسؤولين الذين تحدثوا إلى «مدى مصر» عن رفضهم التام، في حين أشار آخرون إلى أن مصر ليست في موقع يمكّنها من رفض الطلب السعودي بشكل قاطع، وأنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى البحث عن سبل تضمن تحقيق بعض التنازلات لصالحها. أما المسؤول المصري الثالث فيشير إلى وجود العديد من المخاوف لدى القاهرة بشأن وجود عسكري أمريكي محتمل. أولاً، تخشى القاهرة أن يؤدي تعزيز الوجود العسكري والأمني الأمريكي في المنطقة إلى التأثير على الاستثمارات الأجنبية في خليج السويس، لا سيما تلك التي مُنحت لشركات صينية وروسية، وهو ما قد يعرقل هذه الاستثمارات التي تعوّل عليها مصر لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية في محور قناة السويس، فضلًا عن انعكاسها السلبي على علاقاتها مع بكين وموسكو، بالنظر إلى حجم استثمارات البلدين في مصر خلال العقد الأخير ومصالحهما الاستراتيجية وعلاقاتهما بأطراف فاعلة في اليمن والسودان ومنطقة القرن الإفريقي. ثانيًا، تخشى مصر أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقويض الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء، والتي سمحت بموجبها إسرائيل للقاهرة بزيادة عدد القوات المصرية وبناء نقاط أمنية جديدة في إطار حربها ضد تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش. وبحسب المصدر، تسعى إسرائيل حاليًا إلى تقليص هذه الترتيبات. ثالثًا، من شأن إقامة قاعدة أمريكية على الجزيرتين أن تعزز العلاقات الأمنية المباشرة بين السعودية وإسرائيل، وهو ما يُتوقع أن تكون له تداعيات سلبية على الدور الإقليمي لمصر، وعلى علاقاتها مع القوى الغربية التي لا تزال تعتبر مصر ذات مكانة مهمة في ضوء اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل. في المقابل، لا يستبعد المسؤول المصري الثاني أن تدرس مصر المقترح السعودي، مشيرًا إلى أن مصر قد تطلب في المقابل السماح لها بتعزيز وجودها الأمني على الساحل الشرقي لجنوب سيناء. ويتوقع المسؤولان المصريان الثاني والثالث أن يكون المقترح السعودي بشأن تيران وصنافير على جدول أعمال زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية في منتصف مايو. وفي السياق ذاته، صرح مسؤول مصري رابع لـ«مدى مصر» بأن وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، ناقش خلال زيارته إلى السعودية، الأسبوع الماضي، مع المسؤولين في المملكة مسألة تفعيل «منتدى البحر الأحمر» المؤجل، وذلك قبل زيارة ترامب، حيث أعد الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الأمنية المتعلقة بالبحر الأحمر، يرغبان في توقيعها خلال الاجتماعات. ووفقًا للمسؤول، فإن أحد الأهداف الأساسية لهذه الاتفاقيات هو حصول السعودية على حماية أمريكية في حال تعرضها لأي هجوم.