منذ 11 ساعات
- علوم
- القناة الثالثة والعشرون
اتصال بلا قيود.. كيف تحول الإنترنت الفضائي إلى سوق عالمية وعربية واعدة؟
رغم مد الكابلات تحت البحار وتحت الأرض، وإقامة الأبراج في الغابات والصحاري والمدن، ما يزال أكثر من 2.6 مليار شخص حول العالم خارج نطاق الاتصال الرقمي، ما يجعل الإنترنت الفضائي الذي يوفر الاتصال بالشبكة العالمية من خلال الأقمار الاصطناعية، بدلاً من الاعتماد على البنية التحتية الأرضية التقليدية مثل الكابلات والألياف البصرية أحد أكثر الحلول الواعدة لسد هذه الفجوة الرقمية.
فمن قرى نائية في أفريقيا إلى مجتمعات صحراوية في العالم العربي، تعيد تقنيات الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية رسم ملامح الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية. وفي السطور التالية نلقي الضوء على أهمية هذه التقنية ومستقبلها في الدول العربية وحول العالم.
متى ظهر الإنترنت الفضائي؟
ظهر الإنترنت الفضائي لأول مرة في منتصف التسعينيات، عندما بدأت بعض الشركات في استخدام الأقمار الاصطناعية لتوفير اتصال بالإنترنت في المناطق التي يصعب ربطها بشبكات أرضية. وكانت هذه الخدمة تعتمد في البداية على أقمار تدور في المدار الجغرافي الثابت (GEO)، على ارتفاع حوالي 36 ألف كيلومتر فوق سطح الأرض، ما أدى إلى زمن استجابة مرتفع وتأخر في الاتصال.
ورغم أن الأداء في تلك المرحلة كان محدوداً، إلا أنها شكلت الخطوة الأولى نحو استخدام الفضاء في توفير الإنترنت. ثم بدأت الخدمة في التطور تدريجياً مع تحسّن تقنيات البث والاستقبال، وظهور مشغّلين مثل "HughesNet" و"ViaSat" في الولايات المتحدة.
لكن النقلة النوعية الحقيقية جاءت في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مع إطلاق مشروع "ستارلينك" التابع لشركة "سبيس إكس" عام 2019، والذي اعتمد على أقمار صغيرة تدور في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، لتقديم إنترنت عالي السرعة ومنخفض الكمون، ما جعل الإنترنت الفضائي أقرب إلى منافسة الألياف البصرية من حيث الأداء.
كيف تحول الإنترنت الفضائي إلى سوق عالمية واعدة؟
جاء هذا التحول نتيجة التوسع الكبير في إطلاق الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض من قبل شركات مثل "ستارلينك"، التابعة للملياردير إيلون ماسك، و"وان ويب" و"كويبر"، وهو ما ساهم في توفير خدمات إنترنت عالية السرعة وزمن استجابة منخفض حتى في المناطق النائية التي يصعب تغطيتها بالشبكات الأرضية التقليدية. كما ساعدت هذه التكنولوجيا في تلبية الطلب المتزايد على الاتصال في المناطق الريفية، وفي دعم تطبيقات إنترنت الأشياء، إلى جانب المبادرات الحكومية لتعزيز الشمول الرقمي.
بحسب شركة "ذا بيزنس ريسيرش كومباني" (The business research company)، ارتفع حجم السوق العالمي من 5.86 مليار دولار في عام 2024 إلى 6.51 مليار دولار في 2025، مع توقّعات بأن يصل إلى 11.35 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 14.9%، مدفوعاً بالحاجة إلى الربط في المناطق الريفية، وتوسع إنترنت الأشياء، وجهود التوسيع المدعومة من الحكومات.
تقف الشبكات غير الأرضية (NTNs) في قلب هذا التحول. فخلافاً لشبكات الألياف البصرية أو الكابلات التقليدية، تتجاوز هذه الشبكات البنية التحتية الأرضية بالكامل، لتوفر خدمات إنترنت عالي السرعة ومنخفض الكمون (سريع الاستجابة) في المناطق التي كان يُعتقد سابقاً أنها غير قابلة للوصول، من المحيطات إلى الجبال وحتى مناطق الكوارث. تُستخدم شبكات من آلاف الأقمار الاصطناعية، ما يسمح بتقديم خدمات سريعة الاستجابة تصل إلى 20 ميلي ثانية، وهو ما يُعادل تقريباً أداء الألياف البصرية الأرضية، وفق تقرير لشركة "أفينجا" (avenga).
لماذا تتجه المجتمعات المحرومة إلى الإنترنت الفضائي؟
بات الإنترنت الفضائي بمثابة شريان حياة للمناطق الريفية والنائية. وأفادت الإدارة الوطنية الأميركية للاتصالات والمعلومات في يونيو 2024 بأن 83% من الأشخاص ممن تبلغ أعمارهم 3 سنوات فما فوق استخدموا الإنترنت في 2023، ارتفاعاً من 80% في 2021. ومع ذلك، ما زالت المناطق الريفية في الولايات المتحدة على سبيل المثال تعاني من تأخر في التغطية بسبب الكلفة العالية للبنية التحتية الأرضية. ومن هنا، تمثل الحلول الفضائية بديلاً مناسباً وقابلاً للتوسع.
وفي مايو العام الماضي, أطلق ماسك في إندونيسيا خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية لخدمة قطاع الصحة، حيث تأمل الحكومة في تحسين الخدمات في المناطق النائية، حيث يوجد في الدولة أكثر من 17 ألف جزيرة مترامية الأطراف.
إيلون ماسك يطلق خدمة ستارلينك في إندونيسيا.. تفاصيل أكثر هنا
ورغم أن شبكات الألياف تقدّم سرعات أعلى، إلا أن نشرها ما زال بطيئاً ومكلفاً. أما الأنظمة الفضائية فيمكن نشرها بسرعة أكبر، لا سيما مع توافر أجهزة طرفية متطورة تدعم تتبع الحزم والحوسبة الطرفية. كما أصبحت هذه الأجهزة اليوم خفيفة الوزن، وتعمل بالطاقة الشمسية، ومتوافقة مع الهواتف المحمولة، مما يجعلها مثالية للمجتمعات المحرومة من الاتصال.
وبالنسبة للمليارات المحرومين من الإنترنت، لا تقتصر الكلفة على التصفح البطيء، بل تشمل الركود الاقتصادي، والمخاطر الصحية، وغياب الفرص. في الولايات المتحدة الأميركية ورغم تقدمها التكنولوجي، كان هناك أكثر من 800 ألف أسرة في نيويورك تفتقر إلى الإنترنت السريع في عام 2015. كما أظهرت دراسة لمركز "بيو" أن خُمس البالغين في الأسر منخفضة الدخل يعتمدون فقط على الهواتف الذكية، دون وجود اتصال منزلي بالإنترنت.
ويعني غياب الإنترنت ضياع فرص التقديم على الوظائف، وتراجع فرص الالتحاق بالدورات التعليمية، وصعوبة الوصول إلى الدعم الاجتماعي. أما في الدول النامية، فالعواقب أشد وطأة، وتشمل انخفاض معدلات القراءة والكتابة، وضعف الرعاية الصحية، وتوارث الفجوات الطبقية عبر الأجيال. كما يوضح مايكل كوندرا، خبير التكنولوجيا في مقال نشره موقع منظمة "هيومن آي تي" ( أن "حاجز الوصول إلى الخدمات الاجتماعية يحرم الأفراد عن تلقي الدعم المادي وغير المادي".
من هنا، يمكن للإنترنت الفضائي -لا سيما النماذج التي توصل الإشارة مباشرة إلى الأجهزة- أن يزيل هذه الحواجز، ويوفر للمجتمعات المحرومة سبيلاً للوصول إلى التعليم، والرعاية الصحية عن بعد، والوظائف الرقمية.
ما مستقبل الإنترنت الفضائي في العالم العربي؟
تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اهتماماً متزايداً بالإنترنت الفضائي لتغطية المناطق الصحراوية والجبال والمجتمعات الريفية. ووفقاً لشركة "كوجنيتيف ماركت ريسيرش" (Cognitive market research)، بلغت قيمة سوق الإنترنت الفضائي في المنطقة 82.4 مليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل سنوي مركب قدره 34% حتى عام 2031.
ويعود هذا النمو، لا سيما في منطقة الخليج، إلى استراتيجيات وطنية تهدف إلى تنويع الاقتصادات وتوسيع البنية التحتية الرقمية لتشمل جميع السكان. بلغت قيمة سوق الإنترنت الفضائي في مصر وحدها 8.65 مليون دولار في عام 2024، مع توسع سريع جارٍ على الأرض.
وتتفاوض شركة "طيران الإمارات" مع شركة "سبيس إكس" (SpaceX) التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك لتحديث خدمات الإنترنت لديها، إذ تتطلع أكبر شركة طيران دولية لتعزيز خدمات الإنترنت اللاسلكية على متن طائراتها.
وقال ماسك إن السعودية ستسمح باستخدام "ستارلينك" لأغراض الملاحة الجوية والبحرية في إطار زيارة الرئيس دونالد ترمب إلى الرياض، كما أن قطر والبحرين والأردن تسمح باستخدام خدمات شركته.
ما التحديات التي تواجه طموحات نشر الإنترنت الفضائي؟
رغم ما يحمله الإنترنت الفضائي من وعود مبشرة، إلا أنه يواجه عدداً من التحديات. أولها، التشتت التنظيمي، إذ يتعين على مقدمي الخدمة الحصول على حقوق استخدام الطيف الترددي بشكل منفصل في كل دولة، ما يبطئ عمليات الإطلاق. على سبيل المثال، واجهت "ستارلينك" التابعة لشركة "سبيس إكس" تأخيرات في إيطاليا مطلع 2025 بسبب انتظار تنسيق أوروبي مشترك للطيف.
أما التحدي الثاني فهو النفايات الفضائية. فقد أُطلق 2800 قمر اصطناعي إلى المدار الأرضي المنخفض في عام 2023 وحده، ما يزيد من خطر الاصطدامات. ويوجد حالياً أكثر من 36 ألف جسم في المدار يزيد قطره عن 10 سنتيمترات، ما يبرز الحاجة إلى أنظمة مستدامة للتخلّص من الأقمار المنتهية الصلاحية والتقليل من الحطام الفضائي.
والتحدي الثالث فيتمثل في الكلفة. إذ تتراوح رسوم الاشتراك الشهرية بين 30 إلى 150 دولاراً، مع رسوم تجهيز قد تصل إلى 500 دولار. ورغم أن الأسعار في انخفاض وهناك خيارات تأجير متزايدة، إلا أن الإنترنت الفضائي ما زال بحاجة إلى أن يصبح أكثر توفيراً ليصل إلى مستوى التبنّي العالمي.
والتحدي الرابع يأتي من أن هذه التقنيات لا تأتي دون مخاطر سياسية؛ فاعتماد المجتمعات على مزود واحد مثل "ستارلينك" يجعلها عرضة للابتزاز السياسي أو قطع الخدمة التعسفي من الشركات نفسها المحتكرة للخدمة نظراً لقلة عددها. كما أن استخدام الإنترنت الفضائي في السياقين العسكري والمدني— كما حدث مع منصة "ستارشيلد" التابعة لشركة "سبيس إكس" في أوكرانيا والسودان، يضع العاملين الإنسانيين في دائرة الاشتباه والاستهداف..
في ظل غياب إطار قانوني دولي منظم، تُطالب منظمات حقوقية بإعادة تعريف حوكمة الإنترنت الفضائي على أسس تحترم حرية التعبير، وتكفل حماية المجتمعات الضعيفة من رقابة الحكومات أو تقلبات السوق، بحسب تقرير منظمة "أكسس ناو" (accessnow) لعام 2025.
المصدر:
الشرق
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News