logo
#

أحدث الأخبار مع #iontrapping

قفزة نوعية نحو إنترنت المستقبل الكمي
قفزة نوعية نحو إنترنت المستقبل الكمي

البلاد البحرينية

timeمنذ 6 أيام

  • علوم
  • البلاد البحرينية

قفزة نوعية نحو إنترنت المستقبل الكمي

في خبر يبدو كأنه مأخوذ من صفحات الخيال العلمي، أعلنت جامعة أكسفورد عن إنجاز غير مسبوق: نقل كمي للمعلومات بين حاسوبين كموميين باستخدام تقنية التشابك الكمي. ليس الأمر هنا عن تسريع الإنترنت أو تحسين جودة الاتصالات، بل عن تغيير جذري في قواعد اللعبة، عن صياغة جديدة لفهمنا لطبيعة نقل البيانات ذاتها. هذه القفزة العلمية تقرّبنا من عصر جديد يُعرف بـ 'إنترنت كمومي' لا يقوم على إرسال الإشارات الكلاسيكية، بل على إعادة خلق المعلومات آنيا في مكان آخر، وكأن البيانات تسافر دون أن تمر بالفضاء بين نقطتين. لكن ما هو النقل الكمي؟ ببساطة، هو طريقة لنقل المعلومات دون المرور التقليدي بإشارات أو كابلات. بل يعتمد على خاصية فيزيائية مدهشة تُعرف بـ 'التشابك الكمومي' (quantum entanglement)، حيث تصبح جزيئتان أو 'كيوبتان' مترابطتين بطريقة تجعل حالة إحداهما تحدد حالة الأخرى فورًا، مهما كانت المسافة بينهما. تخيّل أن تهمس بسر في أذن شخص في لندن، فيسمعه شخص آخر في طوكيو في اللحظة ذاتها، دون وسيط، دون تأخير، ودون أن تمر الرسالة بأحد. على الصعيد العلمي البحت، ما يجعل هذا النقل الكمومي بين حاسوبين في 'أكسفورد' استثنائيًا، هو استخدام تقنية تُعرف بـ 'حجز الأيونات' (ion trapping)، وهي طريقة لحفظ الكيوبتات (الوحدات الأساسية للمعلومة الكمومية) في حالة مستقرة وفعّالة. وبخلاف الحوسبة التقليدية التي تعتمد على 'بتات' تأخذ إما 0 أو 1، فإن الكيوبت قادر على الوجود في حالة تراكب (superposition)، تجمع بين 0 و1 في الوقت ذاته؛ ما يمنحه قدرة حسابية هائلة. ولعل التحدي الأكبر الذي واجهه الباحثون، هو الحفاظ على الترابط الكمومي بين الكيوبتات لمسافة معينة دون أن تنهار الحالة الكمومية بسبب التداخل أو الضوضاء البيئية. تمكن فريق جامعة أكسفورد من التغلب على هذه العقبة عبر نظام تبريد دقيق، وحواجز مغناطيسية معزولة، وسلسلة من الليزرات فائقة الدقة؛ لضبط حالة الأيونات بدقة لا متناهية. إن التحكم بهذه الدقة في بيئة هشّة بهذا الشكل يوازي النجاح في تشغيل أوركسترا كاملة فوق حبل مشدود، دون أن تفقد نغمة واحدة. ما تحقّق في مختبرات 'أكسفورد' ليس مجرد برهان علمي، بل بذرة عملية لأول شبكة إنترنت كمومي قابلة للتطبيق، إنترنت لا يُنقل فيه الملف من المرسل إلى المستقبل، بل يُعاد بناؤه لحظيًا في الجهة الأخرى عبر تشابك كمومي؛ ما يجعل التنصت أو التطفل مستحيلًا نظريًا. فبمجرد أن يحاول طرف خارجي التداخل مع الاتصال، ينهار النظام الكمومي تلقائيًا، وتُكشف المحاولة فورًا. تخيّل ما يعنيه ذلك للبنوك، للمخابرات، للطب، وللأفراد في زمن تُباع فيه الخصوصية بأثمان بخسة. أمن المعلومات، الذي كان دومًا سباق توازن بين القفل واللص، سيجد نفسه في لحظة قفزة كمومية حاسمة: لا مفاتيح قابلة للنسخ، ولا بيانات قابلة للسرقة. التحديات التي تنتظرنا ومع كل الحماسة التي تثيرها هذه التجربة الرائدة، لا بد من الاعتراف بأن الطريق إلى شبكة كمومية عالمية ما يزال محفوفًا بتحديات علمية وهندسية ضخمة. فالحفاظ على التشابك الكمومي عبر مسافات طويلة دون أن تتلاشى الحالة الكمومية أو تنهار تحت ضغوط البيئة الطبيعية، ما يزال أمرًا صعبًا. كما أن توسيع نطاق هذه التقنية من مختبر محدود إلى شبكة عالمية سيتطلب بنية تحتية جديدة بالكامل، وكوادر مدرّبة، واستثمارات هائلة. إضافة إلى ذلك، ما يزال هناك تحدٍ فلسفي وعلمي حول حدود هذا النوع من الاتصالات: هل يمكننا بناء شبكة كمومية تربط العالم كله دون أن تنهار من ذاتها؟ وهل يمكن إيجاد بروتوكولات تنظيمية تحمي من الاحتكار أو التسلط على هذه التقنية الجديدة؟ الأسئلة مفتوحة، والإجابات لم تُكتب بعد. لمحة عن المستقبل لكن، وسط هذه الأسئلة، يبقى الإنجاز الأكاديمي من جامعة أكسفورد بمثابة ومضة من المستقبل. ومضة تشير إلى أن أحلام البشرية في سرعة غير مسبوقة، وأمان لا يُخترق، وكمون صفري في الاتصالات، لم تعد محض خيال. بل نحن، ولأول مرة، نمشي على أول جسر بين الفيزياء النظرية والواقع التقني الكمومي. سيأتي يوم يُستبدل فيه الإنترنت الحالي بشبكة كمومية لا تُخزّن فيها البيانات على الخوادم، بل تُوزّع ويُعاد بناؤها لحظيًا. يوم تُصبح فيه الخصوصية افتراضية بمعناها الحقيقي. يوم تُدار فيه أنظمة المرور، والمال، والدفاع، والطب، عبر حواسيب كمومية لا تخطئ ولا تُخترق. إن ما بدأ بتشابك بين أيونين في مختبر بريطاني قد ينتهي بتشابك مصائر أمم كاملة في شبكة عالمية من الثقة والسرعة. وما كان يُعد سحرًا قبل أعوام، صار اليوم علمًا.. وغدًا، سيكون بنية تحتية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store