#أحدث الأخبار مع #«البوكرالعربية»،منذ 5 أيامترفيهمحمد سمير ندا الفائز بجائزة البوكر العربية لـ الأهرام: شــعرت بمحاولة لســرقة الفـــرحة مـنى!11 فائزا بالبوكر من بين 18 صدرت رواياتهم عن دور نشر خارج بلادهم من يكتب عن عمل أدبي دون أن يقرأه ينتحر كناقد البعض أراد استخدامى لتصفية حساباته الخاصة مع دور النشر المصرية لهذا السبب أحب حسام حسن ورونالدو؟! الحديث عن مهاجمتي لمصرأو إنكار نصر 73 كلام ساذج ربما لا يجد قارئ هذه السطور حوارًا صحفيًّا بالشكل المعتاد، إنما هو لقاء ودي مقررٌ له الإعلان، أو بوحٌ من القلب مصرَّح له بالنشر، هي قصة أو حكاية، لها بذور وخلفيات وأسرار، لها بداية ونهاية. بطل الحكاية هو الكاتب محمد سمير ندا الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة باسم «البوكر العربية»، عن روايته المثيرة «صلاة القلق»، ليصبح بذلك ثالث مصري يفوز بالجائزة في تاريخها، بعد بهاء طاهر والدكتور يوسف زيدان. ومن «القلق» كانت البداية، أو الأدق: من إعلان الجائزة وما استتبعه من «قلق»، وما تلاه من جدل حول مضمون الرواية قبل أن تُقرأ، وهجوم طال شخص الكاتب دون تدقيق، وهو ما قادنا في ملحق الجمعة في «الأهرام» - مثل صحف وصفحات ثقافية أخرى- إلى الكتابة في الموضوع قبل أسبوعين ليس نقدًا أدبيًّا أو قراءة في مضمون الرواية، إذ لم تعد هي الموضوع، إنما كتبنا دفعًا للاتهام ودرءًا للسهام، وكشفًا لعورات وسط ثقافي أضحى غير مفهوم، وكأنه يتغذى على دماء السمعة، كأنه يأكل نفسه!. ليس من النبل أن يقول المرء إنه تلقى شكرًا من أحد، لكن الطريق إلى هذا الحوار؛ البوح، القصة، جاء من هنا؛ من نبل الكاتب نفسه، الذي وجدناه بعد النشر يرسل لنا رسالة صوتية قبل عودته من أبو ظبي حيث تسلم الجائزة ؛ عنوانها «الامتنان للإنصاف»، لكنها أيضًا كان بها شيءٌ غريب.. نبرة الصوت!. الحزن والقلق معًا بعد ثلاثة أيام من رجوع محمد سمير ندا إلى مصر، كان اللقاء، إذ زارنا في جريدة «الأهرام»، وكحال النجوم المحبوبين تحلَّق الزملاء حوله، مهنئين مباركين، طالبين توقيعه على روايته، وهو ما ضاعف سعادته، إذ كان مصدر السعادة الأول لديه يومها - كما عبر بنفسه- هو وجوده في مقر الصحيفة التي زارها منذ ثلاثين عامًا، شابًّا يافعًا، مع والده الراحل الكاتب الكبير سمير ندا، فراح يسير في ردهاتها متأملًا مبتسمًا، وربما مستعيدًا في ذاكرته زمانًا مضى. في حواري معه، بدأتُ من رسالته، قلتُ له إنني شعرتُ في نبرة صوته ببعض القلق. قاطعني في الحال قائلا: «الحزن.. الحزن والقلق معًا». اندهشتُ بشدة، وسألته: أكان لردود الفعل السلبية تأثيرها عليك إلى هذا الحد؟!. قال: «تشعر بأن هناك من يود أن يسرق الفرحة أو ينسبها إلى آخر. ولا أعرف الأسباب. لا أستطيع القطع بشيء، لكن اعتقادي أن السبب هو أنني شخص من كُتاب الظل وليس كتاب الأضواء والمقدمة، فمن السهل أن ينهشوا فيَّ لأنني ليس لي (ألتراس) أو جماهير، لكن لمصلحة من؟!.. هل الموضوع غل ذاتي أم لديهم هدف آخر؟!.. هذه أسئلة تؤرقني»!. شعرتُ بأنه يبغي البوح، يريد «الفضفضة»، فتركتُه يسترسل. مضى يقول إن هناك من كتبوا أن الرواية تهاجم مصر وحرب أكتوبر 1973، مما يعني أنهم لم يقرأوها من الأصل، كأن هناك من يحاول أن يصنع لي مشكلة مع الدولة أو كأنه يقوم بالإبلاغ عني، برغم أنني لم أرتكب جريمة، وهناك من سبَّني بأبي معتقدًا أنني أهاجم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فهل هذا نقد؟!.. «إيه النقد ده؟!». وبحسمٍ يقول: «هل يمكن أن أهاجم مصر أو أنكر نصر 73؟!.. هذا كلام ساذج وللأسف هناك من ينقاد وراءه ويقلده وينقله على السوشيال ميديا». انتحار الناقد لا أريد أن أصدق! لا ينزعج محمد سمير ندا من النقد الأدبي لروايته حتى لو جاء سلبيًّا، بل يتمناه وينتظره، ويقول: اقرأ الرواية أولًا، ولو بنية مبيتة للهجوم، ثم «اسلخني» بعدها إن أحببت، لا بأس، لكن أن ينتقدها من لم يقرأها فهذا يثير لديه الإحباط، فضلًا عن التساؤلات: لماذا سرعة الاتهام؟!.. لماذا الاستعجال؟!.. وعندما يكتب الناقد دون أن يقرأ هذا أمر مخجل، يسيء إليه وليس للكاتب، وهو بذلك ينتحر كناقد لأنه يفقد مصداقيته، أما أن ينتقدها أدبيا فله كل الاحترام، كما يقول.«كي نكون صرحاء...»، يبدأ بهذه العبارة ثم ينبري بعدها متحدثًا بصراحة مخيفة.صراحته أثارت شهية عقلي، فسألته عن هذه العيوب كما يراها. ردَّ سريعًا بكلمتين: «الدوائر المغلقة»، وفسَّر بعدها قائلًا إن الفكرة كلها تدور في إطار المصالح المتبادلة والمجاملات، فخلال عشرة أشهر ما بين صدور رواية «صلاة القلق» وحصولها على الجائزة لم يُكتب عنها إلا مقال نقدي واحد للدكتور أحمد إبراهيم الشريف، وعلى مستوى الأدباء كتب عنها الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، وهو لا يجامل، وسبق أن أهديته روايتي الثانية «بوح الجدران» ولم يكتب عنها، فالقرار قراره، كما كتب الأديب أشرف العشماوي، ولهم جميعًا كل الشكر.ويخرج الكاتب من إطار الحديث الجاد الساخن، إلى فاصل ساخر، مفعم بالمرارة، فيقول: «أريد أن يضطلع النقاد بدورهم الحقيقي.. وأتمنى أن يعمل الناقد المصري بأي منهجية بخلاف منهجية الزعيم عادل إمام (قالوا له).. الناقد يعمل بهذا المنهج لأنه لم يقرأ.. وهذا موروث شعبي لدينا كأن يحدثك أحدهم: (بيقولوا كذا وكذا).. ولا تعرف من الذي يقول.. وكذلك الناقد قد يقرأ عن الرواية على السوشيال ميديا أو مراجعات لها على موقع (جودريدز) أو يسمع كلامًا عنها، فيكتب مستعجلًا دون قراءة».في تصريحات سابقة، وصف الكاتب محمد سمير ندا الوسط الثقافي بأنه «وسط ملبد بالظنون»، سألته: أهي الظنون فقط أم الأغراض الشخصية كذلك، باعتبار أنك من خارج هذا الوسط ودوائره، مما قد يدفع البعض إلى التساؤل: لماذا يفوز هو وليس نحن؟!.وجدته يرد على الفور: «طبعًا.. نحن لدينا دومًا شعور بالاستحقاقية.. فنحن مثلًا كمصريين نهاجم الجائزة كل عام لأننا لا نفوز بها باعتبار أننا أحق.. وحتى عندما فاز بها مصري يشعر البعض أيضًا بالاستحقاقية متسائلًا: لماذا ليس أنا؟».وراح بعدها يضيف المزيد كاشفًا: «قيل لي أسماء أشخاص بعينهم من الكُتَّاب يقفون وراء شن الحملة على الرواية وتخوين كاتبها بهدف الطعن في الوطنية وصنع مشكلة أمنية للكاتب.. لكنني لن أصدق.. وحتى لو أرسل لي أحدٌ دليلًا فلن أفحصه أو أنظر فيه.. لأنني أعتبر أصحاب هذه الأسماء أصدقائي.. ونتبادل السلام عندما نلتقي.. وكلهم كتبت عن أعمالهم في السابق.. فلن أصدق هذا فيهم»!ازدادت حرارة الحوار بشدة بفعل كلماته هذه، فلم أملك إلا أن أسأله: هل قدَّم لك من قالوا هذا أى أدلة أو دلائل على ذلك؟. ردَّ سريعًا: «لم أبحث.. ولن أتحرى.. ولا على سبيل الفضول.. لم أسألهم كيف عرفتم أو من أخبركم أو ما الدليل.. لا أريد الذهاب إلى هذه المنطقة بالمرة.. بصراحة لا أريد أن أصدق.. لا أريد أن أفقد ثقتي في هذا العالم أكثر»!.ويعود «ندا» بنفسه إلى بداية القصة، إلى الرسالة، قائلا: «لأجل هذا كله، جاءت نبرة صوتي في رسالتي لك من الخارج محملة بالحزن والقلق والإحباط، لأن ما كتبتموه في ملحق الجمعة بالأهرام جاء في مرحلة كنت بدأت أفكر خلالها: أرجع مصر أم لا أرجع..».لكن.. الحزن لا يدوم.. والقلق إلى زوال.. والإحباط تبدده المحبة.. تجسدت هذه المعاني بشدة في كلماته التالية: «كي أكون صريحًا فإن تسعين في المائة من الناس سعيدون بالجائزة، لكن الباقين هم من تصدروا المشهد».ويضيف: «عندي مجموعة صداقات في دائرة مغلقة من الكتَّاب الذين يشبهونني وأشبههم، مثل هشام الخشن وأشرف العشماوي وأحمد القرملاوي ونورا ناجي التي أرسلت لي رسالة صوتية بعد فوزي وهي تبكي فرحًا رغم أنني قابلتها أربع مرات فقط، وخرجت بصداقات عمر مع كُتاب القائمة القصيرة في الجائزة، مثل حنين الصايغ وتيسير خلف ونادية النجار، فالصورة ليست سوداء تمامًا.. هناك مشاعر جميلة وجدتها.. ومحبة مجانية من القراء خصوصًا الذين كتبوا عن الرواية منذ صدورها قبل الجائزة أصلًا». محمد سمير ندا فى حفل تسلم الجائزة بالأسماء والأرقام بالفعل.. الصدق باق ويفرض نفسه.. والمحبة دون حسابات ومصالح هي ما يدوم.. لم أسعَ إلى تعكير صفو هذه المعاني.. لكنني كنت قد تركت ضيفي للاسترسال كي يفرغ ما بداخله.. وبقيت عندي قضيتان.. كان لا بد من إثارتهما.. دار النشر التونسية.. والموقف من جمال عبدالناصر.. وجاءت ردود الكاتب بما لم أتوقعه.اعتبر «ندا» كلام البعض بأن رواية «صلاة القلق» لا تعد رواية مصرية لأنها صدرت عن دار «مسكيلياني» التونسية، يشير إلى أن هؤلاء كأنهم يستكثرون على مصر أن يفوز كاتب منها بالجائزة، متسائلًا باستنكار: هل تعد «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ رواية لبنانية لأنها نُشرت في لبنان؟!ومضى بعدها - وهو المدير المالي في إحدى شركات السياحة بخلاف كونه كاتبًا - يتحدث بالأرقام والأسماء، قائلًا إن هناك في تاريخ جائزة البوكر العربية 18 فائزًا، منهم 11 نشروا رواياتهم مع دور نشر خارج بلادهم، وهم محمد حسن علوان السعودي فاز بها مع دار الساقي اللبنانية، ورجاء عالم من السعودية مع المركز الثقافي العربي في المغرب، وسعود السنعوسي الكويتي مع الدار العربية للعلوم ناشرون وهي لبنانية، ومحمد النعاس الليبي وزهران القاسمي العماني مع دار مسكيلياني التونسية، وأحمد سعداوي العراقي مع دار الجمل اللبنانية.ويؤكد أن البعض أراد استخدامه لتصفية حسابات خاصة مع دور النشر المصرية، بالقول إنها رفضت الرواية التي فازت بالبوكر، لكنه يرد عليهم قائلًا: «لا مشكلة لديَّ مع من رفض الرواية.. مشكلتي مع من لم يرد عليَّ فقط.. وفي مصر هناك ما لا يقل عن خمسين كاتبا أو كاتبة أفضل مني.. لكنها الظروف والتوفيق والاهتمام والرعاية من دار النشر التونسية.. وهذا هو الفرق بيننا وبينهم فقط». رجل وطني شريف دعنا نتكلم بصراحة.. هذه المرة قلتها أنا.. وسألت الكاتب بوضوح: بعض القراءات في الرواية ذهبت إلى أنها تختلف مع سياسات الرئيس جمال عبدالناصر، فما المشكلة في....؟.. فهم ما أرمي إليه في الحال، فقاطعني: «طب ما تيجي أقول لك رأيي في عبدالناصر».. وكان هذا هو المطلوب. تحدث «ندا» بكلمات محددة: «عبدالناصر رجل وطني شريف، نزيه، نظيف اليد، أختلف معه في كيفية إدارته للبلد، والانسياق وراء حلم العروبة على حساب مصر، فهو رجل يحب مصر جدا، وكان لديه حلم الوحدة العربية، لكن تشعبت منه الأفكار والسياسات بين اليمن والجزائر وغيرهما، فدخل في صراعات كثيرة بشكل غير محسوب.. هذا هو رأيي». ويعود ليشرح موضحًا أن الرواية بها انتقاد لعصر عبدالناصر وليس عبدالناصر نفسه، ويستدرك: «لكن حتى لو حدث فما المشكلة؟!. ألم يقرأ من يقولون بهذا رواية مثل (الكرنك) لنجيب محفوظ؟!. ألم يشاهدوا الفيلم المأخوذ عنها أو أفلامًا مثل (إحنا بتوع الأوتوبيس) أو (زوار الفجر)؟!.. أدب ما بعد النكسة كله تقريبًا ينتقد هذه الفترة.. وهل انتقاد عبدالناصر يعني أنك ضد مصر؟!.. بنفس المنطق فنحن طوال الخمسينيات والستينيات نهاجم مصر لأننا نهاجم الملك فاروق وقد كان ملك مصر.. فهل هذا يُعقل؟!». الفائز بالبوكر فى أثناء حواره لـ «الأهرام» - «تصوير ــ أيمن يحيى» قضيتي الرئيسية رابط دائم: دائمًا ما تلح على الكاتب فكرة رئيسية، أو قضية، تظل تفرض نفسها على كتابته. سألت محمد سمير ندا عن قضيته التي تشغله وتلح عليه دومًا كي يصنع أدبًا، منذ أول رواية له؛ «مملكة مليكة»، ثم «بوح الجدران» و«صلاة القلق»، وما هو مقبل من أعمال. أشار إلى رأسه قائلًا: «إضاءة هذا».. فسرتُ إشارته: «إضاءة العقل».. فردَّ: «نعم.. عندما يكون العقل حرًّا يكون لديه حرية تفكير وتعبير».كدتُ أنتقل إلى سؤالي التالي لكنه عاد ليقول: «وفكرة (الإسلام السياسى) أنا ضدها.. لذلك أجد أنها تظهر في أعمالي بشكل أو بآخر.. وأنا الآن أحاول أن أفكر معك لأكتشف.. لكن الكاتب عمومًا يكون لديه مخزون من الهمِّ أو الأفكار أو الوجدانيات.. من الطبيعي أن تتسرب دون أن يشعر خلال الكتابة إلى ما يكتبه».وصلنا إلى الفصل الأخير من القصة؛ قصة هذا الحوار مع الكاتب محمد سمير ندا، وفيه يكشف ــ بعد أن عادت إليه ابتسامته ــ عن بعض «التفاصيل القليلة» التي يمكن البوح بها عن روايته الجديدة التي يعكف الآن على كتابتها.فقال إنها رواية تحاكم الضمير الإنساني بوجه عام، من خلال أفعال البشر التي تعارض ما أمرنا به الله من تعمير الأرض، إلا أننا نعمل على خرابها. وتسير الرواية في مراحل تاريخية كثيرة منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى مرورًا بنكبة فلسطين وحربي 67 و73، من خلال سيرة أحد الشخصيات.سألته: أهي رواية أجيال؟. ردَّ قائلًا: «تقريبًا.. ولكن من خلال شخص واحد يروي حكاية ممتدة منذ مائة عام». استزدته سائلًا عن الفضاء المكاني للرواية، فقال إن أحداثها تدور بين مصر والعراق وفلسطين وتركيا.. مضيفًا أنه احتاج للعودة إلى روايات أدبية كثيرة كمراجع لأن هناك الأرمن في بداية الحكاية.. قالها وابتسم ثم صمت.. فاكتفيت.أخيرًا.. بعد انصراف الضيف، استرجعتُ بعض ما قيل على هامش الحوار، ففي مجال كرة القدم قال إنه يحب النجم حسام حسن، حتى أنه انتقل إلى تشجيع كل الأندية التي تنقل ــ وهو لاعب ــ بينها، وكذلك النجم العالمي كريستيانو رونالدو. لماذا؟. أجاب بأن ما يجمع بينهما هو الإصرار والدأب، وأن نجاح كل منهما هو صناعة ذاتية.. فكرت وابتسمت.. إذ وجدت أن محمد سمير ندا نفسه كذلك.. نجاحه من صنع ذاته.. كتب بجد واجتهاد وصبر.. حتى نال أكبر جائزة عربية في الأدب.. نالها لنفسه ولبلده مصر.
منذ 5 أيامترفيهمحمد سمير ندا الفائز بجائزة البوكر العربية لـ الأهرام: شــعرت بمحاولة لســرقة الفـــرحة مـنى!11 فائزا بالبوكر من بين 18 صدرت رواياتهم عن دور نشر خارج بلادهم من يكتب عن عمل أدبي دون أن يقرأه ينتحر كناقد البعض أراد استخدامى لتصفية حساباته الخاصة مع دور النشر المصرية لهذا السبب أحب حسام حسن ورونالدو؟! الحديث عن مهاجمتي لمصرأو إنكار نصر 73 كلام ساذج ربما لا يجد قارئ هذه السطور حوارًا صحفيًّا بالشكل المعتاد، إنما هو لقاء ودي مقررٌ له الإعلان، أو بوحٌ من القلب مصرَّح له بالنشر، هي قصة أو حكاية، لها بذور وخلفيات وأسرار، لها بداية ونهاية. بطل الحكاية هو الكاتب محمد سمير ندا الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة باسم «البوكر العربية»، عن روايته المثيرة «صلاة القلق»، ليصبح بذلك ثالث مصري يفوز بالجائزة في تاريخها، بعد بهاء طاهر والدكتور يوسف زيدان. ومن «القلق» كانت البداية، أو الأدق: من إعلان الجائزة وما استتبعه من «قلق»، وما تلاه من جدل حول مضمون الرواية قبل أن تُقرأ، وهجوم طال شخص الكاتب دون تدقيق، وهو ما قادنا في ملحق الجمعة في «الأهرام» - مثل صحف وصفحات ثقافية أخرى- إلى الكتابة في الموضوع قبل أسبوعين ليس نقدًا أدبيًّا أو قراءة في مضمون الرواية، إذ لم تعد هي الموضوع، إنما كتبنا دفعًا للاتهام ودرءًا للسهام، وكشفًا لعورات وسط ثقافي أضحى غير مفهوم، وكأنه يتغذى على دماء السمعة، كأنه يأكل نفسه!. ليس من النبل أن يقول المرء إنه تلقى شكرًا من أحد، لكن الطريق إلى هذا الحوار؛ البوح، القصة، جاء من هنا؛ من نبل الكاتب نفسه، الذي وجدناه بعد النشر يرسل لنا رسالة صوتية قبل عودته من أبو ظبي حيث تسلم الجائزة ؛ عنوانها «الامتنان للإنصاف»، لكنها أيضًا كان بها شيءٌ غريب.. نبرة الصوت!. الحزن والقلق معًا بعد ثلاثة أيام من رجوع محمد سمير ندا إلى مصر، كان اللقاء، إذ زارنا في جريدة «الأهرام»، وكحال النجوم المحبوبين تحلَّق الزملاء حوله، مهنئين مباركين، طالبين توقيعه على روايته، وهو ما ضاعف سعادته، إذ كان مصدر السعادة الأول لديه يومها - كما عبر بنفسه- هو وجوده في مقر الصحيفة التي زارها منذ ثلاثين عامًا، شابًّا يافعًا، مع والده الراحل الكاتب الكبير سمير ندا، فراح يسير في ردهاتها متأملًا مبتسمًا، وربما مستعيدًا في ذاكرته زمانًا مضى. في حواري معه، بدأتُ من رسالته، قلتُ له إنني شعرتُ في نبرة صوته ببعض القلق. قاطعني في الحال قائلا: «الحزن.. الحزن والقلق معًا». اندهشتُ بشدة، وسألته: أكان لردود الفعل السلبية تأثيرها عليك إلى هذا الحد؟!. قال: «تشعر بأن هناك من يود أن يسرق الفرحة أو ينسبها إلى آخر. ولا أعرف الأسباب. لا أستطيع القطع بشيء، لكن اعتقادي أن السبب هو أنني شخص من كُتاب الظل وليس كتاب الأضواء والمقدمة، فمن السهل أن ينهشوا فيَّ لأنني ليس لي (ألتراس) أو جماهير، لكن لمصلحة من؟!.. هل الموضوع غل ذاتي أم لديهم هدف آخر؟!.. هذه أسئلة تؤرقني»!. شعرتُ بأنه يبغي البوح، يريد «الفضفضة»، فتركتُه يسترسل. مضى يقول إن هناك من كتبوا أن الرواية تهاجم مصر وحرب أكتوبر 1973، مما يعني أنهم لم يقرأوها من الأصل، كأن هناك من يحاول أن يصنع لي مشكلة مع الدولة أو كأنه يقوم بالإبلاغ عني، برغم أنني لم أرتكب جريمة، وهناك من سبَّني بأبي معتقدًا أنني أهاجم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فهل هذا نقد؟!.. «إيه النقد ده؟!». وبحسمٍ يقول: «هل يمكن أن أهاجم مصر أو أنكر نصر 73؟!.. هذا كلام ساذج وللأسف هناك من ينقاد وراءه ويقلده وينقله على السوشيال ميديا». انتحار الناقد لا أريد أن أصدق! لا ينزعج محمد سمير ندا من النقد الأدبي لروايته حتى لو جاء سلبيًّا، بل يتمناه وينتظره، ويقول: اقرأ الرواية أولًا، ولو بنية مبيتة للهجوم، ثم «اسلخني» بعدها إن أحببت، لا بأس، لكن أن ينتقدها من لم يقرأها فهذا يثير لديه الإحباط، فضلًا عن التساؤلات: لماذا سرعة الاتهام؟!.. لماذا الاستعجال؟!.. وعندما يكتب الناقد دون أن يقرأ هذا أمر مخجل، يسيء إليه وليس للكاتب، وهو بذلك ينتحر كناقد لأنه يفقد مصداقيته، أما أن ينتقدها أدبيا فله كل الاحترام، كما يقول.«كي نكون صرحاء...»، يبدأ بهذه العبارة ثم ينبري بعدها متحدثًا بصراحة مخيفة.صراحته أثارت شهية عقلي، فسألته عن هذه العيوب كما يراها. ردَّ سريعًا بكلمتين: «الدوائر المغلقة»، وفسَّر بعدها قائلًا إن الفكرة كلها تدور في إطار المصالح المتبادلة والمجاملات، فخلال عشرة أشهر ما بين صدور رواية «صلاة القلق» وحصولها على الجائزة لم يُكتب عنها إلا مقال نقدي واحد للدكتور أحمد إبراهيم الشريف، وعلى مستوى الأدباء كتب عنها الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، وهو لا يجامل، وسبق أن أهديته روايتي الثانية «بوح الجدران» ولم يكتب عنها، فالقرار قراره، كما كتب الأديب أشرف العشماوي، ولهم جميعًا كل الشكر.ويخرج الكاتب من إطار الحديث الجاد الساخن، إلى فاصل ساخر، مفعم بالمرارة، فيقول: «أريد أن يضطلع النقاد بدورهم الحقيقي.. وأتمنى أن يعمل الناقد المصري بأي منهجية بخلاف منهجية الزعيم عادل إمام (قالوا له).. الناقد يعمل بهذا المنهج لأنه لم يقرأ.. وهذا موروث شعبي لدينا كأن يحدثك أحدهم: (بيقولوا كذا وكذا).. ولا تعرف من الذي يقول.. وكذلك الناقد قد يقرأ عن الرواية على السوشيال ميديا أو مراجعات لها على موقع (جودريدز) أو يسمع كلامًا عنها، فيكتب مستعجلًا دون قراءة».في تصريحات سابقة، وصف الكاتب محمد سمير ندا الوسط الثقافي بأنه «وسط ملبد بالظنون»، سألته: أهي الظنون فقط أم الأغراض الشخصية كذلك، باعتبار أنك من خارج هذا الوسط ودوائره، مما قد يدفع البعض إلى التساؤل: لماذا يفوز هو وليس نحن؟!.وجدته يرد على الفور: «طبعًا.. نحن لدينا دومًا شعور بالاستحقاقية.. فنحن مثلًا كمصريين نهاجم الجائزة كل عام لأننا لا نفوز بها باعتبار أننا أحق.. وحتى عندما فاز بها مصري يشعر البعض أيضًا بالاستحقاقية متسائلًا: لماذا ليس أنا؟».وراح بعدها يضيف المزيد كاشفًا: «قيل لي أسماء أشخاص بعينهم من الكُتَّاب يقفون وراء شن الحملة على الرواية وتخوين كاتبها بهدف الطعن في الوطنية وصنع مشكلة أمنية للكاتب.. لكنني لن أصدق.. وحتى لو أرسل لي أحدٌ دليلًا فلن أفحصه أو أنظر فيه.. لأنني أعتبر أصحاب هذه الأسماء أصدقائي.. ونتبادل السلام عندما نلتقي.. وكلهم كتبت عن أعمالهم في السابق.. فلن أصدق هذا فيهم»!ازدادت حرارة الحوار بشدة بفعل كلماته هذه، فلم أملك إلا أن أسأله: هل قدَّم لك من قالوا هذا أى أدلة أو دلائل على ذلك؟. ردَّ سريعًا: «لم أبحث.. ولن أتحرى.. ولا على سبيل الفضول.. لم أسألهم كيف عرفتم أو من أخبركم أو ما الدليل.. لا أريد الذهاب إلى هذه المنطقة بالمرة.. بصراحة لا أريد أن أصدق.. لا أريد أن أفقد ثقتي في هذا العالم أكثر»!.ويعود «ندا» بنفسه إلى بداية القصة، إلى الرسالة، قائلا: «لأجل هذا كله، جاءت نبرة صوتي في رسالتي لك من الخارج محملة بالحزن والقلق والإحباط، لأن ما كتبتموه في ملحق الجمعة بالأهرام جاء في مرحلة كنت بدأت أفكر خلالها: أرجع مصر أم لا أرجع..».لكن.. الحزن لا يدوم.. والقلق إلى زوال.. والإحباط تبدده المحبة.. تجسدت هذه المعاني بشدة في كلماته التالية: «كي أكون صريحًا فإن تسعين في المائة من الناس سعيدون بالجائزة، لكن الباقين هم من تصدروا المشهد».ويضيف: «عندي مجموعة صداقات في دائرة مغلقة من الكتَّاب الذين يشبهونني وأشبههم، مثل هشام الخشن وأشرف العشماوي وأحمد القرملاوي ونورا ناجي التي أرسلت لي رسالة صوتية بعد فوزي وهي تبكي فرحًا رغم أنني قابلتها أربع مرات فقط، وخرجت بصداقات عمر مع كُتاب القائمة القصيرة في الجائزة، مثل حنين الصايغ وتيسير خلف ونادية النجار، فالصورة ليست سوداء تمامًا.. هناك مشاعر جميلة وجدتها.. ومحبة مجانية من القراء خصوصًا الذين كتبوا عن الرواية منذ صدورها قبل الجائزة أصلًا». محمد سمير ندا فى حفل تسلم الجائزة بالأسماء والأرقام بالفعل.. الصدق باق ويفرض نفسه.. والمحبة دون حسابات ومصالح هي ما يدوم.. لم أسعَ إلى تعكير صفو هذه المعاني.. لكنني كنت قد تركت ضيفي للاسترسال كي يفرغ ما بداخله.. وبقيت عندي قضيتان.. كان لا بد من إثارتهما.. دار النشر التونسية.. والموقف من جمال عبدالناصر.. وجاءت ردود الكاتب بما لم أتوقعه.اعتبر «ندا» كلام البعض بأن رواية «صلاة القلق» لا تعد رواية مصرية لأنها صدرت عن دار «مسكيلياني» التونسية، يشير إلى أن هؤلاء كأنهم يستكثرون على مصر أن يفوز كاتب منها بالجائزة، متسائلًا باستنكار: هل تعد «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ رواية لبنانية لأنها نُشرت في لبنان؟!ومضى بعدها - وهو المدير المالي في إحدى شركات السياحة بخلاف كونه كاتبًا - يتحدث بالأرقام والأسماء، قائلًا إن هناك في تاريخ جائزة البوكر العربية 18 فائزًا، منهم 11 نشروا رواياتهم مع دور نشر خارج بلادهم، وهم محمد حسن علوان السعودي فاز بها مع دار الساقي اللبنانية، ورجاء عالم من السعودية مع المركز الثقافي العربي في المغرب، وسعود السنعوسي الكويتي مع الدار العربية للعلوم ناشرون وهي لبنانية، ومحمد النعاس الليبي وزهران القاسمي العماني مع دار مسكيلياني التونسية، وأحمد سعداوي العراقي مع دار الجمل اللبنانية.ويؤكد أن البعض أراد استخدامه لتصفية حسابات خاصة مع دور النشر المصرية، بالقول إنها رفضت الرواية التي فازت بالبوكر، لكنه يرد عليهم قائلًا: «لا مشكلة لديَّ مع من رفض الرواية.. مشكلتي مع من لم يرد عليَّ فقط.. وفي مصر هناك ما لا يقل عن خمسين كاتبا أو كاتبة أفضل مني.. لكنها الظروف والتوفيق والاهتمام والرعاية من دار النشر التونسية.. وهذا هو الفرق بيننا وبينهم فقط». رجل وطني شريف دعنا نتكلم بصراحة.. هذه المرة قلتها أنا.. وسألت الكاتب بوضوح: بعض القراءات في الرواية ذهبت إلى أنها تختلف مع سياسات الرئيس جمال عبدالناصر، فما المشكلة في....؟.. فهم ما أرمي إليه في الحال، فقاطعني: «طب ما تيجي أقول لك رأيي في عبدالناصر».. وكان هذا هو المطلوب. تحدث «ندا» بكلمات محددة: «عبدالناصر رجل وطني شريف، نزيه، نظيف اليد، أختلف معه في كيفية إدارته للبلد، والانسياق وراء حلم العروبة على حساب مصر، فهو رجل يحب مصر جدا، وكان لديه حلم الوحدة العربية، لكن تشعبت منه الأفكار والسياسات بين اليمن والجزائر وغيرهما، فدخل في صراعات كثيرة بشكل غير محسوب.. هذا هو رأيي». ويعود ليشرح موضحًا أن الرواية بها انتقاد لعصر عبدالناصر وليس عبدالناصر نفسه، ويستدرك: «لكن حتى لو حدث فما المشكلة؟!. ألم يقرأ من يقولون بهذا رواية مثل (الكرنك) لنجيب محفوظ؟!. ألم يشاهدوا الفيلم المأخوذ عنها أو أفلامًا مثل (إحنا بتوع الأوتوبيس) أو (زوار الفجر)؟!.. أدب ما بعد النكسة كله تقريبًا ينتقد هذه الفترة.. وهل انتقاد عبدالناصر يعني أنك ضد مصر؟!.. بنفس المنطق فنحن طوال الخمسينيات والستينيات نهاجم مصر لأننا نهاجم الملك فاروق وقد كان ملك مصر.. فهل هذا يُعقل؟!». الفائز بالبوكر فى أثناء حواره لـ «الأهرام» - «تصوير ــ أيمن يحيى» قضيتي الرئيسية رابط دائم: دائمًا ما تلح على الكاتب فكرة رئيسية، أو قضية، تظل تفرض نفسها على كتابته. سألت محمد سمير ندا عن قضيته التي تشغله وتلح عليه دومًا كي يصنع أدبًا، منذ أول رواية له؛ «مملكة مليكة»، ثم «بوح الجدران» و«صلاة القلق»، وما هو مقبل من أعمال. أشار إلى رأسه قائلًا: «إضاءة هذا».. فسرتُ إشارته: «إضاءة العقل».. فردَّ: «نعم.. عندما يكون العقل حرًّا يكون لديه حرية تفكير وتعبير».كدتُ أنتقل إلى سؤالي التالي لكنه عاد ليقول: «وفكرة (الإسلام السياسى) أنا ضدها.. لذلك أجد أنها تظهر في أعمالي بشكل أو بآخر.. وأنا الآن أحاول أن أفكر معك لأكتشف.. لكن الكاتب عمومًا يكون لديه مخزون من الهمِّ أو الأفكار أو الوجدانيات.. من الطبيعي أن تتسرب دون أن يشعر خلال الكتابة إلى ما يكتبه».وصلنا إلى الفصل الأخير من القصة؛ قصة هذا الحوار مع الكاتب محمد سمير ندا، وفيه يكشف ــ بعد أن عادت إليه ابتسامته ــ عن بعض «التفاصيل القليلة» التي يمكن البوح بها عن روايته الجديدة التي يعكف الآن على كتابتها.فقال إنها رواية تحاكم الضمير الإنساني بوجه عام، من خلال أفعال البشر التي تعارض ما أمرنا به الله من تعمير الأرض، إلا أننا نعمل على خرابها. وتسير الرواية في مراحل تاريخية كثيرة منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى مرورًا بنكبة فلسطين وحربي 67 و73، من خلال سيرة أحد الشخصيات.سألته: أهي رواية أجيال؟. ردَّ قائلًا: «تقريبًا.. ولكن من خلال شخص واحد يروي حكاية ممتدة منذ مائة عام». استزدته سائلًا عن الفضاء المكاني للرواية، فقال إن أحداثها تدور بين مصر والعراق وفلسطين وتركيا.. مضيفًا أنه احتاج للعودة إلى روايات أدبية كثيرة كمراجع لأن هناك الأرمن في بداية الحكاية.. قالها وابتسم ثم صمت.. فاكتفيت.أخيرًا.. بعد انصراف الضيف، استرجعتُ بعض ما قيل على هامش الحوار، ففي مجال كرة القدم قال إنه يحب النجم حسام حسن، حتى أنه انتقل إلى تشجيع كل الأندية التي تنقل ــ وهو لاعب ــ بينها، وكذلك النجم العالمي كريستيانو رونالدو. لماذا؟. أجاب بأن ما يجمع بينهما هو الإصرار والدأب، وأن نجاح كل منهما هو صناعة ذاتية.. فكرت وابتسمت.. إذ وجدت أن محمد سمير ندا نفسه كذلك.. نجاحه من صنع ذاته.. كتب بجد واجتهاد وصبر.. حتى نال أكبر جائزة عربية في الأدب.. نالها لنفسه ولبلده مصر.