#أحدث الأخبار مع #«الظمأبوابة الأهراممنذ 13 ساعاتترفيهبوابة الأهرامبعد 60 عاما من الإبداع.. د.أحمد درويش: أعجز أحيانا عن فهم بعض نقّاد الحداثة!قضى مايقرب من ستين عاما دارسا وأستاذا ومؤلفا ومشرفا على الدارسين إضافة الى الترجمة والتحقيق فى مجالات الأدب ونقده والبلاغة العربية والأوروبية وصلات الأدب العربى بالآداب العالمية قديما وحديثا. تجاوزت مؤلفاته وترجماته الأربعين كتابا، ومن ينسي: «النص والتلقي..حوار مع نقد الحداثة» «بناء لغة الشعر واللغة العليا» «الكلمة والمجهر» «الأدب المقارن..النظرية والتطبيق» «متعة تذوق الشعر»؟ فضلا عن عشرات المقالات المتخصصة أو الموجهة للمثقف العام. إنه الدكتور أحمد درويش صاحب الإسهام اللافت فى الإعلام الثقافى العربى المسموع والمرئى بمئات الحلقات واللقاءات، فضلا عن موقع «الظمأ للمعرفة» المجانى الذى يحتوى على كل مؤلفاته. شارك فى عشرات المؤتمرات العلمية المحلية والإقليمية والدولية، وشغل مواقع رئيسة فى خدمة الأدب والثقافة العامة فى المجلس الأعلى للثقافة والمجلس القومى للترجمة والمجلس الأعلى للجامعات كما شغل مراكز قيادية فى الجامعات المصرية والعربية، ومنها تجربته المديدة فى عُمان التى باتت عصيّة على النسيان. تخرج على يديه أجيال من الدارسين والنقاد والمفكرين فى مصر والعالم العربي. درويش كان أحد الألحان المصرية الثلاثة (هو والراحلان د. حامد طاهر ود.محمد حماسة عبداللطيف) حيث اقترح صلاح عبد الصبور أن يصدر لهم ديوانا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان «ثلاثة ألحان مصرية». لا يمل من تأكيد أننا بحاجة ماسة لثورة شاملة فى تعليم العربية ووضع مناهج لها تناسب العصر، وخاض فى سبيل ذلك ـ ولا يزال ـ معارك كبرى . فى هذا الحوار نبحر مع د.درويش فى الإبداع والنقد والترجمة، وهو إبحار لن يخلو من متعة مؤكدة، وفائدة محققة. حدّثنا عن تجربتك الإبداعية كيف بدأت؟ عن أى شيء عبرت قصائدك الأولي؟ تجربة الإبداع عندى كانت سابقة على تجربة النقد، حيث ولدت فى فترة مبكرة، مع الصبا وحتى الدراسة الثانوية، وجدت أدوات الشعر كما كنت أتصورها: سلامة النطق، سلامة الإيقاع، اكتشاف الإيقاع الخارج، وإصدار الإيقاع المنتظم، فضلا عن الروح المجنحة التى دفعتنى لقراءات كثيرة فى الشعر، كل هذا ظهر فى مرحلة الدراسة الثانوية. كل هذا جعلنى أصدر شعرا يفيض عني، وكنت أراقب سلامته وهو يتشكل. كل هذا تزامن مع فترة الريف والصبا والحب الأول، والفترة القومية.. فترة الستينيات التى امتد فيها المد القومى إلى أبعد مدي، وأشكال الصدام مع الإسرائيليين فى حربى 56 و67. عندما دخلنا الجامعة فى أواسط الستينيات، كانت تعقد مسابقات شعرية فى المجلس الأعلى للفنون والآداب، فضلا عن اهتمام الجامعات بالمواهب الشعرية، وكنا نتقدم بقصائدنا التى حصدت المراكز الأولى، فشجعتنا على الانتظام والمزيد، وأذكر أننا كنا ثلاثة نلتف حول الجوائز: كان معى الراحلان: حامد طاهر ومحمد حماسة عبداللطيف. وكان يوسف السباعى وزيرا للثقافة آنذاك ـ يعجب من ترددنا نحن الثلاثة الى منصات الجوائز المختلفة، وكنا نحضر ندوات الشعر التى تعقد فى دار العلوم، كان يحضرها كبار الشعراء آنذاك، وعلى رأسهم محمود حسن إسماعيل، على الجندي، محمد الفيتوري، صلاح عبدالصبور، أحمد عبدالمعطى حجازي. وأذكر أن صلاح عبدالصبور ـ وكان مسئولا عن هيئة الكتاب ـ اقترح أن نصدر ديوانا مشتركا فى الهيئة، وكان عنوانه «ثلاثة ألحان مصرية» كتب مقدمته أستاذنا الدكتور أحمد هيكل وكان عميدا لدار العلوم ثم وزيرا للثقافة، واستمر عطاؤنا الجماعي، وأصدرنا بعدها ديوان «نافذة فى جدار الصمت» وكتب مقدمته أستاذنا الدكتور محمود الربيعي. بعدها تفرقت بنا السبل فى الإصدارات، وكان لكل منا دواوين مستقلة. وأذكر أننى جمعت حصادى الشعرى المبكر فى ديوان سميته «أفئدة الطير». هل ظلم درويش «الناقد» درويش «الشاعر»؟ أظن ذلك، حيث شغلتنى الدراسة الأكاديمية فى قسم النقد والبلاغة، واستيقظ الحس النقدي، وربما كان هذا من أسباب انحسار الشعر، الذى ظل يحاصرنى وأحاصره، وظل عونا لى فى قراءة الأعمال الإبداعية وممارسة النقد. وماذا عن مسيرتك النقدية.. الثابت والمتحول؟ أصدرت دراسات بعد تخرجى عن الأسلوب بين الدراسات القديمة والحديثة، وكان ذلك فى وقت مبكر جدا عام 1972، وكانت إحدى الدراسات المبكرة جدا التى سعدت لتحليل الأسلوب ودراسة أنماطه.وكنت حريصا على الإفهام، والابتعاد عن جوانب الغموض، والقضايا المبهمة.وكنت أنطلق من النص وأعود إليه، وألتزم بقواعد النقد التى كانت ويقترح أن تكون. وظلت هذه طبيعة فيّ حتى الآن.. أدرس الأشياء دراسة واضحة بقدر ما يمكن أن يكون الوضوح الفني، وأبتعد عن التهويمات التى تحيط بالحديث عن النقد. لاحظت من خلال قراءاتى المتعددة أن فكرة الوضوح والحرص على إيصال الإحساس النقدى للمتلقى تغيب عن الكثير من نقاد هذا الزمان الذين يحرصون على سرد الأسماء الأجنبية التى تحدثت فى الموضوع، وسرد المصطلحات. لا أخفيك أننى أحيانا أجد نفسى عاجزا عن فهم بعض النصوص النقدية بعد قراءتها مرة أو مرتين ، وفى هذه الحالة أتوقف عن اتهام نفسى بعدم الفهم، وأتهم الآخرين الذين لا يصلون لطريقة لتوضيح أفكارهم فالفكرة الأكثر وضوحا هى الأكثر عمقا والأكثر سلامة. د. أحمد درويش مع نجيب محفوظ وفاروق شوشة وآخرين كيف ترى المشهد النقدى الآن؟ ما الذى ينقصه ليكون أكثر حضورا وأشد تأثيرا؟ نحن بحاجة إلى استعادة التوازن الذى كان موجودا فى القرن الماضي، وأن يضع النقاد فى اعتبارهم المتلقي، لأننا فى كثير من المعالجات النقدية لا نرى المتلقي، بل نرى الناقد يتحدث إلى نفسه حول المنابع التى استقى منها نظرياته، ويغفل المتلقى الذى كان عنصرا أساسيا فى عملية الإبداع النقدى عند الجيل الماضي.. جيل الرواد .. العقاد وطه حسين ورواد الثقافة العربية الممتزجة بالثقافة الغربية، الذى حقق كثيرا من التقدم بسبب مخاطبته المتلقي، ونجد ذلك عند جيل شكرى عياد ومصطفى ناصف ولويس عوض والجيل التالى مثل د.الربيعي. هؤلاء تعاملوا مع نص معين بافتراض متلق معين، وهى الفكرة التى تختفى من المشهد النقدى الحالي. هل يمكن أن يكون للبلاغة دور فى إحياء نقد عربى جاد حي.. وكيف؟ بالطبع، خاصة أننا نلاحظ جميعا أننا عندما نقرأ الخطاب البلاغى قبل أن تتجمد البلاغة، نجده خطابا ينطلق من مخاطبة متلق معين.فعبارات عبدالقاهر وغيره تخاطب كثيرا المتلقي، ونجد كثيرا عنده عبارات مثل: إذا نظرت، انظر إلى.. وعلى الناقد أيضا أن يطور البلاغة، لأنها ليست وقفا على الصورة القديمة، بل هى كامنة فى اللغة، سواء فى اللغة القديمة أو المعاصرة، بل كامنة كذلك فى العامية. والناقد الحق هو من يستطيع أن يمسك فكرة البلاغة الحقيقية فى مستوياتها المختلفة، كما كان يفعل يحيى حقى مثلا. من أخطر قضايا الإبداع العربى وأكثرها تأزما قضية القطيعة بين النقد والإبداع.. كيف تراها؟ تمثل ثقافة الناقد اللغوية والأدبية الشخصية مدخلا ضروريا وأساسيا لتناول النص الأدبي، ويؤسفنى أن أقول إن كثيرا من النقاد الذين تلمع أسماؤهم أحيانا لا يغامرون بقراءة نص أدبى شعرى على نحو خاص قراءة جهرية، لأنهم سيجدون أنفسهم أمام مآزق خطيرة فى السيطرة على اللغة وجمالياتها. لا يكفى أن يحيط الناقد ببعض القراءات العامة والايديولوجيات الخاصة والنظريات الفلسفية مع ضرورتها وأهميتها ولكن عليه أن يتعامل مع المادة الخام لصناعته. وهذا قد يفسر قلة الإقبال على نقد الشعر لدى كثير من النقاد، خاصة على نقد شعراء المعانى الدقيقة والإبحار فى أسرار اللغة عند شاعر مثل محمود حسن إسماعيل ونظرائه. قراءة محمود حسن إسماعيل ومثله عفيفى مطر والفيتورى وأمل دنقل تحتاج إلى دراية دقيقة باللغة ونظرياتها وأسرارها. كيف ترى المشهد النقدى فى السنوات الأخيرة وحتى اليوم؟ نحن فى حاجة إلى أن ننعش المشهد النقدى بدءا من إنعاش اللغة، وإنعاش النصوص، والمحاورة الجادة مع ما يقدم إلينا وتخلى النقاد عن روح المجاملة وروح الشللية وتدريب الناس كيف يشاركون فى الحياة العامة والخاصة انطلاقا من إنعاش روح نقدية جادة مثقفة تعمل على تقدم الأمة. ما الذى تختزنه ذاكرة د.درويش من فترة السربون؟ مكثت فى السربون فترة زمنية طيبة، التقيت فيها بالأساتذة المهتمين بالدراسات الشرقية والمهتمين بالنقد الأدبى والفكر. وكان على رأس المستشرقين فى فترتى اندريه ميكيل، وشارل بيلا اللذين جاءا بعد جيل الرواد السابقين بلاشير وجاك بير. ورأيت فى بيلا وميكيل إجلالا كبيرا للثقافة العربية وحرصا عليها واعتزازا بها. يتلقونها من وجهة نظر الثقافة الإنسانية العامة وبعضهم يكتب بها كميكيل الذى كان يكتب الشعر بالعربية. وكان شارل بيلا يقول إنه أفضل من يتكلم العربية بعد الجاحظ، وذلك نوع من الاعتزاز باللغة، تجلى ذلك فى تحقيقهما لروائع التراث العربي، ودرر الحاضر العربي. كان ميكيل هو الأستاذ المباشر لى ، وقد ترجمت عنه كثيرا من دراساته فى كتاب «الاستشراق الفرنسى والأدب العربي» ومن بينها دراسته اللافتة عن نجيب محفوظ. تقنيات الفن الروائى عند نجيب محفوظ»، كما ترجمت الكثير من دراساته عن ألف ليلة وليلة التى كان مهتما بها ودراسته «تقنيات الفن الروائى عند نجيب محفوظ كتبها عام 1963، وكانت أول أو من أوائل الدراسات التى عرّفت المثقف الغربى بقيمة نجيب محفوظ، ومهدت الطريق أمامه للترشح لجائزة نوبل. وكان ميكيل ـ كما أخبرنى آنذاك ـ قد رشح لهيئة جائزة نوبل اسم نجيب محفوظ للفوز بها، وكان ممن لهم حق الترشيح للجائزة . وأذكر أننى كنت حريصا على حضور محاضرات رولان بارت فى مدرسة المعلمين العليا فى باريس. كيف كان منهجك فى كل هذه التراجم؟ منهج التقريب وليس منهج التغريب كما عبر عنه الراحل د .محمد عنانى فيما بعد عند تنظيره للمسألة . كان رأيى أن الترجمة ليست تباهيا، وإنما نقل فائدة، ينبغى أن يسعى المترجم من خلالها لاستيعاب كامل للنص، وإلا نقل لفحواه فى رسالة تحل عند متلقى الترجمة كما حلت الرسالة الأولى عند متلقى الأصل.
بوابة الأهراممنذ 13 ساعاتترفيهبوابة الأهرامبعد 60 عاما من الإبداع.. د.أحمد درويش: أعجز أحيانا عن فهم بعض نقّاد الحداثة!قضى مايقرب من ستين عاما دارسا وأستاذا ومؤلفا ومشرفا على الدارسين إضافة الى الترجمة والتحقيق فى مجالات الأدب ونقده والبلاغة العربية والأوروبية وصلات الأدب العربى بالآداب العالمية قديما وحديثا. تجاوزت مؤلفاته وترجماته الأربعين كتابا، ومن ينسي: «النص والتلقي..حوار مع نقد الحداثة» «بناء لغة الشعر واللغة العليا» «الكلمة والمجهر» «الأدب المقارن..النظرية والتطبيق» «متعة تذوق الشعر»؟ فضلا عن عشرات المقالات المتخصصة أو الموجهة للمثقف العام. إنه الدكتور أحمد درويش صاحب الإسهام اللافت فى الإعلام الثقافى العربى المسموع والمرئى بمئات الحلقات واللقاءات، فضلا عن موقع «الظمأ للمعرفة» المجانى الذى يحتوى على كل مؤلفاته. شارك فى عشرات المؤتمرات العلمية المحلية والإقليمية والدولية، وشغل مواقع رئيسة فى خدمة الأدب والثقافة العامة فى المجلس الأعلى للثقافة والمجلس القومى للترجمة والمجلس الأعلى للجامعات كما شغل مراكز قيادية فى الجامعات المصرية والعربية، ومنها تجربته المديدة فى عُمان التى باتت عصيّة على النسيان. تخرج على يديه أجيال من الدارسين والنقاد والمفكرين فى مصر والعالم العربي. درويش كان أحد الألحان المصرية الثلاثة (هو والراحلان د. حامد طاهر ود.محمد حماسة عبداللطيف) حيث اقترح صلاح عبد الصبور أن يصدر لهم ديوانا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان «ثلاثة ألحان مصرية». لا يمل من تأكيد أننا بحاجة ماسة لثورة شاملة فى تعليم العربية ووضع مناهج لها تناسب العصر، وخاض فى سبيل ذلك ـ ولا يزال ـ معارك كبرى . فى هذا الحوار نبحر مع د.درويش فى الإبداع والنقد والترجمة، وهو إبحار لن يخلو من متعة مؤكدة، وفائدة محققة. حدّثنا عن تجربتك الإبداعية كيف بدأت؟ عن أى شيء عبرت قصائدك الأولي؟ تجربة الإبداع عندى كانت سابقة على تجربة النقد، حيث ولدت فى فترة مبكرة، مع الصبا وحتى الدراسة الثانوية، وجدت أدوات الشعر كما كنت أتصورها: سلامة النطق، سلامة الإيقاع، اكتشاف الإيقاع الخارج، وإصدار الإيقاع المنتظم، فضلا عن الروح المجنحة التى دفعتنى لقراءات كثيرة فى الشعر، كل هذا ظهر فى مرحلة الدراسة الثانوية. كل هذا جعلنى أصدر شعرا يفيض عني، وكنت أراقب سلامته وهو يتشكل. كل هذا تزامن مع فترة الريف والصبا والحب الأول، والفترة القومية.. فترة الستينيات التى امتد فيها المد القومى إلى أبعد مدي، وأشكال الصدام مع الإسرائيليين فى حربى 56 و67. عندما دخلنا الجامعة فى أواسط الستينيات، كانت تعقد مسابقات شعرية فى المجلس الأعلى للفنون والآداب، فضلا عن اهتمام الجامعات بالمواهب الشعرية، وكنا نتقدم بقصائدنا التى حصدت المراكز الأولى، فشجعتنا على الانتظام والمزيد، وأذكر أننا كنا ثلاثة نلتف حول الجوائز: كان معى الراحلان: حامد طاهر ومحمد حماسة عبداللطيف. وكان يوسف السباعى وزيرا للثقافة آنذاك ـ يعجب من ترددنا نحن الثلاثة الى منصات الجوائز المختلفة، وكنا نحضر ندوات الشعر التى تعقد فى دار العلوم، كان يحضرها كبار الشعراء آنذاك، وعلى رأسهم محمود حسن إسماعيل، على الجندي، محمد الفيتوري، صلاح عبدالصبور، أحمد عبدالمعطى حجازي. وأذكر أن صلاح عبدالصبور ـ وكان مسئولا عن هيئة الكتاب ـ اقترح أن نصدر ديوانا مشتركا فى الهيئة، وكان عنوانه «ثلاثة ألحان مصرية» كتب مقدمته أستاذنا الدكتور أحمد هيكل وكان عميدا لدار العلوم ثم وزيرا للثقافة، واستمر عطاؤنا الجماعي، وأصدرنا بعدها ديوان «نافذة فى جدار الصمت» وكتب مقدمته أستاذنا الدكتور محمود الربيعي. بعدها تفرقت بنا السبل فى الإصدارات، وكان لكل منا دواوين مستقلة. وأذكر أننى جمعت حصادى الشعرى المبكر فى ديوان سميته «أفئدة الطير». هل ظلم درويش «الناقد» درويش «الشاعر»؟ أظن ذلك، حيث شغلتنى الدراسة الأكاديمية فى قسم النقد والبلاغة، واستيقظ الحس النقدي، وربما كان هذا من أسباب انحسار الشعر، الذى ظل يحاصرنى وأحاصره، وظل عونا لى فى قراءة الأعمال الإبداعية وممارسة النقد. وماذا عن مسيرتك النقدية.. الثابت والمتحول؟ أصدرت دراسات بعد تخرجى عن الأسلوب بين الدراسات القديمة والحديثة، وكان ذلك فى وقت مبكر جدا عام 1972، وكانت إحدى الدراسات المبكرة جدا التى سعدت لتحليل الأسلوب ودراسة أنماطه.وكنت حريصا على الإفهام، والابتعاد عن جوانب الغموض، والقضايا المبهمة.وكنت أنطلق من النص وأعود إليه، وألتزم بقواعد النقد التى كانت ويقترح أن تكون. وظلت هذه طبيعة فيّ حتى الآن.. أدرس الأشياء دراسة واضحة بقدر ما يمكن أن يكون الوضوح الفني، وأبتعد عن التهويمات التى تحيط بالحديث عن النقد. لاحظت من خلال قراءاتى المتعددة أن فكرة الوضوح والحرص على إيصال الإحساس النقدى للمتلقى تغيب عن الكثير من نقاد هذا الزمان الذين يحرصون على سرد الأسماء الأجنبية التى تحدثت فى الموضوع، وسرد المصطلحات. لا أخفيك أننى أحيانا أجد نفسى عاجزا عن فهم بعض النصوص النقدية بعد قراءتها مرة أو مرتين ، وفى هذه الحالة أتوقف عن اتهام نفسى بعدم الفهم، وأتهم الآخرين الذين لا يصلون لطريقة لتوضيح أفكارهم فالفكرة الأكثر وضوحا هى الأكثر عمقا والأكثر سلامة. د. أحمد درويش مع نجيب محفوظ وفاروق شوشة وآخرين كيف ترى المشهد النقدى الآن؟ ما الذى ينقصه ليكون أكثر حضورا وأشد تأثيرا؟ نحن بحاجة إلى استعادة التوازن الذى كان موجودا فى القرن الماضي، وأن يضع النقاد فى اعتبارهم المتلقي، لأننا فى كثير من المعالجات النقدية لا نرى المتلقي، بل نرى الناقد يتحدث إلى نفسه حول المنابع التى استقى منها نظرياته، ويغفل المتلقى الذى كان عنصرا أساسيا فى عملية الإبداع النقدى عند الجيل الماضي.. جيل الرواد .. العقاد وطه حسين ورواد الثقافة العربية الممتزجة بالثقافة الغربية، الذى حقق كثيرا من التقدم بسبب مخاطبته المتلقي، ونجد ذلك عند جيل شكرى عياد ومصطفى ناصف ولويس عوض والجيل التالى مثل د.الربيعي. هؤلاء تعاملوا مع نص معين بافتراض متلق معين، وهى الفكرة التى تختفى من المشهد النقدى الحالي. هل يمكن أن يكون للبلاغة دور فى إحياء نقد عربى جاد حي.. وكيف؟ بالطبع، خاصة أننا نلاحظ جميعا أننا عندما نقرأ الخطاب البلاغى قبل أن تتجمد البلاغة، نجده خطابا ينطلق من مخاطبة متلق معين.فعبارات عبدالقاهر وغيره تخاطب كثيرا المتلقي، ونجد كثيرا عنده عبارات مثل: إذا نظرت، انظر إلى.. وعلى الناقد أيضا أن يطور البلاغة، لأنها ليست وقفا على الصورة القديمة، بل هى كامنة فى اللغة، سواء فى اللغة القديمة أو المعاصرة، بل كامنة كذلك فى العامية. والناقد الحق هو من يستطيع أن يمسك فكرة البلاغة الحقيقية فى مستوياتها المختلفة، كما كان يفعل يحيى حقى مثلا. من أخطر قضايا الإبداع العربى وأكثرها تأزما قضية القطيعة بين النقد والإبداع.. كيف تراها؟ تمثل ثقافة الناقد اللغوية والأدبية الشخصية مدخلا ضروريا وأساسيا لتناول النص الأدبي، ويؤسفنى أن أقول إن كثيرا من النقاد الذين تلمع أسماؤهم أحيانا لا يغامرون بقراءة نص أدبى شعرى على نحو خاص قراءة جهرية، لأنهم سيجدون أنفسهم أمام مآزق خطيرة فى السيطرة على اللغة وجمالياتها. لا يكفى أن يحيط الناقد ببعض القراءات العامة والايديولوجيات الخاصة والنظريات الفلسفية مع ضرورتها وأهميتها ولكن عليه أن يتعامل مع المادة الخام لصناعته. وهذا قد يفسر قلة الإقبال على نقد الشعر لدى كثير من النقاد، خاصة على نقد شعراء المعانى الدقيقة والإبحار فى أسرار اللغة عند شاعر مثل محمود حسن إسماعيل ونظرائه. قراءة محمود حسن إسماعيل ومثله عفيفى مطر والفيتورى وأمل دنقل تحتاج إلى دراية دقيقة باللغة ونظرياتها وأسرارها. كيف ترى المشهد النقدى فى السنوات الأخيرة وحتى اليوم؟ نحن فى حاجة إلى أن ننعش المشهد النقدى بدءا من إنعاش اللغة، وإنعاش النصوص، والمحاورة الجادة مع ما يقدم إلينا وتخلى النقاد عن روح المجاملة وروح الشللية وتدريب الناس كيف يشاركون فى الحياة العامة والخاصة انطلاقا من إنعاش روح نقدية جادة مثقفة تعمل على تقدم الأمة. ما الذى تختزنه ذاكرة د.درويش من فترة السربون؟ مكثت فى السربون فترة زمنية طيبة، التقيت فيها بالأساتذة المهتمين بالدراسات الشرقية والمهتمين بالنقد الأدبى والفكر. وكان على رأس المستشرقين فى فترتى اندريه ميكيل، وشارل بيلا اللذين جاءا بعد جيل الرواد السابقين بلاشير وجاك بير. ورأيت فى بيلا وميكيل إجلالا كبيرا للثقافة العربية وحرصا عليها واعتزازا بها. يتلقونها من وجهة نظر الثقافة الإنسانية العامة وبعضهم يكتب بها كميكيل الذى كان يكتب الشعر بالعربية. وكان شارل بيلا يقول إنه أفضل من يتكلم العربية بعد الجاحظ، وذلك نوع من الاعتزاز باللغة، تجلى ذلك فى تحقيقهما لروائع التراث العربي، ودرر الحاضر العربي. كان ميكيل هو الأستاذ المباشر لى ، وقد ترجمت عنه كثيرا من دراساته فى كتاب «الاستشراق الفرنسى والأدب العربي» ومن بينها دراسته اللافتة عن نجيب محفوظ. تقنيات الفن الروائى عند نجيب محفوظ»، كما ترجمت الكثير من دراساته عن ألف ليلة وليلة التى كان مهتما بها ودراسته «تقنيات الفن الروائى عند نجيب محفوظ كتبها عام 1963، وكانت أول أو من أوائل الدراسات التى عرّفت المثقف الغربى بقيمة نجيب محفوظ، ومهدت الطريق أمامه للترشح لجائزة نوبل. وكان ميكيل ـ كما أخبرنى آنذاك ـ قد رشح لهيئة جائزة نوبل اسم نجيب محفوظ للفوز بها، وكان ممن لهم حق الترشيح للجائزة . وأذكر أننى كنت حريصا على حضور محاضرات رولان بارت فى مدرسة المعلمين العليا فى باريس. كيف كان منهجك فى كل هذه التراجم؟ منهج التقريب وليس منهج التغريب كما عبر عنه الراحل د .محمد عنانى فيما بعد عند تنظيره للمسألة . كان رأيى أن الترجمة ليست تباهيا، وإنما نقل فائدة، ينبغى أن يسعى المترجم من خلالها لاستيعاب كامل للنص، وإلا نقل لفحواه فى رسالة تحل عند متلقى الترجمة كما حلت الرسالة الأولى عند متلقى الأصل.