منذ 15 ساعات
من العد التنازلي إلى الانفجار: هل أخطؤوا الحساب؟ (1 من 2)
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على إيران يوم الجمعة الماضي مفاجئاً، لأن العقبات التي منعت هذا الهجوم، كما أوضحنا هنا، سابقاً لم تعد قائمة. حلفاء إيران في المنطقة أصبحوا أضعف من أي وقت مضى منذ عقدين من الزمان. إسرائيل أصبحت تمتلك منذ العام 2012 الإمكانيات اللوجستية التي تمكنها من قصف المنشآت النووية الإيرانية. وهي، الآن لديها رئيس في البيت الأبيض جاهز لأن يعطيها ما تريد، مثلما فعل تماماً في ولايته الأولى.
بالإضافة لكل ذلك، هنالك ثلاثة عوامل مهمة دفعت باتجاه الهجوم على إيران: أولاً، إدراك إسرائيل أنه بدون إضعاف إيران الى الحد الأقصى فإن الأخيرة يمكنها إعادة إحياء محور المقاومة وبناء قدراته مُجدداً وإعادة إسرائيل الى مربع ما قبل السابع من أكتوبر. ثانياً، رغبة نتنياهو العارمة في ترميم صورته الشخصية، فهو لا يريد أن يغادر منصبه وفي تاريخه الهزيمة الأكبر التي لحقت بإسرائيل يوم السابع من أكتوبر، ولكن وفي تاريخه أهم إنجاز يُمكن أن يسجل لمسؤول إسرائيلي وهو القضاء على البرنامج النووي الإيراني. ثالثاً، رغبة إسرائيل في السيطرة المطلقة على كامل الشرق الأوسط لتنفيذ مشروعها «السلام عبر الإخضاع». بمعنى: سنأخذ وسنفعل ما نريد في الشرق الأوسط ولن يكون بإمكان أي جهة فيه أن تقول لا، وهذا لا يمكن أن يتم بوجود القوة الإيرانية.
الآن وقد وقع الهجوم بالفعل على إيران، من المهم الإقرار بتورط الولايات المتحدة فيه بثلاث طرق رئيسية: لقد شاركت الولايات المتحدة في عملية التخطيط والتمويه للهجوم؛ لقد قدمت لإسرائيل كل الدعم اللوجستي لتنفيذه؛ وهي الآن تدافع بنشاط عن إسرائيل في مواجهة الرد الإيراني.
ومع ذلك، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إسرائيل على الأرجح لن تحقق أهدافها في تدمير البرنامج النووي الإيراني أو مخزوناته من الصواريخ أو البنية التحتية التي تدعمها، فضلاً عن قدرتها على قلب الشعب الإيراني ضد حكومته. فمنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أتيح لإيران أكثر من عقدين من الزمان للاستعداد لهجوم أميركي ولاحقاً لهجوم إسرائيلي، وقد قامت بتعزيز وتحصين قدراتها النووية والصاروخية بشكل كبير.
لقد تحوّلت النشوة التي شعرت بها إسرائيل بعد اغتيالها لكبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين يوم 13 حزيران إلى خيبة أمل كبيرة بعد الرد الانتقامي الإيراني الذي أدخل كامل الإسرائيليين الى الملاجئ، والذي أحدث دماراً هائلاً في أحياء عديدة في إسرائيل، وبعد أن تبين دقة الصواريخ الإيرانية في استهدافها لمواقع عسكرية وعلمية وبنى تحتية. إن منع إسرائيل في اليوم الرابع من الحرب من نشر أي صور أو فيديوهات عن الأماكن التي تستهدفها الصواريخ الإيرانية يؤكد ذلك.
أولئك المطلعون على الشأن الإيراني يدركون عدة حقائق أساسية: أولاً، إيران لن تخضع لإسرائيل أو للولايات المتحدة؛ ولو كانت مستعدة لذلك، لكانت فعلت ذلك منذ زمن طويل بهدف العقوبات الاقتصادية عنها. ثانياً، في حين أن إسرائيل تبدأ بهجوم كاسح لتحقيق نصر سريع وحاسم، فإن إيران تتدرج في التصعيد عمداً ولا تستخدم كامل قدراتها العسكرية. وأخيراً، ستستخدم إيران كل إمكانياتها حتى لا ترضخ للشروط الأميركية والإسرائيلية لإنهاء الحرب، وستسعى الى إنهائها حين تتوافق الظروف على الأرض مع مصالحها الاستراتيجية.
إيران الآن أكثر توحداً من السابق في أعقاب العدوان الإسرائيلي عليها (الكثير من قوى المعارضة مثلاً التي كانت تتحدث ضد نظام «الملالي» في إيران تطالب هذا النظام بالرد على إسرائيل الآن)، وهذا التوحد بحد ذاته يعزز تصميمها على مواصلة استراتيجيتها بصبر وثبات. وهذا ليس جديداً على إيران حيث شاهدناه في الحرب العراقية الإيراني التي استمرت ثماني سنوات (كان للعراق اليد الطولى في العامين الأول والثاني من الحرب، لكن الوضع تغير ابتداء من العام الثالث).
في المقابل، بدأت إسرائيل بالفعل في طلب المساعدة من الولايات المتحدة، تحت ستار دعوتها لتدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية، مدعية أنها قادرة على إخضاع إيران لوحدها بعد ذلك إذا ما تمكنت أميركا من تدميره.
لكن هذه الدعوة الإسرائيلية مدروسة وهي تهدف إلى جرّ الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى الحرب، إذ تدرك إسرائيل أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها بمفردها. لقد فعلت إسرائيل ما بوسعها لإلحاق الضرر بالبنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية في ضربتها الأولى؛ وفي هذه المرحلة، لم يتبق لها سوى تكرار الهجمات على الأهداف نفسها. وإدراكاً لهذه المحدودية، لجأت إسرائيل—كما فعلت وتفعل في غزة—إلى استهداف المدنيين الإيرانيين مثل تدمير الهلال الأحمر والإذاعة والتلفزيون الإيرانيين.
إيران قادرة على تحمّل تكتيكات إسرائيل العسكرية بفضل مساحتها الجغرافية الواسعة، وتعدادها السكاني الكبير، ومواردها الغنية، والشعور بضرورة استعادتها لكرامتها الوطنية التي امتهنتها إسرائيل في بداية الحرب من خلال قتل قادتها العسكريين وعلمائها النوويين.
لكن السؤال الحقيقي هو: إلى أي مدى تستطيع إسرائيل تحمّل الرد الإيراني؟ إن ضرب البنى التحتية في إيران من المرجح أن تؤدي إلى ردود أقوى من الجانب الايراني.
لكن الأهم من كل ذلك، أن إيران قد وصلت الى قناعة أنه لا يُمكنها حماية نفسها من إسرائيل والولايات المتحدة دون أن تتحول الى دولة نووية، وهو على الأغلب ما ستلجأ اليه إيران إن تمكنت من الخروج من هذه المواجهة مع إسرائيل دون أن يتغير نظامها السياسي.
باختصار، في الوقت الذي ترغب فيه إسرائيل في حسم المعركة بشكل سريع وستستخدم كامل قدراتها وكافة الوسائل، بما في ذلك ضرب المدنيين والبنى التحتية الإيرانية لإخضاعها ودفعها للموافقة على شروطها لوقف إطلاق النار (إنهاء مشروعها النووي والصاروخي)، فإن إيران عازمة على جر إسرائيل لحرب استنزاف طويلة لا قدرة لجبهتها الداخلية على احتمالها، فالحياة بالكامل معطلة داخل إسرائيل، والضربات الصاروخية الإيرانية ستُحدث فرقاً مهماً في تدمير البنى العسكرية والتحتية الإسرائيلية مع الوقت. لذلك، لا فرصة لإسرائيل في حسم المعركة ضد إيران لصالحها دون مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة في هذه الحرب.
الرئيس ترامب، الذي أقنعه نتنياهو بالموافقة على السماح له بمهاجمة إيران بذريعة أن بإمكانها ولوحدها تفكيك البرنامج النووي الإيراني يواجه الآن ضغوطاً شديدة من اللوبي المؤيد لإسرائيل، في حكومته وفي الداخل الأميركي، للتدخل وإنقاذها.