logo
#

أحدث الأخبار مع #«الواتسآب

الخصوصية في زمن «الواتس آب» وهل المحادثات آمنة قانونيا؟
الخصوصية في زمن «الواتس آب» وهل المحادثات آمنة قانونيا؟

صحيفة الشرق

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • صحيفة الشرق

الخصوصية في زمن «الواتس آب» وهل المحادثات آمنة قانونيا؟

639 في زمن لم يعد فيه الهاتف مجرد وسيلة اتصال، بل حقيبة تجمع كل تفاصيل الحياة، تبرز تساؤلات عديدة حول مدى احترام الخصوصية، وبالنظر لبرنامج المراسلات «الواتس آب» الذي صنع ثورة على المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التقليدية، تنعكس مجموعة من المخاوف والضبابية حول مدى حماية القانون لخصوصيتنا في العالم الرقمي. فهل ما نكتبه أو نقوله ونشاركه عبر هذا البرنامج يتمتع فعلا بالحماية واحترام الحياة الخاصة؟ وهل يجد المرء نفسه في جو من الأمان والطمأنينة أمام النصوص القانونية المنظمة لهذا المجال؟ وكيف ينظر القضاء لمحادثات «الواتس آب « عند البت في النزاعات المعروضة عليه؟ معلوم أن برنامج الاتصالات «الواتس آب « تجاوز الحدود الجغرافية والتشريعات الوطنية، لكن مع ذلك يعمل تحت إطار نصوص قانونية وتنظيمية خاصة به، فهو يعتمد على نظام التشفير من الطرف إلى الطرف الآخر، ومبدئيا يبعث هذا الأمر على الشعور باحترام الخصوصية، لأن التشفير يفترض منع أي طرف ثالث من مشاركة المحادثة التي دارت بين أطراف بعينهم، ويفترض كذلك أن الشركة نفسها ليس لديها حق الاطلاع على مضمون أي محادثة أو مكالمة غير أن هذه الحماية التقنية وإن كانت متقدمة وتؤيدها القوانين الدولية المتعلقة بمجال الاتصالات، لا تعني أن محتوى المحادثات محصن قانونا من الإفشاء، أو أنه لا يمكن استخدامه في سياق قضائي إذا ما قام أحد الطرفين بمشاركته مع طرف ثالث. أما بالنسبة للمشرع القطري، وإن لم يكن قد تناول برنامج «الواتس آب» بالتنظيم مباشرة، إلا أنه أحاط الحق في الخصوصية بسياج تشريعي حصين، إذ يعتبر هذا الحق من المبادئ الدستورية الراسخة في النظام، حيث تنص المادة 37 من الدستور الدائم للبلاد على أن حرمة الحياة الخاصة للأشخاص مصونة، ولا يجوز إفشاء الأسرار أو التعرض لها أو التدخل فيها، إلا وفقاً لأحكام القانون. وهذا النص لا يقتصر على الحماية التقليدية لمساكن الأفراد أو أسرارهم الورقية فقط، بل يتجاوز ذلك ليشمل كل أشكال الحياة الرقمية بما في ذلك البيانات الشخصية والمراسلات، ومنها ما يتم تداوله عبر برامج رقمية مثل «الواتس آب». وقد عزز قانون العقوبات هذه الحماية من خلال المادة 333 التي تجرم الأفعال التي تنال من مبدأ الخصوصية. وينطبق هذا الأمر على الأسرار التي يتم تداولها عبر برنامج واتس آب، متى كانت ذات طابع خاص أو شخصي أو مهني. ومن جهة أخرى، يعاقب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 14 لسنة 2014 على أفعال مثل التنصت على المحادثات، أو تسجيل المكالمات، أو اعتراض الرسائل النصية أو الصوتية أو المصورة، أو نشرها دون إذن مسبق من صاحب العلاقة. ويعتبرها جرائم ماسة بالحريات الشخصية تقتضي العقوبة سواء تمت عبر الوسائل التقنية الحديثة أو عبر الوسائل التقليدية. ولا يكتفي القانون بتجريم هذه الأفعال فحسب، بل يعاقب أيضا على مجرد محاولة القيام ببعضها، وهو ما يعكس حرص المشرع على التوسيع في الحماية الوقائية من هذا المنطلق. من جانب آخر يعتبر أكبر تهديد للخصوصية هو موضوع التسجيلات والمكالمات عبر «الواتس آب» لاستخدامها دليلا ضد الآخر. وكما هو الحال في كثير من التشريعات، فإن المشرع القطري كرس مبدأ شرعية الحصول على أي دليل، ومناط ذلك أنه من غير المقبول تسجيل محتوى دار بين أطراف معينة ومشاركته دون إذن مسبق تحت طائلة المساءلة الجنائية. لكن هذه القاعدة في زمن برنامج «الواتس آب «، تخضع لتقدير القاضي بحسب ظروف كل قضية، ومدى توافر المصلحة المشروعة، وغياب الوسائل الأخرى للإثبات، وعلى سبيل المثال، في بعض القضايا المتعلقة بالأسرة مثل دعاوى الطلاق أو النفقة قد يسمح القاضي على سبيل الاستئناس بقبول تسجيل صوتي، إذا رآه ضروريا لإظهار الحقيقة، خاصة إذا لم يكن التسجيل قد تم بنوايا سيئة مسبقة من الطرف الآخر، بل يقدم للمحكمة بهدف إثبات حصول واقعة معينة من عدمه. أما في الدعاوى الجنائية، فالأمر أكثر تقنيا، حيث يشترط لاعتبار التسجيل دليلا أن يكون قد تم الحصول عليه بإذن مسبق، وبما لا يتعارض مع حرمة الحياة الخاصة أو الحريات المكفولة للأشخاص بموجب الدستور. أما في المنازعات التجارية والاستثمارية، وبما أن التقاضي في هذه المجالات يقوم على مبدأ حرية الإثبات، قد يتعامل القضاء أحيانا بمرونة في قبول المحادثات الصوتية أو النصية عبر هذا البرنامج، ويعتبرها قرائن على الوقائع المعروضة أمامه قابلة لإثبات عكسها، بشرط أن تتوافر فيها شروط السلامة والأمن اللازمة مثل وضوحها وعدم التلاعب بها بالتعديل أو الحذف. لكن يبقى السؤال المطروح هل تسجيل مكالمة دون علم الطرف الآخر يعد انتهاكا لخصوصيته أم دفاعا عن حق مشروع؟ والجواب عليه يتوقف على وجود توازن دقيق بين الحق في الخصوصية والحق في الدفاع عن النفس. ومن هنا، يبرز دور القضاء في ترجيح المصلحة الأكثر حاجة للحماية حسب كل حالة معروضة. لكن الأهم من كل ذلك هو نشر الوعي القانوني بين الأفراد بشأن الاستخدام الآمن لبرنامج «الواتس آب»، لأن كثيرا من الأفراد يعتقدون أن مجرد وجود زر بهواتفهم يسمح بتسجيل مكالمة، أو التقاط صورة لمحادثة، أو إرسالها لطرف ثالث، يمنحهم الحق لفعل ذلك. لكن القانون ليس بالضرورة أن يوافق على كل زر أو خاصية تقنية تسمح بها الهواتف. فالتسجيل دون علم الطرف الآخر، حتى لو كان بغرض إثبات واقعة أو تحصين حق، قد يعد في أحيان كثيرة جريمة جنائية، خاصة إذا نتج عن ذلك مساس بالحياة الخاصة أو النيل من السمعة. من هذا الباب وفي ظل التطورات المتسارعة لعالم التقنيات والاتصالات، تبدو الحاجة واضحة إلى مراجعة تشريعية وطنية دقيقة ومستمرة لضمان ملاءمة النصوص القانونية للواقع الرقمي الجديد، فالتشريع القطري ينبغي أن يساير هذه التغيرات للفصل بشكل بمباشر في الإشكالية المجتمعية، لتحديد متى تكون المحادثة الإلكترونية دليلا يجوز استخدامه، وما الشروط الواجب توافرها في التسجيلات والمراسلات لقبولها دليلا قضائيا يمكن بناء حكم قضائي معلل بالاستناد إليه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store